سبلة عمان
سبلة عُمان أرشيف سبلة العرب وصلات البحث

العودة   سبلة عمان » السبلة الثقافية » أرشيف السبلة الثقافية » سبلة الشعر والأدب

ملاحظات \ آخر الأخبار

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع أنماط العرض
  #31  
قديم 06/07/2010, 06:52 PM
جابر الرواحي جابر الرواحي غير متصل حالياً
كاتب وشاعر
 
تاريخ الانضمام: 28/01/2008
الإقامة: عمان.... وطني
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,365
افتراضي "قرنان" لعهود المكتومي

كانت أمي تقول لي "أنته لو ما سعيد راعي الغنم كان انته في رحمة الله" ربما لأنه هو من دلهم عليّ.. وجدوني في كهف بعد مرور يومين ولم أكن أدرك ما حولي، أنظر بعيني في الفراغ ولا أدري ماذا كان الذي مضى؟ هل هو حلم أنه حقيقة؟
هكذا أتوجع وأنا أسافر بذاكرتي إلى ما قبل ذلك إلى ما هو مؤلم، مؤلم إلى حد اعتصار القلب وموت الإحساس، هي نفس الذاكرة التي تعيد نفسها وتضج في عوالمي وتتجمع حول رأسي وتتركني في زاوية بعيدة، أفترش قاعدتها بنفسي، أنظر إلى كل شي أبعاده ثلاثية من زاويتي تلك. فقدت نفسي عندما سقطت مدني في يدهم واحتلوا تفكيري واستوطنوا ذاتي. أصبح الخوف والرعشة لا يفارقاني حتى أرتكن وأعود مرة أخرى إلى زاويتي البعيدة..

أسأل جدتي:
"جدوه ليش تقولي ما زين تلعبوا ف الليل؟
ترد: لأن النهار حال حد والليل حال حد!
بدأت العبارة تشغل ذهني والتفكير يلازمني بدأ الليل ينشر ظلامه المتوحش، وبدأت أتساءل: هل حقا في هذه الدنيا أناس يعيشون الليل وتفاصيله، وأناس يعيشون النهار وتفاصيله أيضا؟!
العبارة إياها ما تزال تزورني كلما قررت الذهاب إلى بيت الجيران ليلا، وتوجع رأسي إلى حد الغثيان وأنا أسير في السكة الصغيرة والمظلمة، وعبارة الجدة المخيفة التي قالوا عنها ساحرة وجنية تدق في رأسي وتحفر أفكار ومسارات غريبة..
كانت تخيف أولاد الجيران عندما يتجمعون أمام غرفتها الصغيرة وتطلق الأصوات ثم ترميهم بالحجارة ثم تخرج لهم فجأة لينطلقوا خوفا منها وهم يتصايحون... الساحرة... الساحرة...الساحرة........
لكنها جدة طيبة وتحبني كثيرا، لم أكن أصدق أبدا ولكن كانت تحدثني عن قصصها المخيفة وكانت تقول:"تراهم يأخذوا صوتك قبل عن يجوك عشان ما تصرخ وحد يسمعك"
أفكار جدتي أصبحت تخيم على رأسي وحكايتها تأخذني دوما إلى حيث لا أحد إلى تلك الزاوية نفسها. لم أكن أعرف ما هو السبب الذي يدفعني إلى ذلك الوادي والذي يقودني إليه بدون حواس ودون معرفة وأنا نائم أدمنت تلك العادة أصبحت أشغل تفكير الجميع
المشي ليلا مرعب حقا وبالأخص إلى ذلك الوادي، الذي منذ زيارتي الأولى له وأنا أصحو الصباح لأسقط أرضا وأنهض على صوت المطوع الشيخ حمد الذي كان يمسك رأسي وأنا أرتعش وهو يتلو القرآن. سمعت أمي مع جارتها وهي تقول: "حسبي الله عليهم يسحبوه نص الليل حال (وادي الجن) وإلا هذا الطفل موه عرفه يروح هناك" عرفت حينها أنها تقصدني ووادي الجن هو الوادي الذي أزوره كل ليلة بدون علم وإرادة.
هي عادتي لم تتغير أبدا: الوحدة والعزلة والخوف أبعدتني كلها عن من هم حولي حتى أصبحت مثل جدتي. كان أطفال الحارة يرفضون اللعب معي ويتهامسون: انته صحيح لابسنك جني؟ أصبحت أخاف من نفسي، عندما أتذكر أسئلتهم وخوفهم ونظراتهم وهم يحدقون فيّ
أصبحت أعود مرة إلى زاويتي وتأخذ الأفكار تتلبسني والدنيا تدور حولي وأنا في منتصف هذا العالم الذي أصبح مخيفا، مخيفا وينفر مني! متعبة هي نفسي التي أصبحت تود الفرار مني وترفض كل شيء..
وفجأة تذكرت: هي العجوز، الحنطاوية تحمل تجاعيد كالخرائط على وجهها، رأيتها ذلك اليوم عندما توفى بن عمي سعيد، رأيتها ودفعني الفضول، ودفعتني سذاجتي لأسألها: "حبوه انتي ليش فيك قرون؟" فتحت عينها المتوسعة وانحنت وقالت لي (إذا خبرت حد انك شفت في قرون يا ويلك، وأنت ليش تجئ ذا المكان وهو ما مكانك؟
منذ تلك اللحظة وأنا أرتعش. تفاصيلها ومعالم وجهها إلى الآن في مخيلتي أراها بوضوح تام إلى الآن وأنا تضج في رأسي أصوات أناس كثير لا أعرف ماذا يقولون، وملامح لوجوه لا أعرفها منذ تلك اللحظة وأنا أبحث عن نفسي وعن كل شي مفقود حولي..
عندها قررت أمي أن (تخلع عني) أخذتني إلى غرفتها وكانت تحمل صحنا كبيرا يوجد فيه فنجان لا أتذكر ما بداخله وبعض وريقات من الياس وحلوى عمانية وقطعة لحم كبيرة.. سألت بسذاجة كعادتي :" هذا كله حال من؟؟ ردت علي أمي.."بتجي أم عبيد تخلع عنك "...
ضج السؤال الثاني في فمي ولم يطيق الاحتباس "ومن طالبنها"؟؟
قالت أمي بعصبية: أنت نام ع فراشك ولا تسأل؟؟..
ثم غطتني أمي بشال أخضر وعندما جاءت أم عبيد أخذت الصحن لتطوف به على جسدي وهي تقول: "هذه الهدية عن فلان ود فلانه شلو أذاكم عنه وإذا كان حالكم خذوه وإذا ماحالكم ردوه"... ثم أخذت الصحن وطافت به على بيتنا من دون أن تكلم أحدا ووضعته خلف المنزل. قالت أمي بعد أن خرجت أم عبيد:"ما أريد أسمع صوتك روح الغرفة نام بسرعه ولا تكثر أسئلة، أنته وحدك شيطان ما اعرف مو يريدولك بعدهم"
أخذت أجر نفسي بخطوات بطيئة وبأقدام ثقيلة. لم أشعر بنفسي حينها وإلا وأنا أمشي في واد كبير وحولي أشباه بشر ووجوه خفية اختفت تفاصيلها. أخذت أمشي وسط هذا الفوج الكبير حتى وصلت إلى تجمع كبير ورأيت وسطهم تلك العجوز نفسها تتراقص وفي أقدامها سلاسل قوية وسمعت أصوات الطبول وأنا أقترب منها وأزاحم. هي "أم القرون" العجوز نفسها، متأكد منها تلك الحنطاوية مقوسة الظهر الطويلة نوعا ما، حملتني إلى المقدمة وأخذت تجرني وحولنا تلك المخلوقات التي لا أتذكر تفاصيل وجوههم وصلنا إلى ألجبل قريب الوادي وهي ما زالت تجر سلاسلها وحولها الطبول والأصوات المرعبة، أدخلتني في كهف صغير أعلى الجبل وقيدت قدمي بسلاسل قوية وسرقت صوتي وخنقت الكلمات في لساني. تذكرتها عندما قالت "يسرقوا صوتك"

واليوم، ما زالت "أم القرون" تكتب نفسها في أوراقي ومذكراتي، وتعيدني إلى ذلك اليوم، إلى تلك اللحظة التي انطلق فيها سؤالي بريئا: ليش انت عندك قرون في راسك؟
__________________
القصيدة: هي الحبل السري الذي يمد الحقيقة بالخيال
  مادة إعلانية
  #32  
قديم 06/07/2010, 06:53 PM
جابر الرواحي جابر الرواحي غير متصل حالياً
كاتب وشاعر
 
تاريخ الانضمام: 28/01/2008
الإقامة: عمان.... وطني
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,365
افتراضي "هاتف ولعنتان" لعائشة المعمري

- " هذا المَساء مثخنٌ للغاية ، لم أعد أحتملُ تَمددَ البَرد كـظل، وأَنكمشُ لسببٍ تافهٍ كفراقه، ياه ، لم تَعدْ سِيجارةٌ وَاحدة كافية لاستحضارِ الدفء كعادتي القديمة "

وَضعتْ القلمَ ، ونَهضْت مِن سَريرها الذي لَم يَحتمل جُلوسَها المُثقل بالذنوبِ عَليه، فَوحده الذي أنصتَ لكلِ خِيانَاتِهَا المُتكررة، وتَشَرب بين أسفنجهِ المُهتَرئ في ساعاتٍ مُتَأخرةٍ من الليل كُل أَحَادِيثِها الرَخيصة فِي الهَاتف، مع أشخاصٍ مُختلفي الأَفكَار والرُتبِ والمكانة الاجتماعية، ولكنهم يَتشابهون حَتماً في هدفِ اتصالهِم بها .
... سَريعاً مَا تُطفئْ سِيجارتِها لتَتَخلصُ مِنها فَور سَماعِها صوتَ جَرسِ المنزل، تَرميها في المِرحاض، وتُلقي عَليها لعنتين قبلَ أَن تَبتَلعها المِياه، تَهرعُ لإشعالِ فحمةٍ صِناعيةٍ تَضعها في المبخرِ الذي أَهداها زوجُها المُتوفَى حِينما عَاد من صلالة قبل بضعةِ أعوام، وتضعُ اللبانَ فيه، ثم تَفتحُ النَافذةَ لتطردَ مَا تَبقى مِن رَائحة السَجائِرِ، بِهذه الطَريقةُ تَضمنُ عَدمَ معرفةِ أَي كَائِن بشري بَأمرِ التدخين إلا طِفْلِها الذي لا يَفقهُ مِن تمازجِ هَذا الدُخَان شَيئاً، سوى أَنه هُو السَبب الرَئِيسِي لاخْتِنَاقِه.

