المساعد الشخصي الرقمي

عرض الإصدار الكامل : يغفر الذنوب لمن شاء


الشيخ البلوشي
11/05/2009, 09:29 PM
يغفر الذنوب لمن شاء

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ( كان – أي في بني إسرائيل – رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا متّ فأحرقوني، ثم اطحنوني, ثم ذروني في الريح، فو الله لئن قدَر عليّ ربي ليعذّبني عذاباً ما عذبه أحداً.
فلما مات فعل به ذلك.
فأمر الله تعالى الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه – ففعلت.
فإذا هو قائم فقال – تعالى - : ما حملك على ما صنعت؟
فقال: خشيتك يا رب.
فغفر الله عز وجل له.

و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
( بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوكٍ على الطريق فأخّره – أي أزاله عن الطريق – فشكر الله تعالى له فغفر له)

جاء في حديث أبي الذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه عزّ و جلّ أنه قال: ( يا عبادي إنكم تخطئون بالليل و النهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم)

فالله تعالى يغفر لمن شاء بأيّ سبب شاء، فإنه القدير على كل شيء، و قد يعذّب من يشاء بأي سبب شاء ظاهر أو مخفي، كبير في نظر الناس أو صغير، و لكن عنده فهو كبير، فقد يعذب به مع أن صاحبه له أعمال صالحة و أقوال طيبة، و لكن فعل ذنباً هو عند الله كبير، و إن كان في نظر الناس صغيراً قال تعالى:
( لله ما في السماوات و ما في الأرض و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء و الله على كل شيء قدير)

روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مرّ بقبرين فقال: ( إنهما ليعذّبان، و ما يعذبان في كبير – أي في نظر الناس – بلى إنه كبير – أي إنه عند الله كبير – أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، و أما الآخر فكان لا يستتر من بوله)


و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.
----------------------
اللهم ارحمنا فوق الأرض و ارحمنا تحت الأرض و ارحمنا يوم العرض عليك

مرايا صافية
11/05/2009, 09:51 PM
مشكور أخوي
جزيت خيرا

بياعة الخواتم
11/05/2009, 09:54 PM
الله يجزيك الجنة

الأسطورة غلام خميس
11/05/2009, 10:47 PM
بارك الله فيك أخي العزيز.. وغفر الله لك ولوالديك وذريتك وأهلك أجمعين

محب الشيخ حسن السقاف
11/05/2009, 11:42 PM
ـ قوله تعالى : ( قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم ) الأنعام 128.

2 ـ قوله تعالى : ( فأمَّا الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق . خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعَّال لما يريد ) هود 106/107.

ووجه الاستدلال بالآيتين ما فيهما من استثناء مشيئة الله تعالى مع ما في آية هود من جعل بقائهم في النار منوطاً بدوام السماوات والأرض مع العلم أن السماوات والأرض فانية ، والمعلق وجوده على وجود الفاني فهو فان .

وأجيب عن الأول بأجوبة متعددة أقواها أن الاستثناء لا يدل على الانقطاع ، لأن الاستثناء بمشيئة الله يرد في كلام الله للتنبيه على أن المخبر عنه كائن بمشيته عز وجل ، فلو شاء خلافه لكان ، وذلك كما في قوله تعالى : ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) الأعلى 6/7 ، مع القطع بعدم نسيانه صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أوحاه الله إليه وأقرأه إياه ، ومثل ذلك تعليق وعده تعالى الجازم بمشيئته كما في قوله سبحانه : ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) الفتح 27 ، مع ما عهد من كون ( إن ) تدخل على الشرط غير المقطوع به وهو هنا لا يجوز قطعاً لمنافاته لتأكيد وعد الدخول بلام القسم ونون التوكيد مع ما سبقه من قوله سبحانه : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ).

وأجيب عن الثاني بأجوبة متعددة بأجوبة متعددة كذلك أوْلاها بالاعتماد عليه أن السماوات والأرض المقصودة في هذه الآيات ليست سماوات الدنيا وأرضها ، وإنما المراد بها ما أظلهم وما أقلهم من سماوات الآخرة وأرضها ، لأن دخول الجنة الذي وُعد به الأبرار ، ودخول النار الذي توعد به الفجار لا يكون مع بقاء السماوات والأرض الدنيوية ، لأن ميقاتهما ينتهي بعدما تتداعَى أجزاء الكون في نشأته الأولى ، ويأتي ما وعد الله به في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) إبراهيم 48.

