Muhanad2010
23/10/2010, 07:19 PM
.
للغربيين في ما يكرهون مذهب واحد: الإسلاموفوبيا
مالك التريكي
'لماذا يكرهوننا؟'.
بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)2001 شاع في أمريكا أولا، ثم في بقية بلاد الغرب، سؤال 'لماذا يكرهوننا؟'. سؤال شاع وساد حتى ذهب مذهب المقولة الأنثروبولوجية. ذلك أنه سؤال، وليس بسؤال. وإنما هو، رغم الصيغة الاستفهامية، عبارة تقريرية مدلولها أنـ'هم' يكرهوننا 'وبس'. ولهذا فقد انخرطت كثير من الأوساط الرسمية والشعبية في موجة تفسير تلك الأحداث بأنـ'هم يكرهون أسلوب حياتنا' وبأن الهجمات لم تكن موجهة ضد البرجين بقدر ما كانت موجهة 'ضد القيم الأمريكية'. مقولة توفر الوقت والجهد وتصلح لاستعمالات شتى.
أما اليوم، في ضوء تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا في البلدان الغربية واستمرار سيل الأنباء التي تؤكد تصاعد المواقف العنصرية ضد العرب والمسلمين، فقد أصبحت الثقافة والصحافة في بلاد العرب تزخر بكتابات ونقاشات تنطلق حرفيا أو ضمنيا من السؤال ذاته: لماذا يكرهوننا؟ أي أنها تصدر عن نفس المقولة: أن هؤلاء الغربيين يكرهوننا. يكرهون أسلوب حياتنا. يكرهون القيم والتقاليد والشعائر والمظاهر الإسلامية.
وما من شك في أن الكراهية ضد العرب والمسلمين قد بلغت هذه الأيام حدا ربما يصح القول إنه لم يسبق له مثيل طيلة العقود الخمسة الماضية، أي منذ أن رحل الاستعمار عن بلادنا واختفت، نظريا على الأقل، أسباب الصراع أو خلفيات النزاع المباشر. فحيثما نظرت، وأيا كان البلد الغربي المعني، فإنك لا ترى سوى انتخابات وتشريعات ورسوم كاريكاتورية وأفلام سينمائية وبرامج إذاعية (أكثر من التلفزيونية) واستطلاعات للرأي العام، الخ، تشير جميعها في أفضل الأحوال إلى كراهية المهاجرين والأجانب جملة وتفصيلا. أما في أغلب الأحوال، فإنها تشير إلى كراهية العرب والمسلمين تحديدا.
إذ لا يكاد يكون هناك بلد غربي إلا وكثير من أوساطه الشعبية والسياسية والإعلامية تصيح بأعلى الصوت أنها ضاقت بالعرب والمسلمين ذرعا. وقد صار صوت الجوقة ثائرا هادرا بلا انقطاع بعد أن سهلت له المهمة أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 (وما بدا من سرور بعض أبناء جلدتنا وعقيدتنا بهذه الأحداث)، وبروز قضايا رأي عام من نوع الحجاب والنقاب والبرقع، والزواج القسري وجرائم الشرف... وكأن هذا لا يكفي، فها أن رقة قلوب هذه الشعوب قد تركزت أخيرا على قضية الذبح الحلال (باعتبار أن الصعق الذي يمارسونه، بدل الذبح، هو تمرين في الرفق بالحيوان) حتى أن القديسة بريجيت باردو قد هددتنا، وهي موقنة أننا سوف نخاف، بأنها مستعدة للأخذ بزمام السلطة في فرنسا (بالاقتراع الحر والمباشر، طبعا) لقطع دابر هذه الآفة وإقامة نظام جمهوري جديد قائم على دستور 'اللاذبح' الحضاري.
فلا عجب إذن أن يظن كثير من العرب والمسلمين أن الغربيين يكرهوننا بلا سبب، 'يكرهوننا لوجه الله'، وأنه إذا كان للناس في ما يعشقون مذاهب، فإن للغربيين في ما يكرهون مذهبا واحدا: هو الإسلاموفوبيا.