تتجه بتثاقلٍ نَحو البَاب، تُحدق فِي ثَقبه، تَرى وجهَ صَديقتِها العَابسِ يظهر بهيئةٍ أَكثر تبرماً هَذه المرة، تَتذكرُ أَنها قَد اقْتَرضَت مِنها مَبلغاً كَبيراً قَبل أسبوعٍ، فَمن المُؤكدِ أَنها قادمةٌ لاسترجاعِه، كَعادتها لا تَنْتَظِر طَويلاً بِما أَنَ الأمرَ يَتعلقُ بالمال، ولكن "حميدة" لا تَملك إلى الآن سِوى وُعودِ مُحْدِثيها الليلين بالمالِ ولم يصلْهَا شيئاً بَعد.

تَعودُ إلى غُرفتها مُخْتنقةً وحَانقةً من رَثاثةٍ حَالها وقَذَارتِه، "هَكذا الضَمير فِي دَواخلنِا، دَائماً مَا يَكون خَارج التَغطية، وعند شعورنا بالضعفِ، نَظنُ أَننَا مَظلومون في هذه الحياة، فنُعمِلُ الضَمائرَ لِصالحنَا وكَأننا مَغفورٌ لَنا مَهمَا أَذنَبنَا". حَميدة لا تُطيلُ التَفكير في إيجادِ الحلول، لأنها لا تفكر في مَدى صواب الحَلِ ونتيجته مستقبلاً، مَا يَهم أَن يَكونَ حَلاً يعود بنَتائجٍ سريعة ومثمرة فِي الوَقت نَفسه.

لا زَال جَرسُ البيتِ يَرنُ، وفِي نَوبةِ الصَخَب هَذه ، تَتَصلُ عَلى صَاحبِ أَغنَى رَقم مِن مَجْمُوعَة "مزبلة" فِي هَاتفها، تَتَهيأُ لمُحَادَثتِه كَسَافرةٍ، وتَرمي بِنفسِها عَلى السَرير، وبعد أَن يَرد عليها، لا تَبتدئُ المُكالمةَ بِتَحَايَانَا التي اعْتَدنَا عَليها أَو أَي كَلمةٍ أُخرى، بَل تُطْلقُ أَولَ تَأوهَاتِهَا بِطَريقَتِهَا المُعتَادة فِي الحَديثِ مَع أَرقامِ المَجموعة ذَاتها، لَكنَ الصَوت الذي جَاءَها مِن بَعيد لَم يكُن صَوت أَبو سُليمان صاحبَ الفُندق، ولا صَوت نعيمة المُسترجِلة التِي تَعرفْت عَليها فِي النَادي الصِحي قَبل شَهر أو أكثر، ولم يكن صَوتَ مَاجد المُراهق الذي سَرقَت رَقمَه مِن إحدى المواقع الإلكترونية حِينما أغْرَتها صُورته الجَذابة، لم يَكن صَوتَ أَي واحدٍ آخر مِن المَجموعة تِلك على اعتِبار أَنْهَا اختَارت رَقماً أخرا غَير رَقم أَبو سُليمان بِالخَطَأ، كَان الصَوتُ مألوفاً جداً بالنِسبةِ لَها، ولَكنه كَـالصَاعِقَةِ التِي انْفَجَرَت فِي أُذنِها، فَتَصلبَتْ أَطرافُها كَمنَ أُصيبَ بجلطةٍ دماغيةٍ فَجأة ، الصَوتُ هو ذَاتهُ الذي فَارَقَتْهُ قَبل ثَلاثةِ أَعوامٍ مِن الآن ، لَم يَزِدْ عَليها بِأَكثرِ مِن كلمةٍ واحدةٍ فَقَط :
- " خائنة " .
وَصَدى الكَلمةِ يَتردَدُ في المدى والأرجاء، الصَوتُ ذاته هُو صوتُ زَوجِها المُتَوفَى في كَارثة "جونو"، قَفزَ فِي وَجْهِهَا ولا تَدري مِن أَين أَتى، أَخذَ يَلفُ يَديه حَولَ رقبتِها كإلتِفَافَةِ ثُعبان ، ويَصرخ بِصوتٍ أَعلى من قَبل " خَائنة "، وَطِفلها الذي يَرقد بعلى مسافةِ مِترين مِنها، يَكبرُ فَجأَة ويَمشي باتِزَانٍ مُهيب ويَحملُ فِي يَدهِ حَفنةً مِن الحَشراتِ الغَريبة، يَنْثرهَا على وَجهِهَا وَيَنْطقُ كَمن يَفقهُ كُل شَيء : " أنتِ وحدكِ مَن قَتَلْتِ أبي ..." !
تَصرخُ : - " لا ، لَم أقْتلُه ، لم أقتله ، صَدقني لَقد مَاتَ غَرقاً " .
وتظل تصرخُ كطنينٍ لا يَهدَئ ، وُبكاءُ طِفلها الذي لا يَزال فِي سَريره يَستيقظُ عَلى صُراخِها.

هَدَأت قَليلاً وتَأكَدت بِأَن مَا حَدث لَيس إِلا كَابوساً زَال سَريعاً، تَحسَسَتْ رَقَبتَها بحذرٍ شديد، لَم يكُن ثعبانٍ هُناك ولا حشرات، هَرعَت مجددا إِلى الخَارج كـالبَرق ، لَم تَجد سيارةَ زَوجِها، عَادَتْ تَلهَث إِلى طِفلِها الذي أَوهَنَهُ البُكاء، لَم تَقوى عَلى حَملِه أَو مُداعَبته أو حَتى الابتِسَام فِي وَجهِه ليَسكُت، تَركته يَبكي وَجَلسَتْ مُتكورةً، تَسندُ ظَهرهَا إلى خَشبةِ السَرير وَتَغرزُ رَأسَها فِي صَدرِها الفَارغَ مِن كُلِ شيء والمَليء بِكلِ شَيء فِي الوَقت ذَاته، وتَبكي بِحُرقَة ، رَفَعَتْ رَأسَهَا بِإرَادةٍ، وَأمسَكَتْ بِهَاتِفِهَا وحَاولت الاِتصال عَلى رَقم زَوجِها كَتَصرفٍ يُعَبرُ عَن الفِكرةِ الطَائشةِ الأُولَى لأي كَائنٍ يُمكن أَن يَرفعَ رَأسَهُ بَعد بُكاءٍ طَويل، لَم تَكن تَودُ الاعتِذَار مِنه وَلا التَبرير لَه عَن كُل خِيانَاتِها التي لَن تَجد لَها مُبرراً حَتماً، رُبَما كَانت تَود أَن تَتَأكدَ إِنْ كَان حَقاً قَد مَات.
- " عَفواً ، تَعذرَ الحُصول عَلى المُشتَركِ المَطلوب .. "
تَستمرُ فِي الاستِمَاعِ إلى صوتِ المُجيبِ الآلي، وَذهنها شاردٌ إلى مَا هُو أَبعد، "هَكذا نَحن حِينَما نَغرقُ فِي التَفكيرِ نَفقدُ قُدرتَنا عَلى السَمعِ أو الرُؤية؛ لأن مَن نَسمعهُ أًو نراهُ فِي أَذهانِنَا يَأخذنا إلى مَا هُو أبعدُ مِن أَبعادِنَا القَريبة والحَقيقية".
وَيَأتي صَوتٌ مِن بَعيد : ( قَادمٌ إليكِ يَا خَا... )
تَرتَعدُ مِن جديد ، تُغلقُ الهَاتفَ سَريعاً قَبل أَن يُنهي هَذا الصَوت جُملته.
- " كَيف للأموات وَهُم فِي القَبرِ يُجيبون عَلى هَواتِفِهم، ويَتَحدثون بِألسنةٍ طَويلة، لا يَرحموننا نَحن مَن نَعيشُ فِي قَبرٍ أَضيق".

