عرض المشاركة وحيدة
  #10  
قديم 28/02/2010, 05:17 AM
صورة عضوية قناص عمان
قناص عمان قناص عمان غير متصل حالياً
عضو مميز
 
تاريخ الانضمام: 11/12/2006
المشاركات: 2,002
افتراضي

موقف المعتزلة من الجن
وكما تفضلتم المعتزلة يقولون بعدم دخول الجن في جسم الإنس، ويقولون أيضاً بأن الجن عالم كتب الله تعالى عليه أن لا يُرى، فلذلك لا يُرون، فلأجل ذلك ينشأ أطفالهم بعيدين عن هذه الأوهام، بعيدين عن هذه التصورات، وهذا ما ذكره الكاتبون عنهم بأن المعتزلة من طبعهم أنهم لا يُرَوَعون بمثل هذه الأشياء لأنهم لا يصدقونها، فأطفالهم لا يُرَوَعون بأشباح من الجن تتراءى للناس، ولا يُرَوَعون أيضاً بأن الجن يضرونهم أو إن مروا في طريق تعرضوا للضرر إلى غير ذلك من هذه الأمور، ليس هنالك ترويع.
ومما يذكر أن رجلاً من المعتزلة دخل بيته لص ليسرق فشعر به صاحب البيت، ولما شعر به حاول هذا اللص أن يوهم صاحب البيت بأنه جني، فجاء إلى بئر ونزل فيها فتبعه صاحب البيت، فناداه : لكم النهار ولنا الليل. فأخذ صخرة ورماه بها في البئر. فهذا مما يدل على أن هذه الأوهام لا تدخل في ذهن المعتزلة، لا تتقبلها عقولهم، فلذلك عاشوا بعيدين عن هذه التصورات، وبعيدين عن هذه الأوهام. بينما المجتمعات التي تعشش فيها هذه الأوهام تلد هذه الأوهام بنفسها أمراضاً، هذه الأمراض تتصور أنها من الجن. الآن نحن نرى في مجتمعاتنا هذه كل شيء يُرد إلى الجن، لو أصابت الإنسان حشرجة في حلقه فإنه يقول بأن به مساً من الجن، ولو أصابته حمى يقول بأن به مساًَ من الجن، إن وجعته ركبتاه وقد يكون شيخاً كبيراً بلغ من الكبر عتيا يقول بأن به مساً من الجن، وجع بطن يصيبه يقول بأن سببه مس من الجن، زكام يصيبه يقول بأنه بسبب مس من الجن، وجع صدر يقول بأنه بسبب مس من الجن، كل شيء يُعاد إلى الجن كأنما الإنسان خُلِق بريئاً لا يمرض ولا يصاب بعلة من العلل، مع أن طبيعة الحياة أن فيها الصحة والسقم وفيها القوة والضعف وفيها الراحة والنكد، هذه طبيعة الحياة
جُبِلَت على كدرٍ وأن تُريدُها
لا صَفوا ًمن الأقذارِ والأكدارِ
على أن الإنسان لا يمكن أن يعيش شيخوخته كما عاش شبابه، فهنالك فارق ما بين مرحلة الشيخوخة ومرحلة الشباب لذلك يتباكى الناس على شبابهم عندما يجاوزون هذه المرحلة لما يتمتع به الشاب من الفتوة، فقد يصاب الإنسان بأمراض الشيخوخة فإذا به يَرُدُ كل شيء إلى الجن. الأطفال عندما يصابون بالأمراض يُرَدُ ذلك إلى الجن، هذا بسبب