إلا أن المشكلة ليست في الكراهية في حد ذاتها. فمشاعر المحبة والبغض هي مما يقع عادة خارج نطاق التحكم البشري. ولا يمكن لنا منطقيا أن نطالب بالمحبة كحق من حقوق الإنسان... إلا إذا رغبنا في أن نصاب بالعلة الإسرائيلية التي شخصها محمود درويش بعد الزوبعة التي أثارها الكنيست الإسرائيلي حول قصيدته 'عابرون في كلام عابر'، عندما قال ما معناه إن الإسرائيليين يريدوننا أن نحبهم، فهم مندهشون كيف أننا لم نقع حتى الآن في غرامهم.
المشكلة، في السياق الغربي، ليست في الكراهية أو العنصرية. فهنالك شعوب أخرى تمارس العنصرية (مثلما يؤكد تواتر الأنباء عن سوء معاملة المهاجرين والطلاب الأفارقة في الصين مثلا). إنما المشكلة أن البلدان الغربية تدعي أن لها قيما بينما هي مدمنة على ممارسات تنقض هذه القيم. المشكلة أن البلدان الغربية تزعم أن ما يحدد هويتها كحضارة مسيحية-يهودية 'متفوقة على الإسلام' (على حد تعبير الحكيم برلسكوني) هو أنها تحتكم لقيم الإنسانية والمساواة والحرية والتسامح الخ، بينما الحقيقة أنها تحتكم في أغلب الحالات لعوامل القوة والمصلحة. أما في الأزمات (مثل الأزمة الاقتصادية الحالية) فإنها تسلم أمرها كله لنوازع الخوف والطمع. المشكلة أن الحضارة الغربية (في نسختها الرسمية) هي حضارة غير موجودة. تبقى مجرد فرضية. ولهذا فعندما سئل غاندي: ما رأيك في الحضارة الغربية؟ أجاب: سوف تكون فكرة جيدة...!
للغربيين في ما يكرهون مذهب واحد: الإسلاموفوبيا
مالك التريكي
'لماذا يكرهوننا؟'.
بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)2001 شاع في أمريكا أولا، ثم في بقية بلاد الغرب، سؤال 'لماذا يكرهوننا؟'. سؤال شاع وساد حتى ذهب مذهب المقولة الأنثروبولوجية. ذلك أنه سؤال، وليس بسؤال. وإنما هو، رغم الصيغة الاستفهامية، عبارة تقريرية مدلولها أنـ'هم' يكرهوننا 'وبس'. ولهذا فقد انخرطت كثير من الأوساط الرسمية والشعبية في موجة تفسير تلك الأحداث بأنـ'هم يكرهون أسلوب حياتنا' وبأن الهجمات لم تكن موجهة ضد البرجين بقدر ما كانت موجهة 'ضد القيم الأمريكية'. مقولة توفر الوقت والجهد وتصلح لاستعمالات شتى.
أما اليوم، في ضوء تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا في البلدان الغربية واستمرار سيل الأنباء التي تؤكد تصاعد المواقف العنصرية ضد العرب والمسلمين، فقد أصبحت الثقافة والصحافة في بلاد العرب تزخر بكتابات ونقاشات تنطلق حرفيا أو ضمنيا من السؤال ذاته: لماذا يكرهوننا؟ أي أنها تصدر عن نفس المقولة: أن هؤلاء الغربيين يكرهوننا. يكرهون أسلوب حياتنا. يكرهون القيم والتقاليد والشعائر والمظاهر الإسلامية.
