عرض المشاركة وحيدة
  #28  
قديم 26/06/2008, 11:29 AM
سعد الطالع سعد الطالع غير متصل حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 10/05/2007
الإقامة: عمان
الجنس: ذكر
المشاركات: 425
افتراضي

تابع

1- أن معظم حملة العلم كانوا ينتمون إلى قبيلة الأزد وبطونها المختلفة, وكانت هذه القبيلة أكبر قبائل عمان عددا وأهمها من الناحيتين الفكرية والسياسية, وكان زعماء عمان منذ فترة ما قبل الإسلام ينتمون إلى هذه القبيلة ولذا فان تأثيرها في ذلك القطر يفوق ما عداها من القبائل الأخرى, وكانت هذه القبيلة متعاطفة مع المباديء والأفكار الإباضية منذ وقت مبكر, ولا عجب أن يلقى حملة العلم تأييدا وانتصارا لدعوتهم من أفراد هذه القبيلة. ([6])


2- رغبة العمانيين المستمرة في الاستقلال عن السلطة المركزية المتمثلة بالخلافة الأموية ثم العباسية فيما بعد, ولذا فانهم تبنوا العقيدة الإباضية واخذوا منها ذريعة ووسلية لمقاومتهم للخلفاء الأمويين ثم العباسيين الذين اعتبرهم الإباضيون ظالمين غاصبين للحكم, وبالتالي فان سلطتهم غير شرعية.


3- لقد ساعدت الأحوال السياسية السائدة عي عمان على نشر الإبكار الإباضية بدون مشقة, إذ توالى على حكم ذلك القطر منذ بداية القرن الثاني الهجري ولاه ينتمون إلى قبيلة الأزد, كبرى قبائل عمان, ولم يكن من السهل على هؤلاء الأزديين ونقمتهم, ولذلك فانهم تركوا حملة العلم ينشرون مذهبهم بحرية ويسر, بل انهم قدموا لهم التسهيلات لهذا الغرض, ولعل هؤلاء الولاة كانوا إباضية ولكنهم أخفوا معتقدهم على سبيل التقية الدينية التي جوزها الإباضية في مرحلة الكتمان, ومن هؤلاء الولاة الذين تعاقبوا على حكم عمان زياد بن المهلب الذي بقي واليا منذ بداية القرن الثاني الهجري وحتى سقوط الدولة الأموية, ثم جناح بن قيس الهنائي وابنه محمد, وتشير المؤلفات الإباضية بصراحة إلى أن هؤلاء الولاة قد أعانوا الإباضية ولانوا لهم حتى صارت ولاية عمان لهم فعقدوا الإمامة للجلندى بن مسعود([7]), بالإضافة إلى هذه الأحوال الداخلية التي كانت مواتية لنشر المذهب الإباضي فقد ساعدن الأحوال السائدة في الثلث الأول من القرن الثاني الهجري في الولايات المركزية والصراع القائم على السلطة في إتاحة الفرصة للإباضية لنشر معتقدهم بحرية في الجزء الجنوبي الشرقي من الجزيرة العربية.


4- أضف إلى ذلك أن طبيعة عمان الجغرافية وموقعها الاستراتيجي على الخليج والبحر العربي قد ساعداها على تنمية مواردها الاقتصادية عن طريق التجارة, واستطاع العمانيون بالتالي الوقوف في وجه أي خطر دون خوف من حصار اقتصادي محتمل كما يحدث في الحجاز مثلا بالإضافة إلى ذلك فان الجبال الوعرة التي تميزت بها عما قد ساعد الدعاة, ومن ثم الثوار, على الوقوف في وجه الخطر والالتجاء إلى هذه الجبال في أوقات الضرورة, ومن هنا فان سلطة الخلاقة كانت تنحصر في معظم الأحيان في المنطقة الساحلية.


نتيجة لهذه العوامل فقد أثمرت جهود حملة العلم بسرعة في نشر المذهب الإباضي في عمان وأصبح معظم أفراد قبيلة الأزد هناك ينتمون إلى هذه الفرقة كما أن أفرادا كثيرين من قبائل أخرى قد انضموا إليها, وقد أشار مشايخ الإباضية في البصرة على اباضية عمان بوجوب التعاون مع اباضية حضرموت وتشير الروايات إلى أن بعض قادة الإباضية في عما حضروا بيعة الإمام طالب الحق وعلى رأسهم الجلندى بن مسعود الذي اختير فيما بعد ليكون أول إمام ظهر في عمان كما سنرى, وبإيعاز من أبي عبيدة, إمام الإباضية في البصرة فقد اشترك عمانيون آخرون في الثورة مع طالب الحق ولاقى بعضهم حتفه وهو يحارب أعداءها, ومن أبرزهم المختار بن عوف الأزدي العماني المعروف بأبي حمزة الشاري وكذلك بلج بن عقبة الأزدي وآخرون([8]).


أثر الفشل الذي انتهت أليه الحركة الإباضية في حضرموت واليمن بعد إخماد ثورة طالب الحق فقد توجهت أنظار الإباضية في البصرة والجزيرة العربية إلى عمان لتكون المركز الذي ينطلق منه صوتت الدعوة العلني, وذلك لأن عمان كانت مؤهلة لقيام بهذه المهمة بحكم ظروفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية التي تكلمنا عنا آنفا, وكذلك بحكم ولاءات أهلها المذهبية والتي تدين في معظمها للمذهب الإباضي, وذلك أوعز مشايخ الإباضية في البصرة إلى اتباعهم في عمان للقيام بأعلام الإمامة, مستغلين الظروف العامة التي سادت في بلاد الخلافة الإسلامية اثر سقوط الدولة الآوية وقيام الخلاقة العباسية عام 132ه, وفي العام نفسه أعلن الإباضية في عمان مبايعتهم للجلندى بن مسعود أول إمام ظهور إباضي في تلك المنطقة, معتبرين هذا العمل الخطوة الشرعية الإسلامية الصحيحة للخروج من متاهات الصراعات القبلية والأسرية على الحكم, ووجهوا النداء لبقية المسلمين لمبايعة الإمام الجلندى كخليفة للمسلمين([9]).

وطبيعي أن لا يغفل العباسيون عما يجري في ذلك القطر وخاصة أن أية قوة معادية تسيطر عليه سوف تهدد طرق تجارتهم البحرية إلى الشرف الأقصى بالانهيار التام نظرا لموقع عمان الاستراتيجي على مدخل الخليج, وتبعا لذلك فان العباسيين لم يسكتوا طويلا على هذا الوضع, وفي عام 134ه, أي بعد عامين فقط من مجيئهم إلى الحكم ومن تنصيب الجلندى إماماً, وجه العباسيون حملة عسكرية إلى عمان وزودوا قائدهما خازم بن خزيمة التميمي بتعليمات واضحة للقضاء على الخوارج الصفرية الذين تجمعوا في جزيرة ابن كاوان بقيادة شيبان بن عبد العزيز اليشكري الذي لجأ إلى الجزيرة بعد هزيمته على أيدي الأمويين عام 129ه, ثم يسير إلى عمان لمعالجة أمر الإباضية هناك.


استطاع خازم أن يهزم الصفرية في جزيرة ابن كاوان واضطر من نجا منهم إلى هجر الجزيرة والهرب إلى منطقة جلفار في الشمال الشرقي من عمان([10])، ولكن الجلندى بن مسعود كره حضورهم إلى بلاده، فأرسل إليهم قوة عسكرية لطردهم من البلاد، إلا إذا قبلوا اعتناق المذهب الإباضي ولما رفض الصفرية هذا الشرط قاتلهم الإباضية وقضوا عليهم وقتلوا قائدهم شيبان([11])، وبذلك خدم الجلندى وأصحابه الإباضية القائد العباسي خازم، دون أن يخططوا لذلك.

أثناء ذلك كان خازم يراقب سواحل عمان منتظراً النتيجة التي سيسفر عنها القتال بين الصفرية والإباضية في جلفار، ولما علم بالنتيجة سار نحو جلفار قبل عودة الجند الإباضية منها حيث التقى بهم هناك، وعرض عليهم قبول الطاعة للخليفة العباسي وأرسل إلى الجلندى يطلب منه ذلك ويسأله أن يسلمه خاتم شيبان وسيفه ليكونا لـه حجة عند الخليفة العباسي، ولكن الإباضية رفضوا هذا العرض، وجرت بين الفريقين معركة قاسية في جلفار رجحت فيها كفة العمانيين في البداية، ولكن خازماً اتبع تكتيكاً جديداً فأحرق بيوت الإباضية وأشغل أذهانهم بأولادهم وأهلهم وممتلكاتهم، مما ساعد في إرباكهم واضطراب صفوفهم، وتمكن بالتالي من إحراز النصر عليهم بعد سبعة أيام من القتال العنيف، ونتيجة لهذه المعركة استطاع خازم إعادة ضم عمان إلى جسم الدولة الإسلامية التي تربع على عرشها العباسيون([12]).


على الرغم من هذه الهزيمة فإن العمانيين لم يذلوا أو يستكينوا بل أخذوا يتلمسون الفرص المناسبة لإعادة الكرة، كما أن الإباضية لم تمت في ذلك القطر بل اتخذ أتباعها من معركة جلفار ومما جرى لإخوانهم فيها من قتل وتدمير ذكرى تحفزهم للتجمع من جديد، وتكثيف نشاطهم لنشر دعوتهم وخاصة في المناطق الجبلية والداخلية التي يصعب على العباسيين اجتيازها والسيطرة عليها، واستطاع الإباضية أن يعلنوا الثورة من جديد، ويعيدوا تأسيس الإمامة نحو عام 177ه/793م، ومنذ ذلك التاريخ استمرت الإمامة في عمان (أو بعض مناطقها) بدون انقطاع لعدة قرون، وأصبح المذهب الإباضي هو المذهب السائد في عمان واعتنقه معظم سكان ذلك القطر ولا تزال أغلبية سكانه تعتنق هذا المذهب حتى يومنا الحاضر.

--------------------------------------------------------------------------------
([1]) بلاذري، أنساب، ج1، ص134-135، ابن الأثير، ج4، ص167،

Miles, Some new light on the history of Kirman” W. O.I (1959). P. 90.

([2]) الدرجيني، ورقة 97-98.

([3]) أنظر الباب الخامس.

([4]) الدرجيني، ورقة 99، 105-106، 109-115، 117.

([5]) العوتبي، ورقة 107، 193، الرقيشي، مصباح الظلام، ورقة 30-31، أطفيش، الإمكان، ص108-109

([6]) أطفيش، الإمكان، ص8-11.

([7]) الأزكوي، ورقة 327-328، العوتبي، ورقة 167-168، السالمي، تحفة، ج1، ص88.

([8]) السالمي، تحفة، ج1، ص88، (عن أبي الحسن البسياني)، الحارثي، ص253.

([9]) السالمي، تحفة، ج1 ص88-92، الحارثي، 253.

([10]) الطبري، ج7، ص462-463.

([11]) الأزكوي، ورقة 328، الرقيشي، مصباح الظلام، ورقة 24-25، السالمي، ج1، ص98.

([12]) الأزكوي، ورقة 229، الرقيشي، مصباح الظلام، ورقة 30-31، الطبري، ج7، ص463، السالمي، تحفة، ج1،ص98-99.
__________________
" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " (آل عمران، 110)