سبلة عمان
سبلة عُمان أرشيف سبلة العرب وصلات البحث

العودة   سبلة عمان » السبلة الدينية

ملاحظات \ آخر الأخبار

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع أنماط العرض
  #1  
قديم 18/01/2011, 09:04 AM
صورة عضوية أبو الليث النفوسي
أبو الليث النفوسي أبو الليث النفوسي غير متصل حالياً
عضو مميز
 
تاريخ الانضمام: 02/02/2009
الإقامة: نفوسا
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,456
افتراضي منظومة شنقيطية في مسألة سدل اليدين في الصلاة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قد يظن البعض ان سدل اليدين لم يفعله أحدمن المذاهب الأربعة أهل السنة والجماعة
ويظن أنه قول تفرد به الإباضية وووووو
وجدت هذا النص
...............
  #2  
قديم 18/01/2011, 09:05 AM
صورة عضوية أبو الليث النفوسي
أبو الليث النفوسي أبو الليث النفوسي غير متصل حالياً
عضو مميز
 
تاريخ الانضمام: 02/02/2009
الإقامة: نفوسا
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,456
افتراضي

بسم اللــه الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم وعلى آله وصحابته وتابعيهم إلى يوم القيامة
هذا نظم للشيخ : كَــرَّايْ بن أحمد يُـورَه الـشـنـقـيـطـي رحمة الـلـه عليه ، بيَّـــن فيه أرجحية السدل على القبض في مـذهـب إمـامنا أبي عـبـد الـلـه مـــالـك بـن أنــس رضـي اللـه عنه ،وهو نظم نافع إن شاء الله تعالى ، حَـسُـــن إنشاؤه ، وخلا من التعقيد والحشو ، مع جزالة ألفاظه ، و جمال سبكه ، نفع الله به ، و غفر لمن خطه و درسه بفضله إنه سميع مجيب.

( تـنـبـيـه :الكاف في أول اسمه هي الكاف المعقودة ، أي هي في اللفظ كالجيم المصرية ، و أصل اسمه فَــعَّــال من قارئ ، أي قَـرَّاء . و القراءة في المجتمع الشنقيطي مرادف للعلم ، طلبا و تحصيلا . فاسمه على هذا للتفاؤل بأن يكون عالما قارئا . وقد كان . رحمه الله )

قال رحمه الـلــه :


حمـدا لِــمُـسْـدِلِ أياديه على "="عباده جلَّ جلالا وعـلا

سبحانه جلَّ عن الأَشْـبـــاهِ"="بل هــوَّ واحـد بـلا اشْـتِـبـاهِ

ثُـمَّ صــلاة لا يُـحِـيطُ الوصفُ"="بِـها على خير الأنــام تصفـو

مَـنْ قَـبَـضَ الـجورَ و لِـلْعدلِ سَدَلْ"="وبَـــتَّ موجب الـمِـراء و الجـدلْ

صـلَّـى و سَـلَّـم عـلـيْـه الـلــهُ"="عـدَدَ ما مِـنَ الإلَــى أولاهُ

و آلــه الغُــــرِّ و صحـبـه الأُلـى"="قد شَـيَّـدوا الدين و شيَّـدوا العُـلا

هـذا و إن الـقَـبْـضَ فيه القـالُ"="و القِــيلُ لا يُـحصيهما مقالُ

حتى أراد بعضُ أهل العَـــصْـر"="حملَ الورى عليه بعْــدَ عَـصْرِ

لِـما رأى من الأحاديثِ الَّـتِـي"="على ثبوتِ أصله قد دَلَّــتِ

و ها أنا مُـبَيِّـنٌ إن شــــــــَـــاءَا"="ربِّــ� �َ بعضَ حكمه إنـشــاءا

فالقـبضُ جاء فيه بضعة عشرْ"="من الأحاديث لأفضل البشـر

لكنها لم تَـخْـــلُ من كـــلامِ"="و مِـن مُـعارضٍ لدى الأعلامِ

والأخـذُ للحُـكْـمِ منَ الحـديثِ"="لـمْ يَـكُ في القـديم و الحديثِ

إلا لأهل الاجــتـهادِ و هـُـمُ"="سـاروا فصـارَ مُـقْـفِـرًا مغناهُـمُ

لعلمهم بناسخ الحديثِ مـِـنْ"="منـسوخِـه فاللبسُ عندَهُـم أُمِــنْ

مـع انَّ بعضَ الصَّحْب وصَّفَ صَـلا"="ةَ المصطفى لصحبه و حصَّـلا

للفرضِ و السنة والندب و لـــمْ"="يَـكُـنْ بقبْضٍ في جميعِـها أَلـَـمْ

و إذ أتى بالوصفِ دونَ زَيـْــــد"="قــالـوا صدقـتَ يا أبا حُـمَـيْــدِ

فـدَلَّ أن القبض حكمه نُــــسِـخْ"="عنْـدَ الأئمة لأجـل ما نُـسِـخْ

و الـسـدلُ قــد فـعـلـه الأعـلام"="و من قفا الأعْـلامَ لا يُـلامُ

منـهم عــطـــاءُ بنُ أبي ربـاح"="ذو العِـــلْمِ والورع والصلاحِ

و ابنُ الـمُـسَـيَّـِـبِ الرضا سعيــد"="و هْوَ هُـمامٌ كاسمه سعيدُ

و الحسن البَـِـصْـري ذو العلـــوم"="و فضــله بادٍ من الـمَـعْـلوم

و الليثُ و هو في العلوم غــــــايَـه"="و قد تلَـقَّـى في الحديث الرايـــهْ

و غيرهم من الأئـمـة العِـظام"="و عدُّهُــمْ يضيـــقُ عنه ذا الـنِّـظامْ

و بعضهم قد قال بالتـخـييـر"="و ليسَ في التخـيير من تَحْييــرِ

كـالـعـالـمِ الـمـجـتَهِـد الأوزاعي"="و غـيـــرِهِ من فِـرَقٍ أوزاع

و هُـمْ رُواةٌ لحـديث الــهادي"="بالجِـدِّ و الضبطِ و الاجتـهادِ

و حرصُـهُـمْ على اتباع ِ السنة"="مـُشْـتَـهِـرٌ لدى جميعِ الأمَّـةِ

كَــــــيْـفَ يُـخالِفـونَ ما رَوَوْهُ"="إلا لأمـرٍ عندهـم وَعَـــوْهُ

و نَـحْـنُ لا نعلـمُ مستَـنَدَهُــم"="فيهِ لجَـهْلِنا ببعضِ عِـلمهمْ

وليسَ مِـنْ وظــيفةِ الـمُـقَـلِّـد"="عِـرْفانُ� �ـه مُـسْـتَنَدَ المـقلَّـد

فما لــنا اليومَ سِـوى اقــتـفـاءِ"="آثــارِهِـمْ و الغيرُ ذو انتفاءِ

قد بلَّــغوا دينَ رسولـنـا لــنــــا"="فأعظــمُ الـمِـنَّـةِ منـهُـمْ نالنـــا

جزاهــمُ الـلـه بأحسن الجـزا"="إذ كلنا عن الجزاء عَـجَـزَا

و مَـالِـك إمـامُ دارِ المـصْـطَـفَــــى"="و نــورهُ بَـيْــنَ الأنــامِ ما انْــطَـفا

و فيهِ جــا تُضْرَبُ أكباد الإبـِـلْ"="شرقــا و غربا الحديثُ فَقُـبـِــلْ

أخَـذَ عَـن تِـــسْـعٍ من الــمِـئـينا"="حديث خير الخلـق تـابـعـينا

و تابـعــيهِــمْ و لهُ بالــعِـلْــم"="قد شهـدوا و الفضـلِ بعدَ عِـلمِ

روى حديث القبضِ في الـمُـوَطـإ"="روايــةً سالمــةً من خَـطَـإِ

و منه قد أخـذه الـشـَّــيْخـانِ"="إنَّـهُ� �ما طَــوْدَانِ شــامـِـخـان

لكــنَّـهُ كَـــرِهَـهُ فــي الـفـرْضِ"="فـيما رواه الـعُـتَـقِـي المَـرضِــي

و قال لا أعــرفـُــه ، فهلْ يَــصِـحْ"="إنـكـارُهُ إلا لأمــرٍ مُتَّـضِـحْ

و كـــونُ كُـرْهِــهِ لـــلاعْـتِـــمـاد"="أو خــوفِ إظـهارِ خُشُوعٍ بــادِ

أو خيفـةِ اعتـقـادِهِ مــفـروضـــا"="من جــاهِـلٍ لم يعْـلَـمِ الـفُـروضا

أو كونِــه ليس عليهِ عَــمََــلُ"="أهْــــلِ الـمَـدِيــنَــةِ،و نِعْمَ المَحمـل

فكــل ذي العِـــلـلِ ليْست تدفعُ"="تلـك الكراهة فأين المدفـع

و نـحـنُ في الأحكام قـلَّـدْنـاه"="وكــل ما قد قال سلمناهُ

لـعِلْـمِــهِ و فَـضْلِـهِ وَ وَرَعِــهْ"="و زُهْــدِهِ و بُـعْــدِ غَـوْرِ مَشْـرَعِهْ

جـزاه ربُّ العرش أعلى جَـنَّـة"="فكمْ لهُ على الورى مــِـنْ مـِنَّــةِ

وما روى عـن مـالـكٍ أصحـابُهُ"="فـيهِ فَـخُـذْهُ هَــاطِــلاً سَـحـابُـهُ

فــعَابد الرحـمـن نَجْلُ القاسـم"="مَـنْ وَطِــئَ الجَـوْزَاءَ بالمناسِـمِ


  #3  
قديم 18/01/2011, 09:06 AM
صورة عضوية أبو الليث النفوسي
أبو الليث النفوسي أبو الليث النفوسي غير متصل حالياً
عضو مميز
 
تاريخ الانضمام: 02/02/2009
الإقامة: نفوسا
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,456
افتراضي

لازَمَهُ أكثـرَ مـِنْ عِـــــشْـرينا"="و صارَ في العلمِ لهُ قريــنـا

و هْـوَ الـمُقَــدَّمُ عَــلَـى سِـواهُ"="في العِـلْـمِ إذ سِـواهُ ما ســاواهُ

روى الكراهــة عـــنِ الإمَــــام"="للقبضِ في الفرضِ على التمامِ

روايةً قـدْ ثـَـبَـتَـتْ مُـدَوَّنَــه"="تـقرؤهــا الشيوخُ في الـمُدوَّنــهْ

و هِــيَّ لـلـتَّـبـيينِ للأحكـام"="مَـوْضوعةٌ مـشـدودَة الإحـكـامِ

و ذا خليلُ الـفِـقْـهِ يا مُـحَـصِّـلا"="قد حّــزَّ فيها فأصابَ فـيهـا الـمَـفْـصِلا

فـهْيَ رواية الإمـام الـعُـتَـقــِــي"="عَـن مالـكٍ بَـحْـرِ الـعُلومِ الـمـتَّـقي

لا ينبغـي الـعُـدولُ لـلـعـُدول"="عَـنها لفقدِ مُـوجِـبِ العُـدولِ

و قَـدْ روى عنـه الجَـوازَ أشهبُ"="فرضا و نفلا ، و هْو باز أشهــب

و الأخـَـوَانِ رَوَيَا استحبابـــه"="فـفـتحا للداخلين بابــهْ

و قد روى المنعَ العِـراقِـيُّـونــا"="فـهـ� �ؤلاء السادة الـمُفْـتُـونا

و ليسَ بعد المنــعِ مــنْ شَــيْءٍ أشَـد"="مـنْـه فـخَـلِّ مُـوهِـمَ المنعِ الأشدْ

بل ندبُـه هو قُـصـارَى الأمــر"="فــليس أمرُهُ إذَنْ بـِـإِمْـرِ

و النـدبُ بـِـالتَّـركِ مَــنِ اسْـتَـبَاحَـه"="عَـمْـدًا فلا إثــْــمَ كَذي الإباحــهْ

أحْــرى إذا ما كان هُـوَّ المذهــبا"="و لا يرى الذاهــبُ عنه مذهبـــا

و إن فَـرَضْـنا أنه مـرجـــوحُ"="و مَـا لَـهُ بـِحَالَةٍ رُجُوحُ

فالقـولُ حيثُ كــانَ مرجوحا وقــد"="جرى به العَــمَـلُ نارَ و اتَّـقَـدْ

قال بـذا ابنُ العَـرَبــِــي و الشَّـاطِـبي"="و غيرُ ذَيــْــنِ فـبـِهِ نفـسًـا طِـــبِ

و قد جرى عَـمَـلُ أهــل الـمَـغْـرِبِ"="بالسَّـدْل� � فالقبضُ كَـعَنْـقَا مُـغْـرِبِ

حـتى استحــال جُــلُّـهُـمْ لا يعرفُ"="قـبـضـا و لو عَـرَّفَـهُ مُـعَرِّفُ

هنا انتهى ما رُمْـــتُــهُ مُـنَـظَّـمَــا"="فيهِ شِـفَـاءُ ذِي الظَّــما من الظَّمـــا

و فيهِ ما يكفي لكلِّ نــابـِـه"="و هْـوَ الذي نَـدينُ رَبـَّــنا بـِــهِ

نسْـألُـهُ سُـبْـحانهُ التوفــيقا"="حتى يُــرى لِـكُـلِّـنا رفيـــقا

و الأمــنَ في يومِ الحِـسابِ الاكبر"="و جَـبْـرَ كَسْـرِنا الذي لم يُجْـبَـرِ

و أن يُـيَـسِّـرَ لـنـا اتِّـبـاعَـا"="خـيْرِ و أكرم الورى طِـــباعا

مُـحَـمَّـدٍ من لا تُـطِـيـقُ الألسُن"="وصفَ إلاهُ فالسُّــكـوتُ يَـحْـسُـنُ

صـلَّـى عليه ربـُّـنا وسلــما"="ما كَــبَّــرَ المُسْـلمُ ثــُمَّ سّـــلَّــما

و آلِـــهِ و صَـحْـبـِـهِ الذينَ بَـلَغُوا"="أقْـصى الـعُلا فَـبُـلِـّـغُـوا و بَـلَّـغُــوا



تمت المنظومة و الحمد لله تعالى



-----------------------
منقول للعلم والفائدة
  #4  
قديم 18/01/2011, 09:09 AM
صورة عضوية أبوالحارث
أبوالحارث أبوالحارث غير متصل حالياً
عضو مميز
 
تاريخ الانضمام: 14/03/2008
الإقامة: صحار دار الاصالة
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,068
افتراضي

رجعنا بعد حل السالفه
__________________
انا إنســان مع نفسي قبل لا أكون معك إنسان
ولـــي مبدا ولي نظرة وتحكمني قناعتي
  #5  
قديم 18/01/2011, 09:41 AM
التعاون16 التعاون16 غير متصل حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 19/01/2009
الإقامة: الباطنه
الجنس: ذكر
المشاركات: 327
افتراضي

.......... دائماً متميز في مواضيعك ............ ولك الشكر والحمد لله كثيرا
  #6  
قديم 18/01/2011, 10:28 AM
صورة عضوية أبو الحسن
أبو الحسن أبو الحسن غير متصل حالياً
عضو مميز
 
تاريخ الانضمام: 03/12/2006
الإقامة: جــ الصمت ـــدار
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,690
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى أبو الحسن
افتراضي

بارك الله فيك أخي..
__________________
إن صمتي لا يعني جهلي بما يدور حولي ... ولكن مايدور حولي لا يستحق الكلام
------------------------------
زيادة القول تحكي النقص في العملِ
و منطق المرء قد يهديه للزللِ
إن اللسان صغير جرمه و له
جرم كبير كما قد قيل في المثلِ
فكم ندمت على ماكنت قلت به
و ما ندمت على ما كنت لم أقلِ
------------------------------
  #7  
قديم 18/01/2011, 05:34 PM
صورة عضوية أبو الليث النفوسي
أبو الليث النفوسي أبو الليث النفوسي غير متصل حالياً
عضو مميز
 
تاريخ الانضمام: 02/02/2009
الإقامة: نفوسا
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,456
افتراضي

أبو الحارث

التعاون

ابو الحسن

شكرا على مروركم
  #8  
قديم 18/01/2011, 07:44 PM
جامع جامع غير متصل حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 12/05/2008
الإقامة: سلطنة عمان
الجنس: ذكر
المشاركات: 207
افتراضي

مشكور أخي وبارك الله فيك
  #9  
قديم 18/01/2011, 10:03 PM
صورة عضوية ملك البلاد
ملك البلاد ملك البلاد غير متصل حالياً
خاطر
 
تاريخ الانضمام: 18/09/2008
الإقامة: مســــقط
الجنس: ذكر
المشاركات: 22
افتراضي

جزاك الله خيرا
__________________
ملــك البــلاد
  #10  
قديم 18/01/2011, 11:56 PM
ابو الأشبال ابو الأشبال غير متصل حالياً
خاطر
 
تاريخ الانضمام: 14/05/2010
الجنس: ذكر
المشاركات: 10
افتراضي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد اختلفت الرواية عن مالك رحمه الله في وضع اليدين اليمنى على اليسرى في الصلاة وإرسالهما، فروى ابن القاسم كراهته، وروي عنه أشهب: لا بأس به. في النافلة والفريضة وكذا قال أصحاب مالك المدنيون، وروى مطرف وابن الماجشون أن مالكاً استحسنه.
وهذا هو الذي ذكره مالك رحمه الله في الموطأ:
فقد روى عن سهل بن سعد أنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذارعه اليسرى في الصلاة ، قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك. والحديث رواه البخاري وغيره .
وقد نقلت هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث ، ومن ذلك ما رواه مسلم عن وائل بن حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر_ وصف همام (أحد رواة الحديث) _ حيال أذنيه ، ثم التحف بثوبه ، ثم وضع يديه اليمنى على اليسرى ، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما ثم كبر فركع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه".
قال ابن عبد البر في التمهيد:
"لم تختلف الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، ولا أعلم عن أحد من الصحابة في ذلك خلافاً إلا شيئا روي عن ابن الزبير أنه كان يرسل يديه إذا صلى ، وقد روي عنه خلافه مما قدمنا ذكره عنه وذلك قوله: وضع اليمين على الشمال من السنة ، وعلى هذا جمهور التابعين وأكثر فقهاء المسلمين من أهل الرأي والأثر".
وقال الزرقاني:
"قال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول جمهور الصحابة والتابعين، وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره، وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه ، وروي أيضا عنه إباحته في النافلة لطول القيام وكرهه في الفريضة ، ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث تمسك معتمداً لقصد الراحة".
قال ابن عبد البر رحمه الله:
"ولا وجه لكراهية من كره ذلك لأن الأشياء أصلها الإباحة ولم ينه الله عن ذلك ولا رسوله فلا معنى لمن كرهه ، هذا لو لم يرو إباحته عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف وقد ثبت عنه ما ذكرنا ، وكذلك لا وجه لتفرقة من فرق بين النافلة والفريضة ولو قال قائل إن ذلك في الفريضة دون النافلة ، لأن أكثر ما كان يتنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ليلاً ، ولو فعل ذلك في بيته لنقل ذلك عنه أزواجه ولم يأت عنهن في ذلك شيء، ومعلوم أن الذين رووا عنه أنه كان يضع يمينه على يساره في صلاته لم يكونوا ممن يبيت عنده ولا يلج بيته، وإنما حكوا عنه ما رأوا منه في صلاتهم خلفه في الفرائض والله أعلم".
وقال الباجي في المنتقى:
" وأما موضع اليمنى على اليسرى في الصلاة فقد أسند عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق صحاح: رواه وائل بن حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر ثم التحف في ثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. وقد اختلف الرواة عن مالك في وضع اليمنى على اليسرى، فروى أشهب عن مالك أنه قال: لا بأس بذلك في النافلة والفريضة، وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك أنه استحسنه. وروى العراقيون من أصحابنا عن مالك في ذلك روايتين: إحداهما الاستحسان، والثانية المنع.
وروى ابن القاسم عن مالك: لا بأس بذلك في النافلة وكرهه في الفريضة. وقال القاضي أبو محمد: ليس هذا من باب وضع اليمنى على اليسرى وإنما هو من باب الاعتماد، والذي قاله هو الصواب ، فإن وضع اليمنى على اليسرى إنما اختلف فيه هل هو من هيئة الصلاة أم لا وليس فيه اعتماد. فيفرق فيه بين النافلة والفريضة.
ووجه استحسان وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة الحديث المتقدم، ومن جهة المعنى أن فيه ضرباً من الخشوع وهو مشروع في الصلاة.
ووجه الرواية الثانية أن هذا الوضع لم يمنعه مالك وإنما منع الوضع على سبيل الاعتماد، ومن حمل منع مالك على هذا الوضع اعتل بذلك لئلا يلحقه أهل الجهل بأفعال الصلاة المعتبرة في صحتها.
(مسألة) وفي أي موضع توضع اليدان ، قال ابن حبيب: ليس لذلك موضع معروف، وقال القاضي أبو محمد : المذهب وضعهما تحت الصدر وفوق السرة، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: السنة وضعهما تحت السرة.
والدليل على ما ذهب إليه مالك أن ما تحت السرة محكوم بأنه من العورة فلم يكن محلاً لوضع اليمنى على اليسرى كالعجز" انتهى كلام الباجي.

