المساعد الشخصي الرقمي

عرض الإصدار الكامل : مكانة ومفهوم السنة النبوية الشريفة في حياة المسلم


يوسف ملوك
27/09/2009, 05:08 AM
مكانة ومفهوم السنة النبوية الشريفة في حياة المسلم
(السيرة البنبوية الشريفة) وجدلية العزوالذل والحياة والموت

"السيرة النبوية بمعناها الواسع تشمل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، بما كان فيها من أقوال وأعمال وإقرار، وتشتمل حياة صحابته الأكرمين رضوان الله عليهم أجمعين، وما كان لهم من جهاد ونضال في سبيل القرآن والملة الغراء، وتشمل حياة التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فهذا كله تشمله كلمة (السيرة النبوية) بمعناه العام الواسع، لأن الإمام فيها، و القائد لها، والعلم المبرز من بين أعلامها، هو محمد رسول الله عليه صلوات الله وسلامه" يسألونك في الدين. أحمد الشرباصي. م:3 ص:255
يقول المولى سبحانه وتعالى في حق نبيه الكريم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، تتبيثا لشرعته وايجابا لسنته عليه أفضل الصلاة والسلام:(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر و ذكر الله كثيراً) الأحزاب :21
ذكر القرطبي رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن في تفسير( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) أي كان لكم قدوة في النبي صلى الله عليه وسلم و قال في ذكر المولى سبحانه (أسوة) الأسوة القدوة. والأسوة ما يتأسى به، أي يتعزى به. فيقتدي به في جميع أفعاله ويتعزى به في جميع أحواله وقال رحمه الله: واختلف في هذه الأسوة بالرسول عليه السلام، هل هي على الإيجاب أو على الإستحباب، على قولين: أحدهما على الإيجاب حتى يقوم دليل على الإستحباب. الثاني: على الإستحباب حتى يقوم دليل على الإيجاب. و يحتمل أن يحمل على الإيجاب في أمور الدين، و على الإستحباب في أمور الدنيا.
أما الإمام قطب تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه فيكتب في ضلال القرآن:" و قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرغم من الهول المرعب والضيق المجهد، مثابة الأمان للمسلمين، مصدر الثقة والرجاء والإطمئنان. وإن دراسة موقفه صلى الله عليه وسلم في هذا الحادث الضخم لمما يرسم لقادة الجماعات والحركات طريقهم، وفيه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وتطلب نفسه القدوة الطيبة، ويذكر الله ولاينساه
ويقول أبوبكر جابر الجزائري في مؤلفه هذا الحبيب عن قوله تعالى:"( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). "أي قدوة صالحة فاقتدوا به. و رتب تعالى هدايتنا على طاعته، والإقتداء به فقال عز وجل:( قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا) النور:54.
ولازم هذا أن ترك الإقتداء به صلى الله عليه وسلم مفض بصاحبه إلى الضلال الموجب للهلاك في الحياتين وهو كذلك فهم سلف هذه الأمة، فالتزموا بطاعته صلى الله عليه وسلم ومتابعته والإقتداء به." هذا الحبيب. ص.458 ويؤكد المولى سبحانه وتعالى أن طاعة العبد له تلزمها طاعة الفرد الواجبة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) النساء:80
استرسل الأستاذ عبد الله شحاتة تقبله الله سبحانه في أحبائه وخاصته وتغمده بواسع رحمته ولطفه في كتابه في رحاب السنة المطهرة بما فتح الله تعالى عليه حول مضمون الآية الكريمة قائلا:" فهو القائد الرائد، و هو المثل الأعلى، وهو الحبيب المحبوب، وهوالقرآن المتحرك وهوخاتم الأنبياء وصاحب المعجزات، هو النبي العربي الذي بشرت به التورات والإنجيل، وهو الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة بأحسن ما يكون الأداء، ثم أمرنا أن نعمل برسالته وأن نقتدي به في سلوكه وعبادته وهديه فقال صلى الله عليه وسلم:( صلوا كما رأيتموني أصلي) وقال في مناسك الحج:(أيها الناس خذوا عني مناسككم). وكل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذه الرسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهو القدوة الخالدة والرحمة المهداة، من أطاعه دخل جنة الله، لأن طاعة الرسول من طاعة الله، ومن عصى الرسول صلى الله عليه وسلم وخالف هديه فقد حالف أمر الله وصار ممتنعا عن الدخول في هدى هذا الدين ولبه متأبيا عن الإقتداء بنبيه ورسوله وذلك معنى الحديث: ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا ومن يأبى يارسول الله؟. قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى). فالحديث يشيرإلى أن من معالم الإسلام الإقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن جحد سنة رسول الله فقد جحد الإسلام والقرآن، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة المنفذة والصورة الحية والشريعة العملية" في رحاب السنة المطهرة ص.169
و به فإن عمق الكلام الذي تقدم به الأستاذ عبد الله شحاتة الذي نسأل المولى سبحانه وتعالى أن يجعله إلى جناب سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام في أعآلي جنانه، يصب في سياق الحديث الشريف الذي يقول فيه صلى الله عليه و سلم: (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) صحيح البخاري/7280.
إن هذا الحديث الشريف يلزم كل ذي عقل للوقوف مليا أمام المصطلح رغب عن الذي يعني مال عن و يقال كذلك رغب بنفسه عن الأمر بمعنى ترفع عنه،ليستنتج أن الراغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو كل فرد يميل أويترفع عن إتباع تعليمات الرسول الكريم سيد الخلق عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى السلام. الشئ الذي يقود إلى نتيجة حتمية وخطيرة في الوقت ذاته. إنها تلك الحقيقة التي يستخلص منها بكل وضوح و بما لا مجال للتخمينات فيها، بأن الترفع عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بمثابة قطيعة لاتحمد عقباها، إنه ذلك الفصل المر بين النبي الأمين والشخص المترفع عن نهجه وسنته وما يعنيه ذلك من خسران مبين في الدنيا والآخرة. وهو ما يؤكده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله الشريف:( فليس مني). والويل لمن لم يكن من الرحمة المهداة. إنه الباب إلى الله سبحانه، هو المفتاح الذي لا غنى عنه لمن أراد التنعم بالنظر الى وجه علام الغيوب في دار النعيم المقيم السرمدي.
ويؤكد المولى سبحانه وتعالى بأنه لا باب يولوج منها على حضرته سبحانه، إلا باب الإتباع و الإقتداء بالحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم في قوله تعالى:( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) آل عمران:31
يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى و جزاه عن الإسلام خير الجزاء في قوله تعالى:"( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني). قال ابن عرفة: المحبة عند العرب إرادة الشئ على قصد له. وقال الأزهري: محبة العبد لله ورسوله طاعته لهما واتباعه أمرهما، قال الله تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني). ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران، قال الله تعالى:( إن الله لا يحب الكافرين) [آل عمران: 32] يقول أي لا يغفر لهم. وقال سهل بن عبد الله: علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة، و علامة حب الله وحب النبي وحب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة أن يحب نفسه، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة". الجامع لأحكام القرآن.ج:4 / ص:40 .
ويكتب الإمام الشهيد السيد قطب متعه المولى سبحانه بالنظر الى وجهه الكريم قائلا:"ويختم الدرس بكلمة حاسمة قاطعة: إن الإسلام هو طاعة الله والرسول. وإن الطريق إلى الله هو طريق الإتباع للرسول. وليس مجرد الإعتقاد بالقلب، ولا الشهادة باللسان: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله...) ( قل أطيعوا الله و الرسول. فإن تولوا فإن الله لا بحب الكافرين). فإما طاعة واتباع يحبه الله، وإما كفر يكرهه الله.. وهذا هو مفرق الطريق الواضح". في ضلال القرآن. م:1 / ص:378.
و في الموضوع ذاته يكتب الأستاذ عبد الله شحاتة تغمده المولى سبحانه برحمته في قوله تعالى:( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) قائلا:"إن حب المؤمن لرسول الله، يعتمد على الدعائم الآتية: الأولى: أن هذا الرسول هو الطريق القويم الذي هدانا الله بسببه ألى الإيمان و الإسلام.
وأنت باب الله أي امرئ أتى له من غيرك لا يدخل
الثانية: أن هذا الرسول قد حباه الله من الصفات الْخِلْقية والخْلُقية، ما جعله أهلا لحب أتباعه وتقدير أعدائه، فقد حباه الله بالنسب العريق والأصل الكريم فاختار له الآباء و الأمهات وحفظه من سفاح الجاهلية وجعل نسبه الشريف درة متلألئة في جبين الدهر، كما يقول البوصيري:
نسب تحسب العلا بحلاه قلدتها نجومها الجوزاء
حبذا عقد لؤلؤ و فخار أنت في اليتيمة العصماء
لم تزل في ضمائر الكون تختار لك الأمهات والأبـاء
الثالثة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صاغ العرب صياغة محمدية ربانية فجمعهم بعد تفرق ووحدهم بعد شتات وهداهم للإيمان وعلمهم قواعد الإسلام و النظام".
حب إذًا قاعدته العمل المحكم بسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والإبتعاد عن كل خواطر الهوى ونوازع النفس، ويؤكد ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده ولده) رواه البخاري .
ويضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجد، وإياكم ومحدثاث الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي.
وهو صلى الله عليه وسلم بهذا، يقول لنا بوضوح بأن الطريق هو إتباع نفس المسلك الذي سلكه و المنهج الذي نهجه، ممثلا في سنته الخالدة التي لا ياتيها الباطل من بين يديها و لا من خلفها. سنة كلها حياة، وحياة كلها عز. بعيدا عن الموت والذل المطلقين الذي يسببهما التملص من سنة هذا الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين. ومن يتمعن فيما ذهب إليه الفاروق رضي الله تعالى عنه في قوله الشهير الذي قال فيه: كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام ومن إبتغى العزة في غيره أذله الله. سيستنتج فهم السلف العميق لدينهم، واتباعهم الصادق لتعاليم المعلم المجتبى عليه من المولى أفضل الصلاة وأزكى السلام. وصدق الله سبحانه إذ يقول: ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين).المنافقون:8. فأي فهم و أي اعتراف هذا من عملاق الإسلام.
فمتى نفهم المسلمون كما فهم الفاروق وإخوانه وأمثالهم من ثقاة هذه الأمة رضي الله تعالى عنهم ونعيش السنة كما عاشوها وامتثلوا لتعالمها!.
و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده وعلى آله الطاهرين وأعوانه وحزبه و على من استن بسنته واهتدى بهديه الى يوم الدين، و الحمد لله الذي به تتم الصالحات.
كتبه عبد ربه الفقير الى عفو ورحمة مولاه
يوسف أحمد عبد المالك ملوك
Youssef Ahmed Mellouk
يومه الأربعاء، 09 رجب 1430 / 01 يوليوز 2009