أيام مــرَّة

[بيت حميد]

جرت أحداث هذه القصة بين بداية الاربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي وهي نموذج لما مر به بعض العمانيين من عنت قبل عام السبعين.


أترك حميد يروي قصته



توفي أبانا ولم يبلغ أي منا الحلم، ثلاثة أبناء وثلاث بنات ، أنا كنت في الثالثة عشر ولا يكبرني الا عبدالله..أخواتي الصغار كن بالكاد يجدن ما يتسترن به، حالنا كانت ضيقة لدرجة لا يمكن تصورها في زماننا هذا.


تسامع الناس في تلك الفترة عن الاعمال في السعودية وأن الكثيرين يذهبون للعمل في تحميل الحجارة وعمال في خطوط القطارات التي كنا نسميها الريل.


سألت أمي أن تكلم أم سيف الذي يعمل في الدمام ليأخذني معه إذا جاء، قالت (إنك صغير وضعيف لا تقدر على حمل الحجارة وأخاف عليك)


رجوتها أن تفعل وأكدت لها أني لن أخرج عن شور سيف فوافقت.


بعد مدة جاء سيف وعرضت امي عليه الامر فوافق ولكنه قال أني ضعيف على عمل الشركات ولكنه سيدبر لي عملاً.


في اليوم الموعود ركبنا العبرية من البريمي حتى دبي ومن هناك ركبنا سفينة الى البحرين ومنها الى الدمام......لا زلت أذكر أني لما وطئت أرض السعودية لأول مرة كنت حافياً لأن نعالي الجلدية (القشرة) انقطعت في دبي.


ارتحنا ذلك اليوم حتى المساء وبعد صلاة المغرب أخبرني سيف أنه سيقدمني الى رجل لأعمل عنده مقهوي، فرحت بالطبع..
انطلقنا الى الرجل، كان له بيت كبير وأمام البيت خيمة كبيرة لا تخلو من الرجال، دخل سيف وأنا أتبعه ، سلمنا على الرجال وأفسح لنا مكان للجلوس فجلسنا وشرب سيف فنجان قهوة وأما أنا فرفضت لصغر سني.


كلم سيف الرجل في أمري فرحب الرجل وأخبرني بأن أكون عنده من الفجر وأني سأقيم في الخيمة بشكل دائم.


كنت فرحاً تلك الليلة وبعد صلاة الفجر مباشرة كنت في الخيمة أشعل النار وأعد القهوة وأغسل الفناجين حسب تعليمات صاحب البيت.


من الفجر وحتى ساعة متأخرة من الليل وأنا على تلك الحال...اعداد قهوة وصبها حتى أحسست أني سأسقط من التعب وأن قدماي النحيلتان لم تعودا تقويان على حملي.


خلت الخيمة الا من صاحب البيت وأنا فطلب مني فنجان قهوة ثم قال خذ لك مكاناً ونم، لم أصدق أنه قالها حتى طويت نفسي في جاعد عند زاوية الخيمة ونمت....لعلها مرت دقائق فقط حتى أحسست أن هناك من يقترب مني....فتحت عيني وإذا بصاحب البيت يقترب مني بنية سوء...قلت له (ماذا تريد) أمرني بالصمت وهم بي...
صرخت بشدة فتركني ووليت هارباً أبكي الى بيت سيف...



يتبع....

[بيت حميد]

ركضت الى بيت سيف ولم أحس أني بمأمن حتى خرج سيف على صوت ندائي له ...دخلت وأخبرته فطلب مني النوم.


في الصباح طلب مني سيف مرافقته الى ذلك الرجل وبإصرار شديد رغم معارضتي.....وصلنا الى الخيمة فنادا سيف الرجل بصوت عالي أمام ضيوفة وبنبرة غاضبة....خرج الرجل مسرعاً وكأنه يحاول إسكات سيف .... سيف كان غاضباً جداً لدرجة أنه سب الرجل وفضحه بصوت عالي أسمع ليس فقط الضيوف بل ربما كل من في الحي.


رجعنا الى البيت ولم أكلم سيف طول الطريق لما رأيت من غضبه، طلب مني سيف البقاء في البيت وذهب هو الى العمل ....بقي الحال كذلك عدة أيام وسيف لاينظر الى وجهي أبداً وكأنه يخجل مني ويحس بالذنب لان ما حصل بسببه.
يتبع....

[بيت حميد]

بعد عدة أيام جاء سيف من العمل متهلل الوجه وأخبرني أنه التقى بعلي في أثناء مروره بالسوق، وعلي هذا هو إبن عم أبي وكان قد استقر في الدمام منذ فترة طويلة ومتزوج من سعودية بالاضافة الى زوجته الاولى، وأخبرني سيف أن علي أصر أن نتعشى عنده الليلة.