ولا يخفى على ذي بال أن الاستدلال على انقطاع عذاب أهل النار بالاستثناء الذي في آيتي الأنعام وهود ، والتعليق بدوام السماوات والأرض في آية هو يُلزمهم أن يقولوا مثل ذلك في ثواب المؤمنين في الجنة ، لأن آية هود أُتبِعَت بقول تعالى : ( وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) هود 108 ، فالاستثناء كالاستثناء ، والتعليق كالتعليق ، وهذا الإلزام خاص بابن القيم ومن نحا نحوه من المفرقين بين الثواب والعذاب دون الجهمية لأنهم يقولون بانقطاع كل منهما .

ولا مخلص لأولئك بقوله تعالى في خاتمة آية السعداء : ( عطاء غير مجذوذ ) هود 108 ، مع قوله فيما قبلها : ( إن ربك فعال لما يريد ) هود 107 ، لأن القرآن - وإن تباعدت آياته في الترتيب أو النزول - يصدق بعضه بعضاً ، وكما دل قوله : ( عطاء غير مجذوذ ) على استمرار النعيم ، دل قوله : ( وما هم بخارجين من النار ) البقرة 167 ، وقوله : ( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) فاطر 36 ، وقوله : ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها ) السجدة 20 ، وقوله : ( إن عذابها كان غراما . إنها ساءت مستقراً ومقاما ) الفرقان 65/66 ، وقوله : ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) المائدة 37 ، وقوله : ( وما هم عنها بغائبين ) الانفطار 16 ، وقوله : ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) الأعراف 40 ، على استمرار العذاب وحرمان أهله من نعيم الجنة ، وكفى بهذه النصوص دليلاً على أن الله لم يشأ بهم إلا العذاب .

والمشيئة في هذه الآيات مجملة لم تُبَيَّن .

والآيات المصرحة بدوام العذاب كالتي أوردها صريحة ليس على دلالتها غبار ، والأمور العقائدية تتوقف على النصوص الصريحة فلا تستسقى علومها من الأدلة الإجمالية ، فكيف يلجأ إلى المجملات مع وجود التفصيل ، والتناسخ في أخبار الشارع لا يجوز بحال ، لأنه سبحانه لا تبدو له البدوات ، ولا يجهل شيئاً مما يكون ، ولا يوحي إلا بالصدق ، فلا معنى لما رواه ابن جرير وغيره عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه أنه قال في هذه الآية - أي آية هود - تأتي على القرآن كله إذ لم يكن للقرآن أن يكذب بعضه بعضا ، وما كان لجابر - وهو الصحابي الجليل المتخرج من مدرسة النبوة - أن يَجْرُؤَ على مثل هذا القول ، وإنما هو من افتراءات أهل الأهواء وتلفيقات أصحاب الغرور .

ولصاحب المنار في تفسير آية هود تحرير وضع فيه المقصل على المفصل ، ونصه :
( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ، أي ماكثين فيها مكث بقاء وخلود لا يبرحونها مدة دوام السماوات التي تظلهم والأرض التي تقلهم ، وهذا بمعنى قوله في آيات أخرى : ( خالدين فيها أبدا ) ، فإن العرب تستعمل هذا التعبير بمعنى الدوام ، وغلط من قالوا : المراد مدة دوامها في الدنيا ، فإن هذه الأرض تبدل وتزول بقيام الساعة ، وسماء كل من أهل النار وأهل الجنة ما هو فوقهم ، وأرضهم ما هم مستقرون عليه وهو تحتهم ، كما قال ابن عباس لكل جنة أرض وسماء ، وروى مثله السدي والحسن .