ومما يجدر التنبه له بعد كل هذا أن هذه المسألة لا ينبغي أن تكون سببا للخلاف بين الناس وإنكار بعضهم على بعض، فالقبض سنة ثابتة ولكنه - ولله الحمد- ليس بفرض بحيث يأثم تاركه، فالخطب في شأنه يسير أما التنافر والتدابر من غير سبب شرعي وجيه، فإنه يعتبر من الإثم المبين.
والله أعلم.
  #11  
قديم 19/01/2011, 08:11 AM
مجاور الجبال مجاور الجبال غير متصل حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 15/12/2010
الإقامة: مسقط
الجنس: ذكر
المشاركات: 146
افتراضي

أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين من طرق صحيحة عن رفاعة بن رافع أنه كان جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فدخل المسجد، فصلى، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال صلى الله عليه وسلم: وعليك، فارجع فصل فإنك لم تصل، قال: فرجع فجعلنا نرمق صلاته لا ندري ما يعين منها، فلما قضى صلاته فجاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال صلى الله عليه وسلم: وعليك، فارجع فإنك لم تصل، وذكر ذلك إما مرتين أو ثلاثاً، فقال الرجل: ما أدري ما عبت عليَّ من صلاتي، قال صلى الله عليه وسلم: لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله عز وجل، يغسل وجهه ويديه للمرفقين، ويمسح رأسه بيديه، ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر ويحمد الله ويمجده، ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه، ثم يكبر فيركع، ويضع كفيه على ركبتيه، حتى تطمئن مفاصله، ويستوي، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ويستوي قائماً، حتى يأخذ كل عظم مأخذه، ثم يقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته من السجود حتى تطمئن مفاصله ويستوي، ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعداً على مقعدته، ويقيم صلبه، وصف الصلاة هكذا حتى فرغ ثم قال: لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك.
قال الحاكم: هذا حديث صحيحٌ على شرط الشيخين .
فبهذا احتج كثير من العلماء إذ كيف يصح أن يكون القبض سنةً ولم يعلّمه له بعد أن علمه السنن ...
  #12  
قديم 19/01/2011, 08:34 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
بحث في موضوع
الرفع و الضم في الصلاة
لفضيلة الشيخ ناصر بن سليمان السابعي

المقدمة في بيان اختلاف الأمة في الرفع والضم في الصلاة:

اشتد الخلاف بين طوائف الأمة في مشروعية الرفع والضم في الصلاة، ويكاد يستقل كل مذهب من مذاهبها بقول لا يوجد مثيله في مذهب آخر، وأحيانا نجد في المذهب الواحد أكثر من رأي في إحدى المسألتين، بل قد ينقل عن العالم الواحد أكثر من قول في المسألة بعينها، وتفصيل الأقوال في هذه القضية على النحو الآتي:

أولا مذهب أهل الحق والاستقامة (( الإباضية )):
يرى الإباضية أن كلاًّ من الرفع والضم غير مشروعين في الصلاة، لأن الأول عبث، والثاني لا معنى له أثناءها.

الرفع:
يقول سلمة بن مسلم العوتبي ( ت ):
" أجمع أصحابنا على ترك رفع اليدين في الصلاة لأشياء صحت عندهم في ذلك " { الضياء 5/151)

ويقول الإمام أبو سعيد الكدمي (ت361 هـ):
" معي أنه يخرج في معاني قول أصحابنا بترك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند تكبير العيدين، وفي تكبير الصلاة كلها، ويأمرون بترك ذلك وينهون عن فعله، وأن ذلك يقع موقع العبث في الصلاة، ولا معنى له، والمأمور بغيره من السكون والخشوع في الصلاة " { بيان الشرع 11 /91، قاموس الشريعة 19 / 270 }.

1- الضم:

يقول أبو المؤثر الصلت بن خميس الخروصي (ت278 هـ):
" يقال إن الخشوع بالعينين واليدين ؛ ولا يومئ بطرفه أمامه، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا، ولا ينظر من فوق رأسه إلى السماء، ولا يغمض عينيه في الصلاة، وإنما يقلب نظره في موضع سجوده، لا إلى موضع دون موضع، والخشوع بكفيه ؛ لا يعبث بثيابه ولا بلحيته، وليرسل يديه إرسالا " { الضياء 5 / 126، قاموس الشريعة 19 / 275،276 }
ويقول الإمام أبو سعيد:
" يخرج في معاني قول أصحابنا ثبوت الإرسال في الصلاة لجميع الأعضاء...". { بيان الشرع 11/ 93 }.

ويقول العوتبي:" فإن أراد المصلي الصلاة صف قدميه وجعل بينهما مسقط نعل في عرضها، وإن كان أقل أو أكثر فلا بأس، وأرسل يديه إرسالاً في قيامه، وبهذا قال جماعة من أهل العلم، منهم الحسن وابن الزبير والنخعي، فأما وضع اليمين على الشمال في الصلاة فلا نعرفه " { الضياء 5 / 128 }

ويقول أبو إسحاق الحضرمي {ت } في بيان سنن الصلاة:
" السادس عشر: أن يرسل يديه إرسالا حال القيام " { مختصر الخصال 57 }.

إذن فقد عد الإباضية الرفع عبثا في الصلاة، وكذلك القبض لا معنى له، ولذا حكموا بكراهتهما، وأنكروا على من فعل ذلك.

حكم الإباضية في من رفع أو ضم:

يقول الإمام أبو سعيد:
" يخرج في معاني قول أصحابنا ثبوت الإرسال في الصلاة لجميع الأعضاء، وترك الحركات فيها والعمل إلا بمعاني القيام من ركوعها وسجودها ؛ وما يدخل فيها من معاني صلاحها من صلاح اللباس لها وأشباه ذلك. وسائر ذلك من الحركات والفعل خارج من معانيها وواقع بأحد معنيين: إما عملا ممنوعا، ذلك مفسد للصلاة، بذلك جاءت السنة، وإما عبثا يخرج من معاني قول أكثرهم أن تفسد الصلاة، ويأتي النهي عنه ". {بيان الشرع 11 /93 }

ويقول أبو الحسن البسيوي ( توفي أواخر القرن الرابع الهجري ):
" ولم نر أسلافنا يعملون ذلك، ولم نرهم يفسدون صلاة من فعله، ومن فعله لم نره يفسد صلاة من لم يفعله، إلا ما رأينا من إنكار بعضهم على بعض ".
قال:
" عندي أن العمل في الصلاة بغير معنى الصلاة لا يجوز، ورأيت رفع اليدين في الصلاة عملاً ليس هو من الصلاة، وقد جاء النهي عنه " { الضياء 5 /153 }

وبوب أبو إسحاق الحضرمي في { مختصر الخصال } ص58 بقوله:
" باب ذكر بيان ما يكره في الصلاة مما جعله قومنا سنة "
ثم قال: " الثاني: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، الثالث: وضع اليدين على السرة "

وقال الإمام السالمي ( ت1332 هـ ) في { المدارج }:
وبعد أن تحرم فالتوجيه ****** مكره وذا هو الوجيه
وهكذا رفع اليدين عندها ****** للأذنين النقض أولى ما بها
وهكذا وضعهما بالسرة ****** أو أن يشير قاصدا لنكتة

وقال في { المعارج 8/277 }:
" رفع اليدين عند الإحرام مكروه ناقض للصلاة عندنا، لأنه عمل في الصلاة، وهو ينافي الخشوع المأمور به أو ينقضه ".

ويقول أبو مسلم البهلاني ( ت1339 هـ ):
" وقد وافقنا بعض المالكية كما حكاه اللخمي عنهم، على أن رفع اليدين حرام مع التكبير وأولى بعده، وقلنا بنقض الصلاة به مع الإحرام أو بعده، أو ما قبله فبدعة غير ناقضة " { نثار الجوهر 2 / 205 }.
نخلص مما سبق إلى أن مذهب الإباضية عدم مشروعية الرفع مطلقا في الصلاة، لا مع تكبيرة الإحرام، ولا قبلها ولا بعدها، ولا مع الركوع، ولا عند الرفع منه، ولا في أي موضع منه، وهو عبث، وحركة منافية للأمر بالسكون والخشوع في الصلاة، وفعله بدعة مكروهة ناقضة للصلاة.
وكذلك ضم اليدين غير مشروع عندهم وفعل مكروه لا معنى له.

حكم الإباضية فيمن صلى وراء من يرفع أو يضم:

وأما الاقتداء بمن يفعل ذلك من المذاهب الأخرى فقد حكى أبو سعيد الخلاف فقال:
" وقيل: تجوز خلف أهل الدعوة ما لم يتهموا في الصلاة، ولا تجوز خلف أهل الخلاف، وقيل تجوز خلف أهل القبلة ما لم يزيدوا أو ينقصوا " { المصنف: 5/ 263 }.

وفي بعض الأقوال:
" وقيل: صلاة الجماعة خلف أهل القبلة لإحياء سنة الجماعة أفضل من صلاة الفرادى... " { المصنف: 5 / 264 }
وأيضا:
" وقد قيل إن الصلاة خلف قومنا أفضل لإحياء الجماعة، ما لم يزيدوا في الصلاة أو ينقصوا منها " { المصنف 5 / 267 }.

وأورد الشيخ أحمد بن عبد الله بن موسى الكندي صاحب المصنف ( ت557 هـ ) ما يدل على الاتفاق على صحة صلاة من صلى وراء من يرفع يديه في الصلاة، مما يفيد أن القول بنقضها غير مشهور ولا معمول به، فقد قال:

" مسألة: أجاز المسلمون الصلاة خلف من يفرد الإقامة، ومن يسر بسم الله الرحمن الرحيم، وخلف من يرفع يديه في الصلاة للتكبير، وخلف من يسلم مرتين، ولم يروا ذلك زيادة في الصلاة ولا نقصان؟؟؟ فيها، وليس ذلك من أفعال المسلمين الذين هم يفعلونه، وقد جامعوا على ذلك في الفعل بالصلاة خلف من يفعله، وهذه الأربع لا نعلم أن أحدا من المسلمين قال فيهن على من صلى خلفه )) { المصنف 5 /265}.
  #13  
قديم 19/01/2011, 08:37 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

الباب الثاني: أدلة الرفع والضم ومناقشتها:

الفصل الأول: قضية الرفع ومناقشتها

تمهيد:
... المتصفح لكتب الحديث يجد كماً هائلاً من الروايات التي تحاول إثبات الرفع بشكل يثير الدهشة والاستغراب. وقد أفرد بعض المصنفين في ذلك أجزاء مستقلة، كالإمام البخاري الذي ألف جزء (رفع اليدين في الصلاة) المعروف بـ ( قرة العينين )، ومحمد بن نصر المروزي الذي ذُكر أن له مؤلفاً في روايات الرفع (1) .
وقد أثرت تلك الروايات في عدد من العلماء فضلا عن العامة، فلا غرو أن نجد من يحكي الإجماع، ومن يثبت التواتر، ومن رفع بعد أن لم يكن، كالشوكاني الذي نشأ زيديّاً (يتأكد منه؟؟؟) ثم لما اشتغل بعلم الحديث تبنى عدداً من أفكار المحدثين وآرائهم، ومنها الرفع الذي حَكَم على الروايات فيه بالتواتر كما سيأتي بعون الله تعالى، كما نجد من رفع في مواضع من الصلاة بعدما كان يقتصر على الرفع عند تكبيرة الإحرام، كبعض علماء الأحناف المتأخرين الذين اشتغلوا بعلم المصطلح، ونهجوا نهج الشوكاني.
__________
(1) انظر ( كتاب رفع اليدين) ص 10 هامش (1)



======================================

وتلك الروايات لا نراها محل الاتفاق والتسليم من الكل، بل كان الخلاف الحاد، والمواقف المتصلبة، ما بين مثبت ونافٍ، وقابل ورافض، وكانت الردود حتى فيما بين علماء المذهب الواحد، فضلاً عما بين علماء المذهبين المختلفين. ومن ذلك ما نقله مكحول النسفي الحنفي في (كتاب الشعاع) عن الإمام أبي حنيفة أن من رفع يديه عند الركوع وعند الرفع منه فسدت صلاته، وما فعله أمير كاتب بن أمير الإتقاني الحنفي المكنى بأبي حنيفة الذي ألف رسالة في بطلان صلاة من رفع يديه، ورد عليه أبو الحسنات اللكنوي قائلا:
" ما أقبح كلامه وما أضعفه، أتفسد الصلاة بما تواتر فعله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه " ( انظر رفع اليدين ص18 هامش؟؟؟)
كما روي تعرض بعض العلماء للاعتداء من طرف آخرين من نفس المذهب بسبب الرفع، وكلهم ممن يأخذ بالرفع لكن الخلاف في عدد مراته ومواضعه، كما حدث لأبي بكر الفهري المالكي حين كاد أن يعتدي عليه بعض المالكية بسبب خلافهم في الرفع. وكما قيل عن أبي الحسن السندي إنه تعرض للسجن بسبب رفع اليدين وضمهما في الصلاة.؟؟؟
ومهما يكن من أمر هذه الحوادث ونحوها مما سبيله التعصب فإن موازين العلم ومقاييس الصواب والخطإ غير مرهونة بالعواطف والانتماءات، وإنما بطلب الحقيقة والبحث عن الصواب، والكشف عن مكامن النقد، ومواضع المتانة العلمية.
ونظرة أخرى فاحصة إلى هذا الموضوع تبين عن بعض الأمور التي هي موضع نقاش، ومحل أخذ ورد، ومجال تساؤلات كثيرة. كما أن عدداً من المفاهيم والمسلَّمات إذا وضعت تحت المجهر الدقيق فسوف تكون خفايا الحقائق مختلفة عن ظواهر الأشياء. وكل من دعوى الإجماع، ودعوى التواتر، بل ودعوى الثبوت لا تقدر على الصمود حينما تعرض على معايير النقد الدقيقة، وتوضع في موازين التمييز بين الصواب والخطإ، وسيتضح كل ذلك بعون الله تعالى فيما يلي من المسائل.


وقبل أن ألج في الروايات ومناقشتها أبدأ بذكر المسائل المتعلقة بالرفع وقضاياه ومناقشتها.

المبحث الأول: مسائل الرفع ومناقشتها

يتعلق بالرفع مسائل متعددة، وفي كل مسألة أقوال متباينة واضطرابات شديدة، تشرّق فيها الأحكام وتغرّب، وبيان ذلك فيما يلي:

المسألة الأولى: مواضع الرفع في الصلاة

اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على مشروعية الرفع عند تكبيرة الإحرام، إلا الإمام مالكاً فقد اختلفت الرواية عنه، قال ابن عبدالبر:
" وذكر ابن خواز بنداذ قال: اختلفت الرواية عن مالك في رفع اليدين في الصلاة، فمرة قال: يرفع في كل خفض ورفع على حديث ابن عمر، ومرة قال: لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام، ومرة قال: لا يرفع أصلاً " ( الاستذكار 4/100 )

ونقل ابن عبدالبر أيضا عن ابن القاسم يروي عن مالك:
" يرفع يديه للإحرام عند افتتاح الصلاة، ولا يرفع في غيرها. قال: وكان مالك يرى رفع اليدين في الصلاة ضعيفا. وقال: إن كان ففي الإحرام " (الاستذكار 4/99)

وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) ما نصه:
" وفي (مختصر ما ليس في المختصر) عن مالك: لا يرفع اليدين في شيء من الصلاة. قال ابن القاسم: ولم أر مالكاً يرفع يديه عند الإحرام. قال: وأحب إلي ترك رفع اليدين عند الإحرام " (الجامع 20/222)

وروى العوتبي (من علماء الإباضية في القرن الخامس) بسنده إلى الإمام مالك رجوعه عن القول برفع اليدين في الصلاة. (الضياء 5/153)

واختلفوا في الرفع فيما سوى تكبير الإحرام:
1- فذهب أهل الكوفة وأبو حنيفة وجمهور الحنفية وسفيان الثوري ووكيع (؟؟؟ ) إلى أن المصلي لا يرفع يديه إلا عند تكبيرة الإحرام فقط، وهي رواية عن مالك كما تقدم، فقد روى ابن القاسم عنه قال:
" لا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة لا في خفض ولا رفع إلا افتتاح الصلاة يرفع يديه شيئاً خفيفاً "؟؟؟


2- وذهب الشافعي وأحمد وجمهور أهل الحديث وأهل الظاهر، وهو مروي عن مالك إلى أن الرفع عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه (؟؟؟)
3- وذهب بعض أهل العلم إلى أن رفع اليدين عند الإحرام وعند الركوع والرفع منه وعند القيام من الركعتين، أي من التشهد الأول، وهو الذي رجحه النووي ( صحيح مسلم 4/88)
4- وذهب بعض أهل الحديث إلى أن رفع اليدين عند الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه وعند السجود وعند الرفع منه ( ؟؟؟)
5- وذهب البعض إلى الرفع عند الإحرام وعند كل خفض ورفع في الصلاة
6- وصنيع الألباني في كتابه (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) يفيد أن المصلي يرفع في المواضع الثلاثة- الإحرام والركوع والرفع منه- ومخير في كل خفض ورفع سوى ذلك، حيث نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه " كان أحياناً يرفع " في مواضع متعددة من الصلاة، فقال:
- " وكان أحياناً يرفع يديه إذا سجد " ( صفة الصلاة، ص140)
- " وكان يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً " ( صفة الصلاة، ص151) أي: عند الرفع من السجود.
- " وكان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً " ( صفة الصلاة، ص154) أي: إلى السجدة الثانية.
- " وكان يرفع يديه أحياناً " ( صفة الصلاة، ص154) أي: عند الرفع من السجدة الثانية إلى ما سماه بجلسة الاستراحة قبل القيام.
- " وكان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً " ( صفة الصلاة، ص177) أي: عند القيام من التحيات الأولى.

المسألة الثانية: حُكْم الرفع

- ذهب جمهور القائلين بالرفع إلى أنه سنة في الصلاة، قال النووي:
" وأجمعوا على أنه لا يجب شيء من الرفع ( ؟؟؟)
بينما عبارة ابن عبدالبر:
" أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة " ( ؟؟؟)
- وقال بالوجوب: الأوزاعي والحميدي وابن خزيمة، والظاهرية كداود وابن حزم ( ؟؟؟)، وحُكي عن الإمام أحمد، قال ابن عبدالبر:

" كل من نقل عنه الإيجاب لا يبطل الصلاة بتركه إلا في رواية عن الأوزاعي والحميدي " ( ؟؟؟)
وقال ابن حجر: " ونقل بعض الحنفية عن أبي حنيفة: يأثم تاركه "
- وقال أيضا: " ونقل القفال عن أحمد بن سيار أنه أوجبه وإذا لم يرفع لم تصح صلاته "
وقال: " وهو مقتضى قول ابن خزيمة: أنه ركن " ( الفتح ج2/458) "

وهذا الخلاف الظاهر أنه في الرفع عند افتتاح الصلاة.

وأما الرفع عند الركوع وعند الرفع منه فقد اختلفوا في حكمه:
1- قال محمد بن نصر المروزي:
" أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة " ( ؟؟؟)، وسبق أن أبا حنيفة والثوري ووكيعاً لا يرون ذلك مشروعاً.
  #14  
قديم 19/01/2011, 08:38 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

وقال علي بن المديني:
" رفع الأيدي حق على المسلمين بما روى الزهري عن سالم عن أبيه " ( رفع اليدين ص38 )، ورفع الأيدي هنا محله المواضع الثلاثة: الإحرام والركوع والرفع منه كما هو سياق رواية الزهري عند البخاري في (رفع اليدين؟؟؟).
ونقل السبكي عن الشافعي قال:
" لا يحل لأحد سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين في افتتاح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع من الركوع أن يترك الاقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم "، قال السبكي: " هذا صريح في أنه يوجب ذلك " ( ؟؟؟)

2- بينما قال أبو داود السجستاني ( ؟؟؟ ):
" رأيت أحمد يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع كرفعه عند افتتاح الصلاة يحاذيان أذنيه، وربما قصر عن رفع الافتتاح "
قال: " وسمعت أحمد قيل له: رجل سمع هذه الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم ثم لا يرفع، هو تام الصلاة ؟ قال: تمام الصلاة لا أدري، ولكن هو في نفسه منقوص ".
وقال عبدالله بن أحمد:......... ( ؟؟؟ )

3- قال ابن حجر:
" ومقابل هذا قول بعض الحنفية: إنه يبطل الصلاة " ( الفتح 2/459 ) ونقل ذلك أيضا عن أبي حنيفة كما تقدم.
قال ابن حجر: " ونسب بعض متأخري المغاربة فاعله إلى البدعة، ولهذا مال بعض محققيهم -كما حكاه ابن دقيق العيد- إلى تركه درءاً لهذه المفسدة " ( الفتح 2/459 )
قال البخاري:
" من زعم أن رفع الأيدي بدعة فقد طعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والسلف ومن بعدهم " ( رفع اليدين/ ص127 )

وسيأتي بعون الله تعالى التحقيق في الروايات المنسوبة إلى الصحابة في أمر الرفع.