سيف كان لديه دراجة هوائية وقد كانت في ذلك الوقت ميزة كبيرة، ركبنا الدراجة بعد المغرب متجهين الى بيت علي وكان يوماً بارداً مطيراً، في الطريق وقعنا في بركة من مياه الامطار ووصلنا الى علي وأنا أرتجف من البرد، أدخلنا علي البيت وأشعل لنا النار وأتى لنا بالتمر والقهوة وبعد أن أسترحنا نظر الي وقال لسيف(إذن هذا هو إبن عمي) قال سيف (نعم، هذا هو حميد بن سالم) لم يكن علي قد رآني قبل اليوم وكان مسروراً لذلك وينظر الي باستمرار.
بعد العشاء طلب سيف الرخصة لأن نذهب، قال علي(الرخصة لك لأننا نعذرك وأما هذا فلا رخصة له الى ثلاث) نظر سيف الي وقال(ما تقول يا حميد) قال علي (ليس له قول الآن وقد دخل البيت، إذهب أنت على بركة الله وسنوافيك بعد ثلاث) تساهل سيف في أمري أوحى الي أنه يرغب بإلقاء مسئوليتي أو على الأقل تشاركها مع علي.


بعد ذهاب سيف صاح علي على زوجته لتحضر وتسلم علي، ما إن رأتني المرأة حتى جهشت بالبكاء لما نظرت من نحولي وثيابي البالية وماهي الا دقيقة حتى أتتني بثياب من ثياب إبنها وطلبت مني ارتدائها.
سألني علي عن أمي وأخوتي ثم وعدني أنه سيتدبر أمر العمل ولكن ليس علي أن أقلق حتى ذلك الحين.

يتبع.....

[اردنية عمانية]

متابعين من جديد

[بيت حميد]

أرسل أصلا بواسطة اردنية عمانية

متابعين من جديد

كم كريمة أنتي .....لك أنحني

[بيت حميد]

علي أو عمي علي كما كنت أخاطبه أحسن إلي أيما إحسان وزوجته السعودية كانت مثله في إحسانها حتى ظننت أن أبنائها بدأو يغارون مني، كانت تصر على الحضور أثناء تناولي الطعام مع عمي علي لتحثني على الأكل وهو يضحك قائلاً ستقتلينه من الطعام بعد أن كاد يموت من الجوع....
بعد ثلاثة أيام جاء سيف يسأل عني وسر كثيراً بحالي التي وجدني عليها وعندما أشار علي بالذهاب معه رفض عمي علي بحجة أنه سيأخذني غداً الى عبدالرحيم مسئول عمال شركة البترول السعودية في الدمام وهو أيضاً من البريمي.
عبدالرحيم كما أخبرني عنه عمي علي مسئول عن تعيين العمال اليوميين للشركة وهو بذلك كان يعد بينهم مسؤلاً كبيرا وقد نال هذه الدرجة بسبب علمه بالانجليزية التي تعلمها أثناء عمله في قوات ساحل عمان.
في الصباح توجهنا لأحد مواقع عمل الشركة حيث توقع عمي علي أن نجد عبدالرحيم وكان هناك بالفعل .....تبادلنا التحيات وعرفه عمي بي فقال مازحاً (كأنك مخاطة أبيك) وهو يقصد الشبه الكبير بيني وبين أبي.
أخبره عمي علي بأني أرجو عملاً....قال عبدالرحيم (هذا الفتى عزيز علي لمعزة أبيه وبودي أن أضعه في عيني لو كان ذلك ينفعه، لكن العمل هنا صعب وفوق ذلك كلهم كبار ولا أريد لهذا الفتى أن يكون عرضة لأي مكروه)
تذكرت ما حصل لي في الخيمة وطأطأت برأسي....
إقتنع عمي علي بكلام عبدالرحيم ورجعنا الى البيت وقد أحسست أني أصبحت عبئاً على عمي علي ومن قبله على سيف...

يتبع.....

[بيت حميد]

لما وصلنا البيت وجدنا زوجة عمي علي تنتظرنا لتعرف الأخبار...أخبرها عمي علي...رفعت المسكينة يديها الى السماء تحمد الله وقالت
(كيف كنت تريد هذا الصبي أن يعمل في تحميل الشاحنات، ألا ترى كيف هي حاله)
ضحك عمي وقال (هذا رجل ولا يعيبه العمل)
قالت هي (العمل بما يقدر لا أي عمل)
ثم استطردت في لهفة وقالت(هل تذكر القطرية التي تبيع لنا العود والبخور؟)
قال(نعم أذكرها)
قالت ( تريد صبياً معها في البيت فهي كما تعلم ليس لديها زوج أو أولاد وهي كريمة وليس لديها أعمال كثيرة)
قال(ولكن بيتها في قطر)
قالت(نعم وعندما تأتي هنا سيأتي معها، أليس خيراً من تحميل الحجارة في الشاحنات....على الاقل ستكون مطمئناً عليه)
التفت إلي ليرى إنطباعي فأشرت أني موافق، في الحقيقة كنت مستعداً لقبول أي شيء إلا أن أكون عالةً على أحد.