وما من شك في أن الكراهية ضد العرب والمسلمين قد بلغت هذه الأيام حدا ربما يصح القول إنه لم يسبق له مثيل طيلة العقود الخمسة الماضية، أي منذ أن رحل الاستعمار عن بلادنا واختفت، نظريا على الأقل، أسباب الصراع أو خلفيات النزاع المباشر. فحيثما نظرت، وأيا كان البلد الغربي المعني، فإنك لا ترى سوى انتخابات وتشريعات ورسوم كاريكاتورية وأفلام سينمائية وبرامج إذاعية (أكثر من التلفزيونية) واستطلاعات للرأي العام، الخ، تشير جميعها في أفضل الأحوال إلى كراهية المهاجرين والأجانب جملة وتفصيلا. أما في أغلب الأحوال، فإنها تشير إلى كراهية العرب والمسلمين تحديدا.
إذ لا يكاد يكون هناك بلد غربي إلا وكثير من أوساطه الشعبية والسياسية والإعلامية تصيح بأعلى الصوت أنها ضاقت بالعرب والمسلمين ذرعا. وقد صار صوت الجوقة ثائرا هادرا بلا انقطاع بعد أن سهلت له المهمة أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 (وما بدا من سرور بعض أبناء جلدتنا وعقيدتنا بهذه الأحداث)، وبروز قضايا رأي عام من نوع الحجاب والنقاب والبرقع، والزواج القسري وجرائم الشرف... وكأن هذا لا يكفي، فها أن رقة قلوب هذه الشعوب قد تركزت أخيرا على قضية الذبح الحلال (باعتبار أن الصعق الذي يمارسونه، بدل الذبح، هو تمرين في الرفق بالحيوان) حتى أن القديسة بريجيت باردو قد هددتنا، وهي موقنة أننا سوف نخاف، بأنها مستعدة للأخذ بزمام السلطة في فرنسا (بالاقتراع الحر والمباشر، طبعا) لقطع دابر هذه الآفة وإقامة نظام جمهوري جديد قائم على دستور 'اللاذبح' الحضاري.
فلا عجب إذن أن يظن كثير من العرب والمسلمين أن الغربيين يكرهوننا بلا سبب، 'يكرهوننا لوجه الله'، وأنه إذا كان للناس في ما يعشقون مذاهب، فإن للغربيين في ما يكرهون مذهبا واحدا: هو الإسلاموفوبيا.
إلا أن المشكلة ليست في الكراهية في حد ذاتها. فمشاعر المحبة والبغض هي مما يقع عادة خارج نطاق التحكم البشري. ولا يمكن لنا منطقيا أن نطالب بالمحبة كحق من حقوق الإنسان... إلا إذا رغبنا في أن نصاب بالعلة الإسرائيلية التي شخصها محمود درويش بعد الزوبعة التي أثارها الكنيست الإسرائيلي حول قصيدته 'عابرون في كلام عابر'، عندما قال ما معناه إن الإسرائيليين يريدوننا أن نحبهم، فهم مندهشون كيف أننا لم نقع حتى الآن في غرامهم.
المشكلة، في السياق الغربي، ليست في الكراهية أو العنصرية. فهنالك شعوب أخرى تمارس العنصرية (مثلما يؤكد تواتر الأنباء عن سوء معاملة المهاجرين والطلاب الأفارقة في الصين مثلا). إنما المشكلة أن البلدان الغربية تدعي أن لها قيما بينما هي مدمنة على ممارسات تنقض هذه القيم. المشكلة أن البلدان الغربية تزعم أن ما يحدد هويتها كحضارة مسيحية-يهودية 'متفوقة على الإسلام' (على حد تعبير الحكيم برلسكوني) هو أنها تحتكم لقيم الإنسانية والمساواة والحرية والتسامح الخ، بينما الحقيقة أنها تحتكم في أغلب الحالات لعوامل القوة والمصلحة. أما في الأزمات (مثل الأزمة الاقتصادية الحالية) فإنها تسلم أمرها كله لنوازع الخوف والطمع. المشكلة أن الحضارة الغربية (في نسختها الرسمية) هي حضارة غير موجودة. تبقى مجرد فرضية. ولهذا فعندما سئل غاندي: ما رأيك في الحضارة الغربية؟ أجاب: سوف تكون فكرة جيدة...!