( إلا ما شاء ربك ) أي أن هذا الخلود الدائم هو المعد لهم في الآخرة المناسب لصفة أنفسهم الجهول الظالمة التي أحاطت بها ظلمة خطيئاتها وفساد أخلاقها كما فصلناه مراراً ( إلا ما شاء ربك ) من تغيير هذا النظام في طور آخر فهو إنما وضعه بمشيئته وسيبقى في قبضة مشيئته ، وقد عهد مثل هذا الاستثناء في سياق الأحكام القطعية للدلالة على تقييد تأبيدها بمشيئته تعالى فقط لا لإفادة عدم عمومها كقوله تعالى : ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ) ( 7 : 188 ) أي لا أملك شيئاً من ذلك بقدرتي وإرادتي إلا ما شاء الله أن يملكنيه منه بتسخير أسبابه وتوفيقه ، ومثله في (10:49) مــع تقديم الضّر ، وقوله :( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) (87 : 76) على أن الاستثناء لتأكيد النفي أي إنه تعالى ضمن لنبيه حفظ هذا القرآن الذي يقرئه إياه بقدرته ، وعصمه أن لا ينسى منه شيئاً بمقتضى الضعف البشري ، فهو لا يقع إلا أن يكون بمشيئة الله ، فهو وحده القادر عليه .

إن ربك فعال لما يريد ، فهو إن شاء غير ذلك فعله ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وإنما تتعلق مشيئته بما سبق به علمه ، واقتضته حكمته ، وما كان كذلك لم يكن إخلافاً لشيء من وعده ولا من وعيده ، كخلود أهل النار فيها ، فإن هذا الوعيد مقيد بمشيئته ، وهي تجري بمقتضى علمه وحكمته )(1) .

3 ـ قوله تعالى : ( لابثين فيها أحقاباً ) النبأ 23 ، ووجه استدلالهم به أن الأحقاب متناهية ، وما دام لبثهم فيها مقدراً بقدرها فهو متناه أيضاً .

وجوابه أنه كما لا تتناهى الأنفاس في الدار الآخرة مع أنها لا نسبة بينها وبين الأحقاب في مقدار ما تستغرقه من الزمن ، فالأحقاب أبعد عن التناهي ، على أن لفظة الأحقاب مأخوذة من أحقب إذا أردف فهي أدل على الترادف المستمر الذي لانقطاع له .

وقد أحسن الفخر الرازي حيث قال في تفسير الآية : فإن قيل : قوله : ( أحقاباً ) وإن طالت إلا أنها متناهية ، وعذاب أهل النار غير متناه ، بل لو قال لابثين فيها الأحقاب لم يكن هذا السؤال وارداً ، ونظير هذا السؤال قوله في أهل القبلة : ( إلا ما شاء ربك ) قلنا الجواب من وجوه :

ـ الأول : أن لفظ الأحقاب لا يدل على مضي حقب له نهاية ، وإنما الحقب الواحد متناه ، والمعنى أنهم يلبثون فيها أحقاباً ، كلما مضى حقب تبعه حقب آخر .

ـ والثاني : قال الزجاج المعنى أنهم يلبثون فيها أحقاباً لا يذوقون في الأحقاب برداً ولا شراباً ، فهذه الأحقاب توقيت لنوع من العذاب ، وهو أن لا يذوقوا برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقاً ، ثم يبدلون بعد الأحقاب عن الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب .

ـ وثالثها : هب أن قوله : ( أحقاباً ) يفيد التناهي لكن دلالة هذا على الخروج دلالة المفهـوم ، والمنطوق دل على أنهم لا يخرجون ، قال تعالى : ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) المائدة 37 ، ولاشك أن المنطوق راجح .

وذكر صاحب الكشاف في الآية وجهاً آخر ، وهو أن يكون أحقاباً من حَقِبَ عامُنا إذا قل مطره وخيره ، وحقب فلان إذا أخطأه الرزق فهو حَقِبٌ وجمعه أحقاب ، فينتصب حالاً عنهم بمعنى لابثين فيها حقبين مجدبين ، وقوله : ( لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً ) تفسير له(2).

وما نسبه إلى الزجاج قاله كثير من المفسرين ، ووجهـه أن جملة ( لا يذوقون .. الخ ) حال من فاعل ( لابثين ) وفسروا ذلك أنهم يلبثون فيها أحقاباً وهو لا يذوقون فيها بردا ولا شراباً إلا ما ذكر ، ثم ينتقلون إلى لون آخر من العذاب وهو تعذيبهم ببرد الزمهرير ، الذي يتمنون أن ينفكوا عنه بالعودة إلى جهنم والعياذ بالله ، وعلى هذا فلا إشكال ولو باعتبار الأحقاب متناهية ، ومهما يكن فإنهم لم يستدلوا بنص يفيد ما دعوه ، وإنما بتأويلات تقابل بما يبطلها ، والأمور العقائدية - كما قلت - لابد من الاستناد فيها على النصوص القاطعة .

وأما الرواية فحديث عبدالله بن عمرو بن العاص ( ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد ) ولا يتم به الاستدلال ، لأنه قبل كل شيء حديث آحادي لا تنهض به حجة في القطعيات ، فضلاً عما في متنه وإسناده من نُكاره ، ولو قدرنا صحته لكان الواجب تأويله بما يتفق مع قواطع النصوص ، وهو أن أهلها ينتقلون عنها إلى الزمهرير ، ومع ضعف الحديث لا داعي إلى مثل هذا التأويل .

وأما النظريات الفلسفية فمنها ما تقدم نقله عن الجهمية ، ومنها ما أورده ابن القيم في كتابيه الصواعق المرسلة وحادي الأرواح(3) .

ويتلخص في أن الرحمن الرحيم ، البر الكريم ، العزيز الحكيم ، أجَل من أن يخلق نَشْئاً للشر دون الخير ، وللعذاب دون الرحمة ، وأن فطرة الله في الإنسان هي التوحيد والتقوى والإخلاص غير أنها تتكدر بأكدار من العصيان متفاوتة ، منها ما تصقله الدعوة ، ومنها ما يصقله العذاب الموقوت بأمد أقل ، ومنها ما يحتاج صقله إلى فترة أطول في العذاب ، وأن الغاية من ذلك أن يدرك الإنسان ضعفه بين يدي ربه وافتقاره إلى رحمته ، واضطراره إلى لطفه ، وعدم طاقته على تحمل نقمته مع إدراكه قوة الله وبطشه ، وأنه عظيم المن والإحسان إلى خلقه ، فإذا أدرك العبد ذلك وانجلت فطرته من صدأ العصيان ، وتراجع إيمانه بعدما طار به طائر الكفران لم يبق معنى لتعذيبه ، لأن الله تعالى منزهة أفعاله عن التجرد من الحكمة ، ولا حكمة في العذاب الدائم ، وقد وزع ابن القيم ما استنتجه من هذه الفلسفة وتأوله من القرآن ، واستند إليه من الآثار إلى خمسة وعشرين وجهاً .

محب الشيخ حسن السقاف
11/05/2009, 11:43 PM
وقد أورد صاحب المنار نص كلامه في حادي الأرواح ، وأتبعه من عبارات الإعجاب والثناء ما يدل على أنه منجذب إليه ، وذلك في تفسير آية المشيئة من سورة الأنعام(4) ، وهو مخالف لما سبق نقله عنه في تفسير الاستثناء بالمشيئة في آية هود ، كما أنه مخالف لما نقلناه عنه من كلامه في مقدمة تفسيره لسورة البقرة ، وما سننقله إن شاء الله عنه من النصوص الأخرى .

ويدحض هذه النظريات أن الله تعالى لا تتقيد أفعاله بأنظمة تحكمها عقول البشر ، ولا ترتبط بنواميس تستوحىَ من خيالات الناس ، وإنما يفعل - جل شأنه - ما يشاء ويحكم ما يريد ، ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) وعلينا أن نعتقد أن عقولنا المحدودة أكَلَّ وأعجز وأحسر من أن تحيط بحكمه تعالى في أفعاله ، أو تكتنه أسراره في خلقه ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) الإسراء 85 ، وما علينا إلا أن نسلم تسليماً لأخبار الله التي لا تتبدل ، ومن بينها أخبار الوعيد لِقَطْعِنا أن الله عز وجل لا يقول إلا الصدق ، كما أنه لا يأمر إلا به ( ومَن أصدق من الله قيلاً ) النساء 122 .

ولو فتحنا هذا الباب ، وأسندنا إلى عقولنا الحكم على أخبار الله ، لما كانت لذلك نتيجة إلا رد كثير من النصوص بل أكثرها ، لأن الشيطان لا يