المساعد الشخصي الرقمي

عرض الإصدار الكامل : قراءة في كتاب "الإنسان يبحث عن المعنى"


Ghufaili
04/12/2010, 07:31 PM
من الكتب الجميلة التي لن تمحى من التاريخ بسبب التجربة الحقيقية للدكتور والعالم النفسي فيكتور فرانكل وهو يحكي قصة اعتقاله في سجون النازية ونجاته من الموت أكثر من مرة، وليؤكد نظرية علمية تدور حول المعنى” من هذه الحياة.

يذكرالدكتور فيكتور في مذكراته درجات الإنهيار في المواقف الصعبة التي تعرض لها السجناء من رفاقه، وهي تطابق واقع الإنسان العادي الذي يتعرض لضغوط كثيرة متتابعه أو لضغط كبير قد يفقده تماسكه، ويستطيع من مر بتجربة محزنة – كحالات الاكتئاب المزمن- أن يفهم هذه العناصر وطريقة تدرجها.

تبدأ مرحلة الموقف الشديد من خلال تلقي نبأ أو مواجهة شيء يصعب معه تجاوزه بسهولة وهي مرحلة الصدمة. وقد لا يحس بهول هذا الموقف من الوهلة الأولى لأنه لم يشعر بنتيجة مباشرة. تتكون بعدها الشعور بالألم إحساس التمسك بالأمل والإنقاذ، أي هناك من سينقذني ويخلصني من هذا الحزن أو الصدمة. وربما كثير منا يفكر في مواقف مشابهه لهذه الأمر وهو الاعتماد على الله والأهل والأصدقاء أو المال لعلاج هذه المعضلة.

فإذا لم تجدي لدى الفرد هذه المساعدة – بسبب ضعف الدين، التباعد الأسري، الاغتراب الداخلي، الوحدة- تهبط النفس إلى مرحلة النكوص وهو التقهقر إلى حياة بدائية أو موت الأحلام والطموحات، والاكتفاء بالقليل”. أي يعود لمراحل الحاجات الأولى كما ذكرها ماسلو في هرم تدرج الحاجات – في الصورة - و الاكتفاء بأقل الحاجات وهي الأكل والشرب والمسكن.

http://barasti.files.wordpress.com/2010/12/maslo.jpg?w=244&h=300

ومن هذا النكوص يموت الإنسان وهو حي، فلا يشعر بلذة الحياة ولا تهمه الأحداث السعيدة التي تمر عليه، ولا يشعر بأية عاطفة من حوله، فلا يبكي موت قريب له ولا يشتاق لقرب أنيس، فهو في كل الأمور سواء، وصفها الدكتور فيكتور بالبلادة. يعيش الباقي منها على الذكريات الجميلة ويهرب للماضي، يعيش فيه، يتذكر حياته المبتسمة كيف كانت، وماذا أصبحت.

وفي هذه المعمعة من صراع النفس تحدث الكاتب عن قيمة المعنى” من هذه الحياة، فوصف مصطلح التسامي بالنفس” وهو أن النفس الإنسانية أكبر وأسمى من كل مواقف الحياة الصعبة والصدمات والأمراض النفسية والعضوية.

وبينما ركز الغرب على أن التسامي بالنفس يكون لأجل حب الحياة والتمسك بها وعدم التفريط بالحياة الباقية، نجد في الطرف المقابل أن التسامي بالنفس” عند المسلم هو الاعتراف والتصديق و الإيمان بقضاء الله وقدره”، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه. يقول سبحانه وتعالى :: ” إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ لقمان:34]

فلا عجب أن القضاء والقدر هنا من أعلى درجات الإيمان بالله فنال المؤمن بذلك الخير على صبره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سرّاء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ؛ فكان خيراً له” . رواه مسلم .

وبهذه النتيجة، خلصت إلى أن الله سبحانه وتعالى خلق لكل إنسان ما يكابده ويشغله في أمره ليختبره ويمتحن صبره. فإن صبر وتمسك بالله وآمن بقضاءه وقدره، أدرك معنى التسامي بنفسه، وإن استسلم لصروف الدنيا خسر دنياه وحياته وعمره.