المساعد الشخصي الرقمي

عرض الإصدار الكامل : " تاريخ الشك .. احتفاء بتحرر العقل وأنسنة الحياة " للكاتب عماد شيحه


البلوشي2008
26/08/2010, 10:54 AM
ربما يمثل الصراع بين الشكّ واليقين، بين الكفر والإيمان، أحد أهمّ محرّكات التطوّر البشري، خاصّةً وأنّه شكّل رافعة تحرّر العقل من أوهامه وتطوّر الفكر في تجلّياته الفلسفية والعلمية وانعكاساتها على حقول المعرفة الأخرى وأنسنة الحياة. هذا ما سعت المؤرخة الأمريكية جينيفر مايكل هيكت ـ وهي باحثةٌ أكاديميةٌ فضلاً عن كونها شاعرةً مرموقة ـ إلى إثباته واستخلاصه، من خلال رصد جدل الشكّ والإيمان عبر التاريخ المكتوب في شتّى أصقاع العالمين القديم والحديث والسياق التاريخي الذي رافقه، في نيّفٍ وخمسمائة صفحة من كتابها "تاريخ الشكّ".

موضوع هذا الكتاب هو الشكّ، وعلى نحوٍ أخصّ الشكّ الديني. قد يظنّ المرء أنّ الكتاب يتعرّض للأديان مختفياً وراء عنوانٍ حداثيٍّ أو أنّه يهاجمها على نحوٍ موارب، لكنّه مجرّد كتابٍ عن الشكّ : ماهيّته وتجلّياته التاريخية والشكّاكون في التاريخ، وتأثير الشكّ على الأديان وعلى الثقافة.

تكشف مقدّمة الكتاب فحوى منطقه، "ظهر أوّل شكٍّ مسجّلٍ في التاريخ منذ ألفين وستمائة عام، ما يجعله أقدم من كافّة المعتقدات الإيمانية. وتختصر حكايته عبارة أنّ الشغف بالحقيقة أدّى إلى انتصاراتٍ فذّة."

فمن خلال عرض تاريخ الشكّ، تتبدّى بضعة أمورٍ حول الدين، منها أولوية الإيمان على الشكّ، وتحوّل ثقافة الشكّ إلى نوعٍ من الاعتقاد الفاعل يتموضع في صلب المعتقدات المعاصرة. فقبل أن يغرق الإغريق المكتبات بشتى أصناف الشكوكيّة (مذهب الشكّ) والعلمانية، لم يفكّر أحدٌ مطلقاً في محاولة عقلنة أي دين. وكذلك، أنّ الشكّ ألهم الدين في كلّ عصر : من أفلاطون إلى القدّيس أوغسطين إلى المعتزلة إلى ديكارت وباسكال، حيث حدّد الدين طبيعته من خلال أسئلة الشكّ، وهو أمرٌ متواصلٌ حتى اليوم.

الشكّاكون منتجون بطبيعة الحال، لسببٍ واضحٍ أساسه نزوعهم إلى البحث والتحقّق وكذلك إضفاء معنى على حياتهم الشخصية. فالكثير من العلماء والأطباء ارتابوا في العقائد الدينية، ومن ضمنهم غاليلو عالم الفيزياء، وابن ميمون الباحث والطبيب اليهودي، وأبو بكر الرازي الطبيب والفيلسوف المسلم، وعالمة الفيزياء ماري كوري. تتسبّب المنهجية العلمية أحياناً بتوليد الشكوك من خلال طرائقها في الافتراض والبرهان. كما أنّ العديد من المنظّرين الأخلاقيين لقضايا الديمقراطية وحرّية التعبير والمساواة كانوا شكّاكين، ومن بينهم في المرحلة الحديثة توماس جيفرسون وجون ستيوارت ميل. وكذلك كان دافع إبداع كبار الشعراء، من لوكريتس وأوفيد إلى جون كيتس وإميلي ديكنسون، ارتيابهم بوجود الله والحياة الأخرى وتوجّب عليهم أن يكدّوا لتقديم إجاباتٍ على ما اعترضهم من أسئلة.

