عرض المشاركة وحيدة
  #33  
قديم 12/08/2010, 04:22 PM
الجيل الواعد الجيل الواعد غير متصل حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ الانضمام: 01/01/2010
الجنس: ذكر
المشاركات: 482
افتراضي


وتلك الروايات لا نراها محل الاتفاق والتسليم من الكل، بل كان الخلاف الحاد، والمواقف المتصلبة، ما بين مثبت ونافٍ، وقابل ورافض، وكانت الردود حتى فيما بين علماء المذهب الواحد، فضلاً عما بين علماء المذهبين المختلفين. ومن ذلك ما نقله مكحول النسفي الحنفي في (كتاب الشعاع) عن الإمام أبي حنيفة أن من رفع يديه عند الركوع وعند الرفع منه فسدت صلاته، وما فعله أمير كاتب بن أمير الإتقاني الحنفي المكنى بأبي حنيفة الذي ألف رسالة في بطلان صلاة من رفع يديه، ورد عليه أبو الحسنات اللكنوي قائلا:
" ما أقبح كلامه وما أضعفه، أتفسد الصلاة بما تواتر فعله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه " ( انظر رفع اليدين ص18 هامش؟؟؟)
كما روي تعرض بعض العلماء للاعتداء من طرف آخرين من نفس المذهب بسبب الرفع، وكلهم ممن يأخذ بالرفع لكن الخلاف في عدد مراته ومواضعه، كما حدث لأبي بكر الفهري المالكي حين كاد أن يعتدي عليه بعض المالكية بسبب خلافهم في الرفع. وكما قيل عن أبي الحسن السندي إنه تعرض للسجن بسبب رفع اليدين وضمهما في الصلاة.؟؟؟
ومهما يكن من أمر هذه الحوادث ونحوها مما سبيله التعصب فإن موازين العلم ومقاييس الصواب والخطإ غير مرهونة بالعواطف والانتماءات، وإنما بطلب الحقيقة والبحث عن الصواب، والكشف عن مكامن النقد، ومواضع المتانة العلمية.
ونظرة أخرى فاحصة إلى هذا الموضوع تبين عن بعض الأمور التي هي موضع نقاش، ومحل أخذ ورد، ومجال تساؤلات كثيرة. كما أن عدداً من المفاهيم والمسلَّمات إذا وضعت تحت المجهر الدقيق فسوف تكون خفايا الحقائق مختلفة عن ظواهر الأشياء. وكل من دعوى الإجماع، ودعوى التواتر، بل ودعوى الثبوت لا تقدر على الصمود حينما تعرض على معايير النقد الدقيقة، وتوضع في موازين التمييز بين الصواب والخطإ، وسيتضح كل ذلك بعون الله تعالى فيما يلي من المسائل.


وقبل أن ألج في الروايات ومناقشتها أبدأ بذكر المسائل المتعلقة بالرفع وقضاياه ومناقشتها.

المبحث الأول: مسائل الرفع ومناقشتها

يتعلق بالرفع مسائل متعددة، وفي كل مسألة أقوال متباينة واضطرابات شديدة، تشرّق فيها الأحكام وتغرّب، وبيان ذلك فيما يلي:

المسألة الأولى: مواضع الرفع في الصلاة

اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على مشروعية الرفع عند تكبيرة الإحرام، إلا الإمام مالكاً فقد اختلفت الرواية عنه، قال ابن عبدالبر:
" وذكر ابن خواز بنداذ قال: اختلفت الرواية عن مالك في رفع اليدين في الصلاة، فمرة قال: يرفع في كل خفض ورفع على حديث ابن عمر، ومرة قال: لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام، ومرة قال: لا يرفع أصلاً " ( الاستذكار 4/100 )

ونقل ابن عبدالبر أيضا عن ابن القاسم يروي عن مالك:
" يرفع يديه للإحرام عند افتتاح الصلاة، ولا يرفع في غيرها. قال: وكان مالك يرى رفع اليدين في الصلاة ضعيفا. وقال: إن كان ففي الإحرام " (الاستذكار 4/99)

وقال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) ما نصه:
" وفي (مختصر ما ليس في المختصر) عن مالك: لا يرفع اليدين في شيء من الصلاة. قال ابن القاسم: ولم أر مالكاً يرفع يديه عند الإحرام. قال: وأحب إلي ترك رفع اليدين عند الإحرام " (الجامع 20/222)

وروى العوتبي (من علماء الإباضية في القرن الخامس) بسنده إلى الإمام مالك رجوعه عن القول برفع اليدين في الصلاة. (الضياء 5/153)

واختلفوا في الرفع فيما سوى تكبير الإحرام:
1- فذهب أهل الكوفة وأبو حنيفة وجمهور الحنفية وسفيان الثوري ووكيع (؟؟؟ ) إلى أن المصلي لا يرفع يديه إلا عند تكبيرة الإحرام فقط، وهي رواية عن مالك كما تقدم، فقد روى ابن القاسم عنه قال:
" لا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة لا في خفض ولا رفع إلا افتتاح الصلاة يرفع يديه شيئاً خفيفاً "؟؟؟


2- وذهب الشافعي وأحمد وجمهور أهل الحديث وأهل الظاهر، وهو مروي عن مالك إلى أن الرفع عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه (؟؟؟)
3- وذهب بعض أهل العلم إلى أن رفع اليدين عند الإحرام وعند الركوع والرفع منه وعند القيام من الركعتين، أي من التشهد الأول، وهو الذي رجحه النووي ( صحيح مسلم 4/88)
4- وذهب بعض أهل الحديث إلى أن رفع اليدين عند الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه وعند السجود وعند الرفع منه ( ؟؟؟)
5- وذهب البعض إلى الرفع عند الإحرام وعند كل خفض ورفع في الصلاة
6- وصنيع الألباني في كتابه (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) يفيد أن المصلي يرفع في المواضع الثلاثة- الإحرام والركوع والرفع منه- ومخير في كل خفض ورفع سوى ذلك، حيث نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه " كان أحياناً يرفع " في مواضع متعددة من الصلاة، فقال:
- " وكان أحياناً يرفع يديه إذا سجد " ( صفة الصلاة، ص140)
- " وكان يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً " ( صفة الصلاة، ص151) أي: عند الرفع من السجود.
- " وكان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً " ( صفة الصلاة، ص154) أي: إلى السجدة الثانية.
- " وكان يرفع يديه أحياناً " ( صفة الصلاة، ص154) أي: عند الرفع من السجدة الثانية إلى ما سماه بجلسة الاستراحة قبل القيام.
- " وكان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً " ( صفة الصلاة، ص177) أي: عند القيام من التحيات الأولى.

المسألة الثانية: حُكْم الرفع

- ذهب جمهور القائلين بالرفع إلى أنه سنة في الصلاة، قال النووي:
" وأجمعوا على أنه لا يجب شيء من الرفع ( ؟؟؟)
بينما عبارة ابن عبدالبر:
" أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة " ( ؟؟؟)
- وقال بالوجوب: الأوزاعي والحميدي وابن خزيمة، والظاهرية كداود وابن حزم ( ؟؟؟)، وحُكي عن الإمام أحمد، قال ابن عبدالبر:

" كل من نقل عنه الإيجاب لا يبطل الصلاة بتركه إلا في رواية عن الأوزاعي والحميدي " ( ؟؟؟)
وقال ابن حجر: " ونقل بعض الحنفية عن أبي حنيفة: يأثم تاركه "
- وقال أيضا: " ونقل القفال عن أحمد بن سيار أنه أوجبه وإذا لم يرفع لم تصح صلاته "
وقال: " وهو مقتضى قول ابن خزيمة: أنه ركن " ( الفتح ج2/458) "

وهذا الخلاف الظاهر أنه في الرفع عند افتتاح الصلاة.

وأما الرفع عند الركوع وعند الرفع منه فقد اختلفوا في حكمه:
1- قال محمد بن نصر المروزي:
" أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة " ( ؟؟؟)، وسبق أن أبا حنيفة والثوري ووكيعاً لا يرون ذلك مشروعاً.

وقال علي بن المديني:
" رفع الأيدي حق على المسلمين بما روى الزهري عن سالم عن أبيه " ( رفع اليدين ص38 )، ورفع الأيدي هنا محله المواضع الثلاثة: الإحرام والركوع والرفع منه كما هو سياق رواية الزهري عند البخاري في (رفع اليدين؟؟؟).
ونقل السبكي عن الشافعي قال:
" لا يحل لأحد سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين في افتتاح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع من الركوع أن يترك الاقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم "، قال السبكي: " هذا صريح في أنه يوجب ذلك " ( ؟؟؟)

2- بينما قال أبو داود السجستاني ( ؟؟؟ ):
" رأيت أحمد يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع كرفعه عند افتتاح الصلاة يحاذيان أذنيه، وربما قصر عن رفع الافتتاح "
قال: " وسمعت أحمد قيل له: رجل سمع هذه الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم ثم لا يرفع، هو تام الصلاة ؟ قال: تمام الصلاة لا أدري، ولكن هو في نفسه منقوص ".
وقال عبدالله بن أحمد:......... ( ؟؟؟ )

3- قال ابن حجر:
" ومقابل هذا قول بعض الحنفية: إنه يبطل الصلاة " ( الفتح 2/459 ) ونقل ذلك أيضا عن أبي حنيفة كما تقدم.
قال ابن حجر: " ونسب بعض متأخري المغاربة فاعله إلى البدعة، ولهذا مال بعض محققيهم -كما حكاه ابن دقيق العيد- إلى تركه درءاً لهذه المفسدة " ( الفتح 2/459 )
قال البخاري:
" من زعم أن رفع الأيدي بدعة فقد طعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والسلف ومن بعدهم " ( رفع اليدين/ ص127 )

وسيأتي بعون الله تعالى التحقيق في الروايات المنسوبة إلى الصحابة في أمر الرفع.