المساعد الشخصي الرقمي

عرض الإصدار الكامل : البوابة الحديدية للجامعة!........ د. حسن حنفي


سويري
06/01/2007, 09:30 PM
البوابة الحديدية للجامعة!



د. حسن حنفي




للحياة رموز. وللأشياء معانٍ. وللحركات الشعبية دلالات. وهذا بالضبط ما يحدث في جامعة القاهرة في السنوات الأخيرة. يقع حدث يمس الحياة الوطنية, العدوان الأميركي على العراق, العدوان الإسرائيلي على فلسطين, تزوير الانتخابات الطلابية فيجهر الطلبة بأصواتهم, ويقومون بمظاهرات داخل أسوار الجامعة، ويدورون بين الكليات لتجميع باقي الطلاب. فإذا ضاق بهم المكان, وارتفعت الأصوات, وبلغت القلوب الحناجر، واشتد الحصار حولهم من أجهزة الأمن العلنية والسرية, وغُلّقت الأبواب، اندفع الطلبة نحو الباب الحديدي، وكسروا القيد حوله ليخرجوا إلى الميدان أمام الجامعة وفي وسطه النصب التذكاري للشهداء، وحوله الأمن المركزي بلباسه الأسود وخوذاته الحديدية وبأيديه العصي, جاهزاً للضرب فوق الرؤوس والأبدان. فممنوع الخروج خارج الجامعة. ولو كسرت سلسلة البوابة الحديدية فلبضعة أمتار حتى لا يخرج الطلاب من حرم الجامعة. وقد ضرب حولها الحصار المسلح من قوات الأمن موجهة الرصاص على المواطنين إذا ما تجمهروا أمامها، ومنعاً للطلاب من الوصول إلى المدينة الجامعية أو الالتحام بفقراء بين السرايات أو بميدان الجيزة. فالطلاب ممنوعون من الالتحام بالشعب, وهم نخبته المثقفة، وقلبه النابض، وضميره اليقظ، والمؤشر على حركته الوطنية.
هذه الجامعة ابنة ثورة 1919. تأسست جامعة وطنية عام 1925 بأرض تبرعت بها إحدى سيدات العائلة المالكة, وباكتتاب عام من باشوات مصر الوطنيين بعد أن كانت جامعة خاصة منذ 1908 بداية بمدرسة الحقوق، وكان اسمها في ذلك الوقت مدرسة الحقوق الفرنسية، لاعتمادها على الفرنسيين الذين كانوا يساعدون الحركة الوطنية المصرية ضد الاحتلال البريطاني حتى الاتفاق الودي بين فرنسا وبريطانيا عام 1904. كما تبرعت العائلة المالكة بأرض حديقة الحيوان وحديقة "الأورمان" أمام الجامعة. وقامت الجامعة بدورها الوطني خاصة في الأربعينيات، وتكوين لجنة الطلبة والعمال في 1946. وفتح على طلبتها كوبري عباس الشهير نفس العام. وخُلد شهداؤها بالنصب التذكاري أمام الجامعة, وفي نهاية الشارع وضع تمثال نهضة مصر بعد نقله من ميدان محطة مصر, ميدان السكة الحديد، كما نقل تمثال رمسيس الثاني فيما بعد بعيداً عنه.
نشأت الجامعة المصرية إذن تحمل هموم الفكر والوطن، العلم والسياسة، الثقافة والوطن. واستمرت فيها المظاهرات الطلابية التي يؤرخ بها للحركة الوطنية المصرية. وقد جمع طه حسين وأحمد أمين وأمين الخولي ولويس عوض وعبدالعظيم أنيس بين العلم والوطن، بين البحث العلمي الحُر والليبرالية السياسية. وعصفت بها بين الحين والآخر النظم السياسية مثل ما حدث من تطهير فيها للخصوم السياسيين في مارس 1954 وفي سبتمبر 1981. وعمتها المظاهرات في الأزمات السياسية الكبرى وفي أوقات الهزائم مثل المظاهرات ضد حكم العسكر، وضرورة العودة إلى الديمقراطية في أزمة مارس 1954، والمظاهرات ضد أحكام الطيران في 1968، ومظاهرات ميدان التحرير في 1971 والسؤال عن عام المعركة الذي طال. ثم التحم الطلاب بالهبَّة الشعبية في يناير 1977 احتجاجاً على ارتفاع الأسعار، وبالمعارضة السياسية الرئيسية في البلاد ضد معاهدة "كامب ديفيد" في 1978 واتفاقية السلام في 1979 والتي كلفت زعماء المعارضة من أساتذة وصحفيين وسياسيين وقادة روحيين الفصل خارج وظائفهم بقرار جمهوري يعترف في ديباجته بخرق قانون العاملين في الدولة. وهو ما دفع رئيس الجمهورية الثانية حياته بسببه. واستمرت المظاهرات الطلابية ضد الغزو الأميركي للعراق في 1991، ثم في ضربه بعد ذلك في 1998، ثم في احتلاله عام 2003. وقامت أيضاً ضد الاحتلال الصهيوني لكل فلسطين، دعماً للمقاومة. واندلعت المظاهرات أخيراً ضد تزييف انتخابات الاتحادات الطلابية، وشطب أسماء المرشحين من الحركة الإسلامية، وتكوين اتحادات حُرة موازية. ومهما استعملت الحركة الطلابية بفصيليها الرئيسيين بعضهما ضد بعض آخر، ظلت الحركة الطلابية في مجموعها حركة وطنية ومؤشراً على الأزمات السياسية الكبرى التي تمر بها البلاد.
