عرض المشاركة وحيدة
  #1  
قديم 29/07/2008, 03:04 PM
برعي برعي غير متصل حالياً
عضو جديد
 
تاريخ الانضمام: 06/11/2007
الجنس: ذكر
المشاركات: 66
افتراضي حكم الاحتفال بما يسمى ( ليلة الإسراء والمعراج ) !

سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه . أما بعد : فلا ريب أن " الإسراء والمعراج " من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى عظم منزلته عند الله - عز وجل - ، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة ، وعلى علوه - سبحانه وتعالى - على جميع خلقه ، قال الله - سبحانه وتعالى - : ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ . [ الإسراء : 1 ] .

وتواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه عرج به إلى السماء ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلمه ربه - سبحانه - بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس ، وكان الله - سبحانه - فرضها أولاً خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يراجعه ويسأله التخفيف ، حتى جعلها خمسًا ، فهي خمس في الفرض ، وخمسون في الأجر ، لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه .

وهذه الليلة التي حصل فيها " الإسراء والمعراج " ، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره ، وكل ما ورد في تعيينها ؛ فهو غير ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بالحديث ، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها ، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات ، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - لم يحتفلوا بها ، ولم يخصوها بشيء ، ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعًا لبينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأمة ، إما بالقول وإما بالفعل ، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر ، ولنقله الصحابة - رضي الله عنهم - إلينا ، فقد نقلوا عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - كل شيء تحتاجه الأمة ، ولم يفرطوا في شيء من الدين ، بل هم السابقون إلى كل خير ، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعًا لكانوا أسبق الناس إليه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو أنصح الناس للناس ، وقد بلغ الرسالة غاية البلاغ ، وأدى الأمانة فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الله لم يغفله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكتمه ، فلما لم يقع شيء من ذلك ، علم أن الاحتفال بها ، وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء ، وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها ، وأتم عليها النعمة ، وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله ، قال - سبحانه وتعالى - في كتابه المبين من سورة المائدة : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ﴾ . [ المائدة : 3 ] .

وقال - عز وجل - في سورة الشورى : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ . [ الشورى : 21 ] .

وثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة : التحذير من البدع ، والتصريح بأنها ضلالة ، تنبيها للأمة على عظم خطرها ، وتنفيرًا لهم من اقترافها ، ومن ذلك ما ثبت في " الصحيحين " عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ؛ فهو رد ) ، وفي رواية لمسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا ؛ فهو رد ) .

وفي " صحيح مسلم " عن جابر - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته يوم الجمعة : ( أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ) . زاد النسائي بسند جيد : ( وكل ضلالة في النار ) .

وفي " السنن " عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - أنه قال : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة ، وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ؛ فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع ؟ فأوصنا ! فقال : ( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد ؛ فإنه من يعش منكم ؛ فسيرى اختلافًا كثيرًا ؛ فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) .

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وقد ثبت عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعن السلف الصالح بعدهم ، التحذير من البدع والترهيب منها ، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين ، وشرع لم يأذن به الله ، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم ، وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله ، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي ، واتهامه بعدم الكمال ، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم ، والمنكر الشنيع ، والمصادمة لقول الله عز وجل : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ . [ المائدة : 3 ] . والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - المحذرة من البدع والمنفرة منها .

وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة كفاية ومقنع لطالب الحق في إنكار هذه البدعة : أعني بدعة الاحتفال بـ " ليلة الإسراء والمعراج " ، والتحذير منها ، وأنها ليست من دين الإسلام في شيء .

ولما أوجب الله من النصح للمسلمين ، وبيان ما شرع الله لهم من الدين ، وتحريم كتمان العلم ، رأيت تنبيه إخواني المسلمين على هذه البدعة ، التي قد فشت في كثير من الأمصار ، حتى ظنها بعض الناس من الدين .

والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين جميعًا ، ويمنحهم الفقه في الدين ، ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق والثبات عليه ، وترك ما خالفه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .