سعيد اليحيائي
20/10/2010, 06:19 AM
رد الشيخ جلال علي الجهاني على الدكتور عائض القرني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، ولا عدوان إلا على الظالمين ..
وبعد .. فإني في مقالتي هذه خالفت عادتي في عدم استخدام بعض الأوصاف التي أخاطب بها المخالفين، لا لتغير أصل طريقتي في خطابهم، ولكن لأن الأمر أعظم وأشد وأخطر من أن أستطيع السكوت عنه .. فأعتذر مسبقاً على الأذى الذي قد أسببه لبعض الأخوة الذين لا يرتضون هذه الطريقة، والتي لا أرتضيها أنا في كثير من الحالات في جدال المخالفين من أهل الباطل..
فقد كتب اليوم الثاني عشر من شهر أكتوبر 2010 م .. المدعو عائض القرني، مقالاً أرفقته كاملاً في هذه المشاركة، وعقبت في هذه المقالة على أهم ما ذكره ..
فأقول: بعد البسملة والحمدلة الآتي:
من سنن الله تعالى التي خلقها في هذا العالم، أنه سبحانه وتعالى يحفظ دينه ويحميه، على أيدي العلماء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) .. وإن الله تعالى يغار على دينه أن يعبث به العابثون، فيقيض الله تعالى العلماء وأتباعهم من أجل إظهار الحق وإعلائه..
ومن هذه السنن أن أهل البدع والضلالة الذين تعلوا أصواتهم ويتخذون للإمامة يُسْتدرجون إلى أن يصلوا إلى يعلنوا آراءا ومذاهب لم يقلها أحدٌ من قبلهم، مخالفة صراحة لما ثبت من الدين، بها يتبين لكل ذي عينين مدى فساد آراء أصحابها وضلالهم ..
وهم في كل الأحوال فتنة لعباد الله تعالى، يضلونهم ويلبسون عليهم دينهم ..
ومن أظهر الطوائف التي ضلت عن الحق وانحرفت عنه، وصارت لها الجولة والصولة منذ منتصف القرن الهجري الماضي وبدايات هذا القرن إلى يومنا هذا طائفة المجسمة المشبهة ذوي الأهواء والبدع ..
ولم تكن بدعتهم في العقائد فحسب، كما يحسبه بعض الناس، لكن بدعتهم عمت علوم الدين المختلفة .. لا اختلاف في ذلك بين فصوله وأصوله ..
وقد طلع علينا منذ مدة في عصر الإعلام شخص التبس بالجهل مذهباً، وتمسح بلباس أهل السنة والجماعة، انتشر صيته بين عوام المشبهة، وانطلى تلبيسه على جماعة عظيمة من الدهماء .. ذلك هو الدكتور عائض القرني، عامله الله بعدله ..
فكان من سيئات هذا الجاهل أن كتب تفسيراً في القرآن الكريم، تجرأ فيه أعظم جرأة على تفسير كلام الله تعالى، بدون أن تكون له أي آلة من الآلات العلوم التي ينظر بها في كتاب الله، بل إنه زعم أن فهم القرآن الكريم ينبغي أن يكون بدونها، في مقدمة ذلك العمل المشين الذي عمله، حيث قال:
(هذا التفسير يسير قريب قدمت فيه المعاني بأسلوب مفهوم، ولغة واضحة، فلا أذكر فيه الآيات المتشابهة بل أبقيها في مواضعها، وكذلك لا أورد أحاديث ولا آثاراً إلا فيما ندر وباختصار، وقد أعرضت عن ذكر الأقوال والخلافيات، وعمدت إلى الراجح والظاهر من الآية، ولم أورد فيه شواهد شعرية، ولم أبحث مسائل نحوية ولا قضايا لغوية ولا وجوه قراءات، ولا إسرائيليات ولا نقولات عن العلماء ولا استطرادات، وإنما اقتصرت على زبدة النقول، وخلاصة الكلام، وربما أذكر بعض الحكم واللطائف والفوائد والأسرار إذا وجدت بإيجاز، وقد التزمت منهج السلف أهل العلم والإيمان، وجانبت مذاهب المخالفين لهم)
.. إلى آخر هذيانه، الذي تجرأ فيه على الكلام في كلام الله تعالى، حيث فسر القرآن الكريم على هواه، دون بيان أي مستند، بل بدون وجود أي علم أصيل يبني عليه تخريفه الذي سماه تفسيراً، وليس فيه من التفسير شيء. وقد فرح بهذا أهل مذهبه ونحلته، لأنه فتح لهم باباً به يقولون في كلام الله ما يشاؤون، دون رقيب أو حسيب، فلعنة الله عليه وعلى أعوانه وأصحابه.
