المساعد الشخصي الرقمي

عرض الإصدار الكامل : ليس كمثله شيء


كنز 2010
30/08/2009, 03:55 PM
التشبيه من الأدوات المهمة التي استعملها العرب سواء في الشعر أو النثر، وأقرب أنواع التشبيه ذلك الذي يكون مجرداً عن الأداة، كمن يشبه حبيبته بالقمر مباشرة ويقول [هي القمر] فهذا النوع من التشبيه يعتبر أقرب الطرق لتشبيه شيء بشيء آخر، وقد اعتمد أحد الشعراء هذا الضرب من التشبيه مبالغة في وصف حبيبته بالشمس رغم اليأس من قربها كما قال:



هي الشمس مسكنها في السماء......فعز الفؤاد عزاءً جميلاً

فلن تستطيع إليها الصعود......ولن تستطيع إليك النزولا



ولذلك كلما أضاف الشاعر أداة للتشبيه يكون الشبه أبعد فإذا قال هي [مثل القمر] أو كالقمر ففي هذه الحالة باعد بين المشبه والمشبه به فإذا جمع أكثر من أداة كان نوع الشبه أبعد، كقولنا [هي كمثل الشمس] هنا نجد أن المسافة أصبحت أكثر بعداً، كقول أوس بن حجر:



ليس كمثل الفتى زهير......خلق يوازيه في الفضائل



وقد جاء عن العرب استعمالهم للكاف زيادة في التوكيد كما قال خطام المجاشعي:



أهل عرفت الدار بالغريين......لم يبق من آي بها يحلين

غير خطام ورماد كنفين......وصاليات ككما يؤثفين



ومن هنا يظهر أن قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) الشورى 11. اجتمعت فيه أكثر من أداة لنفي الشبيه أو المثيل وهذا أبلغ في التباعد بينه تعالى وبين كل ما عداه.



ولذلك فإننا نجد أن أكبر الأخطاء التي وقع بها المشبهة هو اعترافهم أن الله تعالى ليس كمثله شيء ولكنهم أثبتوا له السمع والأبصار بما يناسب حياتنا وحجتهم قوله [وهو السميع البصير]. وهذا قياس مع الفارق لأنه تعالى وإن كان قد وصف نفسه بالسميع البصير فلا يمكن اعتبار تلكما الصفتين كما هو الحال لدى المخلوقات.



والحقيقة إنه تعالى وإن كان متصفاً بالسمع والبصر والقدرة والعلم والحياة وغيرها من صفاته التي ذكرت في القرآن الكريم إلا أن تلك الصفات ترسم لدينا مفهوماً ذهنياً يناسب تصوراتنا التي تلامس الاعتبارات اللفظية التي نستعملها في لغتنا وليس الحقيقة الوجودية لتلك الصفات بواقعها الغيبي الذي لا يمكن الإحاطة به إلا بوجه من الوجوه الإيمانية التي تختلف من شخص لآخر.



لأن الواقع الخارجي لتلك الصفات يعني أن كل واحدة منها هي عين الأخرى وليست متباينة معها فمثلاً مقدرة زيد على قيادة السيارة أفضل من مقدرته على السباحة وهكذا بالنسبة لجميع الممكنات، ولكن علم الله تعالى هو عين سمعه وبصره وذاته وقدرته ....الخ.



ومن هنا يظهر الدليل على أن الله تعالى واحد لا شريك له ولا يماثله شيء من مخلوقاته مهما كان نوع المسميات التي تفرعت على تلك المخلوقات، لذا فلا يمكن للمخلوقات التشابه مع واجب الوجود لا في الذات ولا في الصفات أو الأفعال، فأي نوع من الاعتقاد يفضي بالإنسان إلى الشك بالمماثلة يكون داخلاً في الكفر، وكذلك فإن الصورة التي يتخيلها البعض لله تعالى ماهي إلا أوهام تخرج الإنسان عن حقيقة الدين الذي شرعه الله تعالى عن طريق أنبيائه الذين اجتمعوا على نبذ عبادة الأوثان والتوجه إلى عبادة إله واحد ليس كمثله شيء.



وقد اختلف أصحاب الديانات منذ القدم بهذا الموضوع وكذلك المذاهب والفرق الإسلامية جميعها على اختلاف مللهم ونحلهم إلا ما رحم الله، فمنهم من شبه المخلوق بالخالق بنوع من التوسع ومنهم من أخذ الجانب المعاكس وشبه الخالق بالمخلوق.



فمن أمثلة القسم الأول هو ما وقع فيه أقوام كثر على مر التأريخ، حيث نسبوا للمخلوق علم الغيب والضر والنفع لدرجة أن هذا النوع من التأليه أشرب في قلوبهم حتى إمتدت عبادتهم للأشخاص الذين وقع عليهم الاختيار إلى ما بعد موتهم ومفارقتهم هذه النشأة وقد مثلوا لهم صوراً مختلفة وتماثيل، ومن هنا بدأت عبادة الأوثان لدى الكثير من الأمم حتى أصبحوا لا علم لهم بالخالق نفسه وإنما أصبح المعبود بنظرهم هو الصنم الذي أخذ صفة الوسيط بينهم وبين الله تعالى، إلى أن صار توجههم يختص بالأوثان بعد رفع الواسطة التي اعتمدوها بادىء الأمر.



ولذلك كانت دعوات الأنبياء تواجه بالرفض كما حدث مع قوم نوح [عليه السلام] الذين هم أول من أشرك بالله تعالى، ولذلك حين دعاهم نوح إلى عبادة الله كان ردهم هو التمسك بأسماء كبارهم الذين جعلوا لهم هياكل منحوتة تمثلهم كما نقل ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) نوح 23.



وهذه الأسماء التي ذكروها هي بالأصل لأناس كان لهم شأن وقدسية حسب اعتقادهم، ولذلك عملوا لهم تلك التماثيل وشرعوا بعبادتهم، وقد انتقلت هذه السنة إلى الأمم التي لحقت بأمة نوح وهذا ما جعل الوثنية والاعتقادات الباطلة تعم مختلف أرجاء الأرض، حتى أن العرب كان لهم الكثير من الآلهة التي يعبدونها أو يتقربون بها وهكذا أصبح الشرك عندهم هو المنهج المتبع، حتى تطورت عبادتهم نحو الظواهر الكونية والملائكة والكواكب وما إلى غير ذلك.



أما في وقتنا الحاضر فقد وجد الإنسان معبودات أخرى من دون الله يقتني الصور الخاصة بهم ويتبعهم في جميع الأوامر الصادرة عنهم، وليس ثمة بارقة أمل تلوح في الأفق طالما ظل الإنسان مسيراً بيد من يطلق عليهم أولي الأمر، وهذا السنخ من العبادة أكثر وبالاً على الأمة من عبادة الأصنام نفسها.