4- وقد سبق عن الإمام مالك - في بعض الروايات عنه - القول بالكراهة في كل موضع في الصلاة.
ونقل ابن عبدالبر عن الظاهرية أقوالاً في حكم الرفع في الصلاة، فقال:
" وقال داود بن علي: الرفع عند تكبير الإحرام واجب، ركن من أركان الصلاة. واختلف أصحابه فقال بعضهم: الرفع عند الإحرام وعند الركوع والرفع منه واجب، وقال بعضهم: لا يجب الرفع عند الإحرام ولا غيره فرضا، لأنه فعله صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به، وقال بعضهم: لا يجب الرفع إلا عند الإحرام، وقال بعضهم: هو واجب كله لقوله عليه السلام: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) " ( الاستذكار 4/103 )

وأما حكم الرفع في غير هذه المواضع عند من يقول بها فلا تعدو عند أكثرهم مجرد استحباب:
1- قال ابن دقيق العيد:
" قياس نظر الشافعي أنه يستحب الرفع فيه، لأنه أثبت الرفع عند الركوع وعند الرفع منه....إلخ " ( الفتح 2/462 )

2- وقد تقدم أن الألباني خيّر المصلي فيها بين الرفع وعدمه.
3- كما تقدم قريبا أن بعض الظاهرية أوجبوا.
4- بينما تقدمت الرواية عن مالك بكراهة الرفع أصلاً في الصلاة.

المسألة الثالثة: كيفية الرفع

قال العيني [عمده القاري 5/271]:
( واختلفوا في كيفية الرفع ).
ثم ذكر هيئة الكفين عند الرفع فقال:

1- "فقال الطحاوي: يرفع ناشرا أصابعه مستقبلا بباطن كفيه القبلة. كأنه لمح ما في الأوسط للطبراني من حديثه عن محمد بن حزم: حدثنا عمر بن عمران عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: (إذا استفتح أحدكم الصلاة فليرفع يديه وليستقبل بباطنهما القبلة ن فإن الله تعالى عز وجل أمامه ).
وفي المحيط: ولايفرج بين الأصابع تفريجا، كأنه يشير إلى ما رواه الترمذي من حديث سعيد بن سمعان: دخل علينا أبو هريرة مسجد بني زريق فقال: " ثلاث كان يعمل بهن فتركهن الناس، كان صلى الله عليه وسلم اله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال هكذا، وأشار أبو عامر العقدي بيده، ولم يفرج بين أصابعه ولم يضمها. وضعفه
2- وفي الحاوي للماوردي: يجعل باطن كل كف إلى الأخرى.
3- وعن سحنون: ظهورها إلى السماء وبطونهما إلى الأرض.
4- وعن القاضي: " يقيمهما محنيتين شيئا يسيرا "
ثم ذكر العيني هيئة الأصابع فقال:
أ " ونقل المحاملي عن أصحابهم: يستحب تفريق الأصابع.
ب وقال الغزالي: لا يتكلف ضما ولاتفريقا، بل يتركهما على هيئتهما.
ج- وقال الرافعي: يفرق تفريقا وسطا.
د- وفي المغني لابن قدامة: يستحب أن يمد أصابعه ويضم بعضهما إلى بعض "
انتهى كلام العيني

المسألة الرابعة: وقت الرفع

1- يرفع ثم يكبر، قال صاحب المبسوط ( من الحنفية ): وعليه أكثر مشايخنا(؟؟؟). وقال صاحب الهداية: الأصح يرفع ثم يكبر، لأن الرفع نفي صفة الكبرياء عن غير الله والتكبير إثبات ذلك، والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة (؟؟؟)
2- يكبر ثم يرفع (؟؟؟)
3- يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير، أي يكون الرفع مقارنا للتكبير، وبه قال أحمد، وهو المشهور من مذهب مالك، ونسبه الغزالي إلى المحققين (؟؟؟) قال ابن حجر:" وفي المقارنة وتقديم الرفع على التكبير خلاف بين العلماء، والمرجح عند أصحابنا المقارنة، ولم أر من قال بتقديم التكبير على الرفع "[ الفتح 2/457]


وذكر النووي لهذا القول خمسة أوجه فقال: " وأما وقت الرفع ففي الرواية الأولى: رفع يديه ثم كبر، وفي الثانية: كبر ثم رفع، وفي الثالثة: إذا كبر رفع، ولأصحابنا فيه أوجه:
أحدهما: يرفع غير مكبر، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين وينهيه مع انتهائه
والثاني: يرفع غير مكبر، ثم يكبر ويداه قارتان، ثم يرسلهما
والثالث: يبتدئ الرفع من ابتدائه التكبير وينهيهما معا
والرابع: يبتدئ بهما معا، وينهي التكبير مع انتهاء الإرسال
والخامس: وهو الأصح: يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير، ولا استحباب في الانتهاء، فإن فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس تمم الباقي، وإن فرغ منهما حط يديه ولم يستدم الرفع "
ثم قال:" ولو ترك الرفع حتى أتى ببعض التكبير رفعهما في الباقي، فلو تركه حتى أتمه لم يرفعهما بعده " [ شرح صحيح مسلم 4/82]
4- قال الألباني في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ): " وكان يرفع يديه تارة مع التكبير وتارة بعد التكبير وتارة قبله " [ صفة الصلاة ص87] أي كل ذلك جائز، ونحو قول العيني قبله: " فهذه حالات فعلت لبيان جواز كل منها " (؟).
  #15  
قديم 19/01/2011, 08:39 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

المسألة الخامسة: إلى أين يرفع

1- إلى المنكبين، وبه قال مالك والشافعي (؟؟؟)
2- إلى الصدر، وهو إحدى الروايتين عن مالك
3- التخيير إلى المنكبين إو إلى الصدر [ الأوسط لابن المنذر 3/73]
4- إلى فروع الأذنين، وهو مذهب الأحناف (؟)وعندهم أن المرأة إلى الصدر لأنه أستر لها (؟)
قال النووي: "وأما صفة الرفع فالمشهور من مذهبنا ومذهب الجماهير أنه يرفع يديه حذو منكبيه بحيث تحاذي أطراف أصابعه فروع أذنيه أي أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه، فهذا معنى قولهم: حذو منكبيه، وبهذا جمع الشافعي رضي الله عنه بين روايات الأحاديث، فاستحسن الناس ذلك منه " [ شرح صحيح مسلم 4/82]
5- إلى فوق الرأس، وهو منسوب إلى ابن حبيب ، ومروي عن طاووس.


6-- التكبيرة الأولى التي للاستفتاح أرفع مما سواها حتى يخلف الرأس. وهذا مروي عن طاووس [الأوسط لابن المنذر 3/73 ]

المسألة السادسة: الحكمة من الرفع

اختلف آراء القائلين بالرفع في الحكمة منه، فمنهم من توقف، قال ابن بطال: ورفعهما تعبد (؟؟؟) ومنهم من خاض في استنباط الحكمة من ذلك على النحو التالي (؟؟؟)
1- قال الربيع: قلت للشافعي: ما معنى رفع اليدين ؟ قال: تعظيم الله واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
2- استكانة واستسلام وانقياد، وكان الأسير إذا غلب مد يديه علامة للاستسلام.
3- إشارة إلى استعظام ما دخل فيه.
4- إشارة إلى طرح أمور الدنيا والإقبال بكليته على الصلاة ومناجاة ربه سبحانه وتعالى كما تضمن ذلك قوله: الله أكبر، فيطابق فعله قوله.
5- إشارة إلى دخوله في الصلاة.
قال النووي إثر إيراده هذه الأقوال: " وقيل غير ذلك، وفي أكثرها نظر " [ شرح صحيح مسلم 4/83]
6- إشارة إلى التوحيد.
7- أن يراه الأصم فيعلم دخوله في الصلاة، والتكبير لسماع الأعمى فيعلم دخوله في الصلاة.
8- إشارة إلى تمام القيام.
9- إشارة إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود.
10- ليستقبل بجميع بدنه، قال القرطبي: هذا أنسبها، قال ابن حجر: " وتُعُقِّب " [ الفتح 2/457]

مناقشة ما سبق من الخلاف في مسائل الرفع:

تبين أن الخلاف في كل مسائل الرفع شاسع واسع، وكل قول يعتمد في - كثير من الأحيان - على رواية منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والشكوك في موضوع الرفع واردة من جهة كونه أمرا عمليا في الصلاة، يتكرر ليلا ونهارا، ولا يمكن أن يخفى عدده ومواضعه وكيفيته وكل ما يتعلق به، بيد أننا وجدنا أن المسألة مضطربة إلى أبعد الحدود.
ويفترض أن يكون نقل الرفع بنفس الأوصاف نقلا جماعيا متفقا عليه بين كل النقلة، والواقع أن شيئا من ذلك لم يكن.
بل على العكس نجد الروايات تناقض بعضها، ويمنع بعضها مايجيزه بعضها الآخر، وبناء عليه تتباين المواقف بين العلماء في أي من الروايات يأخذ الواحد منهم، وأي من الأقوال يتبنى.
وأما الموقف الذي يبيح العمل بأيها شاء المصلي مع ندرة من يتخذه من العلماء - كما يفعل الألباني من نحو قوله: وكان صلى الله عليه وسلم يرفع أحيانا في هذا الموضع " - فهو مجرد محاولة لحل لغز التناقض والاضطراب في القضية.
والحديث عن ذلك أحصره في الأمور الأربعة التالية:
الأمر الأول: البون الشاسع بين الأقوال، وثمة فارق كبير بين القول بالرفع مرة واحدة في الصلاة، وبين القول بالرفع ستًا وعشرين مرة في الصلاة، وبيان ذلك من خلال استرجاع الأقوال في مواضع الرفع:
1- عند الافتتاح فقط
2- عند الافتتاح وعند الركوع وعند الرفع منه
3- عند الافتتاح وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من التشهد الأول في الصلاة الثلاثية والرباعية
4- عند الافتتاح وعند الركوع وعند الرفع منه وعند السجود وعند الرفع منه
5- عند الافتتاح وعند كل خفض ورفع
6- عند الافتتاح وعند الركوع وعند الرفع منه، والتخيير في الرفع عند السجود وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول، وهذا مذهب الألباني.
أخي القارئ الكريم، تابع معي بإمعان ما يلي:
- وبناء على القول الأول فالرفع مرة واحدة في الصلاة الواحدة.
- وبناء على القول الثاني فالرفع في الصلاة الثنائية خمس مرات، وفي الثلاثية سبع مرات، وفي الرباعية تسع مرات.
- وبناء على القول الثالث فعدد مرات الرفع في الصلاة الثنائية خمس، وفي الثلاثية ثمان، وفي الرباعية عشر.
- وبناء على القول الرابع فعدد مرات الرفع في الصلاة الثنائية ثلاث عشرة مرة وفي الثلاثية تسع عشرة مرة، وفي الرباعية خمس وعشرون مرة.

- وبناء على القول الخامس وعلى قول من اختار الرفع في كل المواضع على مذهب الألباني فعدد مرات الرفع في الصلاة الثنائية ثلاث عشرة مرة، وفي الثلاثية عشرون مرة، وفي الرباعية ست وعشرون مرة !!
فأي هذه الأشياء كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاته ؟!
واختلاف أمر الرفع بهذه الصورة الكبيرة في ظرف قرن ونصف من الزمان بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر يكتنفه الغموض وتحوم حوله الريب والظنون، لما سبق من كون هيئة الصلاة أمرا يتأتى فيه النقل الجماعي، ولكن الروايات مضطربة جدا، وكل واحد ممن يرفع يستند إلى سلسلة من الرواة تنقل كيفية مختلفة عن الكيفية التي تنقلها سلسة أخرى منهم.
فكيف يمكن أن يفسر ذلك ؟!
وحتى لو سلمنا بأن كلا من ذلك فعله الرسول صلى الله عليه وسلم فتبقى الشكوك كثيرة وكبيرة، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن بينهم أياما يسيرة، بل ظل سنين، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يلازمونه كثيرا، ومن غاب عن حادثة أو فاته شيء نقله إليه غيره، ما عدا القليل كما أن الصلاة هي الركن العملي الأكبر في الإسلام،،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم كل شيء فيها، فلم اختلفوا من بعده ذلك الاختلاف الذي تصوره الروايات وتنبئ عنه الأقوال ؟!
وحتى لو كان كل ذلك جائزا أفعجز النبي صلى الله عليه وسلم -حاشاه - أن يعلمهم ذلك ؟!
ولو كان يفعل بعض ذلك أحيانا ويفعل غيره أحيانا أفيخفى على الصحابة الكرام كل ذلك وهم الملازمون له - عليه الصلاة والسلام - في سفره وحضره سنين طويلة ؟!
والمسألة أشد اضطرابا من ذلك، فإن الصحابي الواحد ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم - حسبما يروي - الاختلاف البين في الرفع، وخير مثال على ذلك ما يروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فالروايات مختلفة عنه في الرفع على النحو التالي:
1-
2-
3-
4-
5-
الأمر الثاني: مناقشة حُكْم الرفع عند القائلين به:

فاوتت الأحكام المتعلقة برفع اليدين في الصلاة على النحو التالي:
1- عند الافتتاح: مكروه، مستحب، سنة، واجب لاتبطل الصلاة بتركه، واجب تبطل الصلاة بتركه، ركن، يأثم تاركه.
2- عند الركوع والرفع منه: جائز، من تمام الصلاة، سنة، واجب، مكروه، بدعة، يبطل الصلاة.
3- في غير المواضع الثلاثة: مستحب، جائز، مكروه، لا يجوز.
وهذا التفاوت الواضح في الحكم دليل بين وبرهان ساطع على كونه ليس من أعمال الصلاة الثابتة.
ولو تجاوزنا حكم الرفع عند تكبيرة الاحرام - مع اتساع الخلاف فيه - لوجدنا النزاع يحتدم بضراوة، لاسيما بين الأحناف من جانب، وبين الشافعية والمحدثين من جانب آخر، وكان من نتائج ذلك أن بعض متأخري الأحناف أخذوا برفع اليدين ثلاث مرات، مما أدى إلى رد بعضهم على بعض.
وقد شارك في المعترك المالكية أيضا، وكان بينهم وبين غيرهم مقالات وردود وانعكس أثر ذلك على المالكية أنفسهم، فوجد بينهم من أخذ برواية الرفع مرة واحدة، ومن أخذ برواية الرفع ثلاث مرات، والحادثة التالية تبين مدى تأصل النزاع فيما بين أتباع المذهب الواحد بسبب موضوع الرفع.
  #16  
قديم 19/01/2011, 08:40 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

روى ابن العربي المالكي قال:

" ولقد كان شيخنا أبو بكر الفهري يرفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس منه، فحضر عندي يوما بمحرس ابن الشواء بالثغر موضع تدريسي عند صلاة الظهر، ودخل المسجد من المحرس المذكور، فتقدم إلى الصف الأول وأنا في مؤخره قاعد على طاقات البحر أتنسم الريح من شدة الحر، ومعه في صف واحد أبو ثمنة ؟؟؟ رئيس البحر قاعد مع نفر ؟؟؟ أصحابه ينتظر الصلاة، فلما رفع الشيخ يديه في الركوع وفي رفع الرأس منه قال أبو ثمنة لأصحابه: ألا ترون إلى هذا المشرقي كيف دخل مسجدنا، فقوموا إليه فاقتلوه وارموا به البحر فلا يراكم أحد، فطار قلبي من بين جوانحي، وقلت: سبحان الله ! هذا الطرطوشي فقيه الوقت. فقالوا لي: ولم يرفع يديه ؟! فقلت: كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وهو مذهب مالك في رواية أهل المدينة عنه، وجعلت أسكنهم وأسكتهم، حتى فرغ من صلاته، وقمت معه إلى المسكن من المحرس، ورأى تغير وجهي، فأنكره وسألني، فأعلمته فضحك، وقال: من أين لي أن أقتل على سنّة ؟! فقلت له: لا يحل لك هذا، فإنك بين قوم إن قمت بها قاموا عليك، وربما ذهب دمك، فقال: دع هذا الكلام وخذ في غيره " [ أحكام القرآن 4/1900]

هذا، ومن ضمن الصراع الدائر بين الحنفية وبين غيرهم كتاب " رفع اليدين " للإمام البخاري الذي عنّف فيه من يرى الرفع مقصورا على تكبيرة الاحرام فحسب ، وهم أبو حنيفة وأصحابه، وقسا في حكمه عليهم، وكان مما قال:

" الرد على من أنكر رفع الأيدي في الصلاة عند الركوع وإذا رفع رأسه من الركوع، وأبهم على العجم في ذلك تكلفا لما لا يعنيه فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله ومن فعل أصحابه وروايتهم كذلك، ثم فعل التابعين واقتداء السلف بهم في صحة الأخبار بعض الثقة عن الثقة من الخلف العدول رحمهم الله تعالى وأنجز لهم ما وعدهم، على ضغينة صدره وحرجة قلبه نفارا عن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحقا لما يحمله استكبارا وعداواة لأهلها، لشوب البدعة لحمه وعظامه ومخه، وأنسته باحتفال العجم حوله اغتراراً [ رفع اليدين ص20]

ويبدو أن موقف الإمام البخاري - مع حدته غير المقبولة - كان ردة فعل على من أنكر ذلك، فقد قال:
" من زعم أن رفع الأيدي بدعة فقد طعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والسلف ومن بعدهم.." [ رفع اليدين ص127].

ورفع الأيدي الذي يريده هو ما يكون في الموضعين بعد الافتتاح، أي عند الركوع وعند الرفع منه، كما يدل عليه كلامه من قبل.
وقد علق محقق الكتاب بديع الدين الراشدي على كلام البخاري فقال:" لأن المسألة بينهم إجماعية، كما تقدم من أقوال المصنف وعامة السلف، فهذا طعن لا شك فيه " [ رفع اليدين ص127،هامش (1)]
إذن، فقد انضاف شيء آخر، هو دعوى الإجماع على قضية الرفع، وليس الرفع عند الافتتاح فحسب، بل حتى الإجماع على الرفع عند الركوع وعند الرفع منه !!
هذا، وقد عد بديع الدين الراشدي الرفع في الصلاة سنة " ولا يبغضها إلا حاسد أو معاند"، وألمح إلى أن من لم يرَها أو يعمل بها فهو من " أهل البدع وأعداء السنن" (1) !!
__________
(1) البخاري، رفع اليدين، مقدمة المحقق ص 5.
__________________
  #17  
قديم 19/01/2011, 08:42 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه كثيرا، وها هو الأمر يتناول حكم الصلاة، وقد تقدمت نسبة القول إلى أبي حنيفة الإمام بفساد صلاة من رفع اليدين بعد الافتتاح، وممن نقل ذلك مكحول النسفي الحنفي صاحب كتاب الشعاع، كما سبق القول بأن أمير كاتب بن أمير الإتقاني المكنى بأبي حنيفة صنف رسالة بفساد الصلاة بذلك، ورد عليه اللكنوي الحنفي قائلا: " ما أقبح كلامه وما أضعفه، أتفسد الصلاة بما تواتر فعله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؟! أما علم أن الصحابة منهم من كان يرفع ومنهم من كان لا يرفع، وكان يقتدي أحدهما بالآخر ولم يرو عن أحد منهم ما تفوه به ؟!! أما فهم أن إمامنا وإن لم يأخذ بأحاديث الرفع ورجح عليها أخبار ترك الرفع لكن لم يشدد في ذلك كما تشدد هو فيما هنالك ؟ أما تدبر في أن مكحولا الراوي لرواية الفساد من هو ؟ وكيف هو ؟ وهل تقبل روايته مرسله أم ترد عليه منتقضة ؟ أما تفكر أن مشائخنا الثقات وفقهاءنا الأثبات قد صرحوا بعدم الفساد ولم يعتبر أحد منهم رواية الفساد ؟ أفلا يكون إعراضهم موجبا لهجران تلك الرواية ؟ أفلا يكون ذلك دليلا على أنها خلاف الدراية ؟ وبالجملة فمقاصد التعصب وعدم التدبر لا تعد، والبشر له ذنوب وأخطاء لا تعتد " ( رفع اليدين ص 18 هامش

وهذا الكلام لم يفِ بكل ما يتمناه محقق كتاب البخاري بديع الدين الراشدي، فقد عقب على بعض كلام اللكنوي، والذي يهمنا من ذلك تعقيبه على عبارة اللكنوي:
" وكان يقتدي أحدهما بالآخر ".
فقد قال المحقق:
" وهذا قد بناه على مفروضه، وقد بطل فهو مثله أيضا، فقد أخرج أحمد عن أنس بن مالك أنه كان يخالف عمر بن عبد العزيز فقال له عمر: ما يحملك على هذا ؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة متى توافقها أصلي (1) معك، ومتى تخالفها أصلي وأنقلب إلى أهلي ".
__________
(1) الأصل على قواعد النحو حذف الياء في الموضعين من( أصلي ) جوابا لمتى

====================================

وقال الطبراني في "الكبير " (187،186:4): حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي حدثنا يعقوب بن محمد حدثنا عبدالله بن رجاء عن ابن أبي ذئب عن عبدالعزيز بن عباس عن محمد بن كعب القرظي عن أبي أيوب أنه كان يخالف مروان بن الحكم في صلاته، فقال له مروان: مايحملك على هذا ؟! قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة إن وافقته وافقتك، وإن خالفته صليت وانقلبت إلى أهلي. أوردهما الهيثمي أيضا في " مجمع الزوائد " (68:2) وقال في كل واحد منها: " رجاله ثقات " فهذا يدل على خلاف ما نسبه إليهم " انتهى كلام المحقق [ص19 هامش ]

إذن فقد تمخض لدينا من كلام المحقق في مسألة الرفع في المواضع الثلاثة ثلاثة أمور:
1- الإجماع على أن الرفع في المواضع الثلاثة
2- الحكم بالابتداع على من خالف في شيء من ذلك
3- الحكم بعدم جواز الصلاة وراء من خالف في شيء من الرفع في الصلاة.
وهكذا نجد الخلاف - إذن - يبلغ ذروته !
ولنأتِ الآن لنقف وقفة محاسبة علمية مع الأستاذ بديع الدين الراشدي لعله، ينتبه إلى أن الكلمة أمانة، وأنه مسؤول عما يقوله من الكلام وما يطلقه من الأحكام، وأن مسائل العلم لا يتعامل معها بهذه البساطة.
1- أما قضية الإجماع فمن ذا الذي يقره بعدما اطلع على الخلاف العريض في مسألة الرفع ؟!
وما يدعو إلى العجب أننا نقرأ كلام المحقق: " لأن المسألة إجماعية " في السياق الذي يذكر البخاري فيه من خالف في الرفع عند الركوع وعند الرفع منه، فبعد أن عدد البخاري من كان يرفع - على حسب ما يرى - قال: " وكان الثوري و وكيع وبعض الكوفيين لايرفعون أيديهم " [ رفع اليدين ص128]
ويقوى العجب في النفس حينما يورد المحقق بنفسه الخبر عن سفيان الثوري أنه لا يرفع، فيقول:

" أما الثوري فقال ابن عبدالبر في ( التمهيد: 9/228-229 ): حدثنا عبدالوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا محمد بن يزيد الرفاعي حدثنا داود بن يحيى الثقة المأمون عن ابن المبارك قال: صليت إلى جنب سفيان وأنا أريد أن أرفع يدي إذا ركعت وإذا رفعت، فهممت بتركه وقلت ينهاني سفيان. ثم قلت: شيء أدين به الله لا أدعه، ففعلت، فلما صلىلم يمنعني " ( رفع اليدين ص127-128 هامش).

