 |
|
||
|
|
#1
08/11/2010, 05:46 PM
|
||||
|
||||
العجوزان ..
العجوزان ..
لطفولتي في تلك البقعة من أرض الله الواسعة الفسيحة بضع ذكريات .. أردت ُ أن أطلق على تلك الذكريات بالذات اسم يليق بها ولكـن لم أجد لها من الألقاب نصيب .. لعلها ذكريات مؤلمة وثمة غموض يكتنفها ولهذا أفضّل نسيانها بعض الشئ .. بالرغم من أنني لن أنسى الوجهان اللذان رأيت ُ إنعكاس الحياة بأسرها على محياهما .. كانتا عجوزان .. كنت لا أستطيع التفريق بينهما .. لم أعرف قط من هي الأم ومن هي الابنة منهما لشدة شبهما ولشدة تقارب تجاعيد وجهيهما .. كنت طفلة صغيرة , لم تعرف قدماي طريقا ً للمدرسة حينها وكانت جدتي تأمرني بالذهاب عندهما كل مساء عند الساعة الخامسة .. أذهب عندهما .. وأطرقُ الباب وأنتظر برهة من الزمـن .. ثم تفتح لي الباب وتنظر إلي عجوز ببشاشة محيا و ابتسامة لطيفة ومعها تجاعيد زمن غابر .. لصغر سني وقلة فهمي كنت لا ألتفت ُ إلا إلى تلك التجاعيد التي ملأت وجهها .. لم أعتد رؤية مثل وجهها ..! فجدتي كانت عجوز أيضا ً ولكن بعض تلك التجاعيد القاسية ضلت طريقها عن وجهها لذا وجدت ُ صعوبة في المقارنة بينهما ..  كنت أدخل منزلهما الرث , وأنظر للجوار .. ويمتلئ رأسي وفؤادي ببعض الأسئلة الطفولية التي أكاد أقول عنها غباوة أطفال وقلة حيلة وفهم .. ! منزلهما كان كل شيء .. كان غرفة المعيشة , وغرفة نوم و مطبخ .. لقضاء الحاجة .. كان هنالك عند إحدى الزوايا باب لم يفتح قط .. على الأقل أثناء تواجدي عندهما .. وكان هنالك باب ثالث .. أذكر فضولي ورغبتي لفتحه و رؤية ما وراءه ولكن لم أستطع .. كنت ُ أذهب إليهما في ذلك الوقت لقضاء بعض الحاجات لهما .. أتذكر بأنني كنت أجلب لهما زاد وقوت المساء .. كانت العجوز الإبنة تعطيني المال لأشتري خبزا ًوبعض الأحيان حليبا ً .. لا تطلب أكثر أو أقل .. وكانت تقول لي : إشتري شيئا لتأكليه .. وكنت على مضض أقول لها نعم سأفعل .. بالرغم من أن جدتي قد منعتني من ذلك إلا أنني أجد نفسي أوافق ليس من منطق كوني جشعة وأريد الحلوى بل من منطق أنني لا أريد أن أغضبها مني .. كان ذلك سرا ً بيني وبينها .. لم تخبر جدتي قط بأنني أقبل بالنقود من عندها وأشتري لنفسي عصيرا ً أو قطعة حلوى أو ما شابه .. كان لطفا ً منها ألا تفعل .. فأنا أعرف ما بانتظاري إذا ما عرفت جدتي بذلك ..!  كانت عجوز لطيفة رغم الأقاويل التي تهذر همزاً ولمزاً عنهما .. كانت أمها العجوز غاية في اللطف .. لقد كانت من المعمرين في تلك المنطقة .. وقد وصلت لمشارف القرن من عمرها وكانت تتمتع بذاكرة قوية إلا أن قوتها البدنية لم تساعدها على الوقوف أو المشي فكان كل اعتمادها يقع على عاتق ابنتها .. في يوم من الأيام .. ذهبت ُ عندهما .. رحبت بي تلك الجدة وأدخلتني .. قدمت لي حلوى وكعادتها سألتني عن حال جدتي وقالت لي أن أقرئها السلام والتحية .. إبتسمت ُ بخجل لتمتلئ بعدها الضحكة على ثغرها .. وقالت لي : لا تخجلي يا بنيتي فأنا جدتكِ أيضا ً وأمي العجوز جدتك ِ.. قلت لها نعم بخجل شديدين ..  