يتبع.....

[بيت حميد]

أرسلت زوجة عمي علي إبنها إلى بيت الجيران حيث كانت تلك المرأة القطرية تعرض بضاعتها ليبلغها أن أمه تريدها وأنها شاورت الصبي وأنه وافق.
في ذلك اليوم حدث لي شيء لا يمكن أن أنساه، أثناء إنتظاري للمرأة القطرية خرجت من البيت في إتجاه البحر الذي كان قريباً من البيت وعيناي كانتا ترقبان البيت لأرى متى تحضر تلك المرأة.
مرت بالقرب مني سيارة ثم توقفت فجأة على مسافة بسيطة وإذا بالسائق يناديني، دنوت قليلاً من السيارة فإذا بها إمرأة متجللة بالسواد ومعها طفلة صغيرة.
نادتني المرأة بإسمي فأخذتني المفاجأة، قالت لي اقترب...اقتربت أكثر وأنا متهوب جداً ففي ذلك الوقت كانت السيارات عند علية القوم فقط....
قالت( ألست أنت فلان وأمك فلانة ؟)
قلت(نعم) بإندهاش شديد
سألتني عن أبي فأخبرتها أنه قد توفي فترحمت عليه، سألتني عن بعض النساء في الحارة فأخبرتها أخبارهن التي أعرفها.
لم أجرء على سؤالها من تكون .....سألتني إن كنت أريد شيئاً قلت لها لا
قالت(إذا أردت شيئاً فتعال عند باب ذلك البيت وأخبر البواب باسمك وحاجتك وقل له أن يبلغ ربة البيت)
قلت(إن شاء الله)
البيت الذي أشارت اليه هو قصر بمقياس ذلك الزمان.
ما إن تحركت السيارة حتى ركضت الى عمي علي بالخبر...ضحك ثم قال( ما شاء الله عليها لقد تذكرتك بالرغم من أنه يفترض أنك صغير جداً عندما كانت هي في البريمي)
قلت (ومن تكون هي)
قال(الآن هي زوجة أحد الامراء وقد تربت في البريمي ثم بيعت هنا واشتراها الامير)

يتبع.....

[بيت حميد]

جائت المرأة القطرية الى بيت عمي علي تحمل صرتها وجلست مع زوجة عمي، بعد قليل نادتني زوجة عمي وأجلستني وأثنت علي أمام المرأة، بدت المرأة في منتصف العمر، لطيفة للغاية ووعدت بمعاملتي كإبنها ثم بينت لي الاعمال المفترض أن أقوم بها ومنها شراء الحاجيات من السوق والمساعدة في صناعة البخور والعطورات.

أحست زوجة عمي أننا توافقنا فنادت عمي وأخبرته، قال (لابد من إخبار سيف قبل أن يذهب ولابد أن يوافق فهو المستأمن عليه من أهله وهو إستأمننا نحن عليه)
طلب عمي من المرأة أن تمر علينا في الغد حتى نشاور سيف فوافقت أن تنتظر حتى صبح غد لأن المركب المتجه الى قطر من الدمام يغادر ضحى.
صلينا عصر ذلك اليوم في المسجد القريب من منزل سيف لنضمن لقاءه، وقد التقيناه .....شرح له عمي علي الامر وأخبره أننا حاولنا مع عبدالرحيم وكيف كان جوابه.
قال سيف (لا بأس إن كنتم تعرفون هذه المرأة)
قال عمي(نعرفها منذ ما يزيد على عشر سنين، ولكن معرفتنا بها معرفة بائع ومشتري ولكن يشهد الله أنها أمينة في هذا الامر)
نظر سيف الي نظرة غريبة ثم إبتسم وقال لعمي علي (أليس الاحسن أن نحلق رأسه)
فاجأني الامر...لكن عمي وافقه ثم قام سيف وأتي بالموس وإناء فيه ماء.
سألت بإستغراب (لماذا لابد أن أحلق شعري)
قال عمي علي (أنظف لك وأظهر لرجولتك)
ما عناه عمي ولم يقله أن وسامتك وشعرك الطويل قد يغريان الآخرين بك.
ماهي الا لحظات حتى كان شعري الذي كان يغطي أذني قد ووري الثرى في بيت سيف وقفلنا راجعين الى بيت عمي علي في إنتظار الغد.

