المساعد الشخصي الرقمي

عرض الإصدار الكامل : يوم في العاصفة


زهران القاسمي
21/10/2010, 02:28 PM
يوم في العاصفة



كنت في الرابعة من عمري ، كنّا نسكن في بيت طينيّ يقع على حافة الوادي بين نخيلنا ، وكان الوقت صيفا ، وعادة الصيف يجيء محملا بالرعود والبروق والمطر ، في كل مساء تتكثف الغيوم فوق سماء القرية ويبدأ المطر ، المطر الذي تصاحبه الرياح القوية التي تقتلع الأشجار أحيانا ، المطر المحمل بالصواعق التي قد تضرب الجبال فتدك بعضها أو تحرق بستانا من النخيل ، الكل يلهج بالدعاء خشية ورهبة على أنفسهم وأموالهم ، الكل كان يلجأ إلى الاختباء بعيدا في البيوت الطينية أو في الكهوف حتى تخف حدة المطر ، كان وقت هطوله لا يتعدى الساعة ، بعدها تعود القرية إلى حالة من الهدوء والصمت ، فيخرج الكل باحثين عن خراب خلفته العاصفة قد يمكن إصلاحه .

ذات مساء ، كنت ألعب بجوار البيت ، عندما هبت العاصفة شديدة ، واهتمت الأسرة بإدخال الأشياء إلى البيت ، نسيني الجميع في انشغالهم ، عملوا بسرعة لحمل الأشياء خوفا من الصاعقة ، كانوا يعتقدون أنني بينهم ، لم يفطنوا إلى غيابي ، لكن عندما سألت عني أمي ولم تجدني ، قلق الجميع ، كانت العاصفة على أشدها فبدؤوا بالبحث عني بين أرجاء المنزل ومن حوله .

ما حدث إنني كنت ألعب وحيدا غير عابئ بما يحدث ، عندما جاءتني امرأة أربعينية وأخذتني من يدي ، امرأة لا تشبه أحدا ممن رأيت في الجوار ، جاءت في شدة العاصفة ، أخذت بيدي وذهبت بي إلى بيتها ، كان بيتها قريبا جدا ، كان بجوار بيتنا من جهة الجبل ، حيث تنتصب نخلة وحيدة بين أشجار الليمون ، لم تذهب بي بعيدا ، حتى دخلت بيتها ، جاءت بإناء من الماء ، نظفت وجهي ويديّ ، ثم كحّلت عينيّ ، عطرتني وأعطني قبضة من التمر قائلة لي اجلس حتى يتوقف المطر وكل من هذا التمر .

لقد عاملتني برفق وحنان جعلني أميل إليها ، فلم اشعر بالغربة ولا بالرهبة ، اعتقدت أن هذا المكان موجود أساسا ولكنني لم أره من قبل ، كنت سعيدا لاكتشافي جارة رائعة مثلها تعاملني بهذا الاحترام ، وعندما هدأ المطر ، أخذت بيدي وأخرجتني من بيتها حتى أوصلتني بالقرب من بيتنا .

كان الجميع يبحث عني وينادي باسمي ، الكل قلق وأمي على حافة البكاء ، عندما لمحتني كادت أن تنفجر في وجهي ، لكنها استهجنت حالتي العجيبة ، فأنا نظيف وغير مبلل بالمطر وتفوح مني رائحة عطر زكي وبعيون مكحلة ، نادت على الجميع ، كانوا متعجبين من حالتي ، كنت أقبض على بعض التمر في كفّي ، اقترب أبي مني وقال لي أين كنت ؟ ، فأخبرته بالقصة ، قال لي : أين بيتها ؟ ، فركضت أخبره عن المكان ، ولكن لم يكن هنالك سوى نخلة تتوسط أشجارا من الليمون ، وكان كل شيء قد اختفى .

عبدالله البطاشي
21/10/2010, 11:56 PM
زهران ..دراماتورج / تضفي على القصة الشعبية زخم من السمو في الفكر.

بوركت يا صديقي..

أنت متفرد في العزف على هذا الجانب ..وهذا ما تفتقده الساحة

حمد المخيني
24/10/2010, 02:44 PM
جميلة ..
شكرا لك

عطر حالم
24/10/2010, 08:04 PM
زهران..مسـاؤك تأمل و بسمة..
/
تشدني الكتابات التي تبعث في نفسي
هدوء ولحظة تأمل..
فأبقى في خشوع للأبجدية التي هذبت
حروفها على هيئة قالب قصصي زاخر بـ التفاصيل
الخفية التي قلما ننتبه لها!!
حقيقة أقولها أن نصك برغم قصر محتواه
إلا أنه حلق بي بعيدا.
/
لك الود الكبير

برنسوو
02/01/2011, 04:40 PM
http://www.dl3n.net/vb/uploaded/68550_11285633375.gif

ديالا علي
05/01/2011, 08:09 AM
رووووووووووعه

صريحة ولكن
05/01/2011, 10:00 AM
جميل ما قرأت ...أخي العزيز
سرد طيب وسلس للقصة ....
مودتي