لا ينصبّ اهتمام المؤلّفة على إنكار الدين بقدر ما ينصبّ على الخطّ الناظم لهذه الفكرة. فغالباً ما تعرض لنا أولئك المفكرين الذين افترضوا أنّ للعالم هيئةً تخالف ما قيل لهم عنه. كما أنّها - وفيما توفّر لنا إطاراً مرجعياً واسعاً في تجوالنا عبر التاريخ- تضع لنفسها هدفاً بعيد المنال من خلال سعيها إلى تتبّع فكرةٍ متلوّيةٍ تركها لنا التاريخ من خلال بضع وثائق مكتوبة. لكنها لا تحصر مهمّتها في أوروبا، بل تلقي أيضاً نظرةً شاسعةً على آسيا.
إنّها تسرد حكايتها المتراكمة بلغةٍ دقيقةٍ لكنّها سهلة المنال. وإن كانت تملك قدرة الانسياق إلى التجريدات المعقدة، لكنّها تعايش مادتها ولا تقدّم لنا إلاّ ما نحتاجه لمتابعة الأفكار وتقلّباتها عبر التاريخ.

ومع أنّ المؤلفة تسمح لنفسها ببعض التجاوزات (من قبيل تأويلها للكوجيتو الديكارتي "أنا أفكّر إذاً أنا موجود" على هيئة: "أنا أشكّ، إذاً أنا موجود")، لكنّها، ومن خلال عرضها المركّز للمدارس الفكرية والسياق التاريخي المتّصل بمؤيّديها ومناهضيها، لم تقدّم براهينها أو بيّناتها إلاّ بوصفها مقترحاتٍ قابلةً للنقاش، بل إنّها طالبتنا بمساءلة معارفنا والكيفية التي نسائل فيها القضايا المطروحة في الماضي.

تحتفي جينيفر مايكل هيكت في تاريخها المطوّل الشامل بالشكّ بوصفه محرّكاً للإبداع وبديلاً عن مخاطر اليقين، السياسية منها والفكرية، "غالباً ما يدفع الشكّ العالم نحو الإبداع والتقدّم، في حين يشكّل الإيمان الأعمى القائم على التفسير الحرفي للنصوص المقدّسة قوّةً رجعيّةً تكبح أيّ تطوّر". وكما يحفل تاريخ الإيمان بأشخاصٍ غيّرت تعبيراتهم الفذّة عن الإيمان العالم، كذلك يحفل تاريخ الشكّ بقدّيسيه وشهدائه وحكمائه.
\

البلوشي2008
26/08/2010, 10:55 AM
لا تسعى قراءة التاريخ إلى اكتشاف وقائع جديدة، بل إلى تعرية استنتاجاتٍ حديثة. وهو ما أجادت المؤلفة القيام به. فالكثير من الوقائع والتواريخ والشخصيات التاريخية التي استخدمتها لسرد تاريخها مألوفة، لكنّها وضعتها في سياقٍ يستخلص مقداراً وافراً من الاستنتاجات الجديدة من خلال إعادة سردها للأحداث التي تأسّست عليها روايتها. تمسّ هذه الاهتمامات بالضرورة شؤون الدين، فضلاً عن العلم والثقافة. فحين تعرض الشكّ في التاريخ، تبتكر ظلالاً لتلك الأمور التي يمسّها الشكّ، مقدّمةً للقارئ فهماً جديداً لظاهر المشهد وما يختفي وراءه. تتشابك سداة الشكّ في نسيج التاريخ مع لحمة العلم والشكوكيّة والمذهب الطبيعي والعقلانية لتساهم في صياغة الحكاية.
تمزج المؤلفة معارفها التاريخية الواسعة وإجلالها لكبار الشكّاكين بحساسيّة الشاعر لتنقل إلينا حكايةً مثيرةً تغطّي جانباً من تاريخ الأفكار. كما أنّها تعرض علينا البشر العاديّين وهم يطرحون على أنفسهم الأسئلة العويصة التي تواجهنا جميعاً. تحتفل بأبطال الشكّ ـ كونفوشيوس وسقراط والمسيح ووانغ تشونغ وابن ميمون وغاليلو وداروين وغيرهم كثيرون ممّن غيّروا التاريخ من خلال تحدّي سلطات المعرفة السائدة في عصرهم وموروثهم الفكري.

لا ترى المؤلفة في تاريخ الشكّ مأثورَ تحدّي المعتقدات الدينية الدارجة - ومن ضمنها وجود الله- فحسب، بل تعاقباً في محاولات عقلنة الحياة والطبيعة والنفس. كما أنّها تبرز تفكّر كبار الشكّاكين في القضايا الجوهرية عينها التي تفكّر فيها كبار المؤمنين. يكشف الكتاب، وربّما لأوّل مرّةٍ، الكيفية التي أبدع فيها الشكّاكون، بشجاعةٍ وعلى نحوٍ خلاّقٍ، إجاباتهم على أسئلة الحياة الكبرى.