يتبع.....

[بيت حميد]

في ضحى الغد جائت المرأة وصرتها على رأسها واستقبلتها زوجة عمي وأخبرتها بأني سأذهب معها، عمي الذي كان يجلس بعيداً عن المرأتين سأل عن الاجر الذي ستعطيني إياه، قالت المرأة إنها كانت تعطي من قبلي عشر ربيات هندية وأنها ستزيدني ربيتين فوق العشر إضافة الى كسوتي وطعامي ومسكني.

نظر عمي إلي ليتأكد أني سمعت كلامها فأومأت له برأسي أني قد سمعت، قامت المرأة، وقد عرفت أن إسمها علياء، وحملت صرتها على رأسها وأمرتني بإتباعها، سلمت على عمي قبل الذهاب وكانت زوجته تبكي بشدة ثم لفت ما كان أمامها في الصحن من خبز وأعطتني إياه لآكله في الطريق.
عند خروجي من بيت عمي غمرني ذات الاحساس الذي غمرني عند مغادرة بيتنا في البريمي أول الامر....إحساس المفارق للأهل الذي لايدري هل يعود أو لايعود.

ركبنا قارب صغير من على الساحل ثم الى السفينة الكبيرة في عرض البحر ومن ثم توجهت السفينة الى قطر وهناك أيضاً توقفت السفينة على مسافة من الشاطئ ووصلنا البر بالقارب الصغير وكان الوقت قد قبل المغرب بقليل.

يتبع......

[بيت حميد]

توقفت علياء قليلاً ووضعت صرتها على الارض وإذا برجل يقود حماراً يتجه إلينا وكأنه يعرفها ويعرف ما تريد، ركبت هي ووضعت صرتها أمامها وقاد هو الحمار وأنا أمشي خلفهم حتى وصلنا البيت، نزلت هي وساعدها الرجل في إنزال الصرة ووضعها أمام الباب وأعطته أجرته .
أخرجت علياء مفتاح البيت وأمرتني بحمل الصرة الى الداخل، دخلت البيت وإذا به غرفتان طينيتان وعريش في أقصى الحوش، في منتصف الحوش سرير حديدي صدء وبجانبه موقد للنار.
رحبت بي علياء وهي تفتح إحدى الغرف الطينية وإذا بها مخزن وأخرجت لي قدرين كبيرين وقالت (قبل أن نرتاح لابد من إحضار الماء من البئر..تعال معي)خرجنا من البيت وأنا أحمل القدرين الى البئر القريبة وجذبت هي حتى ملأت القدرين ثم أمرتني بحمل أحدهما وحملت هي الآخر.
عند عودتنا الى البيت أرتني علياء موقد النار والحطب ودلال الشاي والقهوة وأخبرتني أن من مهامي أيضاً إعداد الشاي والقهوة صباحاً، ثم قالت في نبرة حانية خذ ماءً واستحم خلف العريش وإذا أردت أن تقضي حاجتك فخلف البيت بمسافة وسآتيك بثوب ووزار نظيفين.
ذهبت لقضاء الحاجة وعدت لأجدها وضعت لي الماء بجانب العريش ومعه ثوب ووزار نظيفان مقطبان .
بالرغم من برودة الجو الا أن ماء البئر كان دافئاً، صببت الماء على بدني بسرعة وارتديت الثياب النظيفة وغسلت ثيابي القديمة ووضعتهمها على السرير الحديدي في الحوش.
رأيتها وقد أسرجت سراجاً في الغرفة الاخرى، لم أذهب اليها وظللت أنتظر في الخارج برغم البرد، رأتني أنتظر فقالت (تعال، أتريد أن تهلك من البرد)
دخلت فوجدتها قد أحضرت عشاءً من عند جارتها وقد أكلت شيئاً وأبقت لي شيئاً....قالت (تعشى ولا تخرج حتى آتي)
كنت جائعاً جداً والطعام كان لذيذاً .....بالرغم من الظلام في الحوش الا أني رأيت طيفها وهي تحمل الماء الى خلف العريش فعرفت أنها تريد الاغتسال..
جائت علياء وأمرتني بغسل الصحون ثم العودة...غسلت الصحون وعدت وإذا بها قد فرشت فراشين متجاورين.
قالت (نم يا حميد لابد أنك تعبان) قالت ذلك وهي تشير الى أحد الفراشين المتلاصقين...عرفت أنها ستنام بجنبي وأحسست بخجل شديد...
تمددت على الفراش والتحفت بلحاف أحمر غليظ، أطفأت هي السراج وجائت لتنام ...إلا أنها أبت أن تنام قبل أن تختبر أجيرها الجديد.

