عرض المشاركة وحيدة
  #6  
قديم 18/12/2006, 07:24 PM
king1 king1 غير متصل حالياً
خاطر
 
تاريخ الانضمام: 09/12/2006
الإقامة: سلطنة عمان
المشاركات: 36
Smile

مقالة الدكتور جميل حمداوي حول هذا الموضوع:-
صدر للشاعر الحسين القمري ديوانه الرابع عن دار البوكيلي للنشر في طبعته الأولى سنة 2005م تحت عنوان" سنابل الزمن"

في ست وتسعين صفحة من الحجم المتوسط. ويضم الديوان 18 قصيدة شعرية بين ماهو عمودي(تحية عابرة) وما هو تفعيلي(القصائد الأخرى).


أ- المكون الدلالي:
يستهل الشاعر ديوانه الشعري بقصيدة عنوانها (موشحات وجدية)، يتفرع عنوانها الرئيسي إلى عناوين فرعية ( تحية عابرة- حسن الأمراني).

في تحية عابرة،يعلن الشاعر حبه الجنوني لمدينة وجدة مدينة المغنى والأدب والشعر والفرح والأصدقاء. وبعد ذلك يستعير شخصية حسن الأمراني ليدخل معها في تفاعل إحالي وتناصي ليؤكد جدلية الماضي والحاضر، ويلعن صمت المدن وانكسار الواقع العربي. وفي هذا الصدد، يتغنى الشاعر بالأمل المفقود والمستقبل الضائع والشوق إلى التغيير والتطهير والانبعاث. وقد فرضت الشخصية المستلهمة على الشاعر استعمال نوع من السجل اللغوي وهو السجل الديني والصوفي الذي يتقاطع مع السجل الوصفي الواقعي.

وفي قصيدته (الحرف مرآتي... وهذا الكون غاباتي) تتخذ القصيدة طابعا صوفيا وروحيا إذ يستنطق الشاعر حروف الإبداع التي يرى بها الكون وجمال الطبيعة رغبة في الوصال والتجلي واللقاء الرباني، ويتحول الشعر إلى رؤيا صوفية تبحث عن أسرار الملكوت الرباني عبر تمظهرات الخفاء والجلاء.أما في قصائد( قصائد على عتبات الصيف) يصبح المكان بؤرة الريشة الشعرية من خلال رصد البحر بزرقته وجماله الأخاذ والطفولة البريئة تنغمس في ظلاله وأمواجه تذكر الشاعر بماضيه وأمسه وسماء مدينته الحبلى بالعطاء وسنابل الفرح المعسول والغد السعيد.

وإذا تتبعنا تيمات الديوان وجدناها لا تخرج عن جدلية الذات والموضوع أو الإنسان والواقع عبر وسيط الشعر والإبداع. ومن المكونات الدلالية للديوان نجد: المكان- الذات- الوطن- الأمة- الشعر- الموت- الحنين- الطفولة- الطبيعة- الروح...

ويلاحظ أن الشاعر يعزف تارة على إيقاع الموت والرحيل والفقد خاصة عندما يستحضر مجموعة من الأشخاص المبدعين والمفكرين الذين أثروا الساحة الثقافية المحلية والوطنية مثل القاضي قدور ومحمد الكغاط ومحمد زفزاف ومحمد منيب البوريمي ومحمد الخمار الكنوني و رفاييل ألبرتي ومحمد شكري) و يعزف تارة أخرى على نبرة الإشادة والتمجيد والتذكر من خلال استحضار المكان أو الماضي أو الاشتراك في نفس الهم الشعري مثل: محمد السرغيني ومحمد عزيز الحبابي وعبد الكريم الطبال وحسن الأمراني.

ويمكن الحديث عن عدة أنماط من القصائد الشعرية في الديوان. ويمكن توضيحها على الشكل التالي:

1- القصيدة الواقعية الانتقادية: هي التي يهجو فيها الشاعر الواقع المتردي ويشخص عيوبه الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية ( قصيدة كرسي)؛

2- القصيدة الصوفية: قصيدة الأوراد الروحانية والانغماس في أدراج التجلي المقامي ومراتبه العلوية القدسية(الحرف مرآتي...وهذا الكون غاباتي ، صلاة الورد)؛

3- القصيدة الرثائية: هي قصيدة الموت والرحيل والانكسار الأبدي ( محمد منيب البوريمي، محمد زفزاف، محمد الكغاط، محمد الخمار الكنوني، محمد شكري...)؛

4-القصيدة المكانية: هي قصيدة ترصد المكان وتجسد معالمه الفنية والثقافية والجغرافية والرمزية: ( الشاون، تحية عابرة، أغنية لأطفال المخيم، سماء الريف...)