ثم نجد المحقق يعود فينقل عن مؤمل:
" ما رأيت عالماً يعمل بعلمه إلا سفيان "، قال المحقق:
" فليس بعيداً أن يكون عمل بأحاديث الرفع أيضاً، وهو الذي يرجى من مثله " ( رفع اليدين ص128 هامش).

فأي اضطراب أكثر من هذا ؟!!

ويعجبني قول ابن عبدالبر:

كل ذلك على افتراض صحة الروايات إلى الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يرفعون، وسوف تعلم أيها القارئ الكريم ضعف الروايات إليهم إن شاء الله تعالى.

2- وأما الحكم بالابتداع فهو عادة اعتادها كثير من الناس تشي بضيق الأفق، وعدم رحابة الصدر في احتمال خلاف الآخرين، وضعف إدراك مقاصد الشرع في اتساع الأمر فيما يخص مسائل الفروع. وليت العلماء والفقهاء والمحدثين يخففون من لأواء هذه الأحكام وعواقبها الوخيمة. وقد كان لقضية الخلاف المذهبي أواره الملتهب، وصارت كل فرقة تقذف الأخرى بالابتداع بسبب أو حتى بدون سبب، ومسألة الرفع والضم دليل واضح على ذلك.

وتذوب النفس حسرة عندما يصبح الخشوع في الصلاة والسكون فيها والامتناع من الحركة - تعظيما لهذه الشعيرة وإجلالاً للموقف - شيئاً مبتدعاً !!
وموضوع الابتداع لا أخوض فيه كثيراً، إذ يعكس التعصب المذهبي في أوضح تجلياته.
هذا، وقد كنت أتمنى أن يسمو الإمام البخاري عن قوله في الإمام أبي حنيفة:

"... على ضغينة صدره وحرجة قلبه نفاراً عن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحقاً لما يحمله استكباراً وعداوة لأهلها، لشوب البدعة لحمه وعظامه ومخه، وأنسته باحتفال العجم حوله اغتراراً " ( رفع اليدين ص20).

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

3- وأما الحكم بعدم جواز الصلاة خلف من يرفع فهو أثر من آثار التعصب أيضا، ولئن كان في التاريخ الإسلامي فترات حمي فيها وطيس الصراع المذهبي وأطلقت فيها الأحكام الكثيرة المتنوعة، فعلام تجتر تلك الأحكام لتطبق على واقعنا المؤلم المرير ؟!

والذي يبعث الأسى أنه في الوقت الذي يرى فيه اللكنوي أن الخلاف في الرفع لا يوجب منع الاقتداء في الصلاة نفاجأ بأن المحقق يسعى إلى إثبات خلاف ذلك، وتعال معي أخي القارئ ليتقضى عجبك من صنيعه حين رد على اللكنوي قوله:
" وكان يقتدي أحدهما بالأخر "، ولتتبين أنه حمله التعصب على التهور والعجلة في إطلاق الأحكام، وبيان ذلك:
أن تمام كلام اللكنوي:
" أما علم أن الصحابة منهم من كان يرفع، ومنهم من كان لا يرفع، وكان يقتدي أحدهما بالأخر، ولم يرو عن أحد منهم ما تفوه به "
إذن، فكلامه صريح أنه في مسألة اقتداء الصحابي بالصحابي في الصلاة، ولكن المثالين اللذين أوردهما المحقق هما:
- صلاة أنس بن مالك وراء عمر بن عبدالعزيز.
- صلاة أبي أيوب وراء مروان بن الحكم.

وكل من أنس وأبي أيوب رضي الله عنهما صحابيان، أما عمر فتابعي، ومروان قد التقى بالصحابة، فتعقيب المحقق على اللكنوي في غير محله، ويدل على أنه في وادٍ آخر، وأنه لم يفهم المراد من كلامه.

ومعلوم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أعلم الناس، وأولاهم باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتأسي بسنته المطهرة، وقد عاينوا النبي عليه الصلاة والسلام، وعرفوا صلاته، وهم النقلة للأحكام، وإنكارهم لما لم يعهدوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يخالف سنته الشريفة حق، وإلا فكيف يرضون بتغيير السنة والسكوت على ذلك.

وإنكار أبي أيوب رضي الله عنه على مروان بن الحكم صلاته فهو مما يطيب له قلب المؤمن، ذلك أن مروان كان يخالف النبي صلى الله عليه وسلم صراحة، وهو الذي قدّم خطبة العيد على الصلاة، فقد روى.....

هذا إلى كون مروان ليس بعالم ولا فقيه وليس بأهل للرأي، فكيف يرضى أبو أيوب أن يقتدي بمثل هذا المتلاعب في صلاته ؟!!

وحسبك في مروان نحو قول ابن حبان:

وقول:

إلا أن السؤال الذي يبحث عن إجابة مقنعة هو سبب إنكار أنس هذا الصحابي الجليل على عمر ذلك التابعي النبيل.

ولا ريب أن هذه الحادثة كانت قبل بيعة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، لأنه بويع سنة 99 للهجرة، وتوفي أنس سنة 93 للهجرة، وهذا يكشف جانباً من القضية، بمعنى أن صلاة عمر مختلفة عن صلاة أنس حين لم يكن عمر خليفة بعد، بزمن.
تُرى، ماذا لاحظ أنس على عمر مما دعاه إلى تنبيهه إياه ألا يفعله، وإلا صلى الله عليه وسلم لوحده ثم انصرف إلى أهله ؟!
يتضح المعنى بما يروي البخاري في (رفع اليدين) بسنده إلى عمرو بن المهاجر قال:
" كان عبدالله بن عامر يسألني أن أستاذن له على عمر بن عبدالعزيز، فاستأذنت له عليه، فقال: الذي جلد أخاه في أن يرفع يديه ؟! إن كنا لنؤدّب عليه ونحن غلمان بالمدينة، فلم يأذن له " ( رفع اليدين ص57 )

فهل لنا أن نقول إن أنساً رفض الصلاة خلف عمر لأنه رآه رفع يديه في الصلاة ؟

ذلك أن مروان جد عمر بن عبدالعزيز بن مروان، وغير بعيد أن يكون من مخالفات مروان أن يكون يؤدب أفراد أسرته ومن له عليه قدرة على الرفع. وعمر كان غلاماً، فالتأديب على الرفع كان من قبل أسرته وأقربائه، ولاسيما أن مروان كان في بداية أمر ه في المدينة ثم انتقل إلى الشام في نهاية حياته فبايعه أهلها سنة ( هـ ) وقتل بعد عام. { يوثق ويتأكد منه }

وحاصل الكلام أن صلاة أنس مختلفة عن صلاة عمر، وصلاة أنس هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلاة عمر مختلفة، وفيها بعض ما لم يكن من هديه عليه الصلاة والسلام

وكيف يفعل عمر بن عبدالعزيز شيئاً يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!!

الجواب: أنه أرغم -بالتأديب- على ذلك منذ الصغر حتى نشأ وصار أمراً ملازماً له.

ولا احتمال لكون لقاء أنس بعمر في وقت صبا عمر ليترتب عليه أن الصلاة التي أنكرها أنس عليه إنما كانت قبل أن يتعلم الصلاة الموافقة لسنة النبي عليه الصلاة والسلام. بل لقاؤهما يكون فيما بعد مرحلة صبا عمر، لأن حوار مع أنس يدل أنه كان بلغ مبلغ الرجال، بل يدل على أن عمر كان - له شأن في ذلك الوقت، يفهم من خلال ما في الرواية عن أنس بن مالك أنه كان يخالف عمر بن عبدالعزيز، والمخالفة لها دلالات شتى، منها القدرة على تبني رأي واتخاذ قرار، وأيضاً كان عمر يتقدم الناس للإمامة بهم في الصلاة، وكان أنس يصلي خلف عمر " متى توافقها أصلي معك، ومتى تخالفها أصلي وأنقلب إلى أهلي ".

وأغلب الظن أن هذا اللقاء حينما كان عمر والياً على المدينة. هنالك رأى أنس أن هذا الوالي -عمر- أتى بصلاة لم يعهدها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، تربى عليها عمر منذ الصغر وكان يؤدب كي ينشأ عليها، فحدث ذلك.

ولعل قائلاً يقول إن صلاة أنس كانت تتضمن الرفع، وصلاة عمر هي الخالية منه، بدليل أن أنساً هو الراوي للرفع وجاء عنه ذلك من طرق عديدة.

وهذا الاحتمال غير مقبول لأمرين:

1- أن كل تلك الروايات ضعيفة لا تصح عن أنس رضي الله عنه، وانظرها في محلها، وإذا لم يثبت ذلك فعدم الرفع هو الأصل.
2- إن عدم إذن عمر لعبدالله بن عامر للدخول عليه -والظاهر أن هذا في زمن خلافته- وقوله:
" إن كنا لنؤدب عليه ونحن غلمان بالمدينة " يدل على أن أمر عمر واحد مذ كان غلاماً إلى هذا الوقت، فالصلاة التي تعلمها في الصغر لازمته حتى صار خليفة، وفيما بين ذلك لقيه أنس فرفض الصلاة خلفه متى ما بقي على الصفة المخالفة لصفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  #18  
قديم 19/01/2011, 08:43 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

ولعل قائلاً آخر يقول: ليس في الرواية ما يدل على أن المخالفة كانت من قبل الرفع ؟

والجواب أن أنساً قال:
" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى..إلخ " فمنطوقه صريح في أن المخالفة في شيئ يرى ويشاهد، وذلك هو هيئة الصلاة من القيام والركوع والسجود والقعود، والصفح بالوجه عند السلام، وحركة اليدين عموماً.

وليس بين الأمة اختلاف في عدد الركعات أو في صفة الركوع أو السجود، اللهم إلا ما بينهم من الخلاف المتعلق بكيفية الخرور من القيام للسجود، أو بما يسمى بجلسة الاستراحة، أو بهيئة القعود للتحيات، أو برفع اليدين وضمهما.

والظن بعمر رضي الله عنه أنه لا يمكن أن يفعل شيئا مما اتفق على ثبوت النهي عنه، كالتلفت ونقر الغراب وقعود القرد وإقعاء الكلب ونحو ذلك مما سبق الكلام عليه مفصلاً.

وتبعاً لما سبق فنحن هنا نسأل بديع الراشدي:
ماذا أنكر أنس على عمر من خلال السياق الذي أورد في هذه الحادثة ؟!

{ ومع كل ذلك <ينظر في صحة الحادثة أصلاً>
كما ينظر في سند عمر إلى ابن عمر..... ضروري ص58 }

أعود بعد كل ما مضى لأقول إن الحكم ببطلان صلاة من لم يرفع أو بعدم جواز الاقتداء به غلو ومبالغة، فإن عدم الرفع هو الأصل، وإذا صح لنا توجيه رأي أنس بن مالك رضي الله عنه في الموضوع على حسب ما تم تقريره وعلى فرض صحة الرواية عنه، فإن البطلان يكون بسبب إدخال شيء على الصلاة مما لا يسع الخلاف فيه، أو بما يبطلها مما ينقص خشوعها من الرفع ونحوه، هذا ما يمكن أن يفسر به سبب إنكار أنس على عمر. والعلم عند الله تعالى.

هذا، ويلتحق بالكلام على الاضطراب في عدد مرات الرفع وحكمه الكلام على نظير ذلك في كيفية وضع اليدين والمسافات بين الأصابع ووقت الرفع وإلى أين يرفع، وكل ذلك يزيد قضية الرفع اضطراباً وشكوكاً.

ثالثا: مسألة حِكَم الرفع:

نلحظ أن بيان بعض تلك الحكم إنما هو نتيجة سؤال عن سبب الرفع كمثل ما سئل الشافعي عن ذلك فإخبر أنه تعظيم لله تعالى واتباع لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. والذي يلفت الانتباه ها هنا أمران:

الأول: ما يدفع من يرفع إلى البحث عن حكمة الرفع دون غيره مما يتعلق بالصلاة.
الثاني: الاشتغال ببيان الحكمة منه من قبل عدد من العلماء ومحاولة إعطاء تفسير له.

وفي كلا هذين الأمرين إشارة صريحة إلى الأتي:
1- أن الرفع أمر جديد على الناس، غير مقبول في نفسية المصلي، وفي النفس ارتياب منه، وإلا فإننا لا نجد التساؤل ذاته وبنفس هذا الإلحاح عن حكمة الركوع والسجود وعدد الركعات، ونحو ذلك. فما الذي يوجه الأذهان للاشتغال بالبحث عن حكمة الرفع والعناية باستنباطها وبيانها.
2- أن الرفع معتمد على روايات فردية وليس على نقل جماعي، مع أنه أمر يمكن أن يشاهده الجميع، ويتكرر ليل نهار، وفي كل مكان، ولا يصح ما نقله الرواة عن الصحابة من الرفع كما سيتجلى ذلك بعون المولى العزيز سبحانه.

وتلك التساؤلات والمحاولات للكشف عن حكمة هذا العمل دليل على الفردية في النقل، الأمر الذي يشكك في الروايات والنقولات، بمعنى أنه لو كان نقله نقلاً متواتراً بحيث اعترف به الكل ورسخ لديهم رسوخ الركوع والسجود والقعود للتحيات لما تكرر السؤال في النفس باحثاً عن إجابة ترضي ؟

ولم يقف مثبتو الرفع عند القول إنه تعبدي، بل صاروا يبحثون عما وراءه من العلل والحكم، ولم يكتفوا بذلك بل تعدوه إلى عده زينة للصلاة. فقد روي عن الإمام أحمد قال:
" الرفع زينة الصلاة " ( مناقب أحمد لابن الجوزي ص 159، انظر رفع اليدين ص8 هامش )

كما روى أبو حمزة السهمي في (تاريخ جرجان، ص127) بسنده إلى بكير الجرجاني قال:
" رفع اليدين سناه، وهو أفضل ". وفسروا (سناه) بأنه: حسن (رفع اليدين ص7 هامش)

ولو أن القائلين بالرفع عبروا عن رأيهم في استحسانهم له لكان الأمر عادياً، ولكنهم نسبوا ذلك بعض الصحابة رضي الله عنهم:
- فقد روى الحافظ أبو بكر الأثرم قال: حدثنا على بن أحمد بن القاسم الباهلي حدثنا عبدالله بن وهب قال: أخبرني عياض بن عبدالله الفهري أن عبدالله بن عمر كان يقول:
" لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع الأيدي عند الافتتاح، وحين تريد أن تركع وترفع " ( ).

وهذه رواية ضعيفة جدا من جهتين:
- أن بين عياض وبين ابن عمر انقطاعاً طويلاً.
- أن عياضاً نفسه ضعيف، قال عنه ابن حجر:
" فيه لين " ( التقريب رقم 437)

ولو تساءلنا عن وجه الزينة في رفع اليدين في الصلاة فماذا يمكن أن يقال ؟!!

إن الزينة في الصلاة مرهونة بما إذا كانت تحقق الخشوع وتزيد من اطمئنانة المصلي، وأي الأمرين أدعى للخشوع: الحركة بالرفع، أم السكون والهدوء ؟!!


أحسبك أخي القارئ توافقني الرأي في أن السكون وعدم الرفع أجمل للصلاة، وأدعى للخشوع، وأسكن لنفس المصلي، وأن الرفع مشغلة للمصلي عندما يوجه قلبه وعقله لضبط اليدين أين تكونان ؟، ولضبط الكفين كيف تتجهان ؟!، ولضبط الأصابع كم مقدار ما بينهما ؟!

هذا، وقد أكثر الرواة عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في مسألة الرفع، وها هم يروون عنه انه كان إذا رأى رجلاً لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصى ( رفع اليدين ص53)

أحقاً كان ابن عمر يتصرف مثل هذا التصرف ؟!!
وهل كان يرمي بالحصى من لا يقيم ركوعه أو سجوده أو قيامه أو قعوده ؟!
وهل كان يرمي بالحصى من كان ينقر نقر الغراب أو يقعد قعود القرد أو يقعي إقعاء الكلب أو يفترش يديه افتراش السبع، أو يلتفت التفات الثعلب ؟!!
وهل كان يرمي بالحصى من يرفع بصره إلى السماء إذا رفع رأسه من الركوع ؟!
وهل كان يرمي بالحصى من يعبث بيديه ويحركهما يميناً وشمالاً ؟!!

لقد أصبح الرفع في الصلاة -من خلال هذه الرواية- أولى باهتمام ابن عمر من متابعته كل تلك المخالفات، وحرصه على تطبيق السنة فيها ؟!!

إن هذه الرواية مرفوضة، لا يمكن قبولها، لأنها تصور هذا الصحابي الجليل في مظهر العابث الذي يتصرف تصرفات ينأى عنها العقلاء، فحاشاه رضي الله عنه وأرضاه عن ذلك.

وكما نسب إلى ابن عمر كون الرفع في الصلاة زينة نسب إلى غيره عد ذلك أجراً ومضاعفة في الحسنات، فقد روى الطبراني عن ابن لهيعة حدثني ابن هبيرة أن أبا المصعب مشرح بن هاعان المعافري حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول:
" في كل إشارة يشيرها الرجل بيده في الصلاة بكل أصبعين حسنة أو درجة " ( المعجم الكبير: )

قال الهيثمي:
" إسناده حسن " ( مجمع الزوائد: 2/103)

وقال بديع الدين الراشدي:

"وإنما حسّنه مع كون ابن لهيعة فيه لأنه من رواية أبي عبدالرحمن عبدالله بن يزيد المقرئ، ورواية العبادلة -ومنهم المقرئ- صححها بعض أهل العلم " ( رفع اليدين ص28 هامش )

والصحيح ان هذه الرواية ضعيفة، فإن ابن لهيعة ضعيف كما لا يخفى، ولا يشفع لهذه الرواية مجيئها من طريق المقرئ وهو أحد أحد العبادلة الذين نُسب إلى بعض أهل العلم تصحيح حديث ابن لهيعة إذا ورد من طريق أحدهم، فإن هذا القول ليس بصواب، بل الذي قاله أهل النقد والتحري إن سماع العبادلة من ابن لهيعة صحيح، وهذا لا يعني تصحيح الحديث، وإنما غاية ما يستفاد منه تصحيح سماعهم من دون غيرهم ممن روى عنه، أما هو -أي ابن لهيعة- فقد كان في نفسه ضعيفاً، ومما يدل على ما قلت قول عمرو بن علي الفلّاس:
" عبدالله بن لهيعة احترقت كتبه، فمن كتب عنه قبل ذلك مثل ابن المبارك وعبدالله بن يزيد المقرئ أصح من الذين كتبوا بعدما احترقت كتبه، وهو ضعيف الحديث " ( الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم 2/2/147)، وانظر لمزيد من التفصيل: النقد البناء لحديث أسماء ص47-59.