الشكوكية ملازمةٌ للتفكير، "يحظى مفهوم أرسطو التجريبي حول الكون بأهمّيةٍ خاصّةٍ في تاريخ الشكّ بسبب دفاعه عن العقلانية. فقد وعى من خلال مؤلفاته ضرورة إعمال العقل وإقامة الحجّة والبرهان، وتعامل منذ بداياته مع مختلف حقول المعرفة : من علم الأحياء البحرية إلى المنطق، إلى علم السياسة وعلم الأخلاق وعلم النفس". كما تلخّص حكمةٌ بوذيّةٌ قديمةٌ أهميّة الشك : "شكٌّ هائلٌ يساوي نهضةً عظيمة، شكٌّ محدودٌ يعادل نهضةً ضئيلة، انتفاء الشكّ يعادل انتفاء النهضة". هكذا، ومن خلال تعرية الشكّ والكفر لسلطات المعرفة اليقينية، تتغذّى الاكتشافات الفكرية. لكنّ غالبية البحوث تركّز على أنظمة الاعتقاد التي تحدّد تاريخ الأديان وتنفي الشكّاكين من الذاكرة الحيّة.

يعرض نثر المؤلفة الشاعريّ ملحمة الصراع بين الإيمان والكفر نيابةً عن التيارات التاريخية وكفاحات البشر في مواجهة أوهامهم، مبرزاً تحوّل الشكّ عبر التاريخ إلى محرّكٍ هائلٍ عجّل الكثير من الاكتشافات السياسية والدينية والعلمية.

ما يذهل في الكتاب تغطية المؤلفة لما يقارب مجمل التاريخ المكتوب، حيث تتضمّن لوحتها عن الشكّ الوثنيةَ التقليدية والمسيحية والإسلام واليهودية والهندوسية واليانية والبوذية ومعتقداتٍ أخرى، وملاحقتها درب الشكّ المتعرّج منذ الانقسامات ما قبل السقراطية وأصحاب البدع الدينية الأوائل في آسيا، وامتزاج الأفكار الدينية والفلسفية الغربية والشرقية في العصور الوسطى، وهو أمرٌ لا توفّره السرديات التاريخية المألوفة، وصولاً إلى صعود الشكّ لاقتحام بوابات الحداثة مع الكوجيتو الديكارتي. كما تجذب، بكتابتها المرهفة، القارئ نحو التفكّر في بعضٍ من أكثر الأسئلة المطروحة سرمديّةً.

من المرجّح أنّ المؤلفة شكّاكة، لكنّها تعالج موضوعها من دون تحيّز. ما يتيح، عبر معالجتها النقدية، تآلف تلك المعتقدات الدينية المختلفة ظاهرياً في الذهن، وإبراز ما تشترك فيه من قوىً روحية متشابهة وضعفٍ فكري. ومن خلال عرضها لمحاولات الصراطيين الدؤوبة خلال التاريخ لنبذ أصحاب البدع والمفكّرين الأحرار وقمعهم، تتّسع منظومة الشكّ في عملها لتتضمّن كثيراً من المرتدّين والملحدين. وتقدّم سلالاتٍ فذّةً من الشكّاكين من قبيل الشكّاكين الإسلاميين الذين تأثّروا في العصور الوسطى بالفلسفة الكلاسيكية، والشكّاكين اليهود في العصر الهيليني الذين افتتنوا بثقافته الحيوية والمترفة وحاولوا دمج اليهودية والوثنية.

هذا الكتاب ليس تاريخاً للإلحاد أو لإنكار وجود الله أو الآلهة أو أي وجودٍ مغايرٍ للطبيعة بقدر ما هو تاريخٌ للشكّ ودراسةٌ شاملةٌ غير متحيّزةٍ له من شتى المنطلقات : شكوك القدّيسين والآثمين والفنانين والسياسيين والكتّاب والعامّة. هكذا، وحيث يمكن للمرء أن يتوقّع وجود دعاة الشكّ، من أمثال سبينوزا، يُفاجأ بقيام المؤلفة بتفحّص شكوك دعاة الإيمان من أمثال المسيح وأوغسطين ومارتن لوثر. فهي تكتشف الشكّ في مواضع لا يتخيّلها المرء. تجوب المؤلفة العالم، عارضةً كوكبةً من الشخصيات الشهيرة والمغمورة تجمعها سمة الشكّ، ما يؤكّد احتفاءها بهم. ورغم أنّ ثقافة الغرب تستغرقها أكثر من ثقافة الشرق، إلاّ أنّها تبذل جهداً صادقاً لتضمين الشكّ الشرقي، بعوالمه المختلفة، في النقاش.

