عرض المشاركة وحيدة
  #5  
قديم 16/09/2010, 05:42 PM
صورة عضوية alsubhi SN
alsubhi SN alsubhi SN غير متصل حالياً
خاطر
 
تاريخ الانضمام: 08/08/2010
الإقامة: سلطنة عمان
الجنس: ذكر
المشاركات: 40
افتراضي مساء الخير

اقتباس:
أرسل أصلا بواسطة ابو نور خالد مشاهدة المشاركات
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أنا أصلي وأصوم وأعبد ربي، وأجتهد أن أكون على أحسن الطريق، إلا أنه كثيرا ما أشعر بحسد أقراني، شعور أحاول جاهدا التخلص منه وأدعو الآخرين للتخلص منه، إلا أنني أشعر في أعماق قلبي بشيء من الحسد حالما أسمع أو ألاحظ أن أحدهم له ما ليس لدي، أرجو المساعدة على التخلص من ذلك الإحساس الذي أرقني كثيرا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز/ أبو نور خالد


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فلابد في بداية الكلام أن تحدد معنى الحسد الذي أشرت في كلامك أنك تجده في نفسك، وأنك تجاهد للتخلص منه، فإن الحسد منه هو ما محرم ومذموم، ومنه ما هو جائز بل ربما كان ممدوحاً في بعض الأوقات، ومعنى هذا الكلام أن الحسد على نوعين: النوع الأول هو النوع المحرم المذموم الذي جاءت الشريعة بتحريمه، وهذا النوع صورته أن يكون للمسلم نعمة من النعم سواء كانت دينية أو دنيوية فيتمنى الحاسد زوالها عنه، بحيث إنه لو ذهبت هذه النعمة عنه فرح الحاسد بذلك وحصل له السرور بذلك، ومثل هذا النوع من الحسد حرام باتفاق الأمة الإسلامية، حتى ثبت في سنن أبي داوود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب )، وهذا النوع هو الذي أمر الله تعالى أن نستعيذ منه كما قال تعالى قل أعوذ برب الفلق إلى قوله ومن شر حاسد إذا حسد، وثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً).

والمقصود أن هذا النوع مذموم للغاية وهو من الذنوب القبيحة السيئة، ولذلك قال العلماء أول ذنب عصي الله به هو الحسد، حيث حسد إبليس آدم عليه الصلاة والسلام، وأما النوع الثاني وهو النوع الجائز الذي ليس بمذموم فهو أن يكون للمسلم نعمة من النعم، فيتمنى الإنسان أن تحصل له هذه النعمة، وأن يكون له مثل الذي لهذا الرجل، ولكن مع هذا فإنه لا يتمنى أن تزول هذه النعمة عن أخيه المسلم، بل كل ما في الأمر أنه يتمنى أن ينعم الله عليه بما أنعم على فلان من الناس، وهذا كمن وجد رجلا له ـ مثلا ـ زوجة وذرية صالحة فيتمنى أن ينعم الله عليه بمثل ما أنعم على هذا الرجل، من غير أن يتمنى زوال هذه النعمة عنه، فهذا النوع جائز لا إثم فيها ولا يذم فاعله، بل ربما صار هذا النوع من المستحبات، كمن تمنى أن يحفظ القرآن كما يحفظه فلان أو تمنى أن يكون له مال يتصدق به كما يتصدق به فلان، فهذا النوع ممدوح وحسن كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) والحديث متفق على صحته، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من الحسد الممدوح أن يتمنى الرجل الخير الذي يرضي الله ولكن مع عدم تمني زوال هذا الخير عن صاحبه، وسماه صلوات الله وسلامه حسداً، فحصل بذلك تقسيم الحسد إلى الحسد الجائز المشروع والحسد المحرم الممنوع.