يتبع.......

[بيت حميد]

ألصقت عليا جنبها بجنبي، أحسست بقشعريرة ورهبة في ذلك الظلام الدامس، لم يسبق لأحد بإستثناء أمي أن إقترب مني بهذا الشكل، بقيت مفتوح العينين وأحس بها مازالت واعية...إستمر الوضع كذلك لمدة دقائق بدأت أعتقد بعدها أن الأمر ربما طبيعي وأني بالنسبة لها مثل إبنها....قطع الصمت في ذلك الظلام همسها بإسمي (حميد..حميد هل نمت)
قلت (لا)
أحسست بها ترفع رأسها قليلاً وقالت (نم نم) وضعت يدها خلف رأسي وقبلتني على وجهي، أحسست خلالها برطوبة شعرها المبلل على وجهي ورقبتي.
بدأ قلبي يخفق بشدة حتى أحسست أنه سيخرج من أذني، إنقلبت في إتجاهي ووضعت يدها على صدري وأعادت تقبيلي ولكن هذه المرة طالت القبلة.
لم أكن أعرف بالضبط ماذا كان يحصل، فصورة المرأة في نظري في ذلك الوقت كانت تتمثل في صورة أمي فقط، ولم أستطع فهم أي شيء مما فعلته علياء تلك الليلة التي قررت فيها أن أستسلم لها لأنه ليس لي أحد أو أي مكان آخر ألجأ اليه سواها.
طالت نومتي حتى انشر ضوء الشمس وما أن فتحت عيني حتى دار شريط أحداث البارحة وعلياء لم تكن بجنبي....لم أكن أعرف كيف سأنظر الى وجهها ....جائت وأنا ما زلت في الفراش فتبسمت لي وقالت (إغسل وجهك وتعال أفطر)
تذكرت أنه من المفترض أن أعد القهوة والشاي ولكني وجدتها قد أعدت القهوة والشاي والافطار.......
يتبع......

[بيت حميد]

وأنا أفطر كانت هي تسحق قطع المسك لتخلطها بالعود الناعم وتصنع منها قطع البخور....أخذتني ذكرى الخيمة وربطتها بليلة البارحة وهي أيضاً الليلة الاولى لي في العمل.....أحسست أني مسلوب الإرادة أمام الكبار ثم تذكرت ما أشار اليه عمي علي من أن وسامتي قد تتسبب لي في الأذى...تذكرت أمي وتخيلت لو أنها تعلم ما جرى لي في الخيمة أو ليلة البارحة....نظرت الى علياء وهي تدق المسك فتخيلت كيف ستفعل بها أمي لو تعلم ما تفعل بإبنها.
قالت علياء (أفطر بسرعة واغسل الصحن إذا لم يتبقى فيه شيء وإن تبقى غطه...سنذهب الى السوق)
أكملت كوب الشاي وغسلت الصحن، أدخلت هي المسك المسحوق الى صندوق صغير وأدخلته الى المخزن، نادتني الى داخل المخزن وأرتني فراشاً قديماً أمرتني بحمله الى العريش، حملت الفراش الى العريش فأمرتني بأن أطويه وأربطه ليبقى مطوياً ثم قالت (إذا سألك أحد أين تنام فقل في العريش وهذا فراشي)
فهمت أن أمر البارحة سر بيني وبينها، ذهبنا الى السوق الذي كان معظم دكاكينه مغلقة باستثناء الدكان الذي اشترينا منه مواد لصناعة العطور والحداد وأما البقية فلاتفتح إلا عصراً.
أخبرت علياء صاحب الدكان أني من طرفها وأنها قد تبعثني لآتيها من عنده ببعض المواد وأنها ستدفع له لاحقاً ، نظر الي صاحب الدكان الذي يبدو أنه كان عجمياً من وجهه وعربيته المكسرة وقال ( ما إسمك)
قلت (حميد)
تبسم وقال لها (حاضر)
علمتني علياء صناعة البخور التي أتقنتها وتفرغت هي للبيع ، واستمرت حياتي عندها يسيرة وأصبح أمر استسلامي لها ليلاً أسهل بكثير وأكثر ما كنت أمقته هو رائحة فمها عندما تقترب من وجهي.
كل هذا تغير بدخول شخص آخر الى بيت علياء وإقامته معنا

يتبع......

[بيت حميد]

ذات يوم جائت علياء من جولتها اليومية لبيع العطور تتبعها فتاة صغيرة لايزيد عمرها عن عشر سنوات هزيلة ، رثة الثياب .