قدمت المؤلفة سرداً بارعاً لتاريخ الفكر، وبألمعيةٍ استطاعت إرضاء القارئ بتوفير الإمتاع والقيمة المعرفية من خلال سردٍ فكريٍّ رصينٍ وأسلوبٍ يحيل أحياناً إلى جذورها الأدبية والشعرية. ورغم صفحات كتابها التي قد تثبّط القارئ العاديّ بطولها، وما تزخر به من تفصيلاتٍ تاريخية وفلسفية، فهو يستحقّ ما يبذل من جهدٍ لقراءته، فضلاً عن ترجمته إلى اللغة العربية.


موقع أوان (http://www.alawan.org/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%83.html)

البلوشي2008
26/08/2010, 11:14 AM
لمزيد من البحث حول هذا الموضوع في السياق العربي والإسلامي ارجو مطالعة كتاب " حرية الإعتقاد الديني .. مساجلات الإيمان والإلحاد منذ عصر النهضة إلى اليوم " للكاتب والباحث محمد كامل الخطيب والكتاب يشمل نصوصا من هذه السجالات الفكرية من مؤلفات شبلي شميل وسلامه موسى وبرتراند راسل وإسماعيل مظهر وصادق جلال العظم وطه حسين ومحمد حسين هيكل وغيرهم من التيارات الدينية والعلمانية المختلفة في العالم العربي .
والكتاب من إصدار رابطة العقلانيين العرب ودار نشر بترا في دمشق

اوراهارا كيسكيه
26/08/2010, 01:08 PM
شكراً لك يا البلوشي 2008 او صالح :كاشخ:
و لكن اكاد استنكر وصف المسيح بالشكاك, او من ابطال الشك,
فهل هو عليه الصلاة و السلام شكاك, ام منشيء يقينيات جديدة
غير يقينيات الديانة اليهودية؟

هذا موضوع للكاتب انكي, يذكر فيها و يحلل اقتباسات للطبيب,
الذي قيل عنه انه مسلم, و الذي ذكرته في راس الموضوع:
ابو بكر الرازي, سوف تلاحظون ان صراع العقل و الشك قديم,
من خلال مقتبسات الرازي.

الفيلسوف الطبيعي ابو بكر الرازي، وردوده على الاديان

ابو بكر الرازي (اسمه اللاتيني Rhazes او Rasis) يعتبر من طليعة العلماء ابان فترة الخلافة الاسلامية، فقد برع في الطب والكيمياء والفلسفة والمنطق. الرازي يعتبر الاب الروحي لطب الاطفال Pediatrics ومن اوائل من اهتمو بالجراحة العصبية وطب العيون. وفي الكيمياء، اشتهر بدراسته لحامض الكبريتيك، ولعزله كحول الايثانول واستخدامه الطبي للكحول. وسر اهتمامي به هو انتقاده للانبياء او المتنبيين بحسب تعبيره، وقد كتب بهذا الشأن عدد من الكتب منها:





لسوء الحظ لم تصلنا هذه الكتب، ولكن وصلتنا منها اقتباسات اوردها خصومه في معرض الرد عليه ونحن لانعلم ان كانت من ضمن ما قاله حقاً ام كذبها عليه خصومه عمداً. ولكن دعنا ننظر الى بعضها. (من كتاب: من تاريخ الالحاد في الاسلام)...طبعا مع شروحات وافكار انكي http://www.tabee3i.com/public/style_emoticons/default/smile.gif

تقديم العقل يلزم منه ترك الاديان

"ان البارئ - عز اسمه - انما اعطانا العقل وحبانا به لننال ونبلغ به من المنافع العاجلة والاجلة غاية ما في جوهر مثلنا نيله وبلوغه ... وبالعقل ادركنا جميع ما ينفعنا ويحسن ويطيب به عيشنا ونصل الى بغيتنا ومرادنا...وبه ادركنا الامور الغامضة والبعيدة منا الخفية المستورة عنا ... وبه وصلنا الى معرفة البارئ عز وجل الذي هو اعظم ما استدركنا وانفع ما اصبنا ... اذا كان هذا مقداره ومحله وخطره وجلالته فحقيق علينا ان لا نحطه عن رتبته ولا ننزله عن درجته، ولانجعله - وهو الحاكم، محكوما عليه ولا - وهو الزمام - مزموماً ولا -وهو المتبوع - تابعاً، بل نرجع في الامور اليه ونعتبرها به ونعتمد فيها عليه، فنمضيها على امضائه ونوقفها على ايقافه"