والمقصود أنه لابد أن تعرف نوع الحسد الذي يقع منك، فإن كان النوع الجائز فهو لا إثم فيه ولا حرج، بل هو طبيعة في بني الإنسان، فإن الناس يحبون أن تنالهم النعم كما تنال غيرهم، بل إنهم يحبون أن يكونوا من أحسن الناس حالاً، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (( اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وأرضنا وأرض عنا ))، وأما إن كان نوع الحسد الذي تجده في نفسك هو من النوع المحرم فلا ريب أنه يجب عليك محاولة دفع هذا الحسد وبذل الوسع في التخلص منه، فإن الحسد من الذنوب القبيحة التي تضر الإنسان في دينه ودنياه، بل إن الحاسد يعيش حياته تعيساً ضيق النفس، خبيث النية لأنه يتألم لما يحصل للناس من خير ونعمة، ومن المعلوم أنه لا يستطيع دفع هذه النعم عن أصحابها، فيزداد ألمه وحسرته، ولذلك قال العلماء أول من يشقى بالحسد هو الحاسد نفسه، هذا مع كون الحاسد يؤذي غيره من عباد الله المؤمنين بعينه وسوء وخبث نفسه نعوذ بالله من ذلك.

وأما عن الأسباب التي تعين على التخلص من هذه الصفة المذمومة فهي مجموعة أسباب:-

1- الاستعانة بالله، والتوكل عليه في التخلص من هذا الخلق المذموم فإن الحسد مرض في النفس، وداء في القلب، ولا يشفي المريض إلا الله كما قال إبراهيم الخليل عليه السلام ( وإذا مرضت فهو يشفين ) وقال صلى الله عليه وسلم (( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله )) رواه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح.

2- معرفة أن الحسد ذنب يبغضه الله، ومعصية توجب سخط الله فما كان كذلك فيجب تركه والتوبة منه، والعمل على التخلص منه.

3- أن يعلم الإنسان أن الحسد هو في الحقيقة اعتراض على الله، لأن الحاسد إنما يكره أن تصيب النعمة غيره ويتمنى زوالها عن المحسود، وهذا في الحقيقة بغض لما أراده الله ولما قدره الله، ولذلك لما ذكر الله الحاسدين أشار إلى أنه هو الذي يؤتي من فضله من شاء، كما قال تعالى {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}.

4- أن يعلم الإنسان أن الحسد ظلم شديد، فإنه ظلم للنفس وظلم للمحسود أيضاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة ) الحديث.

5- ومن الأسباب أيضاً أن الإنسان إذا خاف أن يحسد مسلماً على نعمة فإنه يدعو له بالخير وبالبركة، كما ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة، وهذا السبب من أعظم ما يدفع شر الحسد ومن أعظم ما يعين على التخلص من هذا المرض، فإن الإنسان متى ما عود نفسه الدعاء للمسلمين اعتادت نفسه حب الخير لهم وكراهية مضرتهم.

6- عدم الاشتغال بالنظر إلى النعم التي عند الآخرين والإعراض عن ذلك، بل إن في التفكير بما أنعم الله عليك خيراً وفائدة لك، فإن تذكر نعم الله على النفس تعين على الشكر، وفي كثرة تطلعك إلى ما عند غيرك ضرر عليك، لأنك ربما يقع لك الحسد، أو على الأقل عدم شكر نعمة الله عليك وازدراء نعمه، ولذلك قال تعالى: { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه وزرق ربك خير وأبقى }.

7- ومن الأٍسباب بذل الخير للناس وإعانتهم على تحصيل المنافع لهم، فإن هذا مضاد للحسد ومخالف له، ومن المعلوم أن الذي ينفع الناس ويعينهم مأجور على ذلك مع كونه يصير بهذه الإعانة محبوباً لله تعالى كما قال تعالى {والله يحب المحسنين}، وقال تعالى: { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون }.

ونسأل الله تعالى أن يهدينا وإياك لأحسن الأخلاق وأحسن الأعمال لا يهدي لأحسنها إلا هو وأن يقينا سيئ الأخلاق والأعمال لا يقي سيئها إلا هو!

والله ولي التوفيق والسداد!