واليوم يكتب مقالة في جريدة الشرق الأوسط، للطعن في علوم الأمة الإسلامية قاطبة، منذ عصر تدوين العلوم إلى يومنا هذا، عنونه بـ (مهزلة حفظ المتون) تجرأ بذلك على الطعن في كل ما كتبه العلماء في شتى العصور في شتى العلوم من كتب يجمعون فيها أصول العلوم ومبادئه.
ولا أقول هذا مبالغة في التشنيع عليه، بل هي حقيقة تجدها في مقالته المرفقة في هذه المقالة كاملة.
وجاء في مقاله الأثيم تصوير كتب المتون على أنها مضادة لفهم الكتاب والسنة، والاهتمام بهما !! قبح الله فهمه وقوله.
قال هذا الجاهل ما نصه:
(كان الصحابة والقرون الثلاثة الأولى المفضلة عاكفين على الكتاب والسنة حفظا وتدبرا، فلم يكن عندهم متون أخرى في النحو أو البلاغة أو العقيدة أو المصطلح أو الفرائض، ولم يكن أئمة الإسلام كالثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم يحفظون إلا الكتاب والسنة).
أقول: هذا يدل على دلالة واضحة على جهل قائله بالعلوم وتاريخها، فإن التصنيف في العلوم إنما أريد به حفظها، والمحافظة عليها، ولم يكن أحد من الصحابة في حاجة إلى متن في النحو لأنه لسانهم الذي لا يخطئون فيه، ولم يكن مجتهدو الصحابة في حاجة إلى كتابة الأصول لأنها صفة لهم وعلم تعلموه وتلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم.
وبسبب جهله العريض بالعلوم فإنه يتصور أن القرآن الكريم والسنة الشريفة قد ذكرت كل شيء تفصيلاً، وما علم هذا أن هذه المصادر ذكرت أصول العلوم، وأن ما فهمه الصحابة والتابعون لهم والعلماء من بعدهم إنما بني على هذين الأصلين، وتدوينه إنما هو تدوين لتلك المعاني، لكن هذا الجاهل يريد أن يرجع بنا إلى الوراء، فنبدأ كما بدأ الصحابة، بفهم الكتاب والسنة على ما يفهمه عقله السقيم –إن كان له عقل-، وما درى الجهول بأنه لن يستطيع قراءة القرآن دون متون التجويد، ولا قراءة الحديث والنظر في بدون علم المصطلح، فضلاً عن أن يفهم –إن كانت عنده آلة فهم خَلْقية- معاني الكتاب والسنة بدون فهم متون البلاغة وفنون العربية.
أما الفرائض وفروعها فلا أشك لحظة أنه أجهل الناس بها، فمن أين له أن يفهم مسائلها بغير استعانة بمتون الفرائض التي ما جمعت إلا مسائل هذا الفن المستنبطة من القرآن وليست كلها في القرآن، بل فيها ما لدى الصحابة الكرام، وفيها ما قيس عليها وما استنبط من قواعدها، فأي متن من متون الفرائض وغيرها يعتبرها هذا الشخص معبرة عن الضعف العلمي والتقليد وفتور الهمم وبرود العزائم!!
بل زاد على ذلك بأن زعم زعماً باطلاً أن هذه المتون شغلت المسلمين عن القرآن والسنة!! في الوقت الذي هي آلة لفهم القرآن السنة، لكنه عري عن هذه الآلة، وبسبب جهله بهذه المتون؛ إما لأنه لم يطلع عليها أساساً، أو لأنه لم يفهمها بل قرأها قراءة صحيفة يومية يكتب فيها أشباه المتعلمين!!