بعد ذلك قالت لي تعالي , أريد أن أريك شيئا ً .. وقفت َ ثم مشت ومشيتُ وراءها .. أدركت ُ بأنها تسعى لذلك الباب الذي لطالما أردت ُ معرفة ما وراءه .. مدت يدها وفتحت الباب ومشينا بضع خطوات و شممت ُ رائحة روث حيوانات .. وأدركت ُ بأن ذلك المكان ما هو إلا زريبة ً للأغنام .. ذهبتَ لجلب إناء ونادتني وقالت تعالي لأعلمك ِ كيف تحلبين الماعز .. قلت لها لا أعرف ! فقالت لي : لا بأس أنظري وتعلمي .. جلست ُ إلى جانبها أنظر إليها .. وأنظر لذلك العزم الذي على محياها .. كانت إحدى النساء الماجدات اللواتي لا يكررهن التاريخ .. قضيت ُ بعض الوقت معها أشاهد وأنظر للأغنام و إليها وأتعجب .. لكل بيت سر .. وكيفما كان السر فهو يكمن في مثل هؤلاء الذوات .. كان ذلك القطيع من الأغنام لا يتعدى العشر في مجمله ولكن أجزم بأنه كان رأس المال الوحيد الذي تمتلك .. كلما ضاقت بها الأيام كانت تبيعها لتكسب منها بضع ريالات وتطعم أمها العجوز ونفسها .. حين انتهت من حلب الماعز قالت لي لنذهب .. وخرجنا من هناك وعدنا حيث تجلس أمها العجوز .. غسلت يدها وأمرتني أن أغسل يداي أيضا ً .. قامت بعدها بوضع الحليب على النار .. وعندما غلى الحليب و فاحت رائحته الزكية في الأرجاء سكبت لي منه في كوب ٍ حديدي صدئ .. وسكبت لنفسها ولوالدتها .. وشربنا جميعا حليب ماعز دافئ ولذيذ ..  بعدما رحلنا من تلك القرية بفترة من الزمن .. مرضت العجوز الأم وزادت أسقامها و توفيت بعد صراع مع أسقام الشيخوخة والكبر .. تألمت ُ كثيرا ً عندما علمت ُ بموتها .. وظلت تلك العجوز الأبنة تجول بخاطري .. أتذكر معها بعض اللحظات الجميلة واللطيفة وحليب الماعز اللذيذ الطعم والرائحة .. عاشت سنوات عديدة بعد وفاة والدتها .. وقيل بأنها في نهاية أيامها كانت لا تحبذ الخروج من المنزل قط .. وحتى عندما توفيت لم يشعر أحد ٌ بموتها إلا حين طرقوا باب منزلها العتيق ولم تجب فعرفوا بأن هنالك خطب ما .. فكسروا الباب و وجدوها متوفاة و قد فاضت روحها إلى بارئها .. تذكرتهما فأحببت ُ أن أكتب عنهما .......... من الجميل أن نعطي الآخرون فرصة لنفهمهم ونفهم محاور حياتهم المختلفة .. وليس الحكم على الآخرين يأتي من موضع القيمة الاجتماعية للفرد وهذا لا يعد حكما ً نحتكم إلى أمره في كل حين .. هنالك أغوار النفس العميقة وجب علينا سبرها ومعرفة اتساع رقعها.. رحمة الله عليكما أيتها العجوزان .....
__________________
... Madness is a blessing ... Un dessein si funeste, S'il n'est digne d'Atrée, est digne de Thyeste |
|
مادة إعلانية
|
|
#2
08/11/2010, 05:52 PM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
لو كانت الدنيا تدوم لاهلها لكان رسول الله حيا وباقيا لكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقي الذنوب والمعاصي كما هي ..
