عرض المشاركة وحيدة
  #1  
قديم 12/09/2010, 05:29 PM
صورة عضوية ماجد الهادي
ماجد الهادي ماجد الهادي غير متصل حالياً
عضو فوق العادة
 
تاريخ الانضمام: 15/10/2009
الإقامة: (( الـعـامـرات ))
الجنس: ذكر
المشاركات: 14,107
افتراضي ~~ الطبيعة والثقافة ~~

الطبيعة والثقافة

نص السؤال : هل ثقافة الإنسان تنسجم مع طبيعته المتحكمة على واقعه دائما ؟
المقدمة : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينجسانه أو ينصرانه " فقد كشف الحديث الشريف عن وجود جانب فطري متأصل في هذا الإنسان مثل القدرات التي يختزلها والكامنة فيه بالولادة في النشأة الأولى له والإدراك المبدئي , والجانب المكتسب في كل ذلك هو قابلية هذه القدرات التي توصف بالمختزلة للنمو والتطور في ظل ما يقدمه المجتمع من تعاطي ومن توظيف المصالح والانطباعات في صومعة واحده , ولكن هذان الجانبان ( الفطري والمكتسب ) هل هما متضدان أم متكاملان في تصنيفها فما ذات تصنيف عكسي متلاقح ؟ بمعنى آخر هل ما يكتسبه الإنسان " الثقافة " يضاف إلى ما هو موجود لديه بالفطرة " الطبيعية " أم يعارضه ويقاومه ؟ بمعنى آخر هل العلاقة بين الثقافة والطبيعة هنا هل هي علاقة توصف بالتضاد والتنافر أم هي أمكن وصفها علاقة انسجام وتكامل وتلاحم أم ماذا ؟
التحليل :القضية : ما هو ثقافي يعتبر مكملا لما هو طبيعي عند الإنسان أو المعنى هنا مختلف بالنظر إلى حالة التأثر والتأثير وما يحدثه من انقلاب مفهوم وتغير مفاهيم متواجدة على أرض الواقع كل التساؤل هنا يبحث عن الحقيقة الكامنة خلف أستر النفوس هذه ؟؟!!
الحجة هنا تكون : إن الطبيعة باعتبارها المحيط الحاوي لفكر هذا الإنسان ( أي هي الواقع الموضوعي المستقل بذاته عن الفرد ولكنه قد يؤثر عليه بطابع التأثر والتأثير التعاملي) أو باعتبارها الطبيعة البيولوجية المحكمة للواقع (أي الفطرة والغريزة المتأصلة عند أفراد النوع البشري الواحد المتشابهة في العقل والشعور والانطباعات ) فإنها قابلة للتأثر والتأثير وقابله للتغير والتغيير أيضاً لانها محيط العيش البشري والإنسان هنا قد أدرك ذلك منذ القدم أي منذ العصور البدائية قدرته على التأثير في الطبيعة الموضوعية من خلال تعامله المباشر معها , حيث صنع بدوره الأدوات والمعدات للعمل والنهل من الأرزاق التي تكون فيها بحيث أن هذا قد مكنته من استغلالها بشكل يراه بأنه يخدم مصالحه ويزيد من حجم الاستفادة التي يرجوه منها , ومع التطور الفكري والعلمي الحاصل للنمو الإنسان العاقل هو اكتشف الإنسان ذاتيته بقدراتها و اندفاعاتها بإدراك منه فراح بدوره يستغل هذه المعرفة المكتسبة التي اكتسبها من خلال تعامله المباشر هذا في فهم العوائق الموضوعية و الذاتية من أجل إحداث التكيف معها في تحسين الطرق المتصفة بالبيداغوجية إلا محاولة منه لإبراز القدرات الفطرية الكامنة في العقل والفكر كالذكاء والموهبة والقدرات الذهنية ...إلخ . وما التعليم والتدريب ومحاولة التجربة ومحاولة التغيير إلا استغلالا لقدرات العقل هذه وما الرياضة إلا استغلالا لقدرات الجسم البدنية فالثقافة مثلاً تعمل بدورها على تنمية السلوك البشري في حدود ما تقدمه الطبيعة المحيطة به من معطيات لها قابليه للتأثير والتأثر على حياة الإنسان وتعامله بشكل مباشر مع البيئة التي يعيش عليها والطبيعة التي تكون البيئة هذه باعتبارها هي مجال عيشه ومجال استمرار يته في هذه الحياة .
لنقم هنا بتحليل مبدأ الطبيعة وما تكون عليه من تأثر وتأثير والمقدرة على إحداث التغيير منطلقين من القدرة التي تتميز بها من ناحية الظهور في وقت الحاجة لها هذه الحاجة أمكن أن توصف على إنها حاجة فطرية أي الحاجة إلى استدعاء الفطرة في وقت الشدة ووقت الحاجة الماسة إليها .
لنأخذ مثال أوضح لذلك مثال التواجد في مكان مظلم ويحيط بك غموض المكان من كل حدب وصوب وتسمع أصوات غريبة ومخيفه في هذا الوقت تستيقظ فطرة الإنسان من سباتها العميق لكي تنخر في العقل والفكرة لتجعله يسير في مكان أوحد مكان محدد سلفاً لدى الذات ولدى الروح أي هو شيء لا إرادي يتكون بشكل يعتبر ويعبر عليه تلقائياً ألا وهو مناجاة الرب جل في علاه الطبيعة الفطرية هنا تقضي على كل من شأنه مكتسب في الاعتقاد والظنون والشكوك التي قد أحدث الخراب في دور العقول اليافعة ومناجاة الرب في هذا الوقت هو السبيل الوحيد لدى النفس لأنها قد رجعت إلى ذاتها الأولى وفطرتها الطبيعية بعداً عن النزوات التي قد كانت بها قبلاً من غزو فكري لها ومن همزات شيطانية قد أبعدتها عن الحق الدامغ الحق الذي لا يعرف شيء أسمه ويصنف على أنه باطل ..