ويقول سبط ابن العجمي:
" والعمل على تضعيف حديثه " ( نهاية الاغتباط ص190، رقم 58 )

وروى أحمد والبيهقي عن إسحاق بن راهويه قال: قال عقبة بن عامر:
" إذا رفع يديه عند الركوع ورفع رأسه من الركوع فله بكل إشارة عشر حسنات " ( )

وهذه الرواية ضعيفة أيضاً لأن بين إسحاق وعقبة بن عامر زمناً طويلاً.

والحكم بضعف هاتين الروايتين يغني عن محاولة الجمع بينهما، حيث نجد بديع الدين الراشدي يقول:
" ولا تعارض بين الروايتين، لأن الحسنة بعشر أمثالها بنص التنزيل والحمد لله وأيضا ففي الأول ذكر الحسنة بالأصبع، وفي الثانية ذكر العشر برفع اليدين، فهي عشر أصابع، فالمعنى واحد ". ( رفع اليدين ص29 هامش)


ولو جارينا هذه المحاولة لقلنا بوجود التعارض بين الروايتين، لأن الأولى فيها ذكر الحسنة بالأصبعين لا بالأصبع الواحد، فالعشرة أصابع بخمس حسنات، هذا ما تفيده الرواية الأولى أما الثانية فعشر حسنات لليدين، فلم يزل التعارض !!

ومهما يكن، فشتان ما بين الموقفين، موقف من يرفض تلك الروايات لضعفها، وموقف من يتطلب الأعذار لإزالة التعارض والاضطراب فيما بينهما.

وعلى حين يعد البعض الرفع عبثاً في الصلاة يأتي البعض الآخر ليجعلوه زينة لها ويثيبوا عليه بالحسنات، ثم ليبحثوا عن علل لهذا العمل !!

وأنت إذا أنعمت النظر في تلك الحِكم وجدتها ضروباً من التصورات المجردة، وعلمت أن تلك الاستنتاجات تعبير عن التضارب والحيرة، وعدم الاستقرار على معنى واضح لها.

- فأين معنى التعظيم لله تعالى في رفع اليدين ؟!
- وأين معنى التوحيد حين يرفع يديه كلتيهما وأصابعه العشرة ؟!
- وأي حجاب بين العبد والمعبود ترفعه اليدان في الصلاة ؟!
- وهل يحتاج الإنسان لطرح الدنيا أن يرفع يديه، أي كأنه يلقيها وراء ظهره ؟!
- وأما القول بأن رفع اليدين تعبير عن الاستسلام كفعل الأسير إذا غلب فذلك مما لا يحتاج إلى التعليق.

وقل مثل ذلك في سائر ما ذكروه حِكَماً للرفع.
  #19  
قديم 19/01/2011, 08:44 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

ولذا نجد من يقول عن هذه الحِكم:
" في أكثرها نظر " ومن يتعقبها، ومن يتوقف فيجعل الرفع تعبدياً !!

وإلى جانب ذلك نجد موقفاً غريباً ممن يرفع يديه في بعض مواضع الصلاة، حيث يريبنا كلام الإمام أبي حنيفة وهو الذي يرى الرفع عند تكبيرة الإحرام، واقرأ معي هذه الحادثة التي التقى فيه عبدالله بن المبارك وأبو حنيفة، يقول وكيع بن الجراح:

" صليت في مسجد الكوفة، فإذا أبو حنيفة قائم يصلي، وابن المبارك إلى جنبه يصلي، فإذا عبدالله يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع، وأبو حنيفة لا يرفع، فلما فرغوا من الصلاة، قال أبو حنيفة لعبدالله: يا أبا عبدالرحمن، رأيتك تكثر رفع اليدين، أردت تطير ؟ فقال له عبدالله: يا أبا حنيفة، قد رأيتك ترفع يديك حين افتتحت الصلاة، فأردت أن تطير ؟ فسكت أبوحنيفة ))
قال وكيع: (( فما رأيت أحضر من جواب عبدالله لأبي حنيفة )) ( البيهقي 2/117 )
إذن فرفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه لا معنى له عند أبي حنيفة، وكذا عند جمهور الأصناف.
والمحدثون ومعهم الشافعية وغيرهم يروون هذه الحادثة ويجعلونها مثلاً للجواب الحاضر وسرعة البديهة، ومع أن وكيعاً هو الراوي لها عن مشاهدة، وهو المتعجب من جواب ابن المبارك، إلا ان الأعجب أن وكيعاً نفسه يذهب مذهب أبي حنيفة في عدم الاقتصار على الرفع عند الافتتاح فحسب كما سبق ذكره، وجواب ابن المبارك لم يقنع كلاً من أبي حنيفة ووكيع، ولم يرياه يدفع القول بكون الرفع في ذينك الموضعين لا معنى له ولا حكمة فيه.
ويبدو لي - والعلم عند الله سبحانه - أن جواب ابن المبارك لأبي حنيفة غير دقيق، فإن تشبيه أبي حنيفة الرفع بالطيران مفسر بقوله في الرواية أعلاه: (( رأيتك تكثر رفع اليدين )) فالإكثار من رفع اليدين أشبه حركة جناحي الطائر عند توثبه للطيران، بخلاف المرة الواحدة التي يفعلها أبو حنيفة عند تكبيرة الإحرام.
والحقيقة أن ما ذكره من حكم الرفع أو من كونه زينة للصلاة يتعارض مع تشبيهه الرسول صلى الله عليه وسلم رفع اليدين بحركة أذناب الخيل الشمس
في قوله: (( ما
زمهما قيل في تأويل معنى ذلك، فالرفع ليس من زينة الصلاة بحال من الأحوال
هذا، ومما يدهش اللب، هذه المحاولة البائسة للجمع بين الأمرين، إذ كيف تصبح حركة أذناب الخيل الشمس زينة للمصلي ؟!
  #20  
قديم 19/01/2011, 08:45 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

فقد روى البخاري حديث جابر بن سمرة (( ما بال هؤلاء يومئون بأيديهم كأنها أذناب خيل شمس..)) وروى عقبة عن سعيد بن جبير حين سئل عن رفع اليدين في الصلاة فقال: (( شيء تزين به صلاتك )) ( رفع اليدين ص 95 )
قال المحقق بديع الدين الراشدي: (( إيراد المصنف لهذا الأثر عقيب خبر جابر بن زيد بن سمرة فيه إيماء منه بأن ما كان زينة للصلاة لا يكون مشابهاً لأذناب الخيل، فما أدق النظر وما أحسن الفكر)) ( رفع اليدين ص 96 هامش )
وأقول ما قيمة كلام سعيد بن جبير إن صح عنه - ولم يصح (1)- مع حكم النبي عليه الصلاة والسلام ؟!
وما قيمة محاولة البخاري الموائمة بين النهي عن الرفع لشبهه حركة أذناب الخيل الشمس وبين ماظنه رفعاً مشروعاً في الصلاة من خلال إيراد كلام سعيد بن جبير المنسوب إليه ؟!
وما قيمة محاولة المحقق بيان النظر الدقيق والفكر الحسن في صنيع البخاري ؟! وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن رفع اليدين في الصلاة مشبه لحركة أذناب الخيل الشمس؟!
إن حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الرفع واضح جلي، والبحث يميناً وشمالاً عن علة له وحكمة دليل الاضطراب، وأيا مما قيل، فإن عد الرفع زينة للصلاة - إن سلمنا به - رأينا في مشابهة حركة أذناب الخيل الشمس، فإن المشابهة حاصلة من خلال نفس الحركة والهيئة.
الرفع منافٍ للخشوع:

وبعد أن أطلعنا على ضعف ما نسب إلى بعض الصحابة عن عدهم رفع اليدين في الصلاة زينة لها نصطدم بما هو أشد غرابة، حيث يتضاعف ا في التركيز على أهمية رفع اليدين
ــــــــــــــــ
(1) لا يصح هذا الأثر إلى سعيد بن جبير، لأنه من رواية عبدالملك بن أبي سليمان العزري، قال عنه ابن حجر: (( صدوق له أوهام )) ( انظر التقريب رقم 4184

==============================

في الصلاة إلى درجة هو أن شأن الخشوع الذي هو روح الصلاة وسرها، بجانب هذا العمل، وإذا بنا ننتقل من السكينة والخشوع، والسكون والخضوع إلى عكس ذلك تماماً، ونتذكر هنا - إذن- حكم الأوزاعي والحميدي وابن حزم الظاهري حين جعلوا رفع اليدين واجباً في الصلاة، وأوغل من ذلك حكم ابن خزيمة وداوود الظاهري عليه بأنه ركن، شأنه شأن الخشوع، وتساوى عندهم تلك الروايات في الرفع مع نحو قوله تعالى: (( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ))

ونحن لا نشك في امتثال الصحابة رضوان الله عليهم لمعاني هذه الآية الكريمة وأمثالها فيما يتعلق بالصلاة وغيرها، ولذا تطمئن إلى ما يروى عنهم مما يوافق الخشوع والسكينة والوقار في أعظم ركن عملي.

روى البيهقي وصححه ابن حجر (الفتح 2/467) عن مجاهد قال:
" كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود، وحدّث أن أبا بكر الصديق كان كذلك ". ( ؟)

فما معنى " كأنه عود " ؟!!
إنه دليل على الثبات والسكون والخشوع وعدم الحركة، ذلك هو الظن بالصحابة الكرام.

ولكن الذي نشك فيه ولا يمكن أن يقبله أحد أن يروي البخاري وغيره ما يفيد أن الصحابة كانوا أسوأ حالاً من جهلة الناس وطغامهم، ثم يقرّ الرواة ذلك ولا ينكرونه !!

فقد قال الإمام البخاري:
" حتى لقد حدثني مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأنّما أيديهم المراوح يرفعونها إذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم "

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو هلال عن حميد بن هلال قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا كأن أيديهم حيال آذانهم المراوح " ( رفع اليدين ص75)

أهكذا كان خشوع الصحابة الكرام رضي الله عنهم !!
ليت شعري كيف تكون حركة المراوح خشوعاً وسكوناً ؟!

ثم لا يكتفي البخاري بالسكوت عن نقده هذين الأثرين - وإنما علق بما يفيد -صراحة- قبوله إياهما قائلاً:
((لم يستثن الحسن وحميد بن هلال أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم )) ( رفع اليدين ص 76 )
فهذا دليل إثبات البخاري لقضية المراوح، وهو من هو في النقد ومعرفة الرجال !!
وعند دراسة الإسنادين يتبين الآتي:
أ- في الإسناد الأول:
( سعيد، وهو ابن عروبة، قال الحافظ: (( ثقة حافظ، له تصانيف، كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة )){ التقريب رقم 2365}
إذن فسعيد: مختلط، مدلس، ولا ينفعه كونه من أثبت الناس في قتادة ما دام عنعن ولم يصرح بالسماع.
وفيه أيضا ً: قتادة، وهو مدلس كما هو معروف، وقد روى هنا بالعنعنة.
إذن فهذا الأثر ضعيف لثلاثة أسباب:
1- اختلاط سعيد.
2- عنعنته.
3- عنعنة قتادة.

ب- الإسناد الثاني:
- أبو هلال، وهو محمد بن سليم الراسبي، وقد ضعفه غير واحد [ التهذيب 9/ 619]
وقال فيه الحافظ ابن حجر: (( صدوق فيه لين )) [ التقريب رقم 5923]
- وفيه حميد بن هلال: وهو نفسه فيه كلام [ ]
فهذا الأثر ضعيف أيضاً.
فهل خفيت كل هذه العلل على الإمام البخاري ؟!
والعجب من هذا الإمام أنه ضعف بنفسه - في كتاب ( الضعفاء) - كلا من: سعيد بن عروبة - أحد رواة الأثر الأول - حيث ذكر له دلائل اختلاطه، وأبي هلال الراسبي أحد رواة الأثر الثاني [ الضعفاء، رقم ( 138) ص 440، 441، ورقم ( ) ص ]
فلماذا فبلها هنا ؟!
ولا ريب ان من حرّك يديه المرات والكرات التي قد يصل مجموعها على بعض الأقوال وفي بعض الأحوال ستاً وعشرين مرة فسوف تكون يداه كالمرواح !!
هنالك سنتصور الخشوع كيف يكون، وسينتهي عجبنا عندما نقرأ حكاية النووي الإجماع على أن الخشوع ليس بواجب!! [ ]
فماذا بقي من الصلاة - إذن- إذا كان الخشوع غير واجب، وكانت حركة اليدين - كالمراوح - فرضاً وركناً في الصلاة ؟!


وتشبيه رفع اليدين بالمراوح يبرز بصورة صافية في صلاة العيد، عندما يكون الرفع متوالياً مرات عديدة بعدد التكبيرات، ولك أن تتصور في مثل هذا الموقف كيف تكون حركات أيدي كل المصلين في جماعة واحدة !!

وبناءً على ما مر، فإن نسبة الرفع إلى الصحابة رضي الله عنهم وأنه كالمراوح لا يصح أبدا عنهم، لأنه مذهب للخشوع، وهو تشبيه يذهب برونق هذه الشعيرة ويهوّن من شأنها العظيم، كما يذهب بوقار المصلي وحسن سمته.

وبعد كل ما سبق نفاجأ بما لم يكن في الحسبان.

روى كل من الإمام أحمد ( المسند 3/6) والحارث بن أب أسامة ( ؟ ) بسندهما إلى حميد بن هلال: حدثني من سمع من الأعرابي قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، قال: فرفع رأسه من الركوع، ورفع كفيه حتى حاذتا أذنيه أو بلغتا فروع أذنيه، كأنهما مروحتان ).

إذن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى من خشوعه كأن يديه مروحتان إذا ركع وإذا رفع !! ويورد من يورد من المحدثين هذه الرواية ويسكتون عن بيان ضعفها وبطلاننها سنداً ومتناً، مع جهالة الراوي عن الأعرابي !!

فإنا لله وإنا إليه راجعون.
  #21  
قديم 19/01/2011, 08:46 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

الدليل الثاني:
حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه عند الإمامين أحمد ومسلم قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة ))، قال: ثم خرج علينا فرآنا حلقا فقال: (( مالي أركم عزين ؟ )) قال: ثم خرج علينا فقال: (( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ )) فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال: (( يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف )).
( رواه مسلم، ك الصلاة باب 27 الأمر بالسكون في الصلاة، والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام وإتمام الصفوف الأول والتراص فيها، والأمر بالاجتماع حديث رقم 119 ( 430 )، وأحمد ج ص )


وروى الجزء الأول منه، وهو قوله: (( مالي أراكم ـ إلى قوله ـ اسكنوا في الصلاة )) كل من: أبي داود النسائي وأحمد أيضا وأبي داود الطيالسي وابن حبان والطبراني، ( )
كما رواه الإمام أفلح بن عبد الوهاب كما في الزيادات على مسند الإمام الربيع بن حبيب ( )، ورواه البخاري معلقا في كتابه ( رفع اليدين في الصلاة ) ( رفع اليدين ص 90 ).

درجة الحديث:
مدار الحديث على الأعمش سليمان بن مهران، يرويه عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة، إلا رواية الإمام أفلح فقد رواها عن أبي غانم الخراساني عن حاتم بن منصور عن أبي يزيد الخوارزمي، وكلهم ثقات لكن فيها إعضال بين أبي يزيد وبين جابر بن سمرة.
أما الأعمش ومن بعده فكلهم ثقات، غير أن الأعمش مدلس، وهاك الأقوال فيه:
قال ابن المبارك: (( إنما أفسد حديث أهل الكوفة أبو إسحاق والأعمش ))
وقال مغيرة: (( أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعيمشكم هذا )) ( الميزان، الذهبي 3/ 315، 316 رقم 3520 )
قال ابن حبان: (( قد رأى أنس بن مالك بواسط ومكة، وروى عنه شبيها بخمسين حديثا، ولم يسمع منه إلا أحرفا معدودة، وكان مدلسا )) ( الثقات، 4 / 302 )
وقد وصفه بالتدليس كل من: الكرابيسي والنسائي والدارق والدارقطني ( تعريف أهل التدليس وذكره في المدلسين: المقدسي والحلبي والعلائي وقال (( مشهور بالتدليس مكثر منه. ( )
وقال الحافظ: (( ثقة، حافظ، عارف بالقراءات، ورع، لكنه يدلس )) ( التقريب )
وقال الذهبي: (( ما نقموا عليه إلا لتدليس )).

وقال: (( وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به، فمتى قال: حدثنا، فلا كلام، ومتى قال: عنه، تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال )) ـ ( )
واستثناء الذهبي عنعنة الأعمش عمن أكثر عنهم أو من ذكرهم من الرد مردود، فقد قال أبو الفتح الأزدي: (( فنحن نقبل تدليس ابن عيينة ونظرائه لأنه يحيل على غير مليء، والأعمش إذا سألته: عمن هذا ؟ قال عن موسى بن طريف وعباية.... )) ( الكفاية، ص 362 ). وقال سفيان الثوري: (( لم يسمع الأعمش حديث إبراهيم في الوضوء من القهقهة منه )) ( جامع التحصيل ص )
وروى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله: كنا لا نتوضأ من موطأ، قال الإمام أحمد: كان الأعمش يدلس هذا الحديث، لم يسمعه من أبي وائل قال مهنا: قلت له: وعمن هو ؟ قال: كان الأعمش يرويه عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن أبي وائل فطرح الحسن بن عمرو وجعله عن أبي وائل ولم يسمعه منه )) ( جامع التحصيل ) فأنت ترى أن الذهبي استثنى كلا من إبراهيم وأبي وائل وأبي صالح وجعل عنعنة الأعمش عنهم مقبولة، وتبين أنه يروي عنهم بالعنعنة وقد دلس عنهم.
ورغم ما سبق ذكره من وصف الجميع له بالتدليس فقد جعله الحافظ ابن حجر في الطبقة الثانية من المدلسين ( تعريف أهل التقديس ص 67 رقم 55 )
وهي عنده: (( من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقت تدليسه في جنب ما روى أو كان لا يدلس إلا عن ثقة )) ( تعريف أهل التقديس ص 23 ).


وهذا من الغرائب، فإن الأعمش كثير التدليس مشهور به، على أنه يدلس عن غير الثقات كما تبين، وقد أحسن د. مسفر بن غرم الله الدميني حين قال: (( وقد جعله الحافظ ابن حجر في المرتبة الثانية، لكنه مكثر من التدليس، كما أنه يدلس عن الضعفاء والمجهولين والمتروكين، ويسوي الحديث، فمن الضعفاء الذين كان يدلس عنهم: أبان، ويزيد الرقاشي، والحسن بن عمرو الفقيمي، والكلبي، وأبو يحيى القتات، وليث بن أبي سليم، وموسى بن طريف، وعباية بن ربعي، ومن كان هذا حاله فهو من أهل المرتبة الثالثة أو الرابعة، وليس من الثانية، ولا يشفع له أنه من صغار التابعين وأنه يدلس عن أنس وغيره من الصحابة والثقات )) ( التدليس في الحديث ص 305 )
نخلص مما سبق إلى أن الأعمش مدلس كثير التدليس، ولا يقبل منه إلا أن يصرح بسماعه ممن فوقه هذا، وقد صرح الأعمش بالسماع في بعض الروايات، وعنعن في بعضها، وقد استقر الأمر عند المحدثين على أن المدلس إذا روى بالعنعنة ردت روايته، وإذا صرح بالسماع قبلت,كما مر في كلام الذهبي.
وأما إذا ورد عنه العنعنة والتصريح بالسماع في حديث بعينه حملت العنعنة على السماع وانتفى عنه احتمال التدليس , هذه هي القاعدة عندهم.
والذي يظهر ـ بعد التأمل ـ أن هذه القاعدة ـ على إطلاقها ـ غير سديدة , بل لا بد من النظر في الروايتين , من أجل الأخذ بهذه القاعدة , أو لترجيح إحدى الروايتين على الأخرى.
والسبب في ذلك احتمال الوهم والغلط فيمن روى تصريح المدلس بالسماع أو روى عنعنته , فقد يكون المدلس عنعن في حقيقة روايته فرواها البعض عنه بصيغة التحديث , وقد يكون صرح بمشافهة شيخه له , فرواه البعض بالعنعنة, ومجيء الروايتين عنه معا يفتح باب هذا الاحتمال.
ومادام احتمال كون الرواية في أصلها معنعنة قائما فإن الترجيح أمر لا مفر منه.
وهذه المسألة شبيهة بمسألة تعارض الوصل والإرسال , ولا فرق , إذ التدليس نوع من الإرسال لوجود الإحتمال القوي على أن المدلس المعنعن لم يسمع الحديث ممن فوقه في الإسناد , قال ابن الصلاح في حكم المدلس:
" والصحيح التفصيل , وأن ما جاء عن المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه , وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو سمعت وحدثنا وأخبرنا وأشباهها فهو مقبول محتج به " ( ) وقد عد العلماء الوصل والإرسال في الحديث الواحد تعارضا ( ) فينبغي على هذا أن يكون ما جاء عن المدلس بوجهين في أحدهما لفظ محتمل وفي الثاني لفظ صريح تعارضا أيضا.
وما قيل عن احتمال تعدد الرواية ـ كما هو الواضح من حكمهم بقبول ما هذه سبيله ـ وأنه تارة حدث به معنعنا وتارة مصرحا بسماعه فهو احتمال لا يعول عليه , إذ يفتقر إلى دليل يثبته أو يرجحه , كما أنه يلزم منه أن كل مدلس روي عنه الشيئان ـ أي اللفظ المحتمل واللفظ الصريح في الاتصال ـ في حديث واحد أنه حدث به مرتين , واطراد ذلك صعب , بل الأصل أنه حدث به مرة واحدة , وتكرر ذلك يقام على الدليل , وإذن يبقى ذلك مجرد احتمال لا يبنى عليه حكم جازم.
على أنهم أختلفوا فيما إذا تعارض الوصل والإرسال , واختلفوا في تعارض الرفع والوقف , واختلفوا في زيادة الثقة , ولهم في ذلك أقوال , أرجحها أن مدار القبول على القرائن.
ومن قال بترجيح رواية العدد , أو الاحفظ , أو نحو ذلك فهو من القرائن , وتعود القضية في النهاية إلى القرائن التي تحف الرواية..

وإذا يتوقف الحكم في قبول رواية المدلس في ما جاء فيه سماعه وعنعنته على المرجحات والقرائن , ما لم يثبت أنه حدث به أكثر من مرة فيحتاج الأمر حينئذ إلى نظر آخر , على نحو ما قالوه فيما حدث مرة فأرسل , وحدث أخرى فوصل. ومن تلك المرجحات: تقديم رواية الأكثر على الأقل , وتقديم رواية الأحفظ والأضبط , ورواية من لا يهم على من يهم ولو قليلا ومنها أن يكون من روى عنه يميز بين ما دلسه وما لم يدلسه , على ما سيأتي.......... قريبا إن شاء الله.
هذا ما ظهر لي في هذه المسألة وليس هذا القول بأشد من القول برد الحديث المدلس مطلقا ولو صرح بالسماع.
وأعود إلى الحديث موضع الاستدلال فأقول:
روي هذا الحديث عن الأعمش تارة بالعنعنة , وتارة بلفظ الاتصال بأسانيد كلها صحيحة إليه:
أـ فقد رواه بلفظ (( عن )) كل من:
ـ أبي معاوية محمد بن خازم عند أحمد ومسلم.
ـ وزهير بن معاوية عند أبي داود.
ـ وعبثر بن القاسم الزبيدي عند النسائي.
ـ كما رواه مسلم من طريق وكيع وعيسى بن يونس , لكن قال مسلم: (( بهذا الإسناد نحو "أي بإسناد أبي معاوية , ولم يبين ما إذا كان وكيع وعيسى قد ذكرا سماع الاعمش أم لا, والظاهر أنه على نسق حديث أبي معاوية , أي بالعنعنة أيضا ويؤكد ذلك أن الإمام أحمد رواه من طريق وكيع بلفظ " عن )).
ب ـ ورواية أحمد وأبو يعلى أحمد من طريق يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش قال: حدثني المسيب بن رافع. ورواه أحمد أيضا وابن حبان من طريق شعبة بن الأعمش قال: سمعت المسيب بن رافع.
والخلاصة أن الحديث رواه عن الأعمش سبعة , خمسة بالعنعنة , وهم:
ـ أبو معاوية. ... ... ... كوفي
ـ وزهير. ... ... ... كوفي
ـ ووكيع. ... ... ... كوفي
ـ وعيسى بن يونس. ... ... كوفي
واثنان صرحاء بسماع الأعمش من المسيب، وهما:
ـ يحيى القطان. ... ... ... بصري
ـ وشعبة. ... ... ... بصري
وهذا لا شك أنه تعارض، فإن الأعمش إما أن يكون قال: عن، أو صرح فقال: سمعت أو حدثني، اللهم إلا أن يكون حدث به أكثر من مرة، فقال تارة: عن، وقال أخرى: سمعت أو حدثني، وذلك غير بعيد هنا لسببين، أولهما أن العدد كثير، ولعل اجتماعهم في مجلس واحد معا يتعسر، لاسيما أن رواة العنعنة كلهم كوفيون، وكلا من يحيى القطان وشعبة ـ وقد رويا بلفظ السماع ـ بصريان، وهذا هو السبب الثاني.

ومهما يكن فإن الراجح اتصال الحديث بين الأعمش وبين المسيب بن رافع لأمرين:
ـ الأول: أن لفظ الاتصال اجتمع عليه اثنان من كبار الأئمة، وهما شعبة ويحيى القطان.
ـ الثاني: ورد عن شعبة قوله: (( كفيتكم تدليس هؤلاء الثلاثة، الأعمش وأبو إسحاق وقتادة )) ( )
قال ابن حجر: (( وهي قاعدة حسنة، نقبل أحاديث هؤلاء إذا كان عن شعبة ولو عنعنوها )) ( النكت ص252 ) على أن الأعمش هنا صرح بالسماع ولم يعنعن.

رواية شعبة عن الأعمش ( 1 )
وعند التدقيق في هذه القاعدة التي قررها الحافظ ابن حجر يتبين أنها غير صائبة، والخطأ فيها في قوله (( ولو عنعنوها )).
فإن كلا من الأعمش وأبي إسحاق وقتادة مدلسون، الحكم بقبول روايات المدلسين إذا صرحوا بالسماع وبردها إذا عنعنوها حكم متفق عليه لاسيما في القرون المتأخرة. وليس بين أيدينا ما يعول عليه في استثناء روايات شعبة عن هؤلاء الثلاثة فيجعلها مقبولة إذا جاءت بلفظ محتمل بالسماع وعدمه.
وقول شعبة: (( كفيتكم تدليس هؤلاء الثلاثة )) يعني أنه تحرى متى يدلسون ومتى لا يدلسون أدوا مروياتهم، وذلك يتبين بما إذا صرحوا بالتحديث أو أدوا بألفاظ التدليس المعروفة كعن وأن وقال ونحوها.
وقد كفانا شعبة ذلك فضبط ألفاظهم، وكان دقيقا في الرواية عنهم. بعد أن ألقى السمع ودقق النظر وهو شهيد على أدائهم وألفاظهم.
ومصداق هذا التخريج قول شعبة نفسه:
((نت أعرف إذا حدثنا قتادة ما سمع مما لم يسمع ؛ كان إذا جاء ما سمع قال: ثنا أنس، وثنا الحسن، وثنا مطرف، وثنا سعيد، وإذا جاء ما لم يسمع يقول: نال سعيد من جبير، وقال أبو قلابة )). ( )
كما قال أيضا:
(( كنت أنظر إلى فم قتادة،فإذا قال: حدثنا سعيد، وحدثنا أنس، وحدثنا مطرف، فإذا حدث بما لم يسمع قال: حدث سليمان ابن يسار، وحدث أبو قلابة ٍَ( )
  #22  
قديم 19/01/2011, 08:55 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

رواية شعبة عن الأعمش ( 2 )
هذا ما قاله شعبة، وغاية ما يفيده أنه كان متحريا لألفاظه حين يؤدون الرواية، وليس في قوله ما يشعر بأنه إذا روى عنهم فقد انتفى التدليس عنهم ولو عنعنوا، أي ولو روى شعبة عنهم بلفظ محتمل للسماع وعدمه، و إلا فهل معنى ذلك أن شعبة لا يروي عن هؤلاء الثلاثة إلا إذا كان ـ في الأصل ـ قد صرحوا بالسماع ؟! وأنهم إذا كانوا قد عنعنوا في الأصل أنه لا يروي عنهم ولا يذكر رواياتهم المعنعنة أصلا ؟!
وهل معناه أيضا أنهم إذا رواى عنهم شعبة فقالوا: عن، أو نحوه، أنهم قد صرحوا بسماعهم ممن بعدهم ؟ إن ذلك أمر مستبعد جدا.
نعم، فكيف ميز شعبة ما دلسوه وما لم يدلسوه، وقد ذكر بنفسه أنه لم يميز مروياتهم، ولم يذكر أنهم حدثوه في وقت آخر بلفظ الصريح في الاتصال، أو أنهم أخبروه باتصال ما عنعنوا، ولا شيء من هذا القبيل نقل إلينا، ولا نقله شعبة إلينا، بل الذي نقله من السبب الذي جعله يميز بين المدلس من الروايات وغيره هو تدقيقه في النطق والألفاظ. ولهذا، فإنه ورود بعض روايات شعبه عن أولئك الثلاثة معنعنة، وورود روايات آخرى بلفظ التحديث، يدل على ضبطه لحديثه لا أكثر.
وهذا يجري على منهج شعبة في الضبط والتحري والتشدد في الحكم على الرجال وقبول الروايات.
ونفهم من كلام شعبه أن هناك من الرواة من لا يضبط الألفاظ أو لا يكترث بالدفة في نقل ألفاظ الرواية والأداء، ومن ذلك ما ذكره أبن رجب في......
والخلاصة من ذلك أن شعبة هو المرجع......

رواية شعبة عن الأعمش ( 3 )

والخلاصة من ذلك أن شعبة هو المرجع في ضبط ألفاظ الأداء عند هؤلاء الثلاثة، قتادة والأعمش وابن السبيعي إذا روى عنهم، فإذا روى عنهم عرفنا ضبطه لما قالوا،وإذا اختلف النقل عنهم وكان هو أحد النقلة اعتمدنا نقله وقدمناه على من سواه.
وأما قوله (( فله ثلاثة...
فهذا أولا إن ساغ فهمه بالمعنى الظاهر في قتادة، فلا يصدق على الأعمش وأبي إسحاق إلا من باب القياس، وأما ثانيا، فالترك هنا يدل على ترك الرواية، وقد يدل أيضا على روايته لا نفس النقل والرواية، وقد يدل....
والدليل على هذا الاحتمال أن شعبة روى لأناس ضعفاء بأشد من التدليس والانقطاع، ومثال ذلك:
ولا يعترض هنا بقول شعبة التدليس أخو الكذب، لأنه يقصد تدليس التسوية والأمر هنا في تدليس الإسناد، ولأنه لو كان قوله على ظاهره وإطلاقه لكفى به قدما... في الأعمش وأبي إسحاق وقتادة، والحال أنه روى عنهم ولم يضعفهم بالتدليس.
وأما ثالثا فلأن الترك لا يقتضي من شعبة عدم روايته له

بقي القول فيما وصف به الأعمش من تدليس التسوية الذي يشترط ـ على الراجح ـ لقبول من وصف به التصريح منه بالسماع في كل الطبقات بعد المدلس , وهذا ما لم يتم هنا , حيث رواه الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة , بلفظ ( عن ) في كل الطرق فيما بين المسيب وبين تميم , وبين تميم وبين جابر.
هذا على رأي من يحتج بحديث مدلس التسوية , وإلا فإن ثمة من عده جرحا ترد به كل مروياته.
وعندي أنما ما نسبه الخطيب البغدادي إلى الأعمش من كونه يدلس تدليس التسوية مشكوك فيه , يقول الخطيب:
(( وربما لم يسقط المدلس اسم شيخه الذي حدثه , لكنه يسقط ممن بعده في الإسناد رجلا يكون ضعيفا في الرواية أو صغير السن ويحسن الحديث بذلك , وكان سليمان الأعمش وسفيان الثوري وبقية يفعلون مثل هذا )).
( الكفاية ص 364)

ولم يذكر الخطيب شاهدا يؤيد ما قاله في الأعمش سوى إيراده قول عثمان الدارمي فيه , فقد روى بسنده إلى أبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي قال: سمعت يحيى بن معين وسئل عن الرجل يلقي الرجل الضعيف من بين ثقتين , فيوصل الحديث ثقة عن ثقة , ويقول: أينقص الحديث وأصل ثقة عن ثقة , يحسن الحديث بذلك ؟ فقال: لا يفعل , لعل الحديث عن كذاب ليس بشي , فإذا هو قد حسنه وثبته , ولكن يحدث به كما روي , قال أبو سعيد: كان الأعمش ربما فعل هذا )) ( الكفاية ص 365 ).
فالظاهر أن الخطيب إنما قال ذلك اعتمادا على قول أبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي , وهكذا كل من وصف الأعمش بهذا النوع من التدليس بعد ذلك ـ ومنهم العراقي ( التقيد والإيضاح ص 95 ) وابن حجر ـ كما سيأتي بعد قليل ـ فإنما تبع ما ذكره الخطيب كما يظهر.

وما قاله أبو سعيد الدارمي في الأعمش مفتقر إلى ما يؤيده ويثبته، لأن تدليس التسوية أشد أنواع التدليس، وهو الذي قال فيه شعبة: (( لأن أزني أحب إلي من أن أدلس ))، وهو نوع جرح، بل صرح البعض بأنه قادح فيمن تعمده، وذلك يعني رد حديثه بالكلية، يقول العراقي: (( وهذا قادح فيمن تعمد فعله )) ( التقييد والإيضاح ص ).
  #23  
قديم 19/01/2011, 08:55 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

وقد سأل البقاعي شيخه الحافظ ابن حجر قائلا: (( هل تدليس التسوية جرح ؟ قال: لاشك أنه جرح، فإنه خيانة لمن ينقل إليه و غرور، قلت: كيف يوصف به الثوري والأعمش مع جلالتهما؟ فقال: أحسن ما يعتذر به في هذا الباب أن مثلهما لا يفعل ذلك إلا في حق من يكون ثقة عنده ضعيفا عند غيره )) ( توضيح الأفكار ص 338، 339 ).
ونحو هذا الاعتذار ما قاله الذهبي في تدليس الأعمش: ((يحسن الظن بمن يحدثه، ويروي عنه ولا يمكننا أن نقطع عليه بأنه علم ضعف ذلك الذي يدلسه، فإن هذا حرام )).

وكلام ابن حجر في تدليس التسوية...كلام الذهبي في تدليس الإسناد، بيد أن اعتذارهما للأعمش بأنه لا يعتمد ذلك اعتذار لا يغني من الحق شيئا، فإن قصد الأعمش إلى حذف شيوخه الضعفاء وتعمده ذلك من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى دليل، وذلك يؤكد معرفته بضعف الراوي الذي يدلسه، وقد تقدم قول أبي الفتح الأزدي: (( فنحن نقبل تدليس ابن عيينة ونظرائه لأنه يحيل على مليء ثقة، ولا نقبل من الأعمش تدليسه لأنه يحيل على غير مليء )).
وكل من يتعمد حذف شيخه الضعيف فيروي الحديث بصيغة محتملة للسماع وعدمه، فإنه لايبعد منه حذف أي ضعيف في الطبقات الأعلى ومع كل هذا ونظرا إلى عد البعض تدليس التسوية جرحا فإن ذلك أمر يحتاج إلى إثبات في حق الأعمش، وهذا ما ليس له ما يبرهنه، بل الدلائل على خلافه:
- أن دلالة تدليس التسوية على الإيهام المؤثر في ديانة المرء أو...من تدليس الاسناد والشيوخ وهذا يتطلب منا التحري أكثر في وصف الراوي به.
- أن من ذكر الأعمش بذلك لم يذكر شاهدا أو حادثة عليه، بينما الرواة الذين صدق عليهم ( ذكرت حوادث كثيرة في تدليس الإسناد عنده، وفي وصفهم بتدليس التسوية ).
- أن الراوي عن الأعمش هنا شعبة، وهو متشدد في الحكم على الرواة، وقد يترك شعبة الحديث عن بعض منهم بمجرد الجرح القليل....التسوية عنده جرح كما قال: لآن أزني أحب إلي من أن أدلس، فلو كان الأعمش مدلسا هذا النوع من التدليس لما حدث عنه شعبة.
((فعلى من وصف راويا بتدليس التسوية الدليل )) ( التدليس في الحديث ص 121 ).

والخلاصة من كل ما مضى أن الحديث صحيح، ولا يضر ما في بعض طرقه من عنعنة الأعمش بينه وبين شيخه ولا ما في كل طرقه من العنعنة في الطبقات الأعلى، فإن الصواب أن ذلك لا يؤثر في صحة الحديث.

هذا وكل ما سبق من الكلام في حق الأعمش يستغني عنه من يحتج بكل ما في الصحيحين أو أحدهما فإن مسلما أحد من خرج هذا الحديث، ولم أجد من تكلم في هذا الحديث قدحا، أو لمزه بشيء مما يتعلق بتدليس الأعمش ربما لإخراج مسلم إياه أو لكونه جاريا على قاعدة من ينتفي عنده تدليس المعنعن إذا جاءت رواية أخرى مبينة للاتصال.
وعلى كل حال فالحديث متصل ثابت عند الجميع.

وجه الاستدلال من الحديث:
الحديث يدل على عدم مشروعية الرفع في الصلاة مطلقا من ثلاث نواح:

الناحية الأولى:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر رفع الأيدي في الصلاة صراحة، وقد أفادت كل الروايات عن الاعمش أن ذلك الرفع الذي أنكره الرسول عليه الصلاة والسلام إنما كان في الصلاة.
- فقد جزم بذلك وكيع عن الأعمش عند أحمد ( ) والبيهقي، فقال جابر بن سمرة: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن رافعو أيدينا في الصلاة.
وكذلك علقه البخاري إلى وكيع في (( جزء رفع اليدين )).
- كما جزم بها عبثر عن الأعمش عند النسائي، قال جابر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن رافعو أيدينا في الصلاة، فقال: (( ما بالهم رافعي أيديهم في الصلاة )).
- بينما شك زهير عن الأعمش عند أبي داود، فقال جابر: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال زهير: أراه قال: في الصلاة.
قال السهار نفوري: (( وأما أبو داود فذكر هذه الجملة ( والناس رافعو أيديهم ) ثم حكى قول زهير: ( أراه قال: في الصلاة )، وهذا يدل على أن زهيرا لم يحفظ هذا اللفظ من أستاذه، ولكن يظن أنه قال لفظه ( في الصلاة )، فما وقع في رواية البخاري في جزء رفع اليدين بأنه أخرج هذه الجملة من غير شك، غير محفوظ )) ( بذل المجهود 4/421 )

ويؤيد ما قاله السهار نفوري من كون هذه اللفظة غير محفوظة أن سائر الرواة عن الأعمش وهم: شعبة ويحيى القطان وأبو معاوية وعيسى بن يونس لم يذكروها، إلا إذا عدت من قبيل زيادة الثقة، فيسري إليها الخلاف، وقد يترجح قبولها لكون الذي زادها أكثر من واحد، وهم وكيع وعبثر وزهير من غير جزم منه.
ورغم ذلك فإنه لا خلاف في أن ذلك الإنكار على رفع الأيدي إنما كا حال صلاتهم، ولذا أتبع السهار نفوري كلامه السابق بقوله: (( لكنه مراد قطعا )) أي وإن كان النص على أن الرفع كان في الصلاة غير محفوظ، لكن كون ذلك الرفع الذي أنكره الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو في الصلاة مراد قطعا.
وقد اتفق كل الرواة السبعة عن الأعمش على قوله عليه الصلاة والسلام في نفس الحديث بعد ذلك ((اسكنوا في الصلاة )) وهذا قاطع بأنهم رآهم النبي صلى الله عليه وسلم رافعي أيديهم وهم يصلون، فأنكر ذلك عليهم.
هذا رفع الأيدي عام يشمل رفعها عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، ويشمل كل رفع لليدين يفعله المصلي في الصلاة، يقول أبو الحسن البسيوي: (( فأما من خالفنا فقال إنه كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام فإنه يوافقنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن رفع اليدين في الصلاة )) ( الجامع 2/99).
  #24  
قديم 19/01/2011, 08:57 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

الناحية الثانية:
أن النهي عن الرفع في الصلاة ورد لعلة جلية، وهي تلبس المصلي بحركة لا تناسب عظم المقام الذي هو فيه ولا تليق بموقفه بين يدي ربه سبحانه وتعالى، وهي التشبه بحركة أذناب الخيل الشمس التي لا تستقر من الخوف والاضطراب، فتضرب بأذنابها فوق وتحت ويمينا وشمالا، وما أشبه حركة من يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام أو عند الركوع أو في أي موضع آخر بأذيال الخيل النافرة المضطربة وحسب العاقل نفورا من هذه الحركة إذ جعلت علامة لبعض الحيوانات، بل حركة لأذنابها خاصة، وذلك أمر يدعو إلى الاشمئزاز، ويؤكد من قوة النهي الوارد في هذا الحديث.