أن هذه الأوهام أصبحت تعشش في أدمغة الناس لتَقَبُلِ الناس لها. ومما يؤسف له أن كثيراً ممن يعالجون الناس يوسعون دائرة هذه الأوهام، فكثير منهم يحاولون أن يغرسوا في النفس المزيد من الأوهام، قد يذهب أحد إلى أحد من هؤلاء وسرعان ما يقول له هذا المرض ما أُصِبتَ إلا بسبب مس من الجن، وقد يتجاوز بعضهم ذلك إلى ادعاءات عجيبة بحيث يقول بأن جنياً مررت به في المكان الفلاني أو عثرت به أو أصبته في كذا وهذا بسبب هذا المس من الجن. وهذه الأوهام تخلق في النفس أوهاماً أخرى، تتوالد الأوهام، فإذا بهذا الإنسان يتصور أنه في وقت من الأوقات مر بمكان ما وأحس بجسم غريب يلامس جسمه إلى آخر ما يحدث، وبسبب هذا انتشرت هذه العلل والعياذ بالله وكثرت هذه الأدواء، منشأ ذلك كله إنما هو من الوهم، ومن عدم التعلق بالله سبحانه وتعالى. على أن الإنسان مأمور أن يعوذ بالله سبحانه وتعالى وحده.
ثم بجانب هذا أيضاً مع كثرة هذه الأوهام الشيطان، وما أدراك ما الشيطان، فإنه يتربص بالإنسان الدوائر، ويحاول أن يستغل كل لحظة من لحظات الإنسان التي يمر فيها بمثل هذه التصورات الخاطئة وبمثل هذه الأوهام ليغرس في نفسه مفاهيم تُبَعّدَه من الله سبحانه وتعالى، وتجعله يُصدّق هذه الأوهام، بسبب ذلك يحصل ما يحصل. وأنا لا أستبعد أن يكون الناس هيأوا أنفسهم للشياطين، وبسبب هذه التهيئة للشياطين الشيطان يضحك عليهم، ونعلم أن للشيطان قوة شريرة وطاقة نارية والعياذ بالله، بعكس طاقة المَلَكْ، طاقة المَلَكْ طاقة نورانية، والمَلَكْ قوة خَيِّرَة، وليس بقوة شريرة، هذه القوة الشريرة التي في الشيطان تتلبس بالإنسان، وهي قوى روحانية، ليست هي قوة جسدية، ليس هنالك دخول جني في الإنسي، وإنما إيحاء من الشيطان إلى الإنسان فيتحدث بحسب ما يُملي عليه الشيطان، قد يتحدث الإنسان باسم شيخ من الجن، أو يتحدث باسم أحد يقلد تقليداً بحسب الإيحاءات التي يوحيها الشيطان من خلال هذه الطاقة النارية، هذه الطاقة التي تتلبس بنفس الإنسان. فالقضية قضية نفسية.
والشيطان يستغل هذا الضعف الذي في الإنسان، ويستغل هذا الانحراف الفكري الذي في الإنسان ليُردِيَه في هذه المتاهات، وليجعله بعيداً عن التصور الحق. فالقضية ليست دخول جسم في جسم. أنا أستبعد أن يدخل الجسم في الجسم. وإنما القضية هي قضية تلبس روحاني بسبب هذه النفس الضعيفة التي أثّرت عليها الأوهام تكون هنالك إيحاءات شيطانية لهذه النفس فيتحدث الإنسان كما يملي عليه الشيطان.