ولنأخذ مفهوم الفطرة الداخلية هنا بشكل لا يخلوا من ألدقه الموضوعية التي تجعلنا نقف عند الحدود الدارجة الحدود التي تجعلنا نحدد ما هية الفطرة الطبيعية بدأ من استيقاظها لدى فرعون عندما قال بأنه الرب وكفر بالله عز وجل وعندما أشتد به الحال استيقظت نفسه وذاته وعلم الحق من الباطل وأختفى الغرور القابع في مخيلته التي يتخيلها في صورة إله ومسيطر ويعبد ولكن هذه الأفكار الباطلة سرعان ما ذابت لان القوة لا تكون في الضعف وفي النقص وعدم الاستطاعة من مجابهة الأحداث والمعرفة المسبقة لها وما يدل على الجهل هو ربط المعرفة بالاعتقاد المنحرف والشك المحرق للعقول لان العقل البشري لا ينكر شيء بمجرد أنه لا يعرف ولا يعلمه مجرد افتراء الكذب في غير موضع مخصص له واكتساب الثقافة لا تجعل الفطرة الطبيعية منحازة لها فالفطرة هي شيء والثقافة المكتسبة هي شيء آخر أي بمنأى من الفطرة التي قد كانت قبلاً في بواطن النفس كفطرة التفكر والكلام والتخاطب وغيرها هذه موجودة في الإنسان قبلاً ولكنه قد قام بإيقاظها عن طريق التدريب والتعلم والتجربة التي منها قد وجد فطرته وجعلها على أرض الواقع .
النقد : ولكن ما هو ثقافي بحد ذاته قد لا يقبل دائما وأبداً الانسجام التام مع ما هو طبيعي بحد ذاته فالكثير من العادات والقيم والمبادئ والقوانين المنظمة لحياة فئة معينه ومحدودة من البشر بحيث قد تحد من الاستعداد الطبيعي الكامن لدى الفرد المتأثر بها لان درجات استيعاب الفرد متفاوتة بحجم التأثير الذي يتلقاه ويتبناه في ذات لحظة التلقي هذه .
النقيض هنا يكون : ما هو ثقافي يعتبر معارضا لما هو طبيعي عند الإنسان لان هذا الإنسان هو بمثابة المتغير بحسب ما يمليه عليه الواقع وبحسب ما يمتاز به تفكيره من تغير في النظر إلى واقعه الذي يعيش به بمجرد اختلاف معرفته لهذا الواقع .
الحجة هنا : وكما أن الإنسان أدرك بقدرته العقلية والفكرية على التأثير في الطبيعة وعقلنتها سواء الذاتية أو الموضوعية بما يحقق له التلاؤم والانسجام والتكامل معها فكذلك أدرك قدرته على الحد من تأثيرها عليه فأبدع وسائل للحد من مخاطر الطبيعة وصعوباتها كالسدود و الأنفاق ... كما هذب دوافعه و اندفاعاته الطبيعة كالأنانية وحب السيطرة بما أوجده من قوانين وقيم اجتماعية وبما أوحى إليه الله من مبادئ ومثل دينية وأخلاقية فما التربية إلا وضع حد لطغيان الغرائز وبذلك فالثقافة جاءت لتقف في وجه الطبيعة حتى يعيش الإنسان في وفاق مع الآخرين .
النقد : لكن ما هو ثقافي ليس مكملا دائما ولا معارضا دائما لما هو طبيعي لان التفاوت هنا يكمن في التأثير وتوظيف ذلك لتحقيق المأرب وما يمكن له أن يحقق المجد المرغوب في حياة البشر .
إن الطبيعة والثقافة يمكننا اعتبارهما بأنهما قدرتان كامنتان عند الإنسان فهما متداخلتان إلى درجة الترابط الوثيق إذ لا يمكن الفصل بينهما إلا نظريا وما يتعارضان أحيانا ويتكاملان أحيانا أخرى لان التذبذب هو شأن التداخل والترابط والانفصال بين المؤثر والمتأثر وبين الغث والسمين لا يمكن أن نبين شيء على إنه منفصل لذاته ما دام الانفصال هذا لا يمكن أن يكون أو يحدث ويستحدث بشكل قطعي .
إن الفطري المسبق والمتكون لذاته والمكتسب أي الطبيعة والذي يأتي بمجهود وبتأثير خارجي للذاتية البشرية والثقافة والطبيعة هنا هما شيئان أمكن أن نقول بأنهما ملازمان لشخصية الفرد أحيانا أي مشتركان في التأثير عليه وفق ما تمليه عليه غرائزه وهواه وفكره وطريقه عقلنته لكل ما هو يؤثر عليه ويتأثر به و أحيانا يكون نفسه ويفرضها على واقعها وفق ما تمليه عليه ثقافته المكتسبة وعليه فالصراع الدائر بينهما والانسجام أيضاً باق وملازم له في حياته وهذا من أجل التكيف وتوظيف الوقائع من حوله لكي تخدم مصالحه ويستفيد بالتالي منها ..
__________________
:: اللهم لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين ::
" فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً " (طه، 114)
مدونتي .
"

وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ " (يوسف، 76)