وهذا النهي جار على نسق نواهٍ أخرى عن حركات وهيئات يتشبه المصلي فيها - أن لو فعلها - بحركات وأفعال وهيئات بعض الحيوانات، وهي:
1- افتراش الكلب ( أو السبع ).
2- عقبة الشيطان.
3- إقعاء الكلب.
4- قعود القرد.
5- نقر الديك ( أو الغراب).
6- التفات الثعلب.
7- بروك البعير.
فقد روى الإمام الربيع بن حبيب بسنده الصحيح إلى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى المصلي أن يقعي في صلاته إقعاء الكلب، وأن ينقر فيها نقر الديك أو يلتفت التفات الثعلب أو يقعد فيها قعود القرد.
قال الربيع: إقعاء الكلب: أن يفرش ذراعيه ولا ينصبهما، وقعود القرد: أن يقعد على عقبيه وينصب قدميه، ومن فعل شيئا من هذه الوجوه الأربعة فعليه إعادة الصلاة. ( المسند رقم 238 )
وروى أحمد وأبو يعلي:
أنه عليه السلام نهى عن ثلاث: عن نقره كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب.
وأخرج البيهقي من حديث جابر بن سمرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإقعاء في الصلاة.
وروى البخاري ومسلم - واللفظ لهما - وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد (1) من طريق شعبة عن قتادة عن أنس مرفوعا: (( اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب )).
ولفظ أبي داود: (( اعتدلوا في السجود ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب ))
والجديث من رواية قتادة وقد عنعن وهو مدلس، وأما قول شعبة: (( كفيتكم تدليس هؤلاء الثلاثة: الأعمش وقتادة وأبي اسحاق )) فهو كما على نحو ما تقدم بيانه في حديث الأعمش عن جابر بن سمرة، لا كما قال الحافظ ابن حجر بأن مجرد رواية شعبة عنهم يعني الحكم بالاتصال.
غير أن الأعمش صرح بالسماع من أ نس عن كل من الترمذي والإسماعيلي ( ).
كما أن لحديث أنس شواهد أخرى:
فقد روى أحمد والترمذي وابن خزيمة من حديث جابر مرفوعا (( إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب )) ( 1)

وفيه عنعنة الأعمش ورواية أبي سفيان عن جابر معنعنا.
- وروى أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب وليضم فخذيه )) ( 2 )
- وروى مسلم من طريق أبي الجوزا عن عائشة قالت: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير )).
إلى إن قالت: (( وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع )).
وفي رواية ابن نمير عن أبي خالد: (( وكان ينهى عن عقب الشيطان )) ( 3)
  #25  
قديم 19/01/2011, 08:58 AM
ترتوب ترتوب غير متصل حالياً
عضو مميز
 
تاريخ الانضمام: 04/01/2007
الإقامة: مسقط
الجنس: ذكر
المشاركات: 2,791
إرسال رسالة عبر مراسل ICQ إلى ترتوب إرسال رسالة عبر مراسل AIM إلى ترتوب
افتراضي

حمد الخزرجي

تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: أنثىالمشاركات: 23
__________________
قصه حقيقيه
رسالة يهودي على أحد المذاهب الاسلاميه
يجب عليكم محاربة كل مسلم بينكم
يجب عليكم ان تكفروهم وتلفقون لهم التهم وتحرفون في كتبهم
يجب عليكم ان لاتصغوا الى الحق
يجب عليكم ان تأخذون عقيدتنا وتنشروها بين جميع المسلمين
يجب عليكم تجربة شعورنا في قتل المسلمين
يجب عليكم ان تتركونا في قتل وذبح الفلسطينيين وتدنيس المسجد الاقصى الذي رفع منه الرسول الى السماء
واليوم تحقق حلم اليهود في المسلمين ولم يتعلمون من درس تفكيك الاتحاد السوفيتي : سيدخلون الامريكان في الجزيرة العربية لأجل أحلال الدمار اقصد السلام تحت مسمى (محاربة الارهاب)
  #26  
قديم 19/01/2011, 08:58 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

كما روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة النهي عن بروك الجمل أو البعير عند الهوي للسجود. ( 4 )
وللعلماء في بيان حقيقة ذلك ومعناه خلاف عريض بناء على تعارض حديث أبي هريرة هذا وحديث وائل بن حجر في أيهما يقدم عند السجود اليدان أو الركبتان. على إن في كلا الحديثين كلاما سندا ومتنا.
وعلى أية حال فهذه الهيئات جميعها متفق على النهي عنها في الصلاة.
وتفصيلها كالتالي:
1- أما افتراش الكلب أو السبع فهو مفسر في حديث أنس بوضع الذراعين على الأرض حال السجود، وفي حديث عائشة السابق سمته افتراش السبع، وجاء في حديث البراء عند سلم مرفوعا ((إذا سجدت فضع كفيك وارفع رفقيك )) (5)، وبه فسر الإمام الربيع إقعاء الكلب.

2- وأما عقبة الشيطان فقال النووي: (( بضم العين، وفي الرواية الأخرى: عقب الشيطان بفتح العين وكسر القاف، هذا هو الصحيح المشهور فيه، وحكى القاضي عياض عن بعضهم بضم العين وضعّفه، وفسره أبو عبيدة وغيره بالإقعاء المنهي عنه، وهو أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب وغيره من السباع )) ( ج 4/180).

3- وأما إقعاء الكلب فقد فسره الإمام الربيع بافتراش الذراعين حال السجود، وسبق في كلام النووي أنه فسر عقبة الشيطان بالإقعاء وهو أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض.

وقال الرازي في مختار الصحاح: (( أقعى الكلب....))
وقال أيضا: ((.............
وعقب الإمام السالمي قائلا: (( وهذا أيضا داخل تحت النهي، فالحاصل أن جميع هيئات الإقعاء داخلة ))

4- وأما قعود القرد فهو ما تفردت به رواية الإمام الربيع، وفسره بأن يقعد على عقبيه وينصب قدميه، قال الزمخشري: (( والظاهر أن قعود القرد كالإقعاء ))

5- وأما نقر الديك أو الغراب فهو ترك الطمأنينة وتخفيف السجود وألا يمكث فيه إلا بمقدار ما يضع الديك أو الغراب منقاره فيما يريد الاكل منه، ويتابع النقر من غير تلبث ( ينقل من ابن الأثير )

6- وأما التفات الثعلب فقال الإمام السالمي: (( هو أن يصرف وجهه يمينا وشمالا )) ( شرح الجامع 1/350)

7- وأما بروك البعير فرغم الخلاف في كيفيته فلا يخفي على كل عاقل أن البعير إذا برك وضع يديه ثم ركبتيه، والقول بأن ركبتي البعير في يديه فاسد لا يعرفه أهل اللغة كما قال ابن القيم ( ).

والخلاصة أن الحركات والهيئات المنهي عنها في الصلاة ست:
1- افتراش اليدين كافتراش الكلب أو السبع، وذلك بوضع الذراعين من الأصابع إلى المرفقين على الأرض حال السجود، وقد سمى الإمام الربيع هذا بإقعاء الكلب.
2- القعود كعقبة الشيطان أو عقب الشيطان، وذلك بوضع الإليتين على الاليتين على الأرض ونصب الساقين ووضع اليدين على الأرض كما يفعل الكلب وغيره من السباع. وسماه البعض بالإقعاء.
3- القعود كقعود القرد، وهو أن يقعد على عقبيه وينصب قدميه كما يفعل البعض بين السجدتين أو حتى حال القعود للتحيات.
4- السجود السريع كنقر الديك أو الغراب.
5- التفات الثعلب، وهو الالتفات السريع في الصلاة.
6- الهوي للسجود كبروك البعير، وذلك بتقديم اليدين ثم الركبتين.

وهذه الهيئات منهي عنها في الصلاة.. ويلاحظ بشدة أنها شبهت بأفعال وهيئات الحيوانات كان يمكن النهي عنها دون هذه التشبيهات العجيبة، فدل التشبيه على قوة النهي عنها، وشدة التنفير منها.

اترى فما حال رفع اليدين في الصلاة ؟!
إن الحركة التي تشبه حركة أذناب الخيل الشمس تنضم إلى تلك الهيئات المنهي عنها لوجود العلة فيها، ومن رفع يديه عند تكبيرة الإحرام أو عند الركوع عند الرفع منه أو عند السجود أو عند التسليم في الصلاة أو في أي موضع آخر صدق عليه أنه متشبه بحركة أذناب الخيل الشمس، ودخل في نكير المصطفى صلى الله عليه وسلم ومخالفته إياه.
وكما أن من فعل شيئا من تلك الهيئات مشبه لهيئات وحركات الحيوانات فكذلك من رفع يديه مشبه لحركة أذناب الخيل الشمس، وكله قبيح.
يقول الصنعاني:
(( وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بمخالفة سائر الحيوانات في هيئات الصلاة، فنهى عن التفات كالتفات الثعلب، وعن افتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب، ورفع الأيدي كأذناب خيل شمس، أي حال السلام، وقد تقدم، ويجمعها قولنا:
إذا نحن قمنا في الصلاة فإننا ... ... نهينا عن الإتيان فيها بستة
بروك بعير والتفات كثعلب ... ... ونقر غراب في سجود الفريضة
وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه ... ... وأذناب خيل عند فهل التحية))
... ... ... ... ... ... ... ... ( سبل السلام 1361،362)
وقول الصنعاني: (( ورفع الأيدي كأذناب خيل شمس، أي حال السلام )) معناه أن النهي عن رفع الأيدي مخصوص بالرفع عند التسليم من الصلاة وهو مراده في نظمه: (( وأذناب خيل عند فعل التحية )) وهذا كان في بداية أمر الصلاة ثم نهي عنه.
وسيأتي نقاش موسع حول كلام الصنعاني بأن النهي عن الرفع مخصوص برفع اليدين عند السلام، فليت شعري إذا كان رفع اليدين عند التسليم من الصلاة بعد التحيات مشبها لأذناب الخيل الشمس، فما الذي لم يجعل رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام والركوع وغير ذلك مشبها لأذناب الخيل الشمس أيضا؟!
فإن العلة في النهي عن الرفع مطردة في كل رفع ولا فرق، وقد نقل ابن حجر عن ابن دقيق العيد عند شرحه حديث الافتراش في السجود قوله:
((وقد ذكر الحكم هنا مقرونا بعلته، فإن التشبيه بالأشياء الخسيسة يناسب تركه في الصلاة ))(2/563)
  #27  
قديم 19/01/2011, 08:59 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

الناحية الثالثة:
الأمر بالسكون في الصلاة: (( اسكنوا في صلاتكم )) وهو عام يشمل كل شيء في الصلاة ولا شك أن الحركة منافية للسكون ومضادة لها.. والرفع حركة واضحة، وخاصة عند من يقول إنها تتلو تكبيرة الإحرام ولا تتقدمها ولا تقارنها، ومن يقول بها عند الركوع والرفع منه، وعند الهوي للسجود والرفع منه، وغير ذلك فإن هذه الحركة داخلة في الصلاة ومخالفة للهدي النبوي.

ولكن.. هل هناك فرق بين حركة رفع اليدين وبين حركة الجسم للركوع وللسجود والرفع منهما ؟!
والجواب: نعم، ثمة فرق كبير بينهما، فإن حركة الصلب للركوع والرفع منه وحركة الجسم للسجود والرفع منه من أركان الصلاة وأجزائها..
وتحريك اليدين لوضعهما على الركبتين عند الركوع ووضعهما على الأرض عند السجود وعلى الفخذين عند القعود هو من هيئة الركوع والسجود والقعود.
بخلاف رفع اليدين فلا يزيد في الصلاة شيئا إلا بمجرد الحركة الخارجة عن أفعال الصلاة..

الاعتراضات على الاستدلال
بحديث جابر بن سمرة :
اعترض على الاستدلال بهذا الحديث بأن النهي عن الرفع خاص بالرفع عند التسليم حيث كان الخروج من الصلاة في بداية الأمر بتحريك اليدين كما ورد من طريق عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة قال:
(( كنا إذا صلينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام عليكم، السلام عليكم، وأشار مسعر بيديه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( ما بال هؤلاء يومئون بأيديهم كأنها أذناب خيل شمس ؟ إنما يكفي أحدهم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله )). وهو حديث صحيح رواه كل من:؟؟؟


قال الإمام البخاري: (( وأما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث وكيع عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال: دخل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن رافعي؟؟؟ أيدينا في الصلاة فقال: (( مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة )) فإنما كان هذا في التشهد لا في القيام، كان يسلم بعضهم على بعض، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رفع الأيدي في التشهد، ولا يحتج بمثل هذا من له حظ من العلم، هذا معروف مشهور لا اختلاف فيه.
ولو كان كما ذهب إليه لكان رفع الأيدي في أول التكبيرة، وأيضا تكبيرات صلاة، العيد منهيا عنها، لأنه لم يستثن رفعا دون رفع، وقد بينه حديث حدثناه أبو نعيم حدثنا مسعر عن عبيد الله بن القبطية قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: كنا إذا صلينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام عليكم، السلام عليكم، وأشار مسعر بيديه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( ما بال هؤلاء يومئون بأيديهم كأنها أذناب خيل شمس ؟ إنما يكفي أحدهم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله )).

وقال النووي في شرح صحيح مسلم: ؟؟؟

وخلاصة اعتراض البخاري والنووي وكل من رأى رأيهما أن حديث تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة إنما ورد لسبب خاص بينته رواية عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة، وفيها أن النهي عن رفع اليدين إنما هو حال السلام فحسب.
وهذا الاعتراض مردود من وجهين:
الوجه الأول: الذي يرد به الاعتراض القائل بأن حديث جابر بن سمرة خاص بالرفع عند التسليم بسبب أن رواية عبيد الله بن القبطية بينت ذلك، يتلخص في أن حديث جابر بن سمرة برواية تميم بن طرفة غير حديث جابر بن سمرة برواية عبيد الله ابن القبطية، فهما حديثان مستقلان في واقعتين مختلفتين رواهما صحابي واحد.

يقول الزيلعي:
((ولقائل أن يقول: إنهما حديثان لا يفسر أحدهما بالآخر، كما جاء في لفظ الحديث الأول: دخل علينا رسول - صلى الله عليه وسلم - وإذا بالناس رافعي أيديهم في الصلاة، فقال: (( مالي أراكم رافعي أيديكم، كأنها أذناب خيل شمس ؟ اسكنوا في الصلاة )) والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له: اسكن في الصلاة، إنما يقال ذلك لمن يرفع يديه في أثناء الصلاة، وهو حالة الركوع والسجود، ونحو ذلك. هذا هو الظاهر، والراوي روى هذا في وقت كما شاهده، وروى الآخر في وقت كما شاهده، وليس في ذلك بعد )) ( نصب الراية 393، 394)
  #28  
قديم 19/01/2011, 09:06 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

وقال علي القاري:
(( وأجيب عن اعتراض البخاري بأن هذا الرفع كان في التشهد لأن عبيد الله بن القبطية قال سمعت جابر بن سمرة يقول: كنا إذا صلينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث، بأن الظاهر أنهما حديثان، لأن الذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال اسكن في الصلاة... )) ( المرقاة ؟؟؟ وانظر بذل المجهود 421، 422 )
وقد شرح السهارنفوري جواب الزيلعي قائلا:
(( وحاصل هذا الجواب أن البخاري فهم أن مؤدى حديث عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة ومؤدى حديث تميم بن طرفة الطائي عن جابر بن سمرة واحد بأن الحديثين محمولان على حال التشهد، فإن الصحابة كانوا يشيرون بأيديهم في التشهد حال السلام وهذا خلاف الظاهر نشأ من قلة التدبر فيها، بل الظاهر أنهما حديثان مختلفا المؤدى والمراد، يدل أحدهما على غير ما يدل عليه الآخر. فأما حديث عبيد الله بن القطبية فإنه محمول على السلام بعد التشهد قطعا، وأما حديث تميم بن طرفة الطائي عن جابر بن سمرة فغير محمول على التشهد، بل هو محمول على رفع اليدين داخل الصلاة عند الرفع والخفض فنهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: اسكنوا في الصلاة، والدليل عليه أن الذي يرفع حال التسليم لا يقال له: اسكن في الصلاة، ولهذا ما قال رسول الله في حديث رفع الأيدي عند التسليم (( اسكنوا في الصلاة )).

هذا، وقد تعجب صاحب عون المعبود (؟؟؟) من الزيلعي من تفريقه بين حديث تميم عن جابر وحديث ابن القبطية عنه قائلا: (( إنما العجب منه لأنه محدث كبير من أهل الإنصاف، ولا يخفى على من له مذاق في العلم فساد بيانه، والظاهر أنهما ليسا بحديثين، بل هما حديث واحد يفسر أحدهما بالآخر، والراوي واحد وهو جابر بن سمرة والمتن واحد )).

بينما اتهم السهارنفوري صاحب عون المعبود بأنه (( مقلد محض للبخاري وليس له حظ من علوم النبوة، ولو كان له حظ منه لم يتعجب من هذا الاستدلال، بل يأتي بالدليل على رده ولم يقدر عليه إلا بأن الراوي واحد، وهذا دليل يضحك الثكلى، فإن أحدا من أهل العلم لم يستدل بوحدة الراوي على وحدة مروياته، لما رأى البخاري قال بهذا القول تبعه من غير أن يتدبر في لفظ الحديث )) ( بذل المجهود 4 / 423، 424 )

وقد اعترض بديع الدين الراشدي محقق كتاب (( رفع اليدين في الصلاة )) للبخاري على كلام الزيلعي من خمسة أوجه، وهاأنذا أوردها كلها وأجيب عنها واحدا واحدا مستعينا بالله تعالى ؛
1- قال: (( والكلام عليه من وجوه:
الأول: أن هذا باطل، فقد صرح المصنف أن هذا معروف ومشهور لا اختلاف فيه، فلا يقبل قوله في مقابلة الإجماع )).
ومراده بالمصنف الإمام البخاري، وقد مضى كلامه قريبا.
والجواب: أن كلام البخاري ينقض آخره أوله، فإنه بعد أن قال: (( وأما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث وكيع عن الأعمش... إلخ )) عقب فقال: (( هذا معروف مشهور لا اختلاف فيه )) فقد ساق أولا القول المخالف ثم نفى الاختلاف !
وأما كون ما ذهب إليه البخاري معروفا مشهورا فهذا مما لا اختلاف فيه، فإنه رأي الأكثر، وأما كونه مما لا اختلاف فيه فهذا مما فيه الاختلاف والنزاع.

ولا عبرة بالحكم على من وصفه البخاري بأنه (( من لا يعلم )) وبقول المعلق (( فلا يقبل قول في مقابلة الإجماع ))، أما الأول ـ وهو كلام البخاري ـ فلأن البخاري ساق كلامه ردا على الإمام أبي حنيفة وأتباعه حيث قال في مقدمة كتابه هذا: (( الرد على من أنكر رفع الأيدي في الصلاة عند الركوع وإذا رفع رأسه من الركوع... إلخ )) ( ص 18 ـ 20 )
وأصحاب هذا القول هم أبو حنيفة وأصحابه، فإنهم ينكرون رفع اليدين فيما بعد تكبيرة الإحرام، وحسبك بمن وصف أبا حنيفة بأنه (( من لا يعلم )) بل هذا الوصف هين في مقابل قول البخاري فيه (( على ضغينة صدره وحرجة قلبه نفارا عن سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستحقا لما يحمله استكبارا وعداوة لأهلها لشوب البدعة لحمه وعظامه ومخه، وأنسته باحتفال العجم حوله اغترارا )) ( ص20 )
وأما الثاني ـ وهو كلام المعلق ـ فمردود بأن الخلاف سابق للإجماع المزعوم.
ومرادي هنا أن حكم البخاري في غير محله، فإن خلاف أبي حنيفة خلاف معتد به، لا ينعقد الإجماع بدونه، فكيف إذا أضفنا إليه أئمة الحنفية وعلماءهم السابقين للبخاري والمقارنين له واللاحقين، ومنهم الزيلعي وعلي القاري والسهارنفوري !! أضف إليهم أئمة الإباضية كجابر بن زيد ـ وهو سابق لأبي حنيفة ـ وأبي عبيدة وهو في فترته، وكالربيع بن حبيب وقد توفي قبل ولادة البخاري، وهؤلاء رواة حديث ابن عباس عن النبي عليه الصلاة والسلام (( كأني بقوم يأتون من بعدي... إلخ )) ومثل الإمام أفلح بن عبد الوهاب وأبي غانم الخراساني وحاتم بن منصور وأبي يزيد الخوارزمي، وهؤلاء رواة حديث جابر بن سمرة كما في زيادات مسند الإمام الربيع، وقد توفوا قبل وفاة البخاري، دعك من الأئمة والعلماء الإباضية الآخرين السابقين على البخاري والمعاصرين له واللاحقين، فأين الإجماع ؟!