وهل يمكن لطالب العلم أن يقول بأن قول العلماء: من حفظ المتون حاز الفنون» كلمة سقيمة!! إن فهم هو السقيم، وما يظن أنه يعلمه هو الجهل بعينه...
ولا يكتفي بذلك بل يستهزي بها أقبح استهزاء يدل على خفة عقله، وسوء طويته عامله الله بعدله، فيقرن متون العلوم الإسلامية بقوله الفاسد:
(، غير المواد التي أضافوها، كعلم الآثار، والجغرافيا، وعلم الأزياء، وفن زراعة البقدونس، والتخصص في جمع الحطب وتكسيره، والتفقه في سيرة السلاجقة، ودراسة كيف يلبس الآشوريون، وموعد الطعام عند ملكة تدمر)!!
ويضرب مثالاً على دعواه الفاسدة بأ، المتون هي التي أخرت الأمة، يضرب المثال بأهل العلم في موريتانيا التي اشتهرت بالعلوم ومازالت مأوى لطلبة العلوم المختلفة، على عدم الإبداع في العلوم، وما درى الجاهل بأي شيء فيها، فإنه لم يطلع على ما كتبه علماء شنقيط من العلوم المختلفة، قديماً وحديثاً، وما خروجه من علماء وطلاب يعلمون الناس دينهم وقرآنهم وسنة نبيهم .. فأي جناية بعد ذلك يجنيها هذا السفيه.
ثم يقارن علوم هؤلاء بالألباني الذي لم يكن يحفظ حديثا ًواحداً ففضحه الله تعالى بتناقضه في الحديث وظهور جهله العريض بالعلوم كلها، ولعل مرجع ذلك إلى أنه لم يقرأ متناً واحداً في العلوم.
ثم يقول هذا الجهول:
(كل هذه المتون والفنون جعلت الجيل في حيص بيص» فشغلت الذهن، وأسقمت العقل، وشتتت الانتباه، حتى إني رأيت بعض المشايخ في بعض الدول التي زرناها يحفظ عشرات المتون ويعيدها ويكررها ليل نهار حتى صار نحيفا نحيلا كالجرادة الصفراء، فأصبح كآلة التسجيل، فقط يحفظ ويكرر، وشغل عن الكتاب والسنة وعن التفقه في الآيات والأحاديث)
ونسي أن هؤلاء هم الذين حفظوا القرآن، وهل يستطيع هذا الجهول أن يذكر لنا طريقاً لحفظ قراءات القرآن الكريم وتفاصيل قواعد تجويده غير المتون الموجودة في الأمة من الشاطبية والجزرية!!
ثم يزعم أنه:
(ليس بصحيح قولهم: من حفظ المتون حاز الفنون»، بل الصحيح: من حفظ الكتاب والسنة هدي إلى الجنة»)
، وكأن حفظ هذه المتون يقود إلى النار، وإلى تأخر الأمة وتخلفها !!
نعم من تعلم هذه العلوم عرف حقيقة هؤلاء الأدعياء الجهلة المجسمة، ومن قرأ العلوم نفر عن أهل الجهل والغباء، ومن تعلم دينه عرف طريق الحق وميزه عن طريق الباطل .. ولذلك فإن الطريق إلى نشر البدع والضلالات التي يروج لها هؤلاء هو الطعن في العلوم كلها .. وهل هذا إلا كيد إبليس للأمة ..
وما بقية مقاله إلا هراء وعواء، ليس فيه إلا الصياح والنعيق، ملبساً إياه باسم الأجلة من الصحابة وأئمة المسلمين .. ليمرر ضلاله من خلالهم..
لا أملك إلا أن أشد على أيدي طلاب العلم أن ينشروه، وإلى أهل العلم أن يستمروا ولا يلتفتوا إلى هؤلاء، بل يحذرون منهم ويفضحونهم، وأتوجه إلى الله تعالى أن يلعن هؤلاء لعناً كبيراً وأن يخيب سعيهم ويفل حدهم ويجعل الدائرة عليهم .. آمين
هذا رابط مقاله الآثيم (http://www.aawsat.com/details.asp?section=17&issueno=11641&article=590512&feature=1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، ولا عدوان إلا على الظالمين ..
وبعد .. فإني في مقالتي هذه خالفت عادتي في عدم استخدام بعض الأوصاف التي أخاطب بها المخالفين، لا لتغير أصل طريقتي في خطابهم، ولكن لأن الأمر أعظم وأشد وأخطر من أن أستطيع السكوت عنه .. فأعتذر مسبقاً على الأذى الذي قد أسببه لبعض الأخوة الذين لا يرتضون هذه الطريقة، والتي لا أرتضيها أنا في كثير من الحالات في جدال المخالفين من أهل الباطل..
فقد كتب اليوم الثاني عشر من شهر أكتوبر 2010 م .. المدعو عائض القرني، مقالاً أرفقته كاملاً في هذه المشاركة، وعقبت في هذه المقالة على أهم ما ذكره ..
فأقول: بعد البسملة والحمدلة الآتي:
من سنن الله تعالى التي خلقها في هذا العالم، أنه سبحانه وتعالى يحفظ دينه ويحميه، على أيدي العلماء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) .. وإن الله تعالى يغار على دينه أن يعبث به العابثون، فيقيض الله تعالى العلماء وأتباعهم من أجل إظهار الحق وإعلائه..
ومن هذه السنن أن أهل البدع والضلالة الذين تعلوا أصواتهم ويتخذون للإمامة يُسْتدرجون إلى أن يصلوا إلى يعلنوا آراءا ومذاهب لم يقلها أحدٌ من قبلهم، مخالفة صراحة لما ثبت من الدين، بها يتبين لكل ذي عينين مدى فساد آراء أصحابها وضلالهم ..
وهم في كل الأحوال فتنة لعباد الله تعالى، يضلونهم ويلبسون عليهم دينهم ..
ومن أظهر الطوائف التي ضلت عن الحق وانحرفت عنه، وصارت لها الجولة والصولة منذ منتصف القرن الهجري الماضي وبدايات هذا القرن إلى يومنا هذا طائفة المجسمة المشبهة ذوي الأهواء والبدع ..
ولم تكن بدعتهم في العقائد فحسب، كما يحسبه بعض الناس، لكن بدعتهم عمت علوم الدين المختلفة .. لا اختلاف في ذلك بين فصوله وأصوله ..
وقد طلع علينا منذ مدة في عصر الإعلام شخص التبس بالجهل مذهباً، وتمسح بلباس أهل السنة والجماعة، انتشر صيته بين عوام المشبهة، وانطلى تلبيسه على جماعة عظيمة من الدهماء .. ذلك هو الدكتور عائض القرني، عامله الله بعدله ..
فكان من سيئات هذا الجاهل أن كتب تفسيراً في القرآن الكريم، تجرأ فيه أعظم جرأة على تفسير كلام الله تعالى، بدون أن تكون له أي آلة من الآلات العلوم التي ينظر بها في كتاب الله، بل إنه زعم أن فهم القرآن الكريم ينبغي أن يكون بدونها، في مقدمة ذلك العمل المشين الذي عمله، حيث قال:
(هذا التفسير يسير قريب قدمت فيه المعاني بأسلوب مفهوم، ولغة واضحة، فلا أذكر فيه الآيات المتشابهة بل أبقيها في مواضعها، وكذلك لا أورد أحاديث ولا آثاراً إلا فيما ندر وباختصار، وقد أعرضت عن ذكر الأقوال والخلافيات، وعمدت إلى الراجح والظاهر من الآية، ولم أورد فيه شواهد شعرية، ولم أبحث مسائل نحوية ولا قضايا لغوية ولا وجوه قراءات، ولا إسرائيليات ولا نقولات عن العلماء ولا استطرادات، وإنما اقتصرت على زبدة النقول، وخلاصة الكلام، وربما أذكر بعض الحكم واللطائف والفوائد والأسرار إذا وجدت بإيجاز، وقد التزمت منهج السلف أهل العلم والإيمان، وجانبت مذاهب المخالفين لهم)
.. إلى آخر هذيانه، الذي تجرأ فيه على الكلام في كلام الله تعالى، حيث فسر القرآن الكريم على هواه، دون بيان أي مستند، بل بدون وجود أي علم أصيل يبني عليه تخريفه الذي سماه تفسيراً، وليس فيه من التفسير شيء. وقد فرح بهذا أهل مذهبه ونحلته، لأنه فتح لهم باباً به يقولون في كلام الله ما يشاؤون، دون رقيب أو حسيب، فلعنة الله عليه وعلى أعوانه وأصحابه.