كنت أعد الغداء في الحوش ، أمرت علياء الفتاة أن تجلس بجانبي، نظرت اليها ...شفتيها متشققة يديها ورجليها يغطيهما الجلد الميت من أثر البرد....جلست الفتاة ناكسة الرأس لا تتكلم.

علمت بعد ذلك أن الفتاة قد إشترتها علياء من أحد النخاسين ...ثم علمت لاحقاً من الفتاة نفسها(عائشة) أنها أختطفت من منطقة تقع الآن في رأس الخيمة..... كانت هي وأختها تقودان أباهما الأعمي في منطقة جبلية الى البيت فجائهم رجلان وأختطفوها هي وأختها ودفعا أباهما ليتردى من أعلى الجبل.
أختها بيعت في السعودية وهي أشتراها النخاس القطري ليبيعها الى علياء.

وجود عائشة تطلب توزيعاً جديداً للمهام في البيت كما تطلب ترتيبات جديدة بالنسبة لمبيتي مع علياء ولعل هذه كانت أول بركات عائشة .

يتبع.....

[بيت حميد]

جلب الماء من البئر وصناعة البخور وشراء الحاجيات من مهامي والطبخ والتنظيف وغسيل الملابس من مهام عائشة، ترتيبات المبيت تغيرت فأصبحت عائشة تنام مع علياء وأنا أنام في المخزن وإن أرادتني علياء جائتني بعد أن تنام عائشة ثم تعود الى غرفتها....على الأقل تخلصت من مبيتها بجنبي طول الليل.

مع الايام تغيرت أنا بوجود عائشة وتغيرت هي أيضاً، فقد فارقها ذلك البؤس الرهيب....أذكر أول مرة إبتسمت فيها عائشة كانت عندما طلبت منها أن تأتيني بمشط لأمشط شعري وكأنها استغربت أن أفعل ذلك......كانت إبتسامتها أجمل شيء رأيته منذ أن فارقت البريمي.
تلك الابتسامة شكلت بداية لإرتباط روحي بتلك الفتاة لم أستطع وقتها تفسيره ولم أكن بحاجة لتفسيره، وما إن تخرج علياء صباحاً من البيت حتى تدب فينا الحياة كزهرتين كزهرتين تتفتحان كل صباح.....أخبرتها عن كل شيء ...أمي ..أخواتي ..وتفاخرت أمامها بمغامراتي الطفولية...وهي كانت تستمع لي وتبتسم بسعادة كبيرة.
هذا السراج الذي كنا نضيئه أنا وعائشة كان يخبو كلما عادت علياء الى البيت.

يتبع.....

[بيت حميد]

إنقضت أيام الشتاء واقترب القيظ، وفي أحد الأيام سمعت طرقاً على الباب، قطعت حديثي لعائشة واتجهت للباب وفتحته، كانت مفاجأة بالنسبة لي، إنه سيف...بعد التحيات والسلامات أخرجت له دلة القهوة وجلسنا بالقرب من الباب، سألته كيف وجد البيت فقال من يسأل يجاب....أخبرني أنه ذاهب الى البريمي وأنه جاء ليأخذني معه...إشتعل فيَّ شوق مفاجئ لأمي وإخوتي...ثم ما لبثت أن إشتعلت في لوعة لأني سأفارق عائشة.
أخبرته أني أريد الذهاب معه لكن علياء لم تعطني مالي منذ أن عملت معها، حسب سيف الشهور فوجدها عشرة أشهر أي أني أستحق من علياء مئة وعشرين ربية هندية وهي مبلغ كبير بالنسبة لي.
قبل الظهر بقليل جائت علياء ودخلنا جميعاً الى البيت وتغدى سيف عندنا...أخبر سيف علياء بسبب مجيئه فطلبت منه أن يتركني هذه السنة الى القيظ القادم، رفض سيف بحجة أنه لايضمن رجوعه الى السعودية، ثم فاتحها في أجري الذي لم تعطيني إياه، قامت علياء ودفعت لسيف كل المبلغ وزادت عليه كسوة لي ولأمي.
كل هذا وعائشة تنظر إلي والدموع تكاد تتساقط من عينيها فلم أملك نفسي حين رأيتها كذلك وبكيت....ظن سيف وعلياء أني أبكي لفراق علياء فكان هو يواسيني وهي بكت لبكائي وقالت (إياك أن تذهب ولا ترجع) قلت (سأرجع....لابد أن أرجع) وعيناي كانت تنظران إلى عائشة.
لما قمنا نريد الاستئذان وقعت عيني على الحصير الذي كنا نجلس عليه أنا وعائشة وتذكرت كيف كانت تركض لتفرشه عندما تخرج علياء لنجلس عليه........ذكرى أبكتني لأيام طويلة قادمة.

