|
||
#1
|
||||
|
||||
مناظرة بين العلم والعقل .
يحكى أنّ في بلادٍ بعيدةٍ ، يحكمها حاكمٌ طاغي ، اجتمّع في سجنِ ضيقِ مُظلمِ ، عالمٌ له من المعارفِ ما شاء الله إلا أن الزمن ومشاكل الحياة وضغوطاتها قد التهمت مساحة عقله وخلفته مجنوناً ، يثرثرُ بما لا يفهمُ من الكلماتِ ، رغم إنه لم يترك كتاباً في مجال من مجالاتِ المعرفةِ المتنوعةِ إلا وغرفَ ملئَ ما يملكُ من سعةِ منه ، ورجلٌ آخر كان جاهلاً ، لم يمسكُ بقلمِ قطْ ، ولم يقرأ طوال حياته حرفاً . وكان كلُ واحد منهم يفكر بطريقة تساعدهما على الخروج من قضبان السجن البغيض ، ولكن لم يستطع إي واحد منهم أن يأتي بالحل المناسب ، فرغم أن العالم قد شحذ ذاكرته ليتذكر كل معلومة قد مرت عليه إلا إنه وقف عاجزا أمام قضبان السجن وشراسة جدرانه ، وبالمقابل طأطأ الجاهل رأسه خيبة بعد كل محاولاته لأن يجد طريقة للهروب فقد أطفأ عقله الأنوار وسدّ في وجهه كل سبيل .
وبعد أن ناما ، وأوت الكائنات جميعها كل إلى خلده ، قفز العلمُ من كيان العالم مترجلا يتأمل السماء من بين القضبان ، ثم تسلل العقل من على رأس الجاهل ووقف إلى جانب العلم يتأمل الفضاء السابح في حب الله . قال العالم : إنني أشرف ما قد خلق الله ، أليس بي شرف الله آدم إذ علمه بادئ ذي بدء الأسماء كلها وبذلك حاز على شرف لم يناله أحد قبله . فصرخ العقل متجهما : وهل كان لآدم أن يعي تلك الأسماء ويستخدمها لو لم أكن حاضرا ؟ بالعقل يا صاحبي ، عُرف الله ، وبه عُمّرت الأرض . ألاح العلم وجهه جانباً وقال بحزم : لولاي يا أخ السجن لم تفضّ خزائن الأسرار ، إن الله يا عزيزي رفع قدر العلماء عالياً إذ وصفهم بأنهم الأكثر خشية له ، العالم وحده من يفهم كيف يسير ملكوت الله في السماوات والأرض؟ فيعي بأنه من تراب وإلى التراب عائد ؛ فيسلك الطريق القويم وبه فقط ينال الأجر الكبير وجنات النعيم . قال العقل بكبرياء : بي يا أيها المأفون نحت الإنسان الأول الصخور ولم يحتاج إلى أسرار الحروف ولا عجائب السطور . فرد عليه العلم سريعا : يتراكض العباد من المهد إلى اللحد لطلب حروفي النفيسة ، يرحلون من بلد إلى بلد يواصلون الليل بالنهار في سبيل تحصيل الكثير مني ، فبي يصبح لهم الشأن الرفيع . رد العقل ساخرا : إذن فلتكرمنا يا ذات المقام الرفيع ، بحل أزمتنا هذه ، إذ نحن في هذه البقعة المشئومة ولا نجد من قاضيٍ عادل يحكم بين رأيينا بالقول الفصل . فانتحى العلم زاوية من السجن وأخذ يقلب الحروف ويبعثر الكلمات والسطور مفتشا عن حل لهذه المصيبة التي أوقعته سوداء الليالي بها ، بينما أسند العقل ظهره إلى باب السجن واخذ يفكر بفكرة تلهمه الخلاص ، وتنصره ؛ ليمتلأ صدره بنشوة التشفي بصاحبه العلم المغرور . وبزغّ الصباح بعد أن حسب كل من العقل والعلم إن الليل لن ينجلي أبداً ، فالكلمات تشابكت بالأفكار ، وأصبح لها لحنُ غريب ، وكان على كل واحد منهما إي العقل والعلم أن يتنازل قليلاً عن أنفته ويقترب من الآخر حتى لا تنقطع الخيوط التي توصل بين كلمات العلم وأفكار العقل . وبعد أن أقترب الاثنان وألتصق كتفيهما ببعض ، صدر صوت لحن جميل ألهمهما الحل الذي كان مع الأسرار دفين ، فسعد الاثنان أيما سعادة وطفقا يهزا جسدا صاحبيهما ،( العالم والجاهل) ، فاستيقظ الاثنان على أهازيج الفرحة وراحا يرقصان إلى جانب العلم والعقل . ثم ومع صياح ديك وزقزقة عصافير ، وقف الأربعة وقد اعتلت إيماءات الحيرة محياهم ، إي شئ منحهم هذا المفتاح العجيب !؟ إلا إن الجاهل لم يتمالك نفسه من شدة الفرح ؛ فانتزع جسده من الذهول وراح يعالج قفل الباب حتى فتحه وفق الطريقة التي رسمها العقل والعلم من قبل ، وإذ هم جميعا بالباب ألفيا غراباً يقف على شجرةِ بلوطٍ كبيرة قال لهم : لولا أنّ العلم والعقل لم يتحدا لما تمكنتما من الخروج ؛ فبالعلمِ يقوّم الإنسان مسيرته ويبني للعقل سلما راقيا يعلو به فوق سائر الكائنات ولذا كان سيدها . بالعقل وحده يا صديقي لن تتحرك خطوة واحدة إلا الأمام ؛ لأن لكل خطوة كلمتها والكلمات أسرارها في صندوق العلم الذي يُكرم بها الباحثين عنها ليل نهار ، وبالعلم وحده يا صديقي لن تقوى على فهم الأسرار الصغيرة التي خرجت من ملكوت الأسرار العظيمة التي لا يعلم بها إلا الله ؛ لتساعدنا على تعمير الأرض وبناء بساتين سعادتنا ، فالجاهل يقف على الرصيف لا يقوى على السير إلى الضفة الأخرى ، والعالم بلا عقل ، لا يُأخذ منه حق ولا باطل ، يخلط الحابل بالنابل ويستوي بذلك مع الجاهل . ثم أنشد الغراب مترنماً : علم العليم وعقل العاقل اختلفا *إي الذي منهما قد احرز الشرفا طار بعدها الغراب بعيداً مصفقا بجناحيه لجمال زرقةِ ترسمها سماء طيبة على حقول السنابل الصفراء ، ومضى الجاهل في طريقه حاملاً عقله بين كفيه ، بينما وقف العالم وعلمه مكتنز في كتبِ كان يجرها بعربة خشبية ، نظر إلى الجاهل وعقله هنيهة من الزمن ثم صاح به : توقف يا صديقي من اليوم وصاعداً أنا وأنت واحد ، إننا معا قادرون على الوصول إلى مدارج الأفلاك وتحطيم كل قيد وأسر تأسرنا به الظلمات ، فابتسم الجاهل ومدّ يده للعالم ، بينما ابتسم العقل للعلم ابتسامة رضا وحُبْ . فالعلم قال : أنا الذي أحرزت غايته *والعقل قال : أنا الرحمن بي عرفا فأفصح العلم إفصاحا وقال له :* بأينا الله في فرقأنه اتصفا؟ فبان للعقل أن العلم سيده *فقبل العقل رأس العلم وانصرفا. بالعقل ها هنا ولدنا عميانا .
العلمُ وحده من منحنا الزيت لآلة إبصارنا و به ...ملكنا فانوس ضياء و به رسمنا الدروب النيّرة فبالعلم يوما قرأنا وبك يا عقل ها هنا نحاول أن نكتب
__________________
لو لم يكن أجمل الألوان أزرقها * لما إختاره الله لوناً لسماواتِ
|
مادة إعلانية
|
#2
|
||||
|
||||
كنت أنتظر ردود الأصدقاء ؛ لأنني للمرة الأولى أكتب مناظرة
؟!
__________________
لو لم يكن أجمل الألوان أزرقها * لما إختاره الله لوناً لسماواتِ
|
#3
|
||||
|
||||
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
أختي الكريمة أشكركي جزيل الشكر على السرد بالرغم أنني مجرد عابر سبيل على القسم ولكن من خلال التمعن أكتشف بأنكي ذات موهبة ومواهب دفينة يجب الأخذ بيدها . فالتحرسكي عناية الله وبالتوفيق.
__________________
"اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " صدق الله العظيم |
|
|
مواضيع مشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | القسم | الردود | آخر مشاركة |
مناظرة شعرية | ارم 99 | السبلة العامة | 739 | 10/08/2010 09:33 PM |
تحدي العلم والعقل: سلسلة أسئلة علمية أرجو الإجابة عليها ! | القعقاع بن عمرو | سبلة الثقافة والفكر | 185 | 17/05/2010 08:48 AM |
مناظرة شعرية | قبس من نور | سبلة الشعر والأدب | 14 | 18/02/2009 01:18 PM |
مناظرة مع كل المذاهب الأسلامية | المعتزلي | السبلة الدينية | 11 | 04/03/2007 11:03 AM |