واليوم يكتب مقالة في جريدة الشرق الأوسط، للطعن في علوم الأمة الإسلامية قاطبة، منذ عصر تدوين العلوم إلى يومنا هذا، عنونه بـ (مهزلة حفظ المتون) تجرأ بذلك على الطعن في كل ما كتبه العلماء في شتى العصور في شتى العلوم من كتب يجمعون فيها أصول العلوم ومبادئه.
ولا أقول هذا مبالغة في التشنيع عليه، بل هي حقيقة تجدها في مقالته المرفقة في هذه المقالة كاملة.
وجاء في مقاله الأثيم تصوير كتب المتون على أنها مضادة لفهم الكتاب والسنة، والاهتمام بهما !! قبح الله فهمه وقوله.
قال هذا الجاهل ما نصه:
(كان الصحابة والقرون الثلاثة الأولى المفضلة عاكفين على الكتاب والسنة حفظا وتدبرا، فلم يكن عندهم متون أخرى في النحو أو البلاغة أو العقيدة أو المصطلح أو الفرائض، ولم يكن أئمة الإسلام كالثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم يحفظون إلا الكتاب والسنة).
أقول: هذا يدل على دلالة واضحة على جهل قائله بالعلوم وتاريخها، فإن التصنيف في العلوم إنما أريد به حفظها، والمحافظة عليها، ولم يكن أحد من الصحابة في حاجة إلى متن في النحو لأنه لسانهم الذي لا يخطئون فيه، ولم يكن مجتهدو الصحابة في حاجة إلى كتابة الأصول لأنها صفة لهم وعلم تعلموه وتلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم.
وبسبب جهله العريض بالعلوم فإنه يتصور أن القرآن الكريم والسنة الشريفة قد ذكرت كل شيء تفصيلاً، وما علم هذا أن هذه المصادر ذكرت أصول العلوم، وأن ما فهمه الصحابة والتابعون لهم والعلماء من بعدهم إنما بني على هذين الأصلين، وتدوينه إنما هو تدوين لتلك المعاني، لكن هذا الجاهل يريد أن يرجع بنا إلى الوراء، فنبدأ كما بدأ الصحابة، بفهم الكتاب والسنة على ما يفهمه عقله السقيم –إن كان له عقل-، وما درى الجهول بأنه لن يستطيع قراءة القرآن دون متون التجويد، ولا قراءة الحديث والنظر في بدون علم المصطلح، فضلاً عن أن يفهم –إن كانت عنده آلة فهم خَلْقية- معاني الكتاب والسنة بدون فهم متون البلاغة وفنون العربية.
أما الفرائض وفروعها فلا أشك لحظة أنه أجهل الناس بها، فمن أين له أن يفهم مسائلها بغير استعانة بمتون الفرائض التي ما جمعت إلا مسائل هذا الفن المستنبطة من القرآن وليست كلها في القرآن، بل فيها ما لدى الصحابة الكرام، وفيها ما قيس عليها وما استنبط من قواعدها، فأي متن من متون الفرائض وغيرها يعتبرها هذا الشخص معبرة عن الضعف العلمي والتقليد وفتور الهمم وبرود العزائم!!
بل زاد على ذلك بأن زعم زعماً باطلاً أن هذه المتون شغلت المسلمين عن القرآن والسنة!! في الوقت الذي هي آلة لفهم القرآن السنة، لكنه عري عن هذه الآلة، وبسبب جهله بهذه المتون؛ إما لأنه لم يطلع عليها أساساً، أو لأنه لم يفهمها بل قرأها قراءة صحيفة يومية يكتب فيها أشباه المتعلمين!!
وهل يمكن لطالب العلم أن يقول بأن قول العلماء: من حفظ المتون حاز الفنون» كلمة سقيمة!! إن فهم هو السقيم، وما يظن أنه يعلمه هو الجهل بعينه...
ولا يكتفي بذلك بل يستهزي بها أقبح استهزاء يدل على خفة عقله، وسوء طويته عامله الله بعدله، فيقرن متون العلوم الإسلامية بقوله الفاسد:
(، غير المواد التي أضافوها، كعلم الآثار، والجغرافيا، وعلم الأزياء، وفن زراعة البقدونس، والتخصص في جمع الحطب وتكسيره، والتفقه في سيرة السلاجقة، ودراسة كيف يلبس الآشوريون، وموعد الطعام عند ملكة تدمر)!!
ويضرب مثالاً على دعواه الفاسدة بأ، المتون هي التي أخرت الأمة، يضرب المثال بأهل العلم في موريتانيا التي اشتهرت بالعلوم ومازالت مأوى لطلبة العلوم المختلفة، على عدم الإبداع في العلوم، وما درى الجاهل بأي شيء فيها، فإنه لم يطلع على ما كتبه علماء شنقيط من العلوم المختلفة، قديماً وحديثاً، وما خروجه من علماء وطلاب يعلمون الناس دينهم وقرآنهم وسنة نبيهم .. فأي جناية بعد ذلك يجنيها هذا السفيه.
ثم يقارن علوم هؤلاء بالألباني الذي لم يكن يحفظ حديثا ًواحداً ففضحه الله تعالى بتناقضه في الحديث وظهور جهله العريض بالعلوم كلها، ولعل مرجع ذلك إلى أنه لم يقرأ متناً واحداً في العلوم.
ثم يقول هذا الجهول:
(كل هذه المتون والفنون جعلت الجيل في حيص بيص» فشغلت الذهن، وأسقمت العقل، وشتتت الانتباه، حتى إني رأيت بعض المشايخ في بعض الدول التي زرناها يحفظ عشرات المتون ويعيدها ويكررها ليل نهار حتى صار نحيفا نحيلا كالجرادة الصفراء، فأصبح كآلة التسجيل، فقط يحفظ ويكرر، وشغل عن الكتاب والسنة وعن التفقه في الآيات والأحاديث)
ونسي أن هؤلاء هم الذين حفظوا القرآن، وهل يستطيع هذا الجهول أن يذكر لنا طريقاً لحفظ قراءات القرآن الكريم وتفاصيل قواعد تجويده غير المتون الموجودة في الأمة من الشاطبية والجزرية!!
ثم يزعم أنه:
(ليس بصحيح قولهم: من حفظ المتون حاز الفنون»، بل الصحيح: من حفظ الكتاب والسنة هدي إلى الجنة»)
، وكأن حفظ هذه المتون يقود إلى النار، وإلى تأخر الأمة وتخلفها !!
نعم من تعلم هذه العلوم عرف حقيقة هؤلاء الأدعياء الجهلة المجسمة، ومن قرأ العلوم نفر عن أهل الجهل والغباء، ومن تعلم دينه عرف طريق الحق وميزه عن طريق الباطل .. ولذلك فإن الطريق إلى نشر البدع والضلالات التي يروج لها هؤلاء هو الطعن في العلوم كلها .. وهل هذا إلا كيد إبليس للأمة ..
وما بقية مقاله إلا هراء وعواء، ليس فيه إلا الصياح والنعيق، ملبساً إياه باسم الأجلة من الصحابة وأئمة المسلمين .. ليمرر ضلاله من خلالهم..
لا أملك إلا أن أشد على أيدي طلاب العلم أن ينشروه، وإلى أهل العلم أن يستمروا ولا يلتفتوا إلى هؤلاء، بل يحذرون منهم ويفضحونهم، وأتوجه إلى الله تعالى أن يلعن هؤلاء لعناً كبيراً وأن يخيب سعيهم ويفل حدهم ويجعل الدائرة عليهم .. آمين
هذا رابط مقاله الآثيم (http://www.aawsat.com/details.asp?section=17&issueno=11641&article=590512&feature=1)