هذا الرد في الحقيقة يلزم من يظن ان العقل هو الوحيد المنتج لليقين وان مايرد عبر الحواس، مثلما تجد بعض المسلمين ممن ينقدون العلم الحديث لاعتماده على الحس والتجربة، هو ظني غير منتج لليقين. وبناءاً على هذا فان من الاسلم اتباع العقل وان نعرف الخير والشر عبر العقل نفسه وليس النقل. والرازي طبعا يؤكد على ان النبوة صارت غير مبررة ولاحاجة لنا بها، لانك تقول انك عرفت الله بالعقل وتقول انه بالعقل نعرف الخير والشر. فما الحاجة الى الاديان اذاً؟

طبعا ممكن ان يرد راد بان العقل غير كاف لمعرفة الخير الشر. وجوابه هو: هل ان عدم الكفاية مردها الى نقص وعوز في العقل نفسه ام الى كون الخير ليس خيرا حتى يأمر الله بكونه خيراً؟ ان كان الاول سقط التكليف (نرجع هنا الى رد ابن الراوندي ورد البراهمة) لانه اذا لم يكن المكلف قادرا على التمييز بين الخير والشر فلايمكن تكليفه بما يعجز عنه. وان كان للثاني فيلزم منه ان الله لم يأمر بالخير ولم ينه عن الشر وهذا باطل عند كل مؤمن، او هكذا اظن.

يذكر عبد الرحمن البدوي امرا لطيفا هنا وهو ان الملحدين في ذلك الزمان كانوا بالعادة يعظمون من مقام العقل ويبالغون في ضرورته وهذا لكي يجعلونه بمقام البديل عن النبي. فالتابع الديني يعرف الحق بالاتباع بينما اللاديني يعرف الحق بالعقل. طبعاً فهمنا الحالي للاخلاق هو افضل من هذا بكثير وفهمنا للعقل ومكانته ودوره قد حطت من هذه المنزلة الرفيعة ولكن، هذا نوع لطيف من الدعاية لمذهب ما.

انت تعرف الحق عبر الرجال اما انا فاعرف الحق بالعقل والمنطق...التفاتة لطيفة حقاً.

ويستمر الرازي في نقد الاديان وتناقض الانبياء مما لا اريد ان تحكيه هنا لطوله ويمكن الرجوع الى كتاب البدوي في هذا المجال، اريد فقط ان اذكر الاشياء المهم لي في سياق هذا الموضوع:

لماذا تبع الناس الاديان

"ان اهل الشرائع اخذوا الدين عن رؤسائهم بالتقليد، ودفعوا النظر والبحث عن الاصول، وشددوا فيه ونهوا عنه، ورووا عن رؤسائهم اخباراً توجب عليهم ترك النظر ديانة، وتوجب الكفر على من خالف الاخبار التي رووها. ومن ذلك ما رووه عن اسلافهم أن: الجدل في الدين والمراء فيه كفر، ومن عرض دينه للقياس لم يزل الدهر في التباس، ولاتتفكروا في الله وتفكروا في خلقه، والقدر سر الله فلاتخوضوا فيه، واياكم والتعمق فان من كان قبلكم قد هلك بالتعمق"

وقال:

"ان سئل اهل الدعوى عن الدليل على صحة دعواهم، استطاروا غضباً، وهدروا دم من يطالبهم بذلك، ونهوا عن النظر، وحرضوا على قتل مخالفيهم. فمن اجل ذلك اندفن الحق اشد اندفان، وانكتم اشد انكتام."

وقال:

"انا اتوا في هذا الباب من طول الإلف لمذهبهم، ومر الايام، والعادة، واغترارهم بلحى التيوس المتصدرين في المجالس: يمزقون حلوقهم بالاكاذيب والخرافات، وحدثنا فلان عن فلان بالزور والبهتان، وبروايتهم الاخبار المتناقضة: من ذلك اثار توجب خلق القرآن واخرى تنفي ذلك، واخبار في تقديم علي واخرى في تقديم غيره، واثار تنفي القدر واخرى تنفي الاجبار، واثار في التشبيه..."