هَكذا أَصبحَتْ تُثرثرُ دَائماً كُلما بَاغتَها كَابوسُ زوجِها وصَوتِه باللفظة المتكررة " خَائِنَة "،
ظَلَت كَمن لا رُوح لَه، فَقدت قُدرتَها عَلى الحَركة، غدت مَسلوبةَ العَقلِ، وشَبحُ الصَوتِ "خائنة" يَنهشُ تَفكيرَها وَجَسدَها النَحيلَ تِباعَاً، لَم تبقْ إلا فِكرةً واحدةً، فِكرة واحدة فقط .
احتضنَتْ طفلَها بِشغفٍ لأولِ وآخر مَره بِطريقةٍ كَتلك، وهَاتفت أُمها فِي سَاعةٍ مُتأخرةٍ مِن الليلِ دُون أَن تَنتبه لِفارقِ التَوقيت، وكَتبَتْ رِسالةً نصيةً قصيرةً أَرسلَتْها إلى جَميعِ الأرقام في قائمة "مزبلة " قَالت فِيها :
"سَأموت، لا أريدُ مَالاً هَذه المرة ولا مَوعِداً فِي سَاعةٍ مُتأخرةٍ من الليل، كُل مَا أرجوه أَن تَمسحوا صُوري مِن هَواتفكم، وتَجعلوني أَنام بسلام .. وَدَاعاً " .
ابتلعَت حَبات المُخدر الذَي كَانت تَدسه لزَوجِها بِطرقٍ مُتَعددة قَبل أَعوامٍ قليلةٍ مِن الآن ، ابتلعَتْ العُلبةَ كاملةً، ووضَعت طِفلها إلى جَانبها ، لَيس بِبعيدٍ هَذه المَرة، وفَتحَتْ دَفترَ خَواطِرهَا العَريق عَلى صَفحتِه الأَخيرة بِطريقةٍ وَاضحة، وَتمددت بِطَريقتها الاسْتِثنَائية، ثُم نامت.
__________________
القصيدة: هي الحبل السري الذي يمد الحقيقة بالخيال
  #33  
قديم 06/07/2010, 06:54 PM
جابر الرواحي جابر الرواحي غير متصل حالياً
كاتب وشاعر
 
تاريخ الانضمام: 28/01/2008
الإقامة: عمان.... وطني
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,365
افتراضي "قصاصات وطن" لينا الخصيبي

كان صوت الماء المنبعث من الأعلى قد بدأ يتسرب في الشقوق التي أخذت تنخر صفحة الحائط نخر السوس في الجسم، لم تكن تلك النافذة المشرعة على زاوية من الغرفة تمدها ببعض من الأشعة التي قد تساعدها على الاستنشاق، الأشياء مبعثرة على الأرض، ملابس ... قصاصات ورق .. كومة من الكتب المكدّسة على الزاوية، سمعت بضع طرقات على الباب، نهضت بتثاقل والنعاس يداعب عينيها المتعبتين، الطرقات تتواصل وهي لم تنبس ببنت شفه، وضعت عود يدها المتعب على مقبض الباب فإذا هو خال من أي أحد، أقفلت الباب بضيق يغمرها، رأت رسالة ملقاة على الأرض، مزقت غلافها وأخذت تقرأ ما جاء في السطور... في كل مرة نفس الحكاية ... نفس الموضوع ، لم يتغير عن عادته ... نظرت إلى الصورة المعلقة على جدار الحائط فلم تجد فيها إلا شجرة وارفة في نهاية طريق تمتطيه عربة يقودها حصان بني اللون ، كانت في كل مرة تواجهها هذه الصورة ، تساءلت في نفسها مرارا عن سبب تعلق عينيها بهذه الصورة .. عن سبب انجذابها إليها .

ذات مرة اصطدمت قدماها بطاولة موجودة بالقرب من النافذة ... آلمها ذلك الاصطدام كثيرا ، سخرت منها قصاصات الورق المتناثرة على الأرض مما أثار غضبها ، ولكن تلك القصاصات استمرت بالضحك والسخرية منها " أنت لست إلا قصاصة ورق مثلنا ، لا .. بل أقل منا قليلا .. ها ها ها " استمرت بالضحك والضحك وهي تقول : " أيتها البلهاوات ابتعدن عني، انظرن إلى أشكالكن القبيحة .. انظرن كيف أصبح حالكن بعدما مرّغت بيدي هاتين شكلكن الحقيقي ، جعلتُ منكن أوراقا مقطعة لا تنفع بشيء " وابتسمت ابتسامة توحي بالنصر والانتقام ، لكن ذلك لم يزد تلك القصاصات إلا ضحكا أكثر بل جعلت كل واحدة منهن تهمس إلى الأخرى حتى قالت واحدة منهن : " ألم تدري أنك أنت البلهاء ، بل أنت بلهاء وحمقاء أيضا ، ماذا أسميك أكثر من ذلك ؟ هيا .. هيا أعطيني كلمات أخرى أطلقها عليك ، أتعرفين لماذا ؟ سأجيب عنك لا تفكري بالإجابة كثيرا ، فالإجابة سهلة حتى أن الحمقاوات أمثالك لا يعرفن الإجابة عنها ، سأقول لك : نحن لم نجعل من أنفسنا هذا الذي تقولينه عنا ، لم نصنع أنفسنا بأنفسنا بل أنت من فعل ذلك بنا ، أما أنت بيديك وبعقلك الأحمق جعلت من نفسك كذلك ، إليك المرآة انظري إليها لتتأكدي أكثر إن كنت لا تصدقين ... ها ها ها ، والتفّت حولها تلك القصاصات حتى أصابها الدوران فسقطت على الأرض .

أطلقت صرخة فزع لما رأت ، عيناها ممتلئتان دهشة ورعبا : " ما هذا ... حمدا لله أنه كان مجرد حلم ... " تحسست أجزاء جسدها بدقة ... كل شيء في مكانه ، نظرت إلى الصورة فإذا هي ما زالت في مكانها الذي كانت عليه لم تتغير، أجالت ببصرها أرجاء الغرفة ، وقعت عيناها على قصاصات الورق فإذا هي مركونة على الأرض .

لينا الخصيبي

نهضت من جلستها متجهة إلى المرآة ، تفقدت وجهها فإذا به قد أصابه الذبول والاصفرار ... سواد يلفُّ عينيها المتعبتين ... بضع تجاعيد قد خطها الزمن عليها ...
أتاها صوت من بعيد ... " ماذا فعلت بنفسي .. ها هو الزمن يمضي وأنا على حالي هذه ، ولكن .... لا أستطيع .. لا أستطيع .. " .
" لا بل أنا أستطيع تغيير حالي .. نعم أستطيع فعل ذلك .. ".
خرجت من الغرفة تاركة كآبتها الحزينة ، مشت إلى اللاشيء وهي لا تدري إلى أين ...

هاهو العقرب يمشي زاحفا باتجاه اليمين شيئا فشيئا ، ملتهما بعضا من دقائق الزمن ، وكلما أشبع بطنه الخاوي مكملا ستين فريسة أعلن انتصاره بجدارة على تفوقه ، ولكنه لا يكتفي بتلك الستين بل يمضي في طريقه ملتهما ستين أخرى ...
وحينما أعلن الليل فناء ربع من أهله عادت هي أدراجها إلى البيت ، كل شيء في مكانه والصورة في مكانها وهي كذلك لم تأت بشيء جديد ...

جلست على حافة الكرسي ، فتحت الرسالة التي وضعتها على الطاولة ، أعادت قراءة أسطرها ، ودمعتان تتأرجحان بصعوبة في مقلتيها...
" إليك عزيزتي ...
أكتب بعض هذه الكلمات وقد حمّلتها رهان صلح ومودة بيننا ... أقول لك على لسان هذه الكلمات التي تفوح شذى وعطرا ممزوجة بكل الصدق الذي أكنه إليك ... أكتب وأخطّ بيدي هاتين اللتين لم تعرفا الكذب مذ عرَفَتك:
أنا ما زلتُ كما أنا .. كما عهدتني عليه ، سأبقى بجانبك مهما حصل ومهما ابتعدت عني ... لأني أعرفك جيدا وتعرفينني جيدا وهذه الكلمات خير شهيد على ما يكنه كل واحد منا للآخر...
لا تنسي أياما خوالي قد مضت من عمر قد ولى وذهب ولكنه حمل بين أحضانه سعادة مزهرة ... نعم فقد كانت سعادة مزهرة منزهة عن أي شك أيا كان نوعه ...
لن أكثر بالقول ، لا لشيء وإنما لأنك على علم بكل ما أقوله ، وما بعثت هذه الرسالة إلا من باب التودد ، وها أنذا أترك سطرا خاليا من الكلمات ؛ لأنه لا تقال فيه الكلمات وإن قيلت فلن تسعها...
سطرا ممزوجا بالمشاعر والذكريات ... " .
أغلقت الرسالة بوهن وشتى أفكار ومشاعر تختلط في ذهنها.

سمعت صوت الباب يُفتح ، فإذا شقيقها يطل عليها ، جلس قبالتها ، بدا كلاهما صامتان .. وما هي إلا دقائق حتى بدت شفتاه تنبسان عما بداخلهما ..
" الحياة لن تمنحنا أكثر مما نشتهي بل ربما قد تمنحنا منها ما تشتهيه هي دون أدنى اكتراث لرغباتنا ... " وسكت هنيهة ، ثم تابع حديثه :

لينا الخصيبي

" إن لم نشحذ سواعدنا عن ذاكرتنا التي غدت أشبه بمسافر أنهكه الإعياء والتعب لقتلتنا الوحوش ولنهشت عظامنا دبابير العدو ...
لم أعهد هذا منك من قبل على ما أعهده منك اليوم ، فلتعودي لسابق عهد أُلف منك وما زال لم يغادرك ؛ لأنه يقينا ما زال بداخلك، وأنت قادرة على التغلب عما يعتريك الآن من وهن وضعف أمام كواسح أعدائك الذين يترصدون بك الوقوع على حافة الهاوية ...
أثق بك كثيرا ؛ لأنك جديرة بذلك ، فأنت مكمن كل شخص أفقدته الهوية طابعها فلم يجد ملاذا له إلا الرجوع إلى هويته ... أثق بك ... " .
قام من جلسته ، وغادر الغرفة مخلفا وراءه هيكل جسم متين بدت كلماته بالنخر فيه ...