إيحاءات
* إذن لا تجدون شيئاً في النصوص يدل على أن الجن يتحدث على لسان الإنسي؟
- نعم، ليس هنالك نص يدل على ذلك، أما قول الله تبارك وتعالى (كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) (البقرة: من الآية275)، فليس هو نصاً في الموضوع، وإنما كل ما يمكن أن يُفَسَر به ما يتفق مع قول الله تبارك وتعالى ( وَإما يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف:200-201).

* وما تصدر من أصوات على لسان المريض؟
- هذه إيحاءات لا أكثر.

* معنى ذلك أن الإنسان الصحيح يمرض بمثل تلك الأفكار من قِبَلِ بعض المعالجين؟
- نعم.

* ما هو الوزر الذي يتحمله المعالجون في هذه الحالة؟
- أما إذا كان المعالج يغرس في الإنسان هذه الأفكار لا ريب أنه يبوء بالأوزار، وأكثر من ذلك أن يكون مُفَرِّقاً بين الأقربين وغارساً للعداوة بين الناس، بحيث يقول له أنت أصبت بجني بسبب سحر ساحر، وقد يوهمه أن هذا الساحر قريب له، قد يتحدث بأوصاف معينة كما يُملي عليه الشيطان، والشيطان له دور في هذا الإملاء لأجل أن يغرس العداوة بين الناس، فيتصور ذلك المريض بأن ذلك الموصوف إنما هو قريب له. وحسب ما سمعت منذ سنين كثيرة أن أحداً من الناس ذهب به بابنه إلى أحد العرافين والعياذ بالله - وإتيان العرافين من أكبر المخاطر فإن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أتى عرافاً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد. لأن تصديق ذلك ينافي النص الصريح وهو قول الله تبارك وتعالى ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (النمل:65)، فالعرافون لا يبالون أن يزعموا أنهم يعلمون الغيب، يقولون على الله ما لا يعلمون، يَدّعون ما يَدّعون، ويغرسون العداوات بين الناس، فذلك الرجل أتى بابنه الطفل إلى عراف، وذكر له بأن امرأة عجوز سحرته وصِفَتُها كذا وكذا، فتصور الرجل أن أمه هي الساحرة، ولما عاد إلى بيته بالطفل استقبلته أمه بحنانها وتريد أن تحتضن حفيدها، وإذا بأبي الطفل - ولدها -يَدُعُّها دعّا ويدفعها برجله ويرميها في حفرة، هكذا بسبب هذه الإيهامات التي تحصل من خلال مطالعة هؤلاء العرافين وتصديقهم. فنحن ندعو من كان حقاً يعالج باسم الله وبكتاب الله وبآيات الله سبحانه وتعالى ندعو هؤلاء أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يقولوا قولاً سديداً، وأن لا يحاولوا غرس العداوة بين الناس.

ليس كل ما يعلم يقال
* كما ذكرتم الآن أن مفاسد كثيرة تترتب على القول القائل بدخول الجني في جسم الإنسان، وأن الناس سيوسعون دائرتها وسيستغلون وسيبتزون أموالهم.
العلماء درجوا فيما بينهم على مجموعة قواعد منها (ليس كل ما يعلم يقال)، ودرء المفاسد كذلك أصل من الأصول الفقهية. ما دامت الأدلة لا تشهد بقطعية هذا الموضوع وهي أدلة محتملة، ولا تشهد، ألا يُستحب لعدد من الذين يقولون بدخول الجني في جسم الإنسان أن يسكتوا عن هذا الموضوع أو يمحوه على اعتبار المفاسد الكثيرة التي تترتب عليه؟
- لا ريب أن مفاسد كثيرة تترتب على هذا، فعدم تشجيعهم الناس على سلوك هذا السبيل وعلى اتباع هذا النهج أمر لا بد منه.

* هل يمكن أن يسمع الإنسان صوتاً من قبر على اعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلّم مر بقبرين فقال إنهما يعذبان؟.
- أولاً علينا أن نعرف أن حال النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يختلف عن حالنا نحن كلنا، لأنه يوحى إليه، إذ لم يقل عليه أفضل الصلاة والسلام بأنه عرف التعذيب من خلال سماع صوت المعذبين. ونحن نطمئن ونثق أن ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلّم - مع ثبوت ذلك عنه - هو حق، لا يمكن أن يُخبر بخلاف الواقع، النبي صلى الله عليه وسلّم مُبرأ من الوهم ومبرأ من كل ما يطرق البشر من الأمور التي تجعل تصديق خبره أمراً مشكوكاً فيه.
ومع كون الحديث أحادياً، والقضايا العقدية تحتاج إلى يقين لكن مهما كان نقول بأن هذا محتمل ولو كان خبره أحادياً، محتمل أن يكون ذلك واقعاً من خلال الإيحاء إلى النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام.
الحديث فيه جانبان:
جانب عملي وهو وضع الجريدة على القرب هذا عملي، والجانب العملي مقبول يؤخذ فيه بالحديث الأحادي ما لم يعارض ما هو أقوى منه. وجانب عقدي وهو القطع بأنهما كانا يعذبان وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلغة التعذيب، القطع نسكت عنه، أي اعتقاد ذلك، لا نقطع بهذا الأمر نقول بأنه من المحتمل، لأن العالم الأخروي أو عالم الغيب نحن نؤمن بما ثبت من أخباره مع كوننا لا نستطيع أن نَتَكَيَّفَه، لا نستطيع أن نتصوره تمام التصور، وإنما نَكِلُ ذلك إلى الله سبحانه وتعالى وإلى النبي صلى الله عليه وسلم عندما يخبرنا بخبر نصدقه، لا ريب أننا نصدقه عندما بخبرنا بخبر لا سيما إن كان الخبر عنه صلى الله عليه وسلّم بلغ مبلغ اليقين.