ويبدو ان الرازي قد ذكر امثلة على ذلك ولم تصلنا.

وقال:

" انما غرهم طول لحى التيوس وبياض ثياب المجتمعين حولهم من ضعفاء الرجال والنساء والصبيان، وطول المدة حتى صار طبعا وعادة"

في الحقيقة رد الرازي هو رد جميل جدا ولايحتاج شرح وهو يضع يديه على العلة (لاعجب فهو طبيب http://www.tabee3i.com/public/style_emoticons/default/smile.gif ) فيذكر اسباب سيعتني بها المفكرون الاجتماعيون بعد قرون منه! مثل التقليد واثر التقليد في نشر المعتقد مثل جابريل تارد G. Tarde وجوستاف لو بون G Le Bon ومنها السلطة، والاعتناء بالمظهر الخارجي الذي يوقع الرهبة في عيون البسطاء وايضا التعود والاستمرار الذي يتحول مع الوقت الى طبيعة، مرة اخرى ارجع الى كتاب البدوي لانني لا اريد ان انقل نقل مصطر (مع انني افعل هذا الان!).

ما يهمني من النصوص المتقدمة هي انها ترينا ما كان يحدث للملحدين في تلك الفترة، وانها لاتختلف عما يحصل الان، فالرازي يقول: انك اذا سألتهم عن الدليل فزعوا وطلبوا قتلك!

نقده للقرآن

"قد والله تعجبنا من قولكم ان القرآن هو معجز، وهو مملوء بالتناقض، وهو اساطير الاولين - وهي خرافات"

وقال:

"إنكم تدعون ان المعجزة قائمة وموجودة - وهي القرآن - وتقولون: "من أنكر ذلك فليأت بمثله"...إن اردتم بمثله في الوجوه التي يتفاضل بها الكلام فعلينا ان نأتيكم بالف مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء وماهو أطلق منه الفاظاً، واشد اختصاراً في المعاني، وابلغ أداءً وعبارة واشكل سجعاً، فان لم ترضوا بذلك فانا نطالبكم بالمثل الذي تطالبونا به"

هذه ملاحظة دقيقة، فانت تقول هات المثل، فانا اقول لك: هاك هذا مثل، فتقول لي: لا اقبل ان يكون هذا مثل القرآن، فاقول لك عندها فاذاً هات مثله، فتجلب انت مثله، فارفضه وتسألني المثل وهكذا الى ما لانهاية. الرازي هنا يلاحظ ان الحجة ممكن ان تقلب على الخصم اي انه لاحظ مغالطة special pleading.

وقال:

"قد والله تعجبنا من قولهم في حكاية اساطير الاولين، مملوء مع ذلك تناقضاً، من غير ان تكون فيه فائدة او بينة على شيء"


وقال:

"وايم الله لو وجب ان يكون كتاب حجة، لكانت كتب اصول الهندسة والمجسطي الذي يؤدي الى معرفة حركة الافلاك والكواكب، ونحو كتب المنطق، وكتب الطب الذي فه علوم مصلحة الابدان - اولى بالحجة مما لايفيد نفعا ولاضرا ولايكشف مستوراً"

يعني القرآن غير مفيد اذا قورن بفائدة الكتب العلمية الاخرى.

وقال:

" ومن ذا يعجز عن تأويل الخرافات بلابيان ولابرهان الا دعاوى ان ذلك حجة؟ وهذا باب ان دعا الخصم سلمناه وتركناه وما قد حل به أن سكر الهوى والغفلة مع إنا نأتيه بافضل منه من الشعر الجيد والخطب والبليغة والرسائل البديعة مما هو افصح واطلق واسجع منه، وهذه معاني تفاضل الكلام في ذاته، فما تفاضل الكلام على الكتاب فللامور كثيرة فيها منافع كثيرة، وليس في القرآن شيء من ذلك الفضل، انما هو في باب الكلام، والقرآن خلو من هذه التي ذكرناها"

هذه التفاتة جيدة جداً، انا اقول لك القرآن متناقض وان هذه الاية تنقض تلك، فتقول لي لا، ليس الامر كما تقول لان هذه الاية معناها كيت وكيت وتلك معناها كيت وكيت وطبعا انت لاتذكر لنا كيف توصلت الى ان هذا هو المراد بالنص سوى انك ستقول ان هذا هو المراد بالنص (او تتبع طريقة تجهيل الاخر: انظروا الى الاخطاء القواعدية في كتابته، انه لايحسن العربية، او انت لاتعرف شيئا عن العلم العظيم الذي اسمه الفقه او المنطق او الفلسفة اليونانية او غيرها من خيبات صارت تسمى علوماً).