خرجنا من البيت ومن الحارة وعائشة وعلياء ما زالتا تنظران الينا من عند الباب.

يتبع.....

[اخناتون]

القصه طويله جدا اخي
متابعين

[بيت حميد]

أرسل أصلا بواسطة اخناتون

القصه طويله جدا اخي
متابعين

أطال الله عمرك في صحة وسعادة وإيمان

وأتبعك خيري الدنيا والآخرة

هذه المرة قررت أن لا أتحكم في القصة وأن أترك شخصياتها تكمل دورة حياتها الطبيعية

شكرا لك

[بيت حميد]

توجهنا الى الساحل وكان علينا أن ننتظر الى فجر غد حتى نجد سفينة متجهة الى دبي......سيف كان سعيداً ومنتشياً الى أبعد الحدود بالعودة، في السفينة جاء أحد البحارة وصب على سيف فنجان قهوة ومن خلال الحديث عرفنا أنه من فلج القبائل وأن مهنة البحر ليست مهنة آبائه وإنما هي صروف الدهر عندها أنشده سيف بيتين للشاعر الجمري يشكو الغربة يقول فيهما

لو لي بخت ماسرت لكويت.........لا بعد ولا فارقت لوطان
أسميك ياحظي ترديت..........يوم أبعدتني عن ساحل عمان

هيجت الابيات راعي الفلج وأخبرنا أنه يهوى غزالاً من ملاحة بالقرب من الفلج وأنه قبل هذا العمل لجمع بعض المال من أجل الزواج ثم أنشدنا أبيات يتغزل فيها بمحبوبته ويشرح لها كيف يقاسي هو الصعاب بينما هي في الراحة ومع ذلك يحب هذه الصعاب من أجلها يقول في مطلعها

محلاك يا غزال ملاحة.....ما شفت شطة يغير الراحة

وصلنا دبي وكانت النية أن نتسوق لأهلنا من دبي قبل التوجه الى البريمي لكن الأخبار العجيبة التي سمعناها عن البريمي أول نزولنا أجلت ذهابنا اليها عدة أيام.

يتبع.....

[بيت حميد]

كل من عالمناه في دبي كان يتكلم عن الحرب الدائرة في البريمي بين القوات السعودية والجيش البريطاني وأن حاكم البريمي الشيخ صقر محاصر في الحلة من قبل القوات البريطانية وأن النار تطلق على أي سيارة تحاول الدخول الى البريمي بالاضافة الى الالغام التي زرعها الجيش البريطاني على الطرق التي تسلكها السيارات.....بقينا في دبي لعدة أيام ننتظر إنفراج الموقف حتى أتت الاخبار أن الدخول الى البريمي صار ممكناً وأن القتال محصور في المنطقة الغربية من البريمي......ذهبنا الى السوق وأشترينا مؤن وملابس ثم اتفق سيف مع صاحب سيارة دوج على ايصالنا الى البريمي مقابل خمسة عشر ربية هندية.
لتحاشي المرور في المناطق التي تنتشر فيها القوات البريطانية والطرق المعتادة التي سمعنا أنها زرعت بالالغام سلك صاحب السيارة طريقاً ملتفاً عبر جبال محضة إلى أن دخلنا البريمي من الشرق وأشرفنا على نخيل صعراء وكان ذلك وقت الاصيل ....لم أكن أعرف كم يمكن أن يكون جميلاً منظر النخيل الذي افتقدته لما يقرب من السنة حتى تلك اللحظة.

يتبع..........

[بيت حميد]

توقفت بنا السيارة عند مسجد الشريعة الذي يقع خارج بساتين النخيل وما إن عرفنا الأطفال الذين كانوا يستحمون في الشريعة حتى تطايروا ليبشروا أهلنا.

أنزلنا أمتعتنا من السيارة ووقفنا ننتظر أحداً معه دابةً ليساعدنا في نقلها الى البيوت.

تيسرت الدابة ووصلت البيت لأجد أمي وأخوتي ينتظرون خارج البيت...أسرعت للسلام على أمي التي بدت غير مصدقة أني عدت، فبالرغم تهليل وتبسم إخوتي الا أن وجهها كان بلا تعابير، ضمتني اليها بشدة وصارت تشم رأسي وجسمي ثم إنخرطت في بكاء شديد....بالرغم من محاولتي النظر الى وجهها الا أني لم أستطع لشدة ضمها لي...طال بكائها وهي تضمني ولما نظرت الى أخوتي من ورائها وجدت أن إبتسامتهم أختفت وحل محلها وجوم...عرفت أن لبكائها سبب غير قدومي.