5- القصيدة الذاتية: هي التي يتغنى الشاعر فيها بذاته وكينونته وتمزقه النفسي، ويستعمل فيها الأنا بكثرة وصيغ الانفعال وتعابير التذويت والتآكل الذاتي كما هو الشأن في قصيدته ( الشاعر)؛

6- قصيدة التذكر والحنين: هي القصيدة التي يستحضر فيها الشاعر أصدقاءه والراحلين عنه ويتذكر عبرها الشاعر رحلة الصبا والحنين إلى الماضي وذكرياته الحلمية، كما هو الشأن في قصائده ( حسن الأمراني و الدكتور محمد السرغيني ومحمد عزيز الحبابي و قصيدة اعتذار لعبد الوهاب البياتي وتنويع على مقام العوفي...)؛

7- قصيدة الشعر: هي قصيدة الإبداع وتفكيك سنن الشعر ولغة انزياحه وفضح الكتابة وآلياته التناسلية والإنشائية مثل: ( الشعراء، الكتابة)؛

8-القصيدة الوطنية: هي قصيدة يستحضر فيها الشاعر قسمات الوطن وملامحه ومشاكله ومظاهر الجمال والعشق( الإقامة غرب المتوسط- أغنية لأطفال المخيم...)؛

9- القصيدة القومية: ترتكز القصيدة على البعد القومي والوجودي للذات المبدعة في علاقتها بالمكان والزمان والوضع العربي كما نجد في قصيدته( حالة طوارىء دائمة- عازف بغدادي...)؛

10- القصيدة المستنسخة: يتفاعل معها الشاعر تناصا وحوارا أو تدعيما وإحالة كما فعل في الصفحة(77) عندما اقتبس قصيدة رافاييل ألبرتي الشاعر الإسباني المعاصر.


ب- المكون الفني:

إذا تأملنا تركيب قصائد الشاعر نجد أنواعا من التراكيب كالتركيب الغنائي الانفعالي( تحية عابرة)، والتركيب الحكائي ذي الطابع القصصي والسردي إلى حد ما كما في قصائد( حسن الأمراني، الحرف مرآتي، تنويع على مقام العوفي...)، ولكن يبقى هذا التركيب الشعري بسيطا لكونه تركيبا غنائيا في عمومه ولم يصل إلى التركيب الدرامي المعقد دراميا أو قصصيا وجدليا وسيكولوجيا، ويعني هذا أن المنولوجية أو المناجاة هي الغالبة على قصائد الشاعر وذلك باستعمال تعابير ذاتية وانفعالية وتضخيم ضمير الأنا، وحتى الآخر أو ضمير المخاطب أنت يستحضر عبر سياق التذويت وضمير التكلم.

وإيقاعيا، لقد استعمل الشاعر القصيدة الخليلية ذات البناء السيميتري في قصيدته ( تحية عابرة) ونظمها على البحر البسيط بإيقاعاته الطويلة الرنانة بالأنوثة والشاعرية الوصفية لينتقل الشاعر بعد ذلك إلى تجريب النسق التفعيلي في جل قصائده الشعرية الأخرى منوعا في إيقاعاته العروضية بين الرجز والمتدارك. ويلاحظ أن الشاعر يكثر من نغم المتدارك تنويعا ووقفا ونظما وتدويرا. وهذا الإيقاع قريب من لغة المحاكاة والسرد والواقع، وهو ميسم الشعر المعاصر. إلا أن هذا الإيقاع يقتل غنائية الشعر وموسيقيته وسيميتريته التنغيمية مما يبعد هذا الشعر عن القارىء قراءة وتقبلا. فمهما بلغ الشعر المعاصر من التجريد الرمزي والإيغال في الصورة الشعرية فإنه لا يستطيع أن يعوض موسيقا الشعر العمودي أو الخليلي. كما لا يلتزم الشاعر بالقافية إلا ما أتى بطريقة عفوية. وتتخذ هذه القافية عند الشاعر عدة مظاهر يمكن حصرها في مايلي:

1- القافية الموحدة: هي القافية التي يتحد أخرها في كل القصيدة أو جزء منها كما نجد في القصيدة العمودية( تحية عابرة) أوفي النوذج التالي:

بأي احتراق
وأي انكسار أطل على حافة الظلمات
وأستل من حرقة الكلمات
دليلي إلى لحظة ماكرة (ص33) ؛

2- القافية المرسلة: نتحدث عنها عندما تخلو القصيدة من توالي الروي أو القافية أو لا تظهر إلا بعد عدة أسطر مثل هذه الأسطر الشعرية:

3-

الهواء إليك
رسولي
دعيه يحدثك عن جسد
يتضور شوقا
لينفض عنه غبار السنين
ويلهو
على سمر بابلي يخبىء أسراره
في الصباح
لينشرها في المساء( ص31)؛

4- القافية المتعانقة: هي التي يتعانق فيها الرويان بالشكل التالي: أ- ب- ب-أ كما في النموذج التالي:
وتنشر بين السوانح ريش الحمام
فكيف رحيلك ياصاحبي
في البراري التي يتربص فيها الخراب
وفي المدن اليتناسل فيها النعام؟(ص41)؛

5- القافية المتقاطعة: هي التي تتقاطع فيها القوافي على الشكل التالي: أ- ب- أ- ب كما في النموذج الموالي:

فلقد كان عيشك فينا
حدائق يولد منها الرجاء
وقد كان صيتك فينا
منابر يولم منها الوفاء(ص:57-58)؛

6- القافية التي تغيب وتظهر أو القافية المتراكبة: كما في قصيدة رحيل الأحبة" على صفحة الماء" ص:44-45.