2ـ قال المعلق:
((والثاني: أنه لو كان كذا لكان الرفع في المواطن الأخرى كالقنوت والتحريم والعيدين أيضا داخلا تحت النهي، وما أجاب عن الزيلعي أصلا )) ( ص90 )
وهذا هو نفس قول البخاري: (( ولو كان كما ذهب إليه لكان رفع الأيدي في أول التكبيرة وأيضا تكبيرات صلاة العيد منهيا عنها، لأنه لم يستثن رفعا دون رفع )) ( ص91 )
وكذا قول المعلق عن الحنفية (( مع أنهم ذهبوا إلى الرفع في تلك المواضع وكذا في قنوت الوتر وبعضهم في التكبيرات الزوائد في الجنائز، فالحديث على الإطلاق يرد عليهم أيضا، وليس عندهم ما يدل على الرفع في تلك المواطن مما يساوي أدلة الرفع عند الركوع والرفع عند القيام من الركعتين، فهم أول مخالف للحديث على قولهم )) ( ص91 )
وخلاصة هذا الاعتراض أن حديثي ابن القبطية وتميم بن طرفة لو جعلا حديثين لاستلزم أن يكون النهي عن الرفع شاملا لكل رفع في الصلاة، سواء عند تكبيرة الإحرام أو عند التسليم أو أثناء الصلاة وكذلك في تكبيرات صلاة العيدين وعند القنوت في صلاة الوتر، وفي تكبيرات صلاة الجنازة عند البعض، فإن حديث تميم بن طرفة لم يتناول الرفع عند لتسليم، بل جاء عاما.
وهذا الكلام حق، ولا يرد على الإباضية، لأنه لا رفع عندهم في شيء من ذلك البتة، وإنما يرد على الأحناف الذين يقولون بالرفع في كل ما سبق ما عدا الرفع عند الركوع وعند الرفع منه، فيلزمهم ألا يقولوا بالرفع عند تكبيرة الإحرام ولا في صلاة العيدين ولا في قنوت الوتر ولا في صلاة الجنازة كما هو عند البعض.

وقد حاول الأحناف الدفاع عن موقفهم هذا، أما الرفع عند تكبيرة الإحرام فقد دافع عنها السهارنفوري بأنه (( قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - تركه فيخرج من هذا الحكم، ويبقى رفع اليدين الذي لم يثبت دوامه بل يثبت؟؟؟ تركه داخلا فيه )) ( بذل المجهود 4، 424 )
  #29  
قديم 19/01/2011, 09:07 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

وكلامه هذا مبني على ثبوت الرفع، ثم ثبوت نسخ الرفع في تكبيرات الانتقال فإنه قال أيضا: (( إن خاتمة البحث في هذه المسألة أن رفع اليدين في الانتقالات بعد الرفع عند التحريمة ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير حديث، وصح عنه، ثم تركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله، ثم لما لم يتنبه له الصحابة وفعله بعضهم فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة يرفعون أيديهم نسخها ونهى عنها، ويدل على ذلك حديث تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة الذي أخرجه مسلم، وقد تقدم سياقه والبحث فيه، والذي قالوا في جوابه إنه محمول على الإشارة في السلام فهو لغو وباطل )) ( 4 / 427 )
هكذا زعم السهارنفوري أن النهي إنما يتناول الرفع في تكبيرات الانتقال فحسب !!
فنقول إن السهارنفوري قال بثبوت الرفع عنه - صلى الله عليه وسلم - عند تكبيرة الإحرام وفي تكبيرات الانتقال كالركوع والرفع منه، ثم حكم بثبوت النهي عن الرفع، وحمله على الرفع في تكبيرات الانتقال، فنسأل: ما الدليل على أن النهي جاء لنسخ الرفع عند الركوع والرفع منه دون الرفع عند تكبيرة الإحرام ؟
ونقاشنا نحن معاشر الإباضية للسهارنفوري في الرفع عند الدخول في الصلاة كنقاشه هو لغيره ممن يقول بالرفع فيما عدا ذلك، فحين يقول الآخرون بثبوت الرفع في المواضع الثلاثة وغيرها في الصلاة، يجيب السهارنفوري بثبوت النهي عن الرفع فيما عدا الإحرام بحديث جابر بن سمرة، وحين يقول السهارنفوري بثبوت الرفع عند الإحرام فإننا نجيب بثبوت النهي عن ذلك بحديث جابر أيضا.
والفارق أننا لا يلزمنا شيء، بينما يلزمه الدليل على استثناء الرفع عند الافتتاح من عموم النهي عن الرفع الذي يتضمنه حديث جابر بن سمرة.
( ما رأي السهارنفوري في الرفع في العيد والجنازة والقنوت )؟؟؟

ولا دليل بل ولا قرينة لهذا الاستثناء، وليس ثبوت الرفع عند الافتتاح ـ كما قالوا ـ بأحسن حالا من فيما سواه، بل ربما كانت روايات الرفع في المواضع الثلاثة أمثل مما سواها دون أن يعني ذلك صحتها متنا ولا سندا، فإذا ثبت الرفع وثبت النسخ فإنه عام يتناول الرفع في كل موضع، فيكون الكل منسوخا منهيا عنه بحديثي جابر بن سمرة، ومع ذلك فإن ثبوتها غير صحيح، ولا أعيد ما قلته في بيان ضعف روايات الرفع فحسبك ما مضى.
هذا مقتضى الإنصاف في حق الجميع. ومن باب الإنصاف أيضا، فالذي يتبين لي أن كلام البخاري لا يرد على الأحناف من جهة أخرى، فإن مقتضى مذهبهم أنه حتى عند تكبيرة الإحرام لا يكون رفع اليدين داخلا في الصلاة، لأن تكبيرة الإحرام ليست عندهم من الصلاة، بل هي شرط لها، قال ابن عبد الهادي: (( التكبير من الصلاة، وقال الحنفيون: ليس منها )) ( تنقيح التحقيق 2 / 766 )
على أن رفع اليدين عند أكثرهم سابق لتكبيرة الإحرام، قال العيني: (( وفي شرح الهداية: يرفع ثم يكبر، قال صاحب المبسوط: وعليه أكثر مشايخنا )) ( عمدة القاري 5 / 272 ) ( ينظر ابن

فأما من قال منهم ـ أي الأحناف ـ بسبق الرفع على التكبير فلا غبار على قوله لأن الرفع ليس داخلا في الصلاة، وأما من قال منهم بمقارنة الرفع للتكبير ـ وقد صحح ذلك بعضهم ـ فلا يرد عليه أيضا كلام البخاري وما يشبهه، لما تقدم من كون تكبيرة الإحرام ليست من الصلاة عندهم، فيحتاج البحث في الأصل عندهم أولا ليتم بعد تحرير فساده ـ إن كان ـ نقض ما انبنى عليه من كون الرفع المقارن للتكبير واقعا في الصلاة.

غير أني أرى أن العلة التي لأجلها نهي عن الرفع في الصلاة وهي التشبه بأذناب الخيل الشمس ينهى لأجلها عن الرفع مع تكبيرة الإحرام، سواء قارنها أو قاربها، وذلك لقبح هذه الحركة ولمنافاتها الخشوع والسكينة التي تغشى المصلي عندما يتهيأ للدخول في شعيرة الصلاة، ولو كانت تكبيرة الإحرام ليست من الصلاة فهي عبادة قولية مقترنة بالخضوع لله عز وجل، فكيف تصحبها حركة شبهت بحركة أذناب الخيل المضطربة ؟!
والغرض من هذا بيان أن اعتراض من اعترض على الاستدلال بحديث جابر بن سمرة على منع الرفع عند الإباضية لا محل له، وإنما ذكرت ما ذكرت مما يتعلق بمذهب الحنفية لتعلم أن البعض لم يتقصّ ولم يتقن مذهبهم، وإنما دفعته الحمية إلى العصبية غير المحمودة.
هذا، ويتجه اعتراض البخاري على الرفع في تكبيرات العيد عند الحنفية، لكن قال السهارنفوري: (( وأما رفع اليدين في العيدين فمختلف فيه عند الحنفية، فإن الإمام أبا يوسف أنكره )) ( بذل المجهود 4/ 424 ).
ونعود فنقول: الإمام أبو يوسف واحد من كثيرين، فبم يجيب من لم يتكر الرفع في صلاتي العيدين من الأحناف ؟!
فيبقى الاعتراض قائما على من يقول بذلك، وعلى من يقول منهم بالرفع في التكبيرات الزوائد في الجنازة، والرفع في قنوت الوتر، فيرد عليهم الحديث، وكلام البخاري والمعلق في ذلك وجيه جدا. ولا أرى في دفاع الأحناف عن مذهبهم في هذه المسائل مقنعا، بل لم يجيبوا عن بعض ذلك. ؟؟؟( مذهب الأحناف الخاص لا يقضي على العام )
  #30  
قديم 19/01/2011, 09:08 AM
حمدالخزرجي حمدالخزرجي غير متصل حالياً
محظور
 
تاريخ الانضمام: 31/05/2007
الإقامة: Oman
الجنس: ذكر
المشاركات: 41
افتراضي

أما نحن ـ معاشر أهل الحق والاستقامة ـ فقد كفتنا القواعد المتقررة لدينا من منع الرفع والحركة في الصلاة على الإطلاق، السلامة من مثل هذه الاعتراضات والشبهات، ولم نخالف الهدي النبوي ونهيه الكريم، وامتثلنا أمره - صلى الله عليه وسلم - (( اسكنوا في الصلاة )).

وبعد، فإن اعتراض البخاري على الحنفية بقوله: (( ولو كان كما ذهب إليه لكان رفع الأيدي في أول التكبيرة، وأيضا تكبيرات صلاة العيد، منهيا عنها، لأنه لم يستثن رفعا دون رفع )) اعتراض ضمني بعموم النهي عن الرفع في الصلاة مطلقا ابتداء من تكبيرة الإحرام إلى التسليم والفراغ من الصلاة.

3 ـ قال المعلق:
(( والثالث: قوله (( والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له: اسكن في الصلاة )) إلخ لا يلتفت إليه لأن الرجل لا يكون خارجا من الصلاة إلا بعد السلام، وهذا الرفع عند السلام لأنه قبل الخروج من الصلاة )).
والجواب أن هذا الاعتراض لا يلتفت إليه، ولا يرد على الإباضية ولا على الأحناف أيضا.
أما الحنفية فإن السلام عندهم ليس من الصلاة كمثل تكبيرة الإحرام، قال ابن عبد الهادي: (( السلام من الصلاة، وقال أبو حنيفة: ليس منها )) ( 2 / 915 تنقيح التحقيق ) بل السلام عنده ليس بواجب، قال ابن عبد الهادي: (( والخروج من الصلاة بالتسليم فرض، وقال أبو حنيفة: لا يجب، بل يجوز أن يخرج بكل ما ينافيها )) ( تنقيح التحقيق 2/ 913 ) وروى ذلك الترمذي عن أحمد وإسحاق بن راهويه ( )
فأي حركة تقارن التسليم فليست ـ عندهم ـ من الصلاة، وعليه فإن الأمر بالسكون في الصلاة لا يتوجه إلى من رفع اليدين حال التسليم لأنه رفع خارج عن الصلاة.
فدل ذلك على أن هنالك نهيين: النهي عن الرفع في أثناء الصلاة، وقد تضمنه حديث (( اسكنوا في الصلاة )) وهو حديث تميم عن جابر، والنهي عن الرفع حال السلام وهو حديث ابن القبطية عن جابر.
وأما الإباضية فالخلاف موجود لديهم في اعتبار التسليم من الصلاة فرضا أو ليس بفرض، ومن قال بالفرضية قال بالركنية ـ أي بأن السلام من الصلاة ـ وإلا فلا، وفي المسألة تفصيلات..؟؟؟
ورغم ذلك فإنه حتى مع القول بركنية السلام فإن حمل قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( اسكنوا في الصلاة )) على حالة التسليم بعيدا جدا، لأن السلام الذي جعلته الشريعة خروجا من الصلاة انتقال من حالة السكون إلى ما ينافيه، ولهذا فالأمر بالسكون فيه سيكون في غير محله، وهذا معنى كلام الزيلعي: (( والذي يرفع يديه في حال التسليم لا يقال له: اسكن في الصلاة )).
ولو أمر المصلي بالسكون حال التسليم لما أمر أن يصفح بوجهه يمينا وشمالا كما تضمنه حديث ابن القبطية عن جابر، وفيه كما تقدم: (( إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده )) وهذا ينافي السكون حتما.
ولا يعترض هنا بأن الانتقال من القيام إلى الركوع أو السجود والعكس ونحو ذلك ينافي الأمر بالسكون، لأن تلك أركان للصلاة ولا تكون إلا بها، خلافا للتسليم من الصلاة، فإن السلام يمكن أن يتم دون الالتفات يمينا وشمالا، فدل ذلك على أن السكون المراد هو سكون الجوارح أثناء الصلاة.
وزيادة للتوضيح أشرح الأمر في عنصرين:
أولهما: أن الركوع والسجود لا يمكن أن يحدثا إلا بتلك الطريقة المعهودة، يصحبهما القول من التكبير والتسبيح والتحميد، فحقيقة الركوع والسجود وانحناء الجسد إليهما فعل وليس قولا. وأما السلام فحقيقته قول وليس فعلا، ولكن جعل فيما يخص الصلاة مصحوبا بالفعل الذي هو الالتفات يمينا وشمالا.
ثانيهما: أن النهي عن رفع اليدين في الصلاة جاء مقرونا بعلة ومصحوبا بأمر، فالعلة التشبه بأذناب الخيل الشمس، والأمر هو الأمر بالسكون وهذا هو حديث تميم عن جابر.
وأما النهي عن رفع اليدين عند السلام فقد قرن بالنهي عن التشبه بأذناب الخيل الشمس، ولم يأت الأمر بالسكون، بل جاء الأمر بالحركة وهو الصفح يمينا وشمالا.
فيستحيل هنا أن يأمر بالسكون في السياق الذي يأمر فيه بالحركة والالتفات: (( إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده )) وهذا هو حديث عبيد الله بن القبطية.

وبهذا يتبين أن حديث (( اسكنوا في صلاتكم )) غير حديث التسليم، ويستحيل أن يحمل عليه.
والذي أصرف إليه نظر بديع الدين الراشدي المعلق على كتاب البخاري (( رفع اليدين )) أن حديث ابن القبطية عن جابر في النهي عن الرفع عند السلام ليس فيه (( اسكنوا في صلاتكم )) ولم يرد في شيء من رواياته، وهذا أحد التفريق بين الحديثين.
يقول السهارنفوري: (( فأما حديث عبيد الله بن القبطية فإنه محمول على السلام بعد التشهد قطعا. وأما حديث تميم بن طرفة الطائي عن جابر بن سمرة فغير محمول على التشهد بل هو محمول على رفع اليدين داخل الصلاة عند الرفع والخفض فنهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (( اسكنوا في الصلاة )). والدليل عليه أن الذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له: اسكن في الصلاة، ولهذا قال رسول الله في حديث رفع الأيدي عند السلام: (( اسكنوا في الصلاة )) ( بذل المجهود 4/ 422 )

4 ـ قال المعلق:
(( والرابع أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( اسكنوا في الصلاة )) يشكل عليهم؟؟؟ في رفعكم تلك المواطن، فاحتجتم إلى التفسير ولا مخلص لكم غير هذا )).
والجواب أن هذا والثاني سواء. وأؤكد هنا أن هذا الاعتراض على الحنفية وجيه، فإن القول بأن حديث تميم عن جابر ينهى عن كل رفع من بداية الإحرام إلى نهاية السلام قول صحيح، كما يشمل النهي عن الرفع في صلوات الجنازة والعيدين وكل رفع على أية حال، لا سيما أن مشبه لحركة أذناب الخيل الشمس.
واستثناء الرفع عند تكبيرة الإحرام لا يقويه ما استدل به الحنفية من ثبوت الرفع عندها وعدم مجيء نسخه، وأن النسخ ـ كما قالوا ـ إنما خص الرفع فيما كان بعد الإحرام، وذلك لسببين:
أولا: أن أحاديث الرفع عند تكبيرة الإحرام فقط، التي استدل بها الحنفية كلها ضعيفة.
ثانيا: أن النسخ ـ إذا افترضنا ثبوت الرفع ابتداء ـ يشمل كل رفع، وقد ثبت النهي عن الرفع، سواء كان ناسخا أم لا، بحديثي جابر.


كما أزيد هنا القول بأن كلام المعلق أعلاه تأييد للقول بأن حديث جابر من رواية تميم ينهى عن كل رفع في الصلاة، وهو اعتراف صريح بذلك، تماما كما مضى عن البخاري في اعتراضه على الأحناف.
فكلامهما وكلام من قال بمثل ما قالا تسليم لاستدلال الإباضية بحديث تميم عن جابر من أن الحديث ينهى عن كل رفع في الصلاة سواء عند الافتتاح أو عند السلام أو بينهما.

5 ـ قال المعلق:
(( والخامس: أنه لا شك أن الرواية الثانية تفسير للأولى وهي مختصرة من الثانية كما قاله ابن حبان، فإنه ساق الخبر الثاني هكذا بلفظ: "كنا إذا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع أحدنا يمنة ويسرة". الحديث ( 1881 ) وهذا هو اللائق للتشبيه بأذناب خيل شمس، بخلاف الرفع المعروف عند الركوع والرفع منه فلا يكون كذلك، بل اليدان ترفعان إلى المنكبين أو الأذنين فلا يقال لهما كأذناب خيل شمس، فثبت أنها قصة واحدة، ولهذا احتج ابن حبان بهذا الخبر على صحة دعواه )).
والجواب:
أولا: أن جعل الرواية الثانية تفسيرا للأولى وجعل الأولى مختصرة من الثانية هي الدعوى التي لم يتم لها شيء تعتمد عليه إلا مجرد التشابه والحكم والراوي.
ترى ما المانع من أن يكون النهي عن الرفع تكرر مرتين، مرة عن الرفع عند التسليم، وأخرى عن الرفع في كل موضع في الصلاة، فيكونان حديثين مؤكدين لبعضهما.


ثانيا: ما ذكره المعلق من لفظ ابن حبان (( كنا إذا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع أحدنا يمنه ويسرة )) لم يضف شيئا، وكل ألفاظ هذا الحديث تدور حول هذا المعنى، فرواية البخاري (( كنا إذا صلينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام عليكم، السلام عليكم، وأشار مسعر بيديه )) ولفظ آخر عند ابن حبان نفسه: (( كنا إذا صلينا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا بأيدينا: السلام عليكم، السلام عليكم، يمينا وشمالا )) فهل: يمنة ويسرة إلا يمينا وشمالا، وهل تعني الإشارة باليدين إلا يمينا وشمالا.. .
ثالثا: لست أدري كيف يشبه رفع اليدين عند السلام حركة أذناب الخيل الشمس، ويكون هذا التشبيه هو اللائق، ولا يكون رفعهما أثناء الصلاة مشبها لحركة أذناب الخيل الشمس؟!
والفرق الذي ذكره المعلق بأن اليدين ترفعان عند الركوع والرفع منه إلى المنكبين أو الأذنين فلا يقال لهما كأذناب خيل شمس غير صحيح، لأنه لا دليل عليه، بل كل ذلك مشبه لذنب الخيل إذا رفعته أو حركته، والقصد أن مجرد حركة اليدين دليل الاضطراب، فإن الخيل إذا اضطربت حركة ذنبها يمينا وشمالا، وفوق وتحت، وحركة اليد عند السلام ـ كما كان يفعل بعض الصحابة قبل النهي ـ أشبهت حالة واحدة، وهي الحركة يمينا وشمالا، وحركة اليد عند تكبيرة الإحرام والركوع والرفع من الركوع ونحو ذلك أشبهت حالة أخرى وهي رفع الذنب وخفضه، فالكل مشبه لحركة أذناب الخيل الشمس المضطربة، والنهي شامل للجميع، وكان حديث القبطية عن جابر نهيا عن حركة اليد عند التسليم من الصلاة، وحديث تميم عن جابر نهيا عن حركة اليد عند الإحرام وفي أي موضع آخر.
هذا، وقد فرق بين الحديثين محشّي (( نصب الراية )) فقال:
(( سياق الحديثين ظاهر في أن أحدهما ورد في غير ما ورد فيه الآخر، ولا يمكن أن يكون أحدهما تفسيرا للآخر.
 


قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى

مواضيع مشابهه
الموضوع كاتب الموضوع القسم الردود آخر مشاركة
مطلوب فتوى عن كفت اليدين في الصلاة .. عند الاباضية الطائر القادم من الشرق السبلة الدينية 38 12/08/2010 05:44 PM
مسألة في قصر الصلاة alypapa2020 السبلة الدينية 6 08/02/2010 12:45 AM
لنعومة اليدين وبياضهما لون ابيض استشارات واستفسارات حواء 2 26/09/2009 10:36 AM
محل وضع اليدين حال القيام في الصلاة ! الشيخ البلوشي السبلة الدينية 30 22/03/2009 04:41 PM



جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 04:31 AM.

سبلة عمان :: السنة ، اليوم
لا تمثل المواضيع المطروحة في سبلة عُمان رأيها، إنما تحمل وجهة نظر كاتبها