وقال:

"اخبرونا اين ما دلت عليه ائمتكم من التفرقة بن السموم والاغذية، وافعال العقاقر؟ ارونا منه ورقة واحدة كما نـُقل عن بقراط وجالينوس الالف لا الآحاد (أي من الاوراق)، وقد نفع الناس وارونا شيئا من علوم ووحركات الفلك وعلله ونـُقل عن رجل من أئمتكم أو شيئاً من الطبائع اللطيفة والطريفة نحو الهندسة وغير ذلك من امر اللغات، لم تكن معروفة واخترعها أئمتكم؟...ان قلتم ان هذا كله أخذ أصله من ائمتنا، قلنا هذه دعوى غير صحيحة،, ولا مسلمة لكم، وانا لنعرف ما تدعون انه من ائمتكم، وهو الشعف الوتح (اي القليل التافه الخسيس) الذي شاع ذكره في عوام الناس وخواصهم...فإن قلتم من اين عرف الناس افعال العقاقير في الابدان وحركة الفلك، وباي لغة تدعى الى اختراع اللغات؟ فان لنا في ذلك اقاويل تستغني عن أئمتكم: فمنها ما تكون مستخرجة على رسومها المعروفة المشهورة عند اهلها كالارصاد النجوم ومعرفة افعال العقاقر في الابدان ومعرفة قوامها بالطعوم والاراييح، ومنها ما اخذت اولا عن اول الى نهاية الزمان ومنها ان تكون معرفتها بالطبع كما يحسن الاوز السباحة من غير تعليم من ائمتكم ويدحض الاحتجاج الذي احتججتم به"

هنا، يتضح لنا ان دعوى الاعجاز ليست بالامر الجديد !!! فحتى القدماء كان عندهم شيء مشابه، كما يبدو. فالرازي يقول ان عندنا كتب مفيدة والقرآن غير مفيد، فكان الرد عليه هو ان كتب العلم عندك انما اخذت عن انبياء وانما اسماء مثل ارسطة وبقراط وافلاطون هي اسماء مستعارة لانبياء سابقين، فالعلم كله اخذ عن الانبياء !!!! فيجيبهم الرازي بان هذه العلوم استقيت من مصادر طبيعية: مثل التجربة والملاحظة (وكان الرازي من اوائل انصار الطب التجريبي) ومنها المقارنة، عند الكيميائي، مثل ملاحظة اللون الطعم والرائحة والحالة. ومنها البديهي الغريزي، وهكذا.

عماني مسقطي
29/08/2010, 10:21 PM
نقده للقرآن
"إنكم تدعون ان المعجزة قائمة وموجودة - وهي القرآن - وتقولون: "من أنكر ذلك فليأت بمثله"...إن اردتم بمثله في الوجوه التي يتفاضل بها الكلام فعلينا ان نأتيكم بالف مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء وماهو أطلق منه الفاظاً، واشد اختصاراً في المعاني، وابلغ أداءً وعبارة واشكل سجعاً، فان لم ترضوا بذلك فانا نطالبكم بالمثل الذي تطالبونا به"

.[/COLOR]

من يدلنا على صاحب القول أعلاه إن كان حياً لنقل له يا أخ العقل :

قوله تعالى :
" قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً "
" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "
" وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "
" وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً "

المقصد هو تحدي أن يجدوا نسخاً من القرآن مطابقة قيلت من قبل بدليل :
(1) لا توجد قرينة تشير إلى أن القرآن يتحدى الإنسان في البلاغة، فضلا ً على أن القرآن صرح أنه مُيَسَر، وهذا ما يستبعد التحدي اللغوي.
(2) لم يقل "قولوا"، وإنما قال "فأتوا" أي اجلبوا، ولهذا فالمقصد الإتيان بنسخ قيلت من قبل.
(3) قال "بمثله" ولم يقل "بخير منه"، أي كلام مطابق، فإن لم تستطيعوا أن تأتوا بعشر فواحدة قيلت من قبل، لاحظ : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا).
(4) "بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ" كلمة "مفتريات" دليل على أن التحدي ليس في ما يخص البلاغة اللغوية، فكيف يصفها بالمفتريات إن كان يقصد التحدي اللغوي معهم، بل المعنى الأقرب هو أنه يتحداهم أن يثبتوا زعمهم أن محمداً قال عن غيره، فأتوا ما يثبت زعمكم.
(5) "فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم" شهداءكم يشهدون أن ما تأتون به من سورة قد قيلت من قبل.
(6) "إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" دليل على الأمر يتعلق بإحضار شئ والتزام الصدق بشأن مصدره.



أوراهارا:
صديقي قبل أن تنقل نقد أحدهم للقرآن الكريم فالحق يا عزيزي أن تحكم عقلك أولاً هل ما يأتي به من نقد موافق للمنطق والعقل أم لا ،،، الآيات يا أوراهارا لا تتحدى الإنسان في الفصاحة واللغة والأدب، وإن كثر يا عزيزي من المفسرين من يرون أن الآيات تعني التحدي في الفصاحة فسألهُم من أين لكم في الآيات ما يحمل أن التحدي في الفصاحة، خصوصاً هذا الجزء يا أوراهارا: (بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَات) فكيف يصفها الرب بأنها مفتريات إن كان يقصد التحدي في الفصاحة والبلاغة؟

يحيى الراهب
29/08/2010, 10:53 PM
الشك المقصود هنا ( الشك المنهجي) على ما أحسب
و هو ليس قريناً بالشك العبثي الذي يتصوره البعض
و ربما من أشهر فلاسفة الشك المنهجي الإمام الغزالي
و فرنسيس بيكون .

متابعون لهذه الزاوية الفكرية .

Moon Shadow
29/08/2010, 11:00 PM
الشك المقصود هنا ( الشك المنهجي) على ما أحسب
و هو ليس قريناً بالشك العبثي الذي يتصوره البعض
و ربما من أشهر فلاسفة الشك المنهجي الإمام الغزالي
و فرنسيس بيكون .

متابعون لهذه الزاوية الفكرية .

مع هذا الرأي
الشك الذي يستند على ادلة وحجج وبراهين
آسميك من ايامك انت فنتك ايها الراهب
بس في اي صومعة او اي دير :مستغرب:

OverZero
30/08/2010, 12:25 AM
التفكير شك ، لأن التفكير في صورته البسيطة ما هو إلا مقارنة بين شيئين ، أحدهما مُختزن و الثاني معلومة جديدة ، فإذا اتفق المُختزن و الجديد أصبح الجديد معرفة ، و تُستدعى هذه المعرفة لمقارنات أخرى ، و على هذا تُبنى المعارف و تتكوّن.. هذا المُختزن هو اليقين ، و الجديد هو المشكوك فيه ، إذن فالتفكير هو مقارنة بين اليقين و المشكوك فيه.. و عدم التفكير يكون في حالتين ، إما التسليم المطلق ، أو الرفض المطلق ، فالتسليم المطلق يعني اكتساب معرفة دون مقارنة بالمعارف السابقة ، و الرفض المطلق هو الامتناع عن المقارنة بالمعارف السابقة ، و هذا ما يُعرف بالتعصب.

سؤال يطرح نفسه ، هل الشكّاك يعني بالضرورة ملحد و منكر لكل شيء ؟ و لا شغلة لديه سوى الإنكار ؟!

لا أظن ، فإبراهيم عليه الصلاة و السلام هدم أصنام آبائه لأجل إثبات وحدانية الله ، أي أنه استبدل يقينًا بيقينٍ آخر.. و عيسى كذلك (يا أوراهارا) لأنه قدّم مفاهيم غير سائدة في مجتمع منغلق لما ورثه عن آبائه ، و محمد عليه الصلاة و السلام حين قلب الجاهلية العربية إلى أمة ذات حضارة ضربت أطرافها الشرق و الغرب ، كل هؤلاء "شكّوا" في حال مجتمعهم و غيّروه.. حتى الإمام الغزالي الذي هاجم الفلاسفة لم يرد عليهم سوى بمنهج الشك و الفلسفة.. فليس صحيحًا أن نحصر كلمة شك على المنبوذين و الشكّاكين و الملحدين..

نقطة أخيرة .. الشك يجب أن يقود إلى يقين ، فإذا لم يفعل فهو مجرد عبث كما قال الراهب ، و يتجلى ذلك في تسلسل ديكارت حين شك أنه يشك ، فأدرك بذلك أن الشك يقود إلى حقيقة الوجود ، و من هذه القاعدة انطلق في بناء معرفته .