ومن حيث الإيقاع الداخلي، نجد الشاعر قد وظف نوعا من التوازي القائم على استخدام اللازمة الشعرية( الحرف مرآتي) والتكرار الصوتي واللفظي و المزاوجة بين الأصوات المهموسة والمجهورة الدالة على جدلية الموت والحياة والتي تترجم لنا رؤية الشاعر الوجودية الإنسانية التي يتقاطع فيها ماهو صوفي ووطني وقومي.

ومن حيث الجملة، يستخدم الشاعر جملا فعلية بكثرة، وهي تترجم لنا الحركية والتوتر والفعل السردي الحكائي والدرامي، وتترجم لنا جدلية الصراع بين الذات والموضوع وبين الماضي والحاضر. كما أن خلو بعض القصائد من علامات الترقيم ماعدا علامة الاستفهام تترجم لنا مناجاة الشاعر وانسياب الحركة والفوضى الدرامية والتمزق النفسي الداخلي والبوح المستمر عبر التذكر والحنين. ويلاحظ أن هذه الجمل الشعرية جمل بسيطة أكثر مما هي مركبة وتعتمد على الإثبات والنفي، والإخبار والإنشاء بسبب التذويت والطابع الغنائي لقصائد الديوان.

ومن حيث النص الموازي، يستخدم الشاعر عناوين أساسية وعناوين فرعية، ولكن لا يستثمر العناوين المقطعية على غرار بعض الشعراء المغاربة كعبد الرحمن بوعلي ويرد العنوان الديواني الخارجي في صيغة جملة اسمية مركبة من : خبر+ مضاف إليه، على غرار العناوين الرومانسية. وبذلك يأخذ العنوان صيغة الجملة الإسمية الدالة على الثبات والتأكيد. ويترجم لنا العنوان" سنابل الزمن" بعد التذكر والحنين إلى الماضي والصبا كما يحيل على النضج والعظمة والعطاء والشموخ والقمم المثمرة التي أثرت وأعطت الكثير للآخرين. وقد أتت اللوحة التشكيلية لتترجم ذلك طبيعيا وواقعيا ورمزيا وأيقونيا.

وتمتاز لغة الحسين القمري بالإيحاء والرمزية والشاعرية والغموض الدلالي والانزياح الصوفي والخلل بين المحور التركيبي والدلالي من حيث التخريب الدلالي لتحقيق الوظيفة الجمالية والشعرية، من خلال استعمال لغة المجاز والمشابهة والإحالات الكنائية والأسطورية( أساطير الرماد- الأطلس- أوديسا...) وتوظيف الرموز المكانية( يافا – أريحا- الشاون- العراق-الرباط..) والرموز الأدبية( عبد الوهاب البياتي، لوركا، رفاييل ألبيرتي...)، والرموز الطبيعية( الورد، الضياء، الشمس، الغيم...)، والرموز الدينية( المصحف، البراق، الأنبياء)، والرموز التاريخية( الفجاءة، التتار). كما يحضر التشخيص الاستعاري بشكله الرمزي الذي يتطلب التـأويل وإرجاع الباطن إلى الظاهر، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مدى تمكن الشاعر من آليات الكتابة الشعرية ومدى انفتاحه على المبدعين الآخرين قراءة وتناصا واستنساخا. كما أن الضمائر الإحالية من متكلم ومخاطب وجمع تدل على جدلية المواقف وانتقالها من الأنا إلى الغير ومن الطابع الفردي الذاتي إلى الطابع الجماعي والإنساني.


خاتمة:

بعد هذه القراءة الوجيزة، أقول بكل موضوعية: إن الشاعر الحسين القمري متحكم في ناصية الشعر، ويتقن حرفته جيدا، كما أنه مثقف شغوف بالقراءة وسماع الآخرين، والدليل على ذلك الإحالات والمرجعيات الثقافية والأعلام التي ذكرها وهي كلها سنابل الزمن. ولكن تعجبني نصوصه الشعرية العمودية أكثر من نصوصه التفعيلية لما فيها من إيقاعية وجمالية لافتة للنظر. لكن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد: هل القارىء المعاصر قادر على التجاوب مع هذا الديوان برمزيته وباطنيته وغموضه الانزياحي؟!!! أم نترك الحكم لسوق الكتاب ليجيبنا بالجواب الصحيح عن طريق المبيعات والمرجوعات وعدد النسخ المطبوعة.