سبلة عمان
سبلة عُمان أرشيف سبلة العرب وصلات البحث

العودة   سبلة عمان » السبلة الثقافية » أرشيف السبلة الثقافية » سبلة الثقافة والفكر

ملاحظات \ آخر الأخبار

 
 
أدوات الموضوع البحث في الموضوع أنماط العرض
  #1  
قديم 11/03/2009, 02:44 AM
Fahood Fahood غير متصل حالياً
خاطر
 
تاريخ الانضمام: 03/03/2009
الإقامة: London
الجنس: ذكر
المشاركات: 7
افتراضي مقال للكاتب صالح الفهدي بعنوان " بعض الظن "

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أنقل لكم مقـال أعجبني للكاتب صالح الفهدي نشر يوم الإثنين بتاريخ 2-3-2009 .. اتمنا الإسـتفادة للجميع



بعض الظَن..!!



سوءُ الظنِّ أكذبُ الحديثِ، وأقبحُ الأخلاقِ، وآفةُ المجتمعات، ولهذا فقد طوّح بيوتاً، وهدّم علاقاتٍ، وقطع أواصر، وقلبَ مودّاتٍ، وحطّم أركانا، وولّد بغضاء..!! نظرتُ إلى الكثيرِ من مشكلاتنا الإنسانيَّة، ومصائبنا الذاتيَّة فوجدتُ أن سوء الظنِّ وراءها..!! فهو السوسةُ الخطرةُ التي تنخرُ الأُسس، وهو السمُّ الزُّعافُ الذي يُميتُ الشرايين..! ولو عمّر حسنُ الظنِّ حياتنا لكنّا أسعدَ الخلقِ، وأكثرهم طمأنينةً، وسعادة، لأننا كنّا سنتركُ توافه الصّغائر فلا نكترثُ لها، ونقتفي الأهدافَ الكبرى التي تجمعنا، وتوحّدنا، وتقودنا إلى مصيرنا المشتركْ.


في مجتمعاتنا طغى سوءُ الظنِّ حتى أصبحَ له ديدانهُ القاتلة التي لا تُموتُ ولا تزاح، بل تمتصُّ رحيق سعادته، وكثرت أعشاشهُ التي تبيضُ فيها ديدانه وتفقس..!! فينامُ كثيرٌ من الرجال ويصحون على سوء الظنِّ بزوجاتهم، يلاحقوهنَّ بسوء الظنِّ في غدوّهنَّ ورواحهن، ومجيئهن وذهابهن، وحديثهن ولفتاتهن، أكانوا يصرّحون عن سوءِ ظنّهم أم يخفونه بعد صراعٍ مريرٍ مع أنفسهم..! وحين تسنحُ لبعضهم الفرصة فيجدُ أمامه هاتفُ زوجته، يتلفّتُ يمنةً ويسرةً، ثم يبدأ في البحثِ عن السرِّ المكنون، وعن إثباتٍ لسوء الظنِّ الذي ينغِّصُ عليه معيشتهُ، ويُسقط على رأسه سقف بيته، فيتمنى لو أنّه وجد دليلاً يُريحهُ، وبرهاناً يحسمه..! في حين يهرعُ البعض الآخر كلّما خرجت زوجتهُ إلى أدراجها باحثاً عن "حقيقة" لا يعلمها، وسرِّ يجهله..! لكنَّ قلبه المريض يقول له أنه موجودٌ في مكانٍ ما..!! يدفعُ أقدامه كي يهدم أركان بيتهِ، ويهد جدران أمانه وسعادته..! أمّا البعض الآخر فإن سألته زوجتهُ مالاً، واجهها بأسئلةٍ طويلةٍ فيما فعلت بما (أعطاها) من نفقة منذ مطلعِ الشّهر..!! ملوّحاً بسوء الظنِّ.. وناشلاً بذلك فتائل حبل الثقةِ بينه وزوجته حتى ينقطع الحبلُ عن آخره فلا تستقيمُ حياة، ولا تصلحُ عشرة..! هؤلاءِ في نظري أزواجٌ مرضى، لا يرون في الحياةِ إشراقةَ شمسها بل يلتفتون إلى الغيمةِ التي تحجبُ النورَ عنهم..!! تعدّوا فكرةَ الغيرة الجميلة التي تدلُّ على الحبِّ الصادقِ إلى غيرةٍ بغيضةٍ، مكروهة حتى إلى اللّه سبحانه وتعالى "يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة". وبعضُ هؤلاءِ يتتبّع خطى زوجتهِ أو يترصّدُ لها أو يراقبها أو يعودُ على حينِ غرّةٍ للبيتِ..! فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن اتيان الأهل في مبيتهم فكيفَ يفعلُ مسلمٌ ذلك؟!. إن لسانَ





حالِ من تكتشفُ سوء ظنِّ زوجها بها لينطقُ بأبيات ابن المعتزِّ القائل:
أسأتَ بي الظنَّ، يا سيدي .. وما سُوءُ ظَنٍ بمِثلي جَميلُ
إذا أنا خنتُ، فمن ذا يفي .. أتَدري، فَدَيتُكَ، ماذا تَقولُ


ومن الزوجاتِ من يحشو سوء الظنِّ قلوبهن فلا ترى في زوجها إلا خائناً يخفي سرّه، ومتلاعباً يدسُّ حقيقته ولكنّها حتماً ستجدُ الدليلَ على ذلك عاجلاً أم أجلا..!! وهنّ وإن لم يصرّحن كما يفعلُ مسيئو الظنِّ من الرّجال إلاّ أن تعابيرَ وجوههن، وسلوكهن، يشيرُ إلى اتباعهن سوء الظنِّ لمجرّد محادثةٍ هاتفيّة، أو تأخُّر في العمل أو خارج البيت..!! وهؤلاء الزوجات مريضات، وكثيرٌ منهنَّ يقترنَّ برجالٍ لا يلقون بالاً لبناءِ الثقةِ، ولتأكيدِ الحفاظ على ثوابت العلاقة بينهم وأزواجهم، إلاّ أن بعضهن يسئن الظنَّ بأزواجٍ أفاضلَ، شرفاءْ..!!


وسوءُ الظنِّ يعشّش في الكثيرِ من مؤسّساتنا، فتجدُ بعضَ المسؤولين يستأنسون لسوء الظنِّ متخذينه أكبرَ أدواتهم التي تدلّل على نفوذهم وسلطتهم، فكم منهم من يسيءُ الظنَّ بموظفيهِ فيضعهم تحت طائلةِ الاتهامِ عبر أسئلتهِ المريضة: أينَ كنت، ولماذا تأخّرت، وكيف، وهل..؟! فلا يستطيعُ موظّفٌ أو موظّفةٌ أن يقولا الحقيقةَ فهم يدركون أن مسؤولهم يسيءُ الظنَّ بهم على أيَّةِ حال، ولهذا يختارُ بعضهم أن يكذبَ حتى يكون عذره أكبرَ من الحقيقي مدفوعاً بسوء الظنِّ (وهذه بالطّبع ليست طريقةً سليمة، ولكنّها نتيجةً من نواتج سوءِ الظّن) ولهذا ساءت العلاقات الوظيفية في كثيرٍ من المؤسّسات بسبب سوء الظنِّ.. وأعرفُ مديراً يتتبّعُ خطوات موظفّيه، حتى يستلذَّ فيما بعد بكشفِ أكاذيبهم أو أعذارهم المختلقة..! ولو أحسنَ الظنَّ بهم لما اضطروا إلى المناورةِ والكذبِ..!! وأعجبني ما قالهُ مسؤولٌ لموظفيه وهو أمرٌ غير معتاد، قال لهم: لا أريدُ منكم أعذاراً حينما تضطرّون للخروجِ من العملِ لقضاءِ مهمّةٍ ما، فثقوا أنني سأوافق لخروجِ أيّ واحدٍ أو واحدةٍ منكم دون سؤالهِ عن عذره..!! هذا في نظري نموذج المسؤول الذي يبني علاقاته بموظفيه على أساس حسن الظن، فهو يثقُ في أنّه يتعامل مع أناسٍ ناضجين يقدّرون قيمةَ العمل، والمهام التي عليهم إنجازها..! هذا نقيضُ ذلك النموذج المريض الذي ينظُر في ساعته كلّما عادَ موظّفٌ، أو غادرت موظّفة..! ويجنّد أتباعه لاقتفاء أثارهم وتدوين عيوبه..!! وهؤلاءِ كثرٌ، يقدّمون سوء الظنِّ في موظفيهم قبل حسن الظنِّ..!


وفي الحياةِ الاجتماعيّة كم هم هؤلاءِ المسيئون للظنِّ بالنّاس، واتهّامهم بما ليس فيهم، فكم من امرأةٍ غافلةٍ طالها سوءُ الظنِّ، والله تعالى يقول (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم) النور/23، وكم من عفيفٍ شريفٍ لحقه سوءُ الظن..! فاتّهم في عرضهِ وشرفه من أناسٍ خبثاءَ النفوس، ليس لهم سوى البحثِ عن معايب الآخرين، وحينما يكتشفون أمراً لا يسترون بل ويجدونها فرصةً للتّشفي، وإن هم فشلوا في مسعاهم الخبيث صاغوا الأقاويل، وحاكوا الأكاذيب..! لقد استمعتُ لأحدهم وهو يقول في اتصالٍ لبرنامجٍ تلفزيوني كان يهدف لجمع تبرعات للفلسطينيين: كيف سمحتم للمطرب الفلاني أن يكون بينكم وأنتم تظهرون للناس وتحثُّونهم على التّصدق، فردّ عليه أحد العلماء: وماذا تعرفُ أنت عنه؟! إن هذا الذي تسيءُ الظنَّ به ليصومُ شهراً ويفطرُ شهراً..!!



قال صلى الله عليه وسلم "سوء الخلق ذنب لا يغفر وسوء الظن خطيئة تفوح وقال عليه السلام "إن العبد ليبلغ من سوء خلقه أسفل درك جهنم..!! لقد كتبَ أحدُ الوجهاءِ هؤلاءِ ينبّهُ إحدى الصّحف بعد أن قرأ خبراً لم يعجبه فاستهلَّ مقالته في كاتبِ الخبر بالآيةِ الكريمة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ "الحجرات/6، ولكن هذا الرّجل وقد شهدتُ العديد من مواقفه هو أكثرُ النّاس إساءةً بالظنِّ.. وكم أساء ظنّاً بالناسِ على مشهدي..





فكيفَ بناصحٍ ينصحُ هو أحرى بها !!، كقول الشاعر:
إبدأ بنفسك فانهها عن غيّها .. فإذا انتهت عنه فأنتَ حكيمُ
لا تنه عن خُلقٍ وتأتي مثلهُ .. عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ



وهو لم يتّبع حتى أمرَ ربّه القائل "قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) "الحجرات: 12"..!! وكم أساءَ من يُرى عليه أثر التّمسكِ بالدّين الظنِّ بالآخرين، فكيف به وهو المستقيمُ ـ على الأقلِّ ظاهريّاً ـ أن يدعَ شرطاً من شروط الاستقامة وهو حسنُ الظن؟ وهو أحرى قبل غيره لتطبيق الحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظنّ؛ فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا". متفقٌ عليه. وأين مسيء الظنِّ مما قاله الإمام محمد عبده" أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر". هذا القولُ الكريم هو ما يجبُ أن يسطّره الإنسانُ كقاعدةٍ من قواعدِ تعاملاتهِ مع النّاس. قلت لأحدهم بعد أن أساء الظنّ بامرأةٍ دون حجابٍ وهو يعلّق على صورتها: ماذا تعرفُ عن حقيقتها؟! هل تعلمُ ما يستقرُّ في النفوسِ من صلاحٍ أو تقى.. إنّك تسيءُ الظنَّ بها دون بيّنة..!


إن الذين يسيئون الظنَّ مرضى مرضاً نفسيِّاً معقّداً، فهم يرسفون في عُقَدِ ظنونهم، وبحثهم المريضِ عن معايبِ الآخرين، والنَّبشِ في ماضيهم، والطّعنِ في تصرّفاتهم، والشكِّ في سلوكياتهم، والتفسيرِ المشين لأقوالهم، فهم بحاجةٍ ماسّةٍ للعلاج الذي يحلّ فيهم حسنُ الظنِّ بدلاً عن سوء الظنِّ.. وذلك بعد أن يرتقوا بقاماتهم فوق التوافهِ، فلا يتحسّسوا مواطن الضعفِ في البشر، ولا يتتبعوا عثرات الناس، ولا يقتفوا آثارهم، ولا ينتهكوا حرماتهم، ولا يترصدوا طرقاتهم، ولا يفسّروا أقوالهم بحسبِ ما ترتضيهم أنفسهم المريضة..!


هؤلاءِ الذين لا يستريحون إلاّ بالحديث حول عرضِ فلانٍ، وعيبٍ علاّن، والطّعنِ في هذا، والشكِّ في ذاك.. ويمضي ليلهم ونهارهم وهم يغتابون خلقَ الله، ويدسّون السموم في شرايين حياتهم، ويلقون الشوك في طرقاتهم، ويشعلون نيران الفتنة في بيوتهم. إن سوء الظنِّ لمرض خبيث أشدّ أثراً وقساوة من أيِّ مرضٍ عضوي آخر.. يخشاه كلُّ الناس وأولهم نبيُّ هذه الأمّة حين قال لرجلين من الأنصار مرا عليه في طريقٍ مظلمٍ مع زوجته صفيّة، فسلما ثم انصرفا فناداهما وقال "إنها صفية بنت حيي" فقالا يا رسول الله ما نظن بك إلا خيراً، فقال "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من الجسد وإني خشيت أن يدخل عليكما...!! فهل بقي أحدٌ لا يخشى سوء الظنِّ وأهلهِ المرضى..؟!!



صالح الفهدي




معزتي للجميع
  مادة إعلانية
  #2  
قديم 11/03/2009, 07:29 PM
سعادة المرشح سعادة المرشح غير متصل حالياً
عضو مميز
 
تاريخ الانضمام: 27/12/2008
الإقامة: المجلس
الجنس: ذكر
المشاركات: 2,661
افتراضي

الثناء الجزيل على المقال الجميل

فعلا سوء الظن إشكالية لا بد من إيجاد وعي يخفف من تسلطها بالمجتمع
الكاتب بثقافته العالية جمع بين دور الواعظ و دور المحلل البارع للظاهرة فبحث عن أسبابها و نتائجها و وجه القاريء للمسار الصحيح في التعامل مع الأمور التي تحتمل أكثر من وجه

الفهدي كاتب و شاعر بارع و متمكن

كل الشكر يا فهوووود
__________________
أسير على نهج يرى الناس غيره *** لكل امرئ فيما يحاول مذهب
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
 


قواعد المشاركة
ليس بإمكانك إضافة مواضيع جديدة
ليس بإمكانك إضافة ردود
ليس بإمكانك رفع مرفقات
ليس بإمكانك تحرير مشاركاتك

رموز لغة HTML لا تعمل

الانتقال إلى



جميع الأوقات بتوقيت مسقط. الساعة الآن 12:33 PM.

سبلة عمان :: السنة ، اليوم
لا تمثل المواضيع المطروحة في سبلة عُمان رأيها، إنما تحمل وجهة نظر كاتبها