المساعد الشخصي الرقمي

عرض الإصدار الكامل : الحسين بن علي بن الحسن المثنى ( شهيد فخ )


mustafa 62
24/08/2008, 08:50 AM
المدينة المنورة سنة 785 ميلاديه رجال الشرطة يجوبون الأزقة والشوارع وهمسات عن موت الخليفة في بغداد في ظروف غامضة .. ويتربع على الحكم إبنه الخليفه العباسي الرابع موس الهادي فترجف المدن فهو معروف بقسوته وغلظته وخروجه على التقاليد والأديان والأخلأق ( 1 ) .
وأعجب شئ فيه يحمل اسم ( موس ) وهو في جوهره فرعون ؛ ويلقب ب ( الهادي ) وهو نقيض ذلك .( لدرجة انه حاول التخلص من أمه الخيزران بالسم ولكنها تمكنت من تصفيته ليلاً وبمعاونة من البرامكه ). بدت الأجواء خانقة .. وأصعب شئ أن يعيش الإنسان مقهوراً .. الحر مستعد لأن يفقد رأسه من أجل نسمة حرة تنعش قلبه .. ليس هناك ما هو أفظع من قهر الأحرار .. وما الثورات التي تند لع إلا غضب مقدس يختار فيه الأحرار الفناء من أجل الكرامة .
إتبع الوالي الجديد في المدينة سياسة الإذلال والقسوة لأبناء علي وفاطمة ( 2 ) . بدأت النار تستعر تحت الرماد .. القلوب الحرة تكتوي بالألام .. تتقد وقد أزفت لحظة الإنفجار .. الله وحده يدرك ماذا يدور في رأس الحسين بن علي بن الحسن المثنى بن علي بن ابي طالب عليه السلام . وكان الحسين من سادة بني هاشم وفضلائهم وكان يقال لوالديه بالزوج الصالح لعبادتهما ( 3 ) .
وقد بالغ الحاكم الجديد إذلال العلويين فالزمهم بالمثول الإجباري اليومي عنده ؛ حشود العلويين تتجه الى ميعادها اليومي الى القصر ؛ الحاكم يتصفح عشرات الوجوه .. عشرات الأسماء .. الحسن ؛ يحيى ؛ الحسين ؛ ادريس ؛ و.. و .. صرخ الحاكم :
- أين الحسن بن محمد ؟ ( الحسن بن محمد بن الحسن المثنى بن علي بن ابي طالب )
والتفت الى الحسين ويحيى باستعلاء :
- لتأتياني به أولأحبسكما .. لقد تغيب عن العرض ثلاثة أيام .
قال يحيى : لقد ألهبت سياطكم ظهره .. وطفتم به في المد ينه وهو مربق بالحبال ؛ وهو عزيز قومه ( 4 ) . وانفجر الحاكم يهدد ويتوعد :
- لسوف أحرق بيوتكم .. وأهرق الدماء .. إذا لم يأت الحسن في يوم وليلة .. وأقسم ياحسين أن أضربك ألف سوط وان أقتل الحسن إن لم يأتني غداً . إبتسم يحيى بن عبدالله بن الحسن المثنى بن علي بن ابي طالب ( هو أخو ادريس مؤسس دولة الأدارسه في المغرب وتمت تصفية يحيى في سجون بغداد ) . وقال للحاكم : لا تقدر عليه .
لم يعد هناك من طريق اخر .. وعندما يخير الحر أي الطريقين يسلك .. طريق الحياة الذليله أم طريق الفناء .. لن يتردد في ألإختيار .. سوف يختار ( كربلاء ) .. وكانت محنة البيت العلوي عظيمة .. فزج بهم في المعتقلات ومورس في حقهم كل الوان التعذ يب .. كما قتل النظام الجائر الكثير منهم صبراً . توافد رجال الثوره الى ساحات الجهاد المقدس لحفظ الدين وصيانة المجتمع وتوفير أسباب المعيشة الهانئة . نهض الحسين وفي عينيه تصميم من أن يقتفي خطى جده الحسين السبط . الجيوش العباسيه تغادر بغداد .. كرياح هوجاء تطارد الربيع ؛ الحسين ومعه الثوار وعددهم ثلثمائة مقاتل في طريقهم الى مكه ؛ وقد أطل موسم الحج الأكبر .. قافلة الحسين تطوي الصحراء وتهوي في بطون الأودية ؛ لم يبقى بينها وبين مكة سوى ستة أميال .. أرهف النوق الى أصوات قادمة من بعيد .. سنابك خيل شيطانية تدك الارض .. بدت السماء في ظلمة الوادي مرصعة بالاف النجوم . أحدقت الجيوش بالثوار في منطقة ( فخ ) قرب مكة ؛ وكذئاب مسعورة كانت الجيوش تنتظر مولد الفجر لتفتك بالثوار .. النجوم تشتد سطوعاً .. وقد أطلت لحظة الفلق .. إنبثق عمود الفجر كشلال من نور فضي .. فاندلعت الاف السيوف كأفاع منتفخة بالسم .
اليوم هو يوم الترويه .. الحسين يقاتل .. يلهب حماس الثوار .. يذكرهم بكربلاء .. بصوت جده الحسين السبط .. إني لا أرى الموت الى سعاده .. تتجاذب أرواحهم حماسة .. يدفع غائلة العدوان ويقذف في قلوبهم الموت . هتف أحدهم : الحق ان هذا الرجل لشجاع .
- رد عليه الأخر : وهل سيصمد أمامنا ؟
- حتى الموت .
أمواج الذئاب تتلوا بعضها بعضاً وتتجه الى عمق الوادي حيث معسكر الثوار .. في بقعة بكى فيها اخر الأنبياء حيث أخبره جبرئيل .. يا محمد ان رجلاً من ولدك يقتل في هذا المكان وأجر الشهيد معه أجر شهيدين ( 5 ) . لم يكن أمام الحسين سوى طريقين .. الموت .. أو الذل .. ولم يتردد في الإختيار .. هيهات منا الذله .. شعار رفعه جده الحسين السبط .
لم تكن الشمس لتشرق حتى كانت أرض الوادي تهتز لهول معركة دامية .. ها هو الحسين يقاتل ليثبت من جديد .. من الممكن تحطيم المؤمن ولكن من المستحيل هزيمته .
أشرقت الشمس حمراء كعين تنتحب .. الأرض مضمخة بالدماء .. عشرات السيوف المغروسة في التراب .. الاف السهام المحطمة .. وعشرات الشهداء بلا رؤوس .. الذئاب تعوي .. تحتفل بنصر الخليفة .. الرؤوس قطعت ورفعت فوق الرماح .. عشرات الأسرى أعدموا ميدانياً .. أما الباقون أقتيدوا بالحبال .. ورأس الحسين فوق رمح طويل يتقدم القافلة .. كربلاء تتألق من جديد .
الوادي يضج بصوت رهيب .. عشرات الأجساد المضمخة بالدماء بلا رؤوس وبلا دفن ؛ فيما ظلت الريح تولول وحدها كإمراة ثكلى في الوادي المخضب بالدماء .. دماء الأبرياء .. حبات الرمل الملتهبة تواري الأجساد الطاهرة .
عيون المدينة تترقب قافلة عجيبة .. رؤوس على ذرى الرماح يتقدمها رأس الحسين بن علي .. لكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد ؛ تسأل رجل من الحجاج :
- رأس من هذا ؟
- رأس الحسين .
- الحسين ؟ إبن من ؟
- إبن علي .
- إبن علي ؟ !!
سمع الإمام موس بن جعفر الخبر فأفضت عيناه من الدمع حزنا .. قال :
انا لله وانا اليه راجعون .. مضى والله مسلماً صالحاً صواماً قواماً .. امراً بالمعروف .. ناهياً عن المنكر .
وفي تلك الليلة عمد الحاكم الى منازل الثائرين فشبت الحرائق .. السنة الحرائق تلتهم البيوت .. المصاحف والنخيل ؛ وغفت المدينة ودخان الحرائق يدور في الأزقة .. فتدمع العيون ويختنق الأهالي . عوائل الثوار اعتقلت .. فقتل من قتل .. وشرد من شرد .. لم تعد هناك كرامة للإنسان .
غادرت القافلة مدينه الرسول الأكرام في طريقها الى بغداد ؛ عشرات الأسرى والرؤوس تقطع الصحراء الى بغداد ؛ ( يوليو ) يلهب الصحراء ؛ يحيلها الى جمر متوقد ؛ العطش والحبال والسلاسل والصحراء تجعل من رحلة الأسرى الى بغداد .. عذابات وألالام. ( 6 )
وللحديث بقية

المصادر :
1- خلاصة الذهب المسبوك ص 75
2- العصر العباسي ص 128 ؛ الكامل في التاريخ 5 / 75
3- ابن خلدون 3 / 215 ؛ مقاتل الطالبيين – للإصفهاني ص 438
4- الطبري 10 / 25
5- مقاتل الطالبيين ص 466
6- على الجسر ببغداد – كمال السيد