* الدليل الظني يُرَدّ إذا خالف القطعي من الكتاب والسنة والحقائق العلمية التي تثبت يقينا. هناك أمور جاءت في النصوص الشرعية لم يستطع العقل إلى الآن أن يجد لها تفسيراً مقبولاً كالعين أو الحسد وتأثير الرقية الشرعية في العلاج.
كيف يمكننا أن نفهم هذه الظواهر التي أثبتتها الشريعة بدليل ظني مع مخالفتها للسنن الكونية؟
- على أي حال الأحاديث هي كما قلنا أحاديث ظنية، ولكن أيضاً لا نتسرع في ردها، التسرع في رد الأحاديث مع وجود احتمال الصحة أرى فيه خطورة.
نحن نوقن أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، ونوقن بأن الله يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد. لو جئنا إلى الأشياء المادية، والأشياء المادية على كل حال جربناها وعرفناها وأصبحنا نصدق بها لا نشك فيها ولا نتردد فيها مع أننا لا نستطيع أن نتصورها، على سبيل المثال هذا الجهاز الذي أمامك الآن قد ترى فيه رسالة تأتيك من أقصى الشرق أو من أقصى الغرب وإذا بك تراها رأي العين، هل يمكنك أن تتصور كيف انتقلت هذه الرسالة من الولايات المتحدة الأميركية أو بريطانيا أو من اليابان أو من فرنسا أو من المملكة المغربية أو من الجزائر أو من الصين أو من أي بقعة من هذا العالم ؟ ذلك أمر لا نقدر أن نتكيفه، فإذا كان هذا الجهاز صنعه مخلوق وهو بنفسه لا يستطيع أن يتصور كيف هذه الطاقة التي أمكن من خلالها أن يرى الإنسان رسالة تأتيه من بعد عبر هذا الجهاز، وفي نفسي بأن هؤلاء الذين استخدموا هذه الطاقة من غير أن يعرفوا كيفية تأثيرها، ولربما استخدموا أشياء لا يعرفون كيفية التأثير، استطاعوا أن يستغلوها من غير أن يعرفوا مدى تأثيرها، الكهرباء لا يعرفونها ولكنهم استغلوا الطاقة الكهربائية، كذلك بالنسبة إلى كل الأشياء التي في هذا الكون الخفية، فالذرة هم لم يروها ولكن مع ذلك استخدموا الطاقة الذرية، فإذن مع هذا كله لا نستغرب أن تكون هناك طاقات روحانية، هذه الطاقات الروحانية تخرج عن تصور الإنسان حتى لا يتسرع الإنسان إلى رد رواية جاءت من حيث إنه عجز فهمه عن تصورها.
فإذا كانت هذه الأشياء التي وضعها البشر وتوصل إلى وضعها البشر لا نستطيع الآن أن نتصورها تمام التصور كما هي، فكيف بأمر خلقه الله سبحانه وتعالى، على ما وضعه البشر إنما هو استغلال لسر من أسرار الكون الذي خلقه الله سبحانه وتعالى وأوجد فيه ما أوجد من هذه الطاقات وهذه العجائب وهذه الأسرار. فالتسرع إلى رد هذه الروايات بسبب أن تأثير العين مثلاً أمر لم يتوصل إليه العلم، وكثير من الأمور مثلها، الله تعالى ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً )(الإسراء: من الآية85).
وكذلك تأثير الحسد، وكذلك بالنسبة إلى الرقية القرآنية، إن الله على كل شيء قدير، ناط المُسَبَبَات بالأسباب، هذه المُسَبَبَات جعلها لها أسبابا، من الأسباب ما هو غامض لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ونحن نؤمن بأن في كلام الله سبحانه وتعالى بركة، وفي كلام الله سبحانه وتعالى رحمة، فما الذي يدفعنا إلى أن ننكر ذلك ونقول بأن هذا غير مقبول أو هذا مرفوض، هذا التسرع هو تهور في الحقيقة.

يتبع
__________________
منتديات الاباضية

تكب على دنياك وهي تبيد ـــ وتفتقد النائي وأنت فقيد
حريصا عليها جامعا لحطامها ـــ وغاية ما نافست فيه نفود
تساور ملحاحا على نيل فائت ـــ نعم كل ما يرجو الحصاد حصيد
تكالب فيها أهلها وتذودهم ـــ وعمرك لو كنت اعتبرت تذود
ولو أملا أدركته لم تجد له ـــ بقاء ولم تصحبك منه عهود
ولو وافقت أمنية في حصولها ـــ اتتك وفيها للزوال قيود