اللهم يرحم المسلمين والمسلمات .. بارك الله فيك .. |
|
#3
08/11/2010, 05:59 PM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
مرحبا ً بك أخي MOLY
صدقت فيما قلت .. بارك الله فيك .. ولنا في الماضي ذكرى الأولون ..
__________________
... Madness is a blessing ... Un dessein si funeste, S'il n'est digne d'Atrée, est digne de Thyeste |
|
#5
08/11/2010, 06:05 PM
|
||||
|
||||
|
بارك الله فيك ..
__________________
جـــــاهلي..] يحسب كلامي فيه من ضرب الغرور... عــــــارفي..] يعرف إني لا مشيت أمشي ملك.... لأجــلك . .ولأجـــل يومك |
|
#6
08/11/2010, 06:07 PM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
جزيل تقديري وامتناني العميق
__________________
... Madness is a blessing ... Un dessein si funeste, S'il n'est digne d'Atrée, est digne de Thyeste |
|
#7
08/11/2010, 06:11 PM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
وبارك فيك
__________________
... Madness is a blessing ... Un dessein si funeste, S'il n'est digne d'Atrée, est digne de Thyeste |
|
#10
08/11/2010, 06:33 PM
|
||||
|
||||
|
سرد جميل وذكريات جميله.. تذكرت عجوز قالت لي تعال معي رحت معها ..قالت ما رأيك أن نحتفل معا ..قلت تم ..بعد فجأه أخرجت من الثلاجه كأسين وغرشه من الحجم الكبير ..قلت لها ماهذا؟ قالت نبيذا ..هل تحب النبيذا؟ قلت لها مع السلامه لا وقت لدي للأحتفال
|
|
#11
08/11/2010, 06:33 PM
|
||||
|
||||
|
مساء الخير اختي الكريمه
سأعود لاحقا للتعقيب فقط حجز مقعد امامي قبل الزحمه 
__________________
|
|
#12
08/11/2010, 06:58 PM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
شكرا ً جزيلا ً أختي وبارك الله فيك ِ
__________________
... Madness is a blessing ... Un dessein si funeste, S'il n'est digne d'Atrée, est digne de Thyeste |
|
#13
08/11/2010, 07:00 PM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
أنار الله لك طريقك بالحكمة والمعرفة أخي الكريم ..
جزاك الله خيرا ً
__________________
... Madness is a blessing ... Un dessein si funeste, S'il n'est digne d'Atrée, est digne de Thyeste |
|
#14
08/11/2010, 08:38 PM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
أهلا ً بك َ لورانس العرب
نعم بالفعل ذكريات جميلة .. وموقف عجيب ذلك الذي وقعت َ فيه .. ! وجبت الحيطة والحذر في كل حين أخي الكريم ..  شكرا ً لـقرائتك
__________________
... Madness is a blessing ... Un dessein si funeste, S'il n'est digne d'Atrée, est digne de Thyeste |
|
#15
08/11/2010, 09:18 PM
|
|||
|
|||
|
بجوانب قلوبنا توجد نقاط سوداء وبيضاء
الطيبه يمكن ان تزرع من قبل اهلنا وايضا الزمن والكره يزرعه ايضا المجتمع والمحيط الخارجي . نفتقد للتكافل الاجتماعي في حياتنا ومصيرنا متعلق برساله نصيه " جمعه مبارك" او " عيد مبارك" جميله جدا تلك الذكريات وجميل ايضا الافتخار بها والبوح عنها بدون خجل فقد عرفنا عنك الكثير من بين حيثيات طرحك الجميل. أفتقدت العجوز لامها وابتعد الكثيرين عنها فآثرت الذهاب ال امها لكي تكون معها. قصه جميله جدا وتعبير راقي واسلوب طيب بارك الله فيك. تحياتي..
__________________
When you love your enemy is when he feels of his emptiness pourquoi tu fait comme ca avec mois
|
|
#16
08/11/2010, 10:03 PM
|
||||
|
||||
|
يبقى لذكريات مكان خاص في قلوبنا و عقولنا...
نتذكرها دائما بحلوووها و مررها.... الحياه اول كان لها طعم ثاني... ما اتذكر ان الناس يخافوا على اولادهم مثل هالايام... نتصالح ونتضارب لأننا أطفال و اهلنا مالهم دخل في اي شي.... بس تبقى ذكريات و لها طعم ثاني... أما الأيام فالحياه تغيرت... الجار ما يعرف عن جاره و الكل يشتكي من الظروف.... صارت الحياه مثل الوجبات السريعه.... بس انا اتذكر ان في بيت كان في بداية حارتنا يسكن فيه اثنين شايب و زوجته العجوز"الله يرحمهم" أيام البرد يحطوا نار برع ونحنا مارين نوقف نحط يدينا عشان نحس بالدفئ.... و سبحان الله توفيوا في نفس اليوم بسبب البرد الله يرحمهم |
|
#17
09/11/2010, 11:06 AM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
أهلا ً بك غوغائي
ملك الإيجابية في العامة بإنتظار العودة و المكان خال ٍ والمقاعد لا زالت كثيرة فلا تقلق
__________________
... Madness is a blessing ... Un dessein si funeste, S'il n'est digne d'Atrée, est digne de Thyeste |
|
#18
09/11/2010, 11:18 AM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
أهلا ً بك أستاذي الكريم RONG
شرفني حضورك في هذه الصفحة بالذات , فهي تعني لي الكثير .. كما ذكرت سيدي نفتقد التكافل الإجتماعي وصلة الرحم أيضا ً فهما كالظفر واللحم .. لا فرق بينهما .. والطيبة والكره منبعهما ذات الأطراف الأسرية والمجتمعية .. ومصيرنا في كل هذا التناقض .. مجهول .. فقد يحدث لنا غدا ً ما كرهنا رؤيته بالإمس ولم نغير فيه شيئا ً .. ! رحمة الله عليهما وعلى موتى المسلمين جميعا ً .. أشكر لك تواجدك وأسعدتني حروفك المتلاْلئة الراقية .. رعاك المولى وحفظك بعنايته
__________________
... Madness is a blessing ... Un dessein si funeste, S'il n'est digne d'Atrée, est digne de Thyeste |
|
#19
09/11/2010, 02:31 PM
|
||||
|
||||
|
اشكرك على هذا الموضوع
__________________
 ما تمنيتك لانك كنت ابعد من خيالي وما خطر في بالي أني ممكن أوصلك |
|
#20
10/11/2010, 09:17 AM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
أهلا ً بك ِ أختي أميره عربيه
سرني تواجدك هنا .. بالفعل أختي أشياء كثيرة تغيرت والأهم بأن الناس تغيروا .. ولم يعد للتكافل الإجتماعي مكان في قلوب الناس .. ولا للرحمة زاوية في تلك القلوب .. رحمة الله على كل من رحل وعلى ذلك الزمان الذي رحل 
__________________
... Madness is a blessing ... Un dessein si funeste, S'il n'est digne d'Atrée, est digne de Thyeste |
|
#21
10/11/2010, 09:19 AM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
شكرا ً لك على القراءة
__________________
... Madness is a blessing ... Un dessein si funeste, S'il n'est digne d'Atrée, est digne de Thyeste |
|
#23
10/11/2010, 05:34 PM
|
||||
|
||||
|
اقتباس:
استمعت بالقصه حقيقه حاولت أعصر مخي واتذكر قصص على نفس مغزى قصتك ولكن مخي (جيم)وعيا يتذكر شي يمكن العمر له دور بس رسالتك وصلت اختي الفاضلة وصوتك وصل عيدك مبارك قبل الزحمه
__________________
|
|
|
النمط الخطي