إنتبهت أن أخي الاكبر عبدالله غير موجود ولما سألت عنه لم يجبني أحد وزاد بكاء أمي.
أيقنت أنه قد مات، فمنذ صغره وصحته ضعيفة للغاية، هدأت أمي وسلمت على أخي الصغير وأخواتي ودخلنا البيت.
أخبرتني أمي أن أخي أغمي عليه وهو فوق نخلة فسقط وتوفي على أثر السقطة.

قالت أمي (لن تذهب بعد اليوم إلى أي مكان)
قلت(إن شاء الله يا أمي)

في أول ليلة لي في البيت وبعد نوم الجميع تواردت علي الذكريات والخواطر، أيقنت أني كبرت كثيراً عن اليوم الذي تركت فيه البيت، بمقياس الزمان كانت سنة وأما بمقياس النضج فقد كانت أكثر بكثير.

تذكرت ليلة الخيمة واستغلال علياء لي فأدركت أن هذا العالم ليس للأطفال بل هو عالم الكبار الاقوياء.....تذكرت عائشة المسكينة وتمنيت لو أنها بجانبي الآن، هزني لها شوق عظيم...خشيت أن تكلفها علياء بجلب الماء من البئر فذلك صعب عليها....خشيت أن ترسلها الى السوق فيتعرض لها أحد....خواطر كثيرة حتى أخذني النوم.

في الغد جائت جارات أمي يهنئنها بعودتي فكانت تعطي لكل منهن مكيال أرز وقليلاً من حبات القهوة التي أحضرتها من دبي وكان هذا شيئاً قيماً بالنسبة لهن...فبعد أيام أدركت أن الحالة في البريمي والمناطق المحيطة أصبحت صعبة للغاية.

ما هي إلا أيام وسمعنا عن مغادرة حاكم البريمي الشيخ صقر الى السعودية باتفاق مع بريطانيا ومغادرة العسكر السعوديين للبريمي وهدأت أصوات إطلاق النار التي كنا نسمعها بين الحين والآخر.

بعدها وبضغط من الظروف الاقتصادية بدأت هجرة كثير من العائلات من البريمي الى السعودية وإلى الدمام خصوصاً.



يتبع......

[اردنية عمانية]

قصة مشوقة

متابعين

[omani505]

متابعين عزيزي واصل

[بيت حميد]

أرسل أصلا بواسطة اردنية عمانية

قصة مشوقة

متابعين

شكرا لكِ ومبارك عليكِ العيد

[بيت حميد]

أرسل أصلا بواسطة omani505

متابعين عزيزي واصل

جزاك الله خيرا ومبارك عليك العيد

[omani505]

ننتظر التكملة

[بيت حميد]

أرسل أصلا بواسطة omani505

ننتظر التكملة

جميل منتدى ولد عمان

[ShAdOw78]

لا زلنا نتابع ،، يتبع

[بيت حميد]

أرسل أصلا بواسطة ShAdOw78

لا زلنا نتابع ،، يتبع

أخجلتني أخي....ليت ما أكتبه يستحق المتابعة

شكرا جزيلا لك

[بيت حميد]

برحيل الشيخ صقر عن البريمي توقفت تجارة الرقيق في البريمي وقد كرهت ذكرها بشدة لما أعرف من أمر عائشة.
قاربت أشهر القيظ على الانتهاء وبدأ الناس بجداد الفرض وبعد إنتهاء موسم الجداد لن يبقى الكثير لعمله في البريمي.....راودتني فكرة الرجوع الى قطر وعائشة بالطبع أهم الاسباب وإلا فأكثر الناس هاجرت الى الدمام.
نويت التحدث الى سيف قبل مفاتحة أمي بالامر، سيف لم يشجعني على العودة الى قطر وقال(ترفع الآن عن الخدمة في البيوت...أنت رجل الآن) لم أزد كلاماً بعد مقولته تلك وانصرفت، انتهى القيظ وعزم سيف على الرجوع الى السعودية وجاء يشاورني إن أردت مرافقته، رفضت أمي بشدة وقالت (ربه هنا هو ربه في السعودية وسيأتيه رزقه) سمعت كلامها وقلت في نفسي(لكن عائشة في قطر يا أمي) لم أتكلم في حضور أمي وخرجت أودع سيف عند الباب وأخبرته أني لا أستطيع مخالفة أمي وأنه مرخوص ليذهب.
مع كل هذا كنت متأكداً أني سأذهب إلى قطر ...كل التأكيد..كيف سأفعل هذا لم يكن حينها لدي أدنى فكرة.

يتبع.....