عرض المشاركة وحيدة
  #32  
قديم 12/08/2010, 04:19 PM
الجيل الواعد الجيل الواعد غير متصل حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 01/01/2010
الجنس: ذكر
المشاركات: 482
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
بحث في موضوع
الرفع و الضم في الصلاة

المقدمة في بيان اختلاف الأمة في الرفع والضم في الصلاة:

اشتد الخلاف بين طوائف الأمة في مشروعية الرفع والضم في الصلاة، ويكاد يستقل كل مذهب من مذاهبها بقول لا يوجد مثيله في مذهب آخر، وأحيانا نجد في المذهب الواحد أكثر من رأي في إحدى المسألتين، بل قد ينقل عن العالم الواحد أكثر من قول في المسألة بعينها، وتفصيل الأقوال في هذه القضية على النحو الآتي:

أولا مذهب أهل الحق والاستقامة (( الإباضية )):يرى الإباضية أن كلاًّ من الرفع والضم غير مشروعين في الصلاة، لأن الأول عبث، والثاني لا معنى له أثناءها.

الرفع:
يقول سلمة بن مسلم العوتبي ( ت ):
" أجمع أصحابنا على ترك رفع اليدين في الصلاة لأشياء صحت عندهم في ذلك " { الضياء 5/151)

ويقول الإمام أبو سعيد الكدمي (ت361 هـ):
" معي أنه يخرج في معاني قول أصحابنا بترك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند تكبير العيدين، وفي تكبير الصلاة كلها، ويأمرون بترك ذلك وينهون عن فعله، وأن ذلك يقع موقع العبث في الصلاة، ولا معنى له، والمأمور بغيره من السكون والخشوع في الصلاة " { بيان الشرع 11 /91، قاموس الشريعة 19 / 270 }.

1- الضم:

يقول أبو المؤثر الصلت بن خميس الخروصي (ت278 هـ):
" يقال إن الخشوع بالعينين واليدين ؛ ولا يومئ بطرفه أمامه، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا، ولا ينظر من فوق رأسه إلى السماء، ولا يغمض عينيه في الصلاة، وإنما يقلب نظره في موضع سجوده، لا إلى موضع دون موضع، والخشوع بكفيه ؛ لا يعبث بثيابه ولا بلحيته، وليرسل يديه إرسالا " { الضياء 5 / 126، قاموس الشريعة 19 / 275،276 }
ويقول الإمام أبو سعيد:
" يخرج في معاني قول أصحابنا ثبوت الإرسال في الصلاة لجميع الأعضاء...". { بيان الشرع 11/ 93 }.

ويقول العوتبي:" فإن أراد المصلي الصلاة صف قدميه وجعل بينهما مسقط نعل في عرضها، وإن كان أقل أو أكثر فلا بأس، وأرسل يديه إرسالاً في قيامه، وبهذا قال جماعة من أهل العلم، منهم الحسن وابن الزبير والنخعي، فأما وضع اليمين على الشمال في الصلاة فلا نعرفه " { الضياء 5 / 128 }

ويقول أبو إسحاق الحضرمي {ت } في بيان سنن الصلاة:
" السادس عشر: أن يرسل يديه إرسالا حال القيام " { مختصر الخصال 57 }.

إذن فقد عد الإباضية الرفع عبثا في الصلاة، وكذلك القبض لا معنى له، ولذا حكموا بكراهتهما، وأنكروا على من فعل ذلك.

حكم الإباضية في من رفع أو ضم:

يقول الإمام أبو سعيد:
" يخرج في معاني قول أصحابنا ثبوت الإرسال في الصلاة لجميع الأعضاء، وترك الحركات فيها والعمل إلا بمعاني القيام من ركوعها وسجودها ؛ وما يدخل فيها من معاني صلاحها من صلاح اللباس لها وأشباه ذلك. وسائر ذلك من الحركات والفعل خارج من معانيها وواقع بأحد معنيين: إما عملا ممنوعا، ذلك مفسد للصلاة، بذلك جاءت السنة، وإما عبثا يخرج من معاني قول أكثرهم أن تفسد الصلاة، ويأتي النهي عنه ". {بيان الشرع 11 /93 }

ويقول أبو الحسن البسيوي ( توفي أواخر القرن الرابع الهجري ):
" ولم نر أسلافنا يعملون ذلك، ولم نرهم يفسدون صلاة من فعله، ومن فعله لم نره يفسد صلاة من لم يفعله، إلا ما رأينا من إنكار بعضهم على بعض ".
قال:
" عندي أن العمل في الصلاة بغير معنى الصلاة لا يجوز، ورأيت رفع اليدين في الصلاة عملاً ليس هو من الصلاة، وقد جاء النهي عنه " { الضياء 5 /153 }

وبوب أبو إسحاق الحضرمي في { مختصر الخصال } ص58 بقوله:
" باب ذكر بيان ما يكره في الصلاة مما جعله قومنا سنة "
ثم قال: " الثاني: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، الثالث: وضع اليدين على السرة "

وقال الإمام السالمي ( ت1332 هـ ) في { المدارج }:وبعد أن تحرم فالتوجيه ****** مكره وذا هو الوجيه
وهكذا رفع اليدين عندها ****** للأذنين النقض أولى ما بها
وهكذا وضعهما بالسرة ****** أو أن يشير قاصدا لنكتة

وقال في { المعارج 8/277 }:" رفع اليدين عند الإحرام مكروه ناقض للصلاة عندنا، لأنه عمل في الصلاة، وهو ينافي الخشوع المأمور به أو ينقضه ".

ويقول أبو مسلم البهلاني ( ت1339 هـ ):
" وقد وافقنا بعض المالكية كما حكاه اللخمي عنهم، على أن رفع اليدين حرام مع التكبير وأولى بعده، وقلنا بنقض الصلاة به مع الإحرام أو بعده، أو ما قبله فبدعة غير ناقضة " { نثار الجوهر 2 / 205 }.
نخلص مما سبق إلى أن مذهب الإباضية عدم مشروعية الرفع مطلقا في الصلاة، لا مع تكبيرة الإحرام، ولا قبلها ولا بعدها، ولا مع الركوع، ولا عند الرفع منه، ولا في أي موضع منه، وهو عبث، وحركة منافية للأمر بالسكون والخشوع في الصلاة، وفعله بدعة مكروهة ناقضة للصلاة.
وكذلك ضم اليدين غير مشروع عندهم وفعل مكروه لا معنى له.

حكم الإباضية فيمن صلى وراء من يرفع أو يضم:

وأما الاقتداء بمن يفعل ذلك من المذاهب الأخرى فقد حكى أبو سعيد الخلاف فقال:
" وقيل: تجوز خلف أهل الدعوة ما لم يتهموا في الصلاة، ولا تجوز خلف أهل الخلاف، وقيل تجوز خلف أهل القبلة ما لم يزيدوا أو ينقصوا " { المصنف: 5/ 263 }.

وفي بعض الأقوال:
" وقيل: صلاة الجماعة خلف أهل القبلة لإحياء سنة الجماعة أفضل من صلاة الفرادى... " { المصنف: 5 / 264 }
وأيضا:
" وقد قيل إن الصلاة خلف قومنا أفضل لإحياء الجماعة، ما لم يزيدوا في الصلاة أو ينقصوا منها " { المصنف 5 / 267 }.

وأورد الشيخ أحمد بن عبد الله بن موسى الكندي صاحب المصنف ( ت557 هـ ) ما يدل على الاتفاق على صحة صلاة من صلى وراء من يرفع يديه في الصلاة، مما يفيد أن القول بنقضها غير مشهور ولا معمول به، فقد قال:

" مسألة: أجاز المسلمون الصلاة خلف من يفرد الإقامة، ومن يسر بسم الله الرحمن الرحيم، وخلف من يرفع يديه في الصلاة للتكبير، وخلف من يسلم مرتين، ولم يروا ذلك زيادة في الصلاة ولا نقصان؟؟؟ فيها، وليس ذلك من أفعال المسلمين الذين هم يفعلونه، وقد جامعوا على ذلك في الفعل بالصلاة خلف من يفعله، وهذه الأربع لا نعلم أن أحدا من المسلمين قال فيهن على من صلى خلفه )) { المصنف 5 /265}.

الباب الثاني: أدلة الرفع والضم ومناقشتها:

الفصل الأول: قضية الرفع ومناقشتها

تمهيد:
... المتصفح لكتب الحديث يجد كماً هائلاً من الروايات التي تحاول إثبات الرفع بشكل يثير الدهشة والاستغراب. وقد أفرد بعض المصنفين في ذلك أجزاء مستقلة، كالإمام البخاري الذي ألف جزء (رفع اليدين في الصلاة) المعروف بـ ( قرة العينين )، ومحمد بن نصر المروزي الذي ذُكر أن له مؤلفاً في روايات الرفع (1) .
وقد أثرت تلك الروايات في عدد من العلماء فضلا عن العامة، فلا غرو أن نجد من يحكي الإجماع، ومن يثبت التواتر، ومن رفع بعد أن لم يكن، كالشوكاني الذي نشأ زيديّاً (يتأكد منه؟؟؟) ثم لما اشتغل بعلم الحديث تبنى عدداً من أفكار المحدثين وآرائهم، ومنها الرفع الذي حَكَم على الروايات فيه بالتواتر كما سيأتي بعون الله تعالى، كما نجد من رفع في مواضع من الصلاة بعدما كان يقتصر على الرفع عند تكبيرة الإحرام، كبعض علماء الأحناف المتأخرين الذين اشتغلوا بعلم المصطلح، ونهجوا نهج الشوكاني.
__________
(1) انظر ( كتاب رفع اليدين) ص 10 هامش (1)