والقضية هي البوابة الحديدية للجامعة المقيدة بالسلاسل والأقفال وكأن الأمن الجامعي داخل الأسوار، والأمن المركزي خارجه لا يكفيان. إذا اشتدت المظاهرات وعلت الأصوات هز الطلبة البوابة رمز القهر الجامعي والاستبداد السياسي وتعلقوا بها، وعلوا قمتها، وهزتها الأيدي حتى تنكسر. ثم يندفع الطلاب خارجها. فيواجهون بخط الدفاع الثاني من الأمن المركزي جنوداً وعربات تحيط بالميدان، وفي وسطه النصب التذكاري للشهداء. فيقف الطلبة حوله يهتفون بالشعارات الوطنية، ويخطبون في زملائهم. فهل للجامعة أسوار؟ وهل تغلق البوابة الحديدية بالسلاسل والأقفال حماية للنظام؟ أليست الجامعة ضد الأسوار والقيود والسلاسل. وظيفتها هدم الأسوار؟ ألم ينهدم سور برلين؟ أليس جدار الفصل العنصري بين الضفة وفلسطين 1948 في طريقه إلى الزوال؟ وكلما كسر الطلبة البوابة الحديدية يُعاد إصلاحها وتقويتها وإعادة لحْمها بالحجر. وهل يمنع ذلك الحركة الطلابية من معاودة كسر الرمز حتى تفتح الأسوار، ويسقط الستار الحديدي، ويفك القيد؟
إن مهمة الجامعة ليست غلق الأبواب بل فتحها، وليست حبس الطلاب داخل الأسوار بل إطلاق حرياتهم خارجها. فالطلبة أبناء الشعب. وإذا كان السور علامة، والبوابة رمزاً، فإن مهمة الجامعة هدم أسوار الأذهان، وفتح بوابات العقول، وتنوير القلوب. قوة الطلاب أقوى من الصلب. والأمن المركزي لا يحيط بالنصب التذكاري للشهداء، ولا يمنع من الوصول إلى تمثال نهضة مصر، ولا إلى سفارة إسرائيل أمامه. ومن ثم كان شعار لا سياسة في الجامعة ولا جامعة في السياسة خارج تاريخها الذي جمع بين العلم والوطن.
لقد خلقت الجامعات الألمانية الوحدة الألمانية. وأسس الأساتذة الألمان الثقافة الوطنية التي عليها قامت الوحدة. لم يخوِّنهم أحد. وكانت إدارة الجامعة من كبار المفكرين والفلاسفة كما كانت الجامعة المصرية في أول عهدها برئاسة أحمد لطفي لجامعة القاهرة، وعمادة طه حسين لكلية الآداب، ومصطفى مشرفة لكلية العلوم، في الوقت الذي كانت مصر تبني وطناً لا تهدمه.
إن جمال جامعة القاهرة وطرازها المعماري من عصر النهضة كان مقصوداً. فالجامعة عماد النهضة. واليوم اختنق المرور أمام الجامعة بعد انسداد شوارعها وحصار أرصفتها خوفاً من العربات المُفخخة. وأصبح المرور من كلية الفنون التطبيقية حتى بين السرايات حي الطلاب، السكن والكتب والطباعة، عذاباً يومياً يضيع فيه الوقت فتختنق فيه الأنفاس. فما المانع من إقامة نفق أرضي يربط بين الجامعة والمكتبات على الرصيف المقابل لانتقال الطلاب دون المخاطرة بحياتهم أمام وسائل النقل العامة والخاصة. كما تحول رصيف الجامعة الموازي لحديقة "الأورمان" أمام الجامعة إلى مقلب وعربات للزبالة. وكلها رموز وعلامات على حال الجامعة الآن. وما المانع أن تتحول حديقة "الأورمان" المغلقة وقاية للأخلاق من رعونات الشباب إلى ساحة حرة للتعبير عن الرأي مثل "هايد بارك" في لندن إن كان ميدان عابدين أمام القصر محرماً على الشعب من التظاهر أمامه؟ وفي المساء وفي شارع الجامعة وعلى الخضرة في وسطها تقوم فرق الغناء والضرب بالدفوف للاحتفال بالأعراس. وداخل الأسوار في المساء يلعب بعض الطلبة الكرة الشراب في أروقة الجامعة بين المباني مثل أطفال الشوارع. ولا يضج ذلك أمناً ولا يثير غضب إدارة. فهذا عصر جديد وذاك عصر قديم، وسبحان من له الدوام!

المصدر وجهات
6/1/2006

ورود 2020
10/01/2007, 06:48 PM
البوابة الحديدية للجامعة!
ربما هي نوع من التذكير
بالبوابة الحقيقية التي تغلف
كثيراً من العقول
ومتى ما فتحت البوابة الأخيرة
حتماً ستفتح البوابة الأولى
ولكن متى
لا أظنه قريباً جداً :(