تحركت قصاصات الورق باتجاهها ساخرة منها مرة أخرى ، أصبحت أكثر إثارة هذه المرة ، لم يزد غضبها وقلقها إلا سخرية وقهقهة متعالية أكثر وأكثر...
" ها ها ها ما زلت كما أنت ، أرأيت ؟ ألم نقل لك من قبل ، تستحقين ذلك .. انتقاما لما فعلته بنا ، ها ها ورقة مع قصاصات ورق ... ها ها ها ... " .
انتفضت من رعبها لما رأت ، القصاصات مرة أخرى ، يجب أن أتخلص منها ...
جمعت تلك القصاصات وألقت بها من النافذة " تبا لك فلتذهبي بعيدا عني ، لن أكون مثلك أبدا ، وسترين " .

فتحت تلك الرسالة .. الرسالة السابقة .. وكتبت : " عزيزي .. أكتب أنا ها هنا في رسالتك نفسها وفي سطرك الذي تركته ليفيض فكرا وشعورا ...
كما قلت .. لن أنسى تلك الأيام ولم أنسها قبلا ، فأنا كما عهدتني عليه سأظل شامخة قوية لن تعتريني هزات الأرض التي تثيرها زلازل عدو مترصد متلصص، وأنت ستبقى وفيا كما قلت بجانبي أعرف ذلك .. لأنك جزء مني لا يمكن فصله ألبتة ...
لا تقل لي بأني تعديت حدود رسالتك ولم أكتفِ بالسطر الذي وهبتني إياه ، بل تعديته إلى حواشي رسالتك ، ولكن.. فعلت ذلك ؛ لأنه هكذا يجب ، فأنا لن أظل مقيدة بحدود تكبلني ، سأخطو .. وأنت ستساعدني على ذلك ؛ لأنك جزء مني ومن ذاكرتي ... ".

أقفلت الرسالة بعد أن بصمتها بأناملها ، رفعت رأسها فإذا الصورة المعلقة تواجهها مرة أخرى ولكن بدا بعض تغيير على غير ما كانت عليه ، كأنها في حلم .. نهضت لتتأكد من ذلك فإذا عربة الحصان بدأت تقترب من تلك الشجرة الوارفة بأوراقها المتربعة ، تلفتت يمينا وشمالا من هول الصدمة ، وإذا صدمة أخرى ... اقتربت من المرآة .. فإذا تجاعيدها قد اختفت ، وإذا بنور يلف ذبولا واصفرارا كان من قبل...
__________________
القصيدة: هي الحبل السري الذي يمد الحقيقة بالخيال
  #34  
قديم 06/07/2010, 06:56 PM
جابر الرواحي جابر الرواحي غير متصل حالياً
كاتب وشاعر
 
تاريخ الانضمام: 28/01/2008
الإقامة: عمان.... وطني
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,365
افتراضي "شاورما بيضاء" للمياء الحراصي

ذات صباح كسول كانت آثــار على موعد مع قدر غريب، فقد نهضت تشتهي سيجارة،

بدأت الرغبة تتفاقم حتى أسرعت إلى أقرب متجر وابتاعتها متجاهلة نظرة البائع المتعجبة إليها.

بعد أيام من التدخين المفرط بدأت تسعل بقوة شديدة... فاختلاط دخان التبغ بالبخور المركز الذي تبخر به الغرفة ليخنق رائحة التدخين بدأ يخنقها!

* * * * *

في خضمّ استعدادها للعمل في الصباح التالي صارت ترغب في احتساء الجعة... في الحقيقة لم تنجز مهمة واحدة من مهامها المتكاثرة.. كانت تفكر فقط في كيفية الحصول عليها... كان اليوم مرّاً وطويلاً.. تتنهد " أريد العودة للبيت كي أحتسي الجعة."

* * * * *

في الشارع تلاحقها ومضات استرجاعية لمكان ما يكتظ بالناس متعددي الجنسيات..إنحرفت فجأة بمقود السيارة وعبرت شارع لا تعرفه ثم انعطفت يميناً باتجاه فندق لم تره من قبل, أوقفت السيارة ورفعت طرف شيلتها على وجهها ومضت مباشرةً إلى البار وهناك وأمام دهشة بعض الرواد أشترت كمية من الجعة ثم مضت ..

في البيت ظلت تنظر إلى العلب في حيرة, سألت نفسها مراراً هل ينبغي حقاً أن تتبع رغبتها في إحتساء ما بها من مشروب أم تقاوم تلك الرغبة؟ في الأخير حشرتها جميعاً في الثلاجة الموجودة في غرفتها ثم أغلقت بابها واستندت إليه.

ظلَّ رأسها يدور وهي تدور، أحلامها تدور، نفسها تدور وكيانها برمته تدور، فتراتيل ألمها تقتص من ذاتها لا تعلم ما العمل، كيف توقف دوران كينونتها حول كل ما يسيء إليها ويرسلها للهاوية، تسأل نفسها بحنق: لمَ أفعل هذا بنفسي؟!... لمَ أشتتها وأضحك منها؟ ألأنتقم منها لعدم استحقاقها حياة ثانية؟!


تطرق أمها الباب لموعد العشاء.. تنهض مخدرة إلى الحمام ، ترش وجهها بماء بارد قبل أن تذهب لغرفة الطعام حيث يلتف أخوتها السبعة على المائدة، تتخذ مكاناً بالقرب من والدها كما تعودت منذ طلاقها وتحدج زوجة أخيها الكبير بنظرة غريبة، تحاول أن تنفض رأسها من ذكريات قديمة وتنظر إلى العشاء باستنكار، تكتشف فجأة بأن نفسها تهفو لتناول "الكويك ميلز" و"الشاورما"، ولم تعد تشتهي الأطباق المنزلية التي لطالما شغفت بتناولها.

لآحظ الجميع بأنها ما إن جلست على الطاولة حتى مدت يدها إلى الطعام قبل أن يمد والدها يده!، ابتسم لها كعادته لكنه لم يستطع حجب تلك النظرة المندهشة التي بانت واضحةً من زجاج نظارته, فيما حدجتها أمها باستنكار.

في الأيام التالية, تغيرت أغلب طباعها وأكتسبت طباع وعادات جديدة.. ها هي الآن تدخن سراً و تشاهد أفلام الأكشن والرعب رغم ماضٍ حقود عليها، وها هي تذهب للسينما وتتابع جديد الافلام بشغـف وها هي تشاكس أبويها وتصرخ في وجوه إخوانها, كما كرهت سيارتها المرسيدس، وصارت تتشوق إلى قيادة الموستانغ أو أية سيارة رياضية أخرى!.

* * * * *

لا عجب أن تبكي خلف شباكها السماء; فهي التي وئد حلمها مرتين, الأولى حين منعت من الجري مع الصغار وفي الحدائق وعلى شاطئ البحر لأنها ولدت بقلب ضعيف يخاف والديها من توقفه لأدنى جهد, والثانية حين تخلى عنها زوجها بعد أن تدهورت صحتها وبقيت حبيسة المستشفيات العامة والخاصة لعامٍ كامل قبل أن يجدوا لقلبها متبرعاً متعللاً بحاجته إلى أطفال أصحاء يملؤون بيته صراخاً وشقاوة،...حاولت أن تلتصق بخاصرة الدنيا بلا جدوى فرفضها لها مستمر!

لم تنم تلك الليلة، ظلت تبكي بحرقة طوال الليل حتى الفجر، برغم أنها قد غطت نفسها بالكامل إستجلاباً النوم.

في تالي الأيام, ظلت تحلم برجل بلا ملامح يقف فوق رأسها وينثر طحيناً أبيضَ على كامل فراشها وجسدها العاري، لم تكن مقيدة ولكنها لم تستطع الحراك مطلقاً!


تكرر الحلم مرة أخرى خلال ذات الأسبوع.. قررت تجاهله لغرابته، ظنت أنها أضغاث أحلام، لكن بعد أربعة أيام هاجمها كابوس آخر، استيقظت على لسعة قوية مفاجئة لترى مسحوقا أسودا يلطخ غطاء سريرها الزهري, ورائحة دخان ما تزال تنتشر في الغرفة و تخنق الهواء النقي.

* * * * *

كادت تجن بسبب ذلك الحلم المكرور وانعزلت عن أهلها الذين قلقوا عليها بشدة بعدما أصبحت تتناول الطعام وحيده بعد موعده, وعندما حاولت والدتها و زوجة أخيها فهم الهواجس التي تعتريها منعتهما بحزم،لم لا تفهمان؟؟ صمتا تريد،بياضا تريد, فظلت محصورة بأحاديثها الذاتية, لأنها لم تعد تأبه للهفة الآخرين عليها, كانت هادئة وسادرة في الصمت.

ذات ليلة, أدركها النعاس فغفت قليلاً فرأت ذاك الرجل يجلس إلى جوارها, استطاعت أن تتبين ملامحه وأدهشتها نظرته الرقيقة والمسالمة, لكنه فجأة أمسك بفكها وسكب الكثير من الطحين الأبيض في جوفها.

من هو هذا الرجل؟
لا تعرفه......لم تلتقه قط!
دائما ما تجرحها الذاكرة !
منذ ذلك اليوم قررت أن تترك قياد نفسها المتعبة بالمطلق ولا تفعل شيئاً عدا أن تتبع الأحاديث التي تعتمل في خلايا دماغها, مشت بسيارتها في أزقة لم تكن معهودة لها, قابلت أناس عبروا أحلامها قبل أن تلتقيهم في الواقع, فعلت كل شيء أمرها به صوتها الداخلي.

في يوم حار أفاقت في ساعة متأخرة على وخزة من الوجع تنبىء بألم خفيف في صدرها ولكنه أفزعها نظرا لتاريخها المرضي..مسحت وجهها وتدريجيا بدأت تنسلخ عن الواقع حين تذكرت أنها في حلمها راهنت جراحها على بعضها وانكبت على شاورما بيضاء تنهل منها حتى أنهتها حتى أدمنت الصمت والدخان وتلك البودرة المدبسة بتذكرة سعادة مجانية..
استلقت شبه واعية بابتسامة عابثة في دنيا جميلة تلونها البالونات الحمراء والصفراء ..وأمنيات خضراء تعبث في حقول زرقاء ..حتى السماء كانت ملونة والأرض بيضاء كجزر عذراء..!
هناك في تلك الأرض قابلت فتاة تدعى منى.,!

بالرغم من أنها تلاشت سريعا ألا أنها لم تجد صعوبة في الإستدلال على عنوان بيتها, فلقد كان بتفاصيله الدقيقة محفوراً في عقلها الذي فقدت السيطرة على بوصلة أفكاره!!

* * * * *

في الصباح نزلت من سيارتها وتقدّمت بارتباك من الباب, فتحت لها امرأة سوداء فحيتها باسمها ففغرت الأخيرة فمها دهشه, سألت عن منى وقبل أن تجيب الخادمة بأي شيء دخلت إلى غرفة المعيشة وجلست على الأريكة البيضاء تنتظر.

رحبت منى بزائرتها الغريبة, مدت يدها مصافحة لكن تلقفتها الأخرى بالأحضان والقبلات والدموع, إرتبكت من هذه الزائرة, أبعدتها عن جسدها بقوة وكادت أن تطردها, لكن آثــار رجتها أن تصبر عليها وتتركها تتحدث.

أخذت آثــار تخبر منى عن ذلك الشاب الذي يزورها في المنام ويسكب طحيناً أبيض في فمها, عن الأشياء التي لم تكن تحبها وأصبحت تدمنها, عن الجعة وأفلام الأكشن والسجائر وعشقها الطارئ لها واستدلالها لعنوانها بدون إرشاد .

ظلت منى مشدوهة لما تسمع, وضعت رأسها بين يديها وهي تنصت لأسرار لم يكن أحد سوى حبيبها سامر يعرفها عنها, تحملت أن تصغي طويلاً للأوقات الحميمة التي جمعتها بسامر تنساب على لسان آثــار دفعةً واحدة!!

كان ذلك فوق احتمالها, كادت تجن عندما أخبرتها آثــار بلهفتها المفاجئة لأن تشاطرها أكل شاورما ملفوفة بورق السوليفان وبداخلها مسحوق أبيض, استعادت من فورها ذكرى ذلك اليوم الذي اصطحبها فيه حبيبها المتوفى سامر إلى مقهى منعزل في أقصى المدينة وطلب ساندوتشان وألح عليها بتذوق أحدهمها بينما كان يلتهم الآخر بولع, و كيف أنه جعلها تدمن فيما بعد على ذلك النوع من الطعام حتى جاء اليوم الذي صارحها فيه بأنها قد باتت أسيرة مثله للمخدرات!, لم تعد راغبه بسماع المزيد, قاطعت استرسال آثــار بإشارة من يدها ودفعتها دفعاً إلى الباب, حين غدت آثــار خارجاً شعرت بأنها هي الأخرى ستفقد ما تبقى لها من عقل, هرعت إلى مستشفى الأمراض النفسية, قابلت الطبيب الذي أبدى تشككه ودهشته وحيرته, وحين طلب منها أن تحكي له عن قصتها كاملة, أستطاع أن يلتقط خيطاً يقوده إلى الفهم!.

تحدثت آثــار عن خضوعها منذ أشهر لعملية نقل قلب من شخص متوفي, طرح الطبيب فرضاً أن الذي أنتقل إلى آثــار ليس فقط ذلك القلب بل كل المعتقدات والأحاسيس والأحلام والرؤى والقناعات والذكريات التي تخص ذلك القلب, أخبر آثــار أن تلك هي فرضيه علمية لم تزل قيد الدراسة وليس باستطاعته أن يبني عليها حقيقة مؤكدة!!. وحيث أنه ليس هناك دليل يقطع تماماً بتلك النظريات ويعطي تفسيراً منطقياً لما يحدث معها, فإنه ينبغي لها أن تزوره مراراً ليوجدا وسيلة تمكنها من التعايش مع مشكلتها التي ستلازمها طويلاً.
* * * * *

بعد أن خرجت آثــار من عنده, كانت الأسئلة قد وجدت حلولها ولم تعد معنية بالعودة إليه, لقد غدت الدنيا بلا طعم ولا رائحة خارج أفق رجل ميت لم تعرفه, أدركت أنها لم تعد هي هي وأن الناس لن تقبلها كما هي عليه الآن.
أخيراً, برق في ذهنها يقين بأن الحياة محالة برغبات ممنوعة لرجل كانت لديه فيوض من الحرية لا تقدر هي عليها,تمنت لو بإمكانها أن تعود طاهرة تعلق ضفيرتين كسولتين على ظهر الطفولة ،ولكن حدود الدمع والألم يمنعانها..
يجب أن تنقذ نفسها من طوفان الأم وتلك الرغبة الحارقة بشم تلك البودرة البيضاء لتهدئ صراخ دمها المؤكسد.. بكت طويلاً ونظرت إلى السماء حيث يراها الرب من علياءه, ذرفت دموعاً تتوسل المغفرة, قبل أن تنحرف بسيارتها !!
__________________
القصيدة: هي الحبل السري الذي يمد الحقيقة بالخيال
  #35  
قديم 06/07/2010, 06:57 PM
جابر الرواحي جابر الرواحي غير متصل حالياً
كاتب وشاعر
 
تاريخ الانضمام: 28/01/2008
الإقامة: عمان.... وطني
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,365
افتراضي "شال" لنوف السعيدي

يعود منهكا من الأشياء التي يشغل بها نفسه محاولا التهرب من ذكراها. حتى الآن لم يعتد غيابها. يتساءل أحيانا كيف تركها تخرج تلك الليلة. يفكر بأنه جدير بالحصول على فرصة أخرى، لولا أن الأوان قد فات.
ماذا لو اتصل بها الآن وأخبرها كم يحبها؟ ماذا لو قالت له أنها تحبه أيضا، وكانت تود الرجوع إليه لولا أنها كانت خائفة جدا؟ لكن ماذا لو اتصل وسمع صوت رجل آخر؟ يا للسماء ما كل هذا العذاب!
يترك المنزل كالعادة ويخرج لإحراق همومة بعلبة من السجائر.. يفكر أنه ليس من العدل أن ينام الناس فيما هو يتلوى ألما. بشيء من الخوف تناول حجرا بحجم كفه، رفع يده إلى أعلى ومدها للخلف ورمى الحجر بأقصى قوته. حين سمع صوت تحطم نافذة البيت الذي كان يلوح هدؤه المقيت برعب أمام عينيه المخنوقتين، شعر بالذهول، ثم بابتهاج عارم.
ما هي إلا لحظات حتى اضيئت كل أنوار المنزل، ودب الهلع في سكانه، عاد خطوتين للخلف ببطء شديد، ثم أسرع لمنزله وما إن أغلق الباب خلفه حتى انفجر ضاحكا، وانكب على السرير في نوبة هستيرية من المرح، أخذ يضحك حتى امتلأت عيونه دمعا. قرب الوسادة الملفوفة بوشاح أحمر من وجهه وانفجر في نوبة من البكاء المر إلى أن نام.
×××
كان يملأ نهاره بالأعمال، ويحرص على أن لا يعود للبيت قبل منتصف الليل حين يكون الإنهاك قد أكل منه كل شيء ولم يعد من مجال إلا للنوم.
خرج من العمل، ذهب للبحر ومشط الشاطئ مرارا. خرج مع أصحابه للتسلي بمطاردة الفتيات في المركز التجاري، تعشى عشاء ثقيلا في مطعم يمني. ثم عاد باسما للبيت، وكما توقع تماما فقد باغته النوم حتى قبل أن يتمكن من الاختباء تحت الغطاء.
×××
يشعر الآن بجسد حار يلتصق به من الخلف ويد بيضاء غضة تطوقه لتستقر على صدره في هدوء، ثم تصعد اليد ببطء حتى تصل فمه، وحين تصل الأصابع الصغيرة إلى الشفة الرطبة يقوم فزعا من نومه، يدرك أنها ليست بجانبه، يخرج إلى الشارع مهرولا، يمشي بسرعة في الدرب المظلم، وكأنه يهرب من وجهها. يمشي بجنون ثم يتعثر بعصا ملقاة في الطريق .. ينفجر غاضبا يمسك بها ويضرب عمود الإنارة المعطل ثم يصرخ حين يشعر بارتداد الضربة في يده، فيزداد غضبا. يلمح شابا مخمورا يتجول بتثاقل فيجري نحوه. ينهال عليه ضاربا وراكلا. ضربه على ظهره ولطمة على وجهه، يسقط على الأرض والدم يخرج من فمه، يصرخ : "ما بك يا مخبول؟ ماذا فعلت بك" يمسكه من ياقته ويرفعه : " لا تتكلم معي أيها السكير القذر " ، يتناول العصا ثانية ويستمر بضربه، والشاب يصرخ ، ثم يبدأ صراخه بالتحول إلى أنين، ثم يصمت تماما، فيتركه ، ويعود للبيت.
×××
في الصباح كان هناك شرطيان على بابه، فتح لهما وأخبراه أنه مطلوب للتحقيق في قضية مقتل شاب الليلة الماضية، طلب منهما خمس دقائق ليستعد لمرافقتهما، أغلق الباب ولم يخرج بعدها. حين كسروا الباب وجدوه معلقا في السقف وقد لف عنقه بشال نسائي أحمر!
__________________
القصيدة: هي الحبل السري الذي يمد الحقيقة بالخيال
  #36  
قديم 06/07/2010, 06:58 PM
جابر الرواحي جابر الرواحي غير متصل حالياً
كاتب وشاعر
 
