المساعد الشخصي الرقمي

عرض الإصدار الكامل : وحش العصا (قصة قصيرة)


منهل الرئيسي
20/04/2009, 11:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم








كان البيت المؤلَّف من دورٍ واحدٍ يقطنه سميرٌ وزوجه وابنهما ذو الأعوام السبعة. بيتٌ صغيرٌ، يطلُّ على شارعٍ مزدحمٍ دومًا؛ لذا، كانت الأمُّ تحرص بين فينةٍ وأخرى، بأن لا يغمض لها جفنٌ دون أن تحكم إقفال جميع الأبواب والنَّوافذ؛ لئلا يطأها قدم ذلك الصبيِّ الصغير.

ومضتِ الأيَّام، وتملَّكه فضولٌ كاد أن يقضي عليه؛ فبدتْ حينها الأشياء والأصوات الآتية خلف هاته الأبواب الموصدة، والنوافذ المحكمة الإقفال عصبةٌ من الأسئلةِ المبهمةِ وُسِمَتْ على رأسهِ. فلا يكاد أن يدنو من عتبةِ إحدى الأبواب، حتَّى يصلى من أمِّه نظراتُ وعيدٌ طويلةٌ، فيقفل راجعًا حيث كان.

ومضتْ أيَّامٌ أخَرٌ، ونَمَى به الفضول درجاتٌ ودرجات، فإذا به يقف إزاء أمِّه، ويتجاسر بكثير من التَّردُّدِ، البادي على شحنته بتجلٍّ بيِّن:

"أريد أن أخرج للعب منذ اليوم"

وأشار بسبَّابته نحو الباب المفضي إلى الفناء، فالشارع، حيث اختلطتْ هتافات الصبية بسعال أحد المارة وضجيج السيَّارات، ثم ألقى نظرةٌ عابسةٌ على وجهها، فألفاها قد تمايزتْ من الغضب، وسرتْ رعشةٌ غامضةٌ في أوصالها، لم تستطع معها الكلام، ثمَّ أخذتْ بمعصمه وجرتْ به إلى صالة الجلوس، وهو يتعثَّر كثيرًا. فإذا بعصًا غليظةٍ، تنتصب في عينيه كهوةٍ سحيقةٍ، تبعث الخوف بامتداد مصراعيه، تحيط به كسماءٍ محتدمة الغيوم.

"إيَّاك ... إيَّاك أن تفكِّر في ذلك ... أسمعت؟!"

***

بات ليله عصيَّ النوم، لا يؤتى حراكًا. جفنٌ كاظمٌ، تائهٌ في دياجير الظلام، وروحٌ صقلتها ثورةٌ صارخةٌ قيِّضتْ به. حاول أن يغمض جفنًا كي يدرك الصَّباح بأوَّله، فلم يستطع. صدى كلمات أمِّه ما تزال تترَّدد في غياهب عقله، تؤجج نار الفضول في دخيلته، ويربض في عينيه إحساسٌ تداخل فيه الخوف بأشياءٍ أخرى لم يعهدها من قبل، كالرَّغبة، كالفضول.

وتعاقبتِ الشُّهور، وما زال يقطنه شبقٌ دوى صداه في أعماقه. كان لا يفتأ أن يطرأ عليه ذلك السُّؤال بين حينٍ وحين، فتبرق عيناه في ظلام الحجرة، مخلفةً صدى ذلك السُّؤال المبهم، وهو يتلاطم في سريرته وبين ثنايا ذاته.




- انتهت -

يحيى الراهب
20/04/2009, 11:32 PM
تصوير رائع لنفسية الطفل المحروم.
لعل جمال القصّة ينبع من الكلام
الذاتي للطفل .
و قراءة الكاتب لنفسيات الطفل و الأم.

جميل جداً.
بوركت الأنامل.

منهل الرئيسي
20/04/2009, 11:37 PM
تصوير رائع لنفسية الطفل المحروم.
لعل جمال القصّة ينبع من الكلام
الذاتي للطفل .
و قراءة الكاتب لنفسيات الطفل و الأم.

جميل جداً.
بوركت الأنامل.



أشكر لك مرورك ومداخلتك القيمة أخي العزيز يحيى :)

سعادة المرشح
21/04/2009, 01:33 AM
قصة رائعة

شكرا لك منهل

لكن كنت أتوقع أن تعرض في نهاية القصة خيطا يشير لسبب إصرار الأم
هل فقدت أحد أقربائها في السابق ؟

الشكر مجددا

جميلة المغرب
21/04/2009, 02:05 AM
ياي قصة كتير حلوة مشاء الله

عبدالعزيز علي البلوشي
21/04/2009, 10:15 AM
ومضتْ أيَّامٌ أخَرٌ، ونَمَى به الفضول درجاتٌ ودرجات، فإذا به يقف إزاء أمِّه، ويتجاسر بكثير من التَّردُّدِ،


إن الفضول نبع يسقي العقل السليم للافضل وعند البعض الفضول مجرد بحث عن ثغرات للتشميت ... بارك الله فيك ..............

منهل الرئيسي
21/04/2009, 01:22 PM
أشكر لكم مروركم ومداخلاتكم القيمة :)


لقد قمت بإصلاح القصة القصيرة

منهل الرئيسي
21/04/2009, 01:29 PM
لكن كنت أتوقع أن تعرض في نهاية القصة خيطا يشير لسبب إصرار الأم
هل فقدت أحد أقربائها في السابق ؟



إقرأ رأي الأخ العزيز يحيى الراهب :)