تاريخ الانضمام: 28/01/2008
الإقامة: عمان.... وطني
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,365
افتراضي "الفخ" لهلال السعيدي

إنها نهايات أغسطس الحارقة، والبيادر تمتليء بثمار النخيل والقمح. حصدَ الناس ثمار ما زرعوه خلال سنة كاملة، لم ينقص نشاطهم وحيويتهم يوماً، في ذلك الوقت أيضًا حصد عبدُاللهِ قبول الجامعةِ به.
كان سرور عبدالله عظيماً عندما وصلتْ قريبه رسالة على هاتفه النقال أن عبدالله تم قبوله في جامعة صحار، ليدرس الهندسة. حصد عبدالله مجهود دراسته لاثنتي عشر سنة. ها هو يستريح من الارهاق المستمر، فقد مل من الترحال يومياً لمدرسة المتعارشة البعيدة. اعتاد وأبناء جيرانه انتظار سيارة النقل في الصباح الباكر جداً. ولأن الصباح هو صباح الحلاحل فقد كان متطرفاً جداً في درجة حرارته، ووقت شروق الشمس. فحينما يكون فصل الشتاء تنخفضُ درجة الحرارة لتقارب الخمس درجات سيليزية، ويكون عليهم النهوض قبل طلوع الغسق، في تلك الأجواء الباردة. أما حينما يكون الفصلُ صيفاً فتشرقُ الشمسُ قبيل الرابعة فجراً وتلتهبُ الأرضُ الصخرية بحدود السادسة.
وما فجر معاناة عبدالله هو استمرارية الزراعة، استمرارية الضخ، أو استمرارية الاستثمار، وهي كلمة سيدركُها عبدالله لاحقاً أثناء دراسته في الجامعة. استمرارية الزراعة لمدة اثنتي عشر سنة ولد نوعاً من الضجر لدى عبدالله، فبسبب فطرته الزراعية اعتاد حصد ثمار ما يزرعه في كل صيف. لكن أن يستمر الزرعُ والضخُ في الدراسة لمدة اثنتي عشر سنة فقد صار من صفاته الجلد والاستماتة في انتظار حصاد زرعه.
حينما أزف أوان نزول عبدالله من الجبل، طلع على جبل قريب يحيطُ بالحلاحل ليحيطها بنظره. يبدو أنه يتأملها، أو يستردُ بعض ذكرياته فيها. قد كان يخرجُ بالماشية للرعي في بعض الأيام حينما يكون الهندي مشغولاً. يخرجُ بعيد طلوع أشعة الشمس إلى الحلاحل، وينشقُ نسمات الهواء التي تزدادُ اعتدالاً كلما تقدمَ الوقتُ. فينزلُ بها مع الوادي حتى يشارفُ الخروج من حدود الحلاحل. إنه يذكرُ أيضًا طلوعه أشجار النخيل في أوقات القيظ، ليقطع عذوق الرطب. لم يرَ عبدالله فرقاً بين سُكان الحلاحل والنخيل. فالسكان يتماهون في طبيعة النخيل، أو أن النخيل منح طبيعته للسكان، فكانوا طوالاً شامخين يانعين. في تلك اللحظة التي راح عبدالله يتأمل فيها، كان يقتربُ من الاعتدال، فقد دمغته الحلاحلُ بطابعها.
لم تكن زيارته الأولى لصحار، حينما وصلها عبدالله ذلك اليوم. زارها كثيراً من قبل، وزار أقربائه بها. لكنه يدركُ أن هذه المرة لن تكون زيارة عابرة كما كانت دوماً، إنه استقرار لأمد قد يطول. لقد هيأ عبدالله نفسه للمكوث في صحار مدة طويلة حينما دخل الجامعة للمرة الأولى.
أمطرته الجامعة بالإجراءات الورقية والإدارية التي تخصُ الجامعة، والكلية، والخطة الدراسية، والمقررات التي سيبتديءُ بها. لقد استغرق ذلك عبدالله الأيام الخمسة من الأسبوع التمهيدي. وفي المساء كان يبحثُ عن شقة للسكن أو طلاب يبحثون عن شخص آخر يساعدهمُ في دفع الإيجار الشهري. إلا أنه لن ينسى سوء الفهم الذي حصل في بدء الأسبوع التعريفي حينما سجل في استمارة جامعية مجيباً عن مكان سُكناه بالحلاحل. أرجعت له الموظفة الاستمارة متجهمة:
وين ذي الحلاحل بعد؟
الحلاحل فوق، فوق. هكذا أراد أن يجيب. أحس بتيار كهربائي يسري في جسده. شعر بلسعة تنهشُ ذاته، والتفت ليرى عقرباً ضخماً يتلونُ بالأخضر والأصفر، يحيطُ به ويقربُ مقراضه الأيمن منه بينما الأيسر يستعد لضربة أخرى مميتة عقب الأولى. وجاءته اللسعة الأولى. أجال عبدالله نظره حواليه، ثم فعل ذلك مجدداً. إنه مبنىً كبير جداً، مملوءٌ بمن يتشحون بالسواد والبياض. سواد وبياض. ونظر أمامه فرأى موظفة متجهمة، وتذكر أنها تنتظر جوابه.
الحلاحل فوق.. في الجبل.
تابعة لأي ولاية يعني؟ صحم؟ صحار؟ عبري؟ جهنم؟
وجاءته الضربة الثانية. إنه مجردُ تابع حقير لصحار. مجهول، ليس بذي وزن. حقول القمح والشعير، النخيل الطوال، وأفلاج وادي الحلتي، الأرض الرحبة، السماء الواسعة، وتلك الجبال الشامخة التي تناطح السحاب ليست سوى نكرة لهذه الموظفة.
تلك الموظفة القميئة الجالسة على كرسي دوار لم تتحرك طيلة الوقت الذي قضاه عبدالله في مكتبها. طلاب آخرون، إناث وذكور، ملئوا القاعة، لكنها لم تتحرك لهم، لم تضحك، ولم ترمش. كانت تستهزيء بأسئلتهم من حين لآخر. ما معنى أن تكون مسؤلاً في قسم التسجيل؟ لِمَ لمْ يقتلعها عبدالله من كرسيها كما يفعل بضفدعة على حدِ الفلج؟ لِمَ لمْ يُريها ما هي الحلاحل بيده القوية. لا يعرف عبدالله لِمَ أصابه الخدر التام بعد الضربة الثانية. انكمش في ذاته، وصغرتْ كل تلك الجبال الشامخة. ها هو يهرول خارجاً من القاعة كقنفذ مذعور.
هربَ القنفذُ واتجه يساراً متخذاً الرواق المقبب الذي يتخرقُ الجامعة بالطول. لم ينتبه للمباني على جانبي الرواق، ولا للأشخاص البيض والسود. وصل إلى قاعة كبرى ضمت مقاعد عديدة مقسومة إلى طائفتين للذكور والإناث، ومقهى هندي يعرض مأكولات عربية. لم يطلب عبدالله من منفذ الشراء سوى قنينة ماء بحجم لتر ونصف. استدار للخلف، وقعد على أقصى كرسي على جهة اليسار. فتح القنينة ووضعها في فمه، ثم ترك الماء يندفع للأعماق. أحس عبدالله أنه امتلأ بالماء، وأخذ يسمع الارتطامات على جُدُرِ معدته بسبب الطبيعة السائلة للماء، وتراجعت حدة الغضب العارم الذي اجتاحه. ثم بسط ناظريه في القاعة.
لقد أثارها. إنها تفكرُ فيه. تفكرُ في تلك النظرة الساحقة التي أطلقها من عينيه. تراهُ أمامها يتعملقُ، ويقطبُ جبينه. يعتملُ في نفسه، ولنفسه. أدركتْ أنها أهانته. لقد رحل. لكنه باقٍ في نفسها. نبتَ في الجبل، هو ابن الجبل. قوي كصخرة من الجبال، جسدهُ مغطىً بأحراشٍ كثيفة. أحراشٌ جبلية. إنها تائهة. إنها تحتاجه، لكنه رحل.
ظهر رقم غريب على شاشة تلفونه. قالت له، أن يأتي لمكتبها في الرابعة عصراً. تريدُ أن تُكمل الأوراق الناقصة. لم يسنح الاتصال المفاجيء لعبدالله أن يجيبها كما كان يريد هو. لقد تحدثتْ الحلاحل بلسانه. وافقَ ببلاهة، أطاع بسهولة، لم يقل ما يريده. كان يريدُ أن يسحقها في الهاتف، يسحق صوتها بالصوتِ الذي أطلقه في أرجاء الحلاحل، أن يسحقها في المكتب كحشرة تسكن الأماكن المنخفضة. لكن الاتصال المفاجيء لم يسمح له أن يقول ما يريد، فأجاب بوداعة أنه سيأتي.
كانت الساعة حينها الثانية عشرة منتصف الظهر. وقد أنهى عبدالله يومه الأول في الجامعة، لكن ذلك الاتصال حتم عليه أن يبقى حتى الرابعة عصراً ليدخل لذلك المكتب مرة أخرى. أخذ من منفذ الشراء كوب قهوة ساخنة، واستدار للخلف عائداً لكرسيه. رشف من القهوة.
القهوة شديدة المرورة، لكنه، ولحسن حظه، ما انتبه للطعم. لم يكن عبدالله من أؤلئك الأشخاص الذي يشترطون أنواعاً معينة من المأكولات والمشروبات. لكن قهوة نسكافيه السوداء شديدة المرورة كانت لترفع من تأزمه، خصوصاً إن لاحظ أن السكرية كانت تقبع أمامه على نفس الطاولة. لكنه لم ينتبه لها. استغرق عبدالله 4 ساعات في احتساء قهوته. كان منهمكاً في إعداد نفسه لما سيحصلُ في الساعة الرابعة عندما يلجُ مكتب الموظفة.
ها هي الرابعة عصراً، وعبدالله يغادرُ قاعة الأكل متجهاً يساراً تحت الرواق المقبب، ماراً بالمبنى "د"، ثم يستديرُ في حركة نصف دائرية حول مبنى المكتبة، ويتجاوزها متقدماً نحو المكاتب الإدارية. ينعطفُ يساراً، ثم يطرق أول باب، يسمعُ همهمة فيدخل.
يتسمر عبدالله مدهوشاً. إنه يعرفُ المكان، فقد كان هنا، لكن العقرب الصفراء السوداء لم تعد موجودة. لا يرى المقارض المتربصة. تنفرجُ أساريره، ويستعيد فطرته. ما يجلسُ خلف الطاولة ويقابله امرأة وديعة مبتسمة. وهو يحدقُ فيها مع تلاشي الغضب. قالتْ له:
آسفة عن يوم الأربعاء.
.. عادي.
عادي؟ نطقتْ الحلاحلُ قبله. واحتد موقفه. أيتجمعُ الغضب في صدره؟ لا. لم تتركْ المرأة الفرصة للغضب لينمو. إنها تدعوه للجلوس على المقعد. إنها تقفُ، وتستديرُ ثم تتحركُ حول الطاولة تجاه عبدالله، وتقفُ أمامه:
اجلس.
وجلس عبدالله كحَمَلٍ وديع، لكنه لم يدركْ ذلك. إنه ينظرُ للمرأة الجالسة أمامه، ينظرُ لسيدته. لم يرمي نظراته على الأرضية حيث يجب أن تكون، بل ركزها في سيدته، في نحرها، في خصلات الشعر التي تغطي جبهتها، في اللوحة الجميلة التي أمامه. قالت في نفسها: مثيرٌ رغم صلافته، وقلة تهذيبه. لكنها تعمدتْ إغواءه. أعجبها النزقُ الشديد الذي ظهر في عينيه الواسعتين. تلك العينين شديدة السواد، والمحفوفة بالرموش الطويلة كأحراشٍ في جبل بصحار. إنه جبل قوي. صمتُهُ يزيد توترها، تضطربُ لأنها تنجذبُ له، وتودُ لو تقفزُ من مقعدها وترمي جسدها بين يديه فيقبلُها، ويقبلها ثم يحتضنها بذراعيه الطويلتين فتشعر بالأمان. ذلك الجبليُ اللعين، ابن ال… .
ولحُسنِ الحظ استفاقت من أحلامها بعد وقتٍ لا تعرف مداه. أما هو فقد قدرت أنه لم يستفق مما فيه. لكنها تحمحمت، وأصدرتْ ضجة بكعبها حينما ارتطم في سيراميك الأرضية مؤذنة بتغيير جلستها. قالتْ مجدداً:
آسفة لما صار الظهر. كنت مزحومة بالطلبة.
..عادي.. عادي. يحصل.
أنا سجلت في أوراقك إنك من صحار. اكتشفت إن الحلاحل تابعة لصحار.
صح ... صحيح.
لكن فيه أوراق ناقصة ضروري تعبيهم وتوقعهم.
حاضر.
المشكلة إني نسيتهم في البيت. تقدر تمر علي البيت؟ بيتي قريب من هنا.
أممم. إنزين. متى أجي؟
الساعة 8 بالليل.
خذ رقمي.
وخرجَ عبدالله. خرجَ مغشياً عليه. نسيَ الحلاحل والجبل، ونسيَ صحار. نسيَ كل شيء. انكمش عبدالله كدودة وهو يقطع الباحة الداخلية للجامعة مجتازاً مواقف السيارات باتجاه سور الجامعة. ثم قطعَ الشارع العام مخاطراً بحياته -كما سيفعل طيلة السنوات الخمس التي سيقضيها بالجامعة- باتجاه الشقة التي يسكنها.
أحس عبدالله فجأة بالمرارة في فمه. إنها مرارة القهوة التي شربها، لا الحياة، فالحياةُ جميلة مدهشة. أخذ طعمها يتركزُ مع نشفان ريقه وهو في طريقه للشقة. لاحظَ أيضًا أن ثوبه الأبيض عند ساعده أمسى مبللاً، وأحس بالرطوبة تحت إبطه وفي ظهره. كان عبدالله يتعرق بشدة. أرجعَ السبب لحرارة الجو، لكن لم يخطر له أن ذلك السبب كان مزيفاً. دخل بقالة صغيرة أسفل البناية التي يسكنها. ابتاع علبة ديو، وقطعة شيكولاتة ماركة كيت كات. دفع الحساب، وانسحب للدور الثاني من البناية حيث تقعُ شقته.
فتح مياه المسبح، لكنه لم يستحم. جلس على المرحاض عارياً. قضمَ الشيكولاتة، وشرب من العلبة. فكر عبدالله فيها. إنه لا يعرفُ اسمها. لم تسمح الظروف بذلك، نعم لم تسمح. غير أنه يعلمُ ما سيحصلُ الليلة، وكأن الطريق رُسم أمام عينيهِ. ربما أرادت أن تكفّر عن خطيئتها السابقة بأن تنحني أمامه، وتقول كلمة السر. لا. كيف تقعُ في حبه وقد نست أوراقه في شقتها؟ الشقة لا تمثل إلا الذريعة. أكمل العلبة بدفعة واحدة، ورمى الشيكولاتة في المرحاض، وضغط زر السيفون.
عبدالله يبدو الآن أنيقاً. فقد حلق ذقنه، ولبس دشداشته البريمية، ووضع كوفيته الحمراء على رأسه. قلم أزرق معلق في جيب دشداشته الأيمن، وانتعل النعال الأسود. إنه الآن في أبهى صورة، كجبل شامخ. وها هو ينزل للطابق الأرضي عبر السلالم، ثم يتجاوز الشارع الفرعي ليقطع الشارع العام عدواً كي لا تدهسه سيارة قادمة من الشمال أو الجنوب. يقفُ أمام مبنى الجامعة متأملاً لبرهة، ثم يستدير يسار في شارع الخدمات، ويأخذُ يميناً عند أول منحنى. مشى على طول طول الجانب الزراعي تحت أشجار النخيل الطويلة. يشمُ رائحة القت والمسيبلو، رائحة الأرض الرطبة. تملأه الرائحة حيوية، وتجلو يقظته وسرعة بديهته.
يصلُ لمجموعة من البيوت. يتعرفُ على البيت المقصود من الوصف في رسالة نصية. يقرعُ الجرس، لكنه يدلفُ من الباب الخارجي المفتوح، ويدلفُ من الباب الداخلي المفتوح ليراها أمامه. كانت مختلفة كما لم يرَ امرأة من قبل. لم يكن ما رأت عيناه أبيض وأسود، بل للمرة الأولى يرى الملون. نتوءات بارزة، وشعر طويل ينسدلُ من الأعلى إلى ما لا نهاية، ورائحة فردوسية تنبعثُ منها، ومن المنزل، ومن الدنيا. في تلك اللحظة التي فقد فيها عبداللهُ اتزانه الداخلي أمسكت بيديه، ودلفت به عبر رواق قصير إل باب مفتوح على غرفة نزم. وضعتهُ على السرير، ونظرت إليه كجسد كامل. كان عبداللهِ غارقاً في البحار الخيالية التي خاضها السندباد حينما عبر قصص ألف ليلة وليلة، لكن قرصة صغيرة لقلبه كانت كافية لتحضره من هناك إلى صحار.
أشاحت بوجهها قليلاً عنه وقالت:
ليش جيت؟
إنتِ طلبتي مني أجي.
يعني ما لأني أعجبتك؟، قالت ذلك وقد قامت من على السرير مبتعدة عن عبدالله.
لقد عاد عبدالله جسداً، وروحاً. إنه الآن يتنسم رائحة المسيبلو والأرض الرطبة. إنه يعود كما كان، ويقف شامخاً كجبل. يشكُ في نفسه: أقلتُ لها أنها أعجبتني؟ هل أحببتها؟ لا. لا أحبها.
سألته بغتة:
تحبني عبدالله؟
لم يجب عبدالله. أيكذبُ أم يصدق؟ لم يكذب طيلة حياته. الرجل لا يكذب. لكن لو ماذا يحصل إن لم يكذب؟ هل ستسمح له بالمكوث معها؟ هل ستوقع أوراقه؟
قالت:
ليش ساكت؟
كنت أفكر.
في ويش؟
أنا ما أحبك. طلبتي مني أحضر لبيتك مشان توقعي الأوراق.
ابتعدت عنه مسرعة، وشاهدتْ في المرآة شبحها. ثم صرخت به قائلة:
اخرج يا ملعون.
خرج عبدالله من المنزل مسرعاً، خرج وهو يسمع صوتاً ينكسرُ بشدة ربما يعود لآنية أو فكرة أو أي شيء آخر.
__________________
القصيدة: هي الحبل السري الذي يمد الحقيقة بالخيال
  #37  
قديم 06/07/2010, 06:59 PM
جابر الرواحي جابر الرواحي غير متصل حالياً
كاتب وشاعر
 
تاريخ الانضمام: 28/01/2008
الإقامة: عمان.... وطني
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,365
افتراضي "الأعجم" لوفاء سالم

بدأ يشعر بالملل وهو ينتظر خروج زوجته من عند الدكتورة، لم يتبق أحد غيره، شاهد على مقربة منه طبيبين يأكلان، استعاد قدرته الخارقة، أغمض عينيه قليلاً وحاول أن يصفي ذهنه..
- في كل مكان كوب الشاهي بمية بيسة، ما عدا هنا، بميتين.
- عاد أنت دكتور ما قادر على ميتين؟!
- ما سالفة ميتين، بس من كل مكان يشفطونا، ما مبقيلنا شيء.
فتح عينيه ليرى وجهيهما، فرأى زوجته أمامه..
- تقول الدكتورة أن الحمل طبيعي، ووصفتلي شوية مقويات
تمناها لو تكون مقويات جنسية، بدلاً من أن ينهكها التعب قبل أن يفعل شيء.
بعد صلاة العصر، ذهب ليجلس على مقهاه المعتاد، الوجوه هناك متكررة، إلا أن ثمة وجوه لا يعرفها، شده ثلاثة رجال معضلين، يرتدون قميصاً وبنطلوناً، يضحكون كثيراً، أغمض عينيه..
- الحياة هناك غير.
- لكنك خاطب.
- خطيبتي ما تعرف هذي السوالف، حجزت غرفة حال أسبوع، قبل ما ترجع الشغالة عند حيانها، نتمتع وحدنا هناك، وأندونيسيا وماليزيا ما بعيدات واجد عن بعض.
- وهي موافقة؟!
- أصلاً هي اللي عطتني الفكرة، بنت الذين حلوة واجد.
فتح عينيه وهم يواصلون الضحك.. عدل من هيأته قليلاً، ارتأى أن يشرب فنجان قهوة، أشر للنادل، انتبه على يمينه برجلين يتكلمان كثيراً..
- حاول تأجل الزواج شوية.
- حاولت وما وافقوا، البنت بنت عمي، وأبوي يقول انه عاد ما قادر يرفع عيونه في عيون عمي، لأنه تأخرنا عليهم واجد، وهي كل يومين يجيلها عريس.
- وأنت ما عندك شيء في البنك؟!
- اللي عندي بس يجيبن المهر، وأمها تبغالها بيت.
- نزين هي تشتغل؟
- لأ، وأنا شطفة مدرس.... أجيب المهر، ولا أبني بيت، ولا أصرف على خواتي....استغفر الله العظيم.
تأسف على الشاب المسكين، أخرج من جيبه نصف ريال ووضعه على الطاولة ونهض لينصرف.
لدى عودته للبيت انفجر إطار سيارته، اضطر أن يركنها جانباً ويؤشر لتاكسي..
- الدنيا تو كلها غالية، مشتعلة نار، تو إذا بغيت تشترى قوطي ديو يبرد عليك، لازم تدفعله ميتين، ويوم تسأله عن الخمسين، يقولك ما عندي خمسين خذ أي شيء بخمسين، وأصلاً هو يطلع ما يبيع شيء بخمسين
ولا عاد البترول، أكيد أنت ملاحظ، ما مبقلنا بيسة، الريال ندخله من هنا، ونطلعه حال البترول من هنا، كما ما قالوا العمانيين: بو في جيبك ما حالك
ما أعرف هذيلا الهوامير كيف يكدسوا فلوسهم، أنا أكبر مبلغ جمعته في حياتي كان ميتين وستين ريال، وبعدني مرة كنت أسوق وشفت سنورة قدامي، وما بغيت أدعمها، لفيت شوية ولحقت سيارة من الجنب، وراحن الفلوس
أشوف هندي جالس يأشر، تسمحلي أركبه معانا

في الصباح، وهو في طريقه للعمل الذي أنتقل إليه حديثاً، شاهد امرأة تثرثر في الهاتف..
- اليوم حاولي تجهزيها من وقت، عشان بنروح البلد
- ..................................
- حليبها في شنطة ملابسها، وإذا طاعت عطيها زبادي في الثلاجة
- ..................................
- كنت في العيادة......طلعت.....حامل
- ..................................
- ما مني أنا، أعرف انها بعدها صغيرة، وأبوها بعده فرحان
دخل إلى مكتبه ومد يده لزميليه، سلما عليه دون أن يقطعا حديثهما
- شفتها أمس المباراة؟
- أصلاً كان واضح أنه برشلونة بتفوز
- وكيف عاد واضح يا فيلسوف زمانك؟
- لأن ريال مدريد دفاعهم ضعيف
- المهم... شفت الفيديو اللي منتشر مال هيفاء وهبي؟
- لالا... عندك؟
- لأ..عند خالد تو بيجي، وعاد خلى حسين يشوفه معك، صح هو ما يسمع لكنه يقدر يشوف

يدخل المكتب أحد المراجعين..

- عفوا أخوي.. ممكن تشوفلي هذي المعاملة؟
- معاملتك عند هذاك الرجال اللي جالس عالمكتب ساكت، بس أنتبه تراه أعجم
- يعني لا يتكلم ولا يسمع؟
- تقريباً.. ولو اني شاك فيه

قبل أن ينتهي الدوام، ذهب لمكتب الموظفات، لإنهاء بعض الأعمال هناك، دخل فرفع يده للتحية..
- برايني بكمل هذا حسين الموظف الجديد ما يسمع، المهم... لبست الفستان مع التسريحة والمكياج وبديت عندي الدورة، وعاد بطني تقطع تقطيع، وجلست مكاني ما رحت العرس
- أقولكن أنا طالعه، اليوم بيجي زوجي، إذا اتصل المدير قولن اني نازله عند شؤون الموظفين
- ما وحده منكن تغازل حسين!
بعد انتهاء الدوام، ركب سيارته، أخذ هاتفه من بين ركام أوراقه، وبدأ في كتابة رسالة:
حبيبتي أنا في الطريق، جهزيلي الغداء.
__________________
القصيدة: هي الحبل السري الذي يمد الحقيقة بالخيال
  #38  
قديم 07/07/2010, 12:29 PM
جابر الرواحي جابر الرواحي غير متصل حالياً
كاتب وشاعر
 
تاريخ الانضمام: 28/01/2008
الإقامة: عمان.... وطني
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,365
افتراضي

نتائج الشعر الفصيح:
1) فيصل الفارسي
2) محبوب الرحيلي
3) جمال الملا
4) شميسة النعمانية
الجائزة التشجيعية: جوهرة الشريانية


الشعر النبطي:
1) عبدالعزيز العميري
2) سليمان الجهوري
3) علي الأنصاري
4) فيصل الفارسي
التشجيعية: شريفة العامرية


القصة القصيرة:
1) حمد الغيثي
2) نوف السعيدي
3) عائشة المعمري
4) لمياء الحراصي
التشجيعية: طفول الصارمي
__________________
القصيدة: هي الحبل السري الذي يمد الحقيقة بالخيال
 


قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى

مواضيع مشابهه
الموضوع كاتب الموضوع القسم الردود آخر مشاركة
مزرعة في الملتقى بصحار للبيع دانة الكويت للعقارات عقارات منطقة الباطنة 9 05/05/2009 09:57 PM
للبيع ارض بصحار // الملتقى المسافر:) عقارات منطقة الباطنة 4 09/11/2008 10:39 PM
ارض في الملتقى بصحار للبيع Sohar عقارات منطقة الباطنة 0 15/01/2008 06:52 AM
ارض في الملتقى بصحار Sohar عقارات منطقة الباطنة 2 13/01/2008 11:26 PM
ارض بصحار الملتقى بكم..... اوكيدر 1 أرشيف المواضيع القديمة 2 03/10/2007 06:34 PM



جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 12:58 AM.

سبلة عمان :: السنة ، اليوم
لا تمثل المواضيع المطروحة في سبلة عُمان رأيها، إنما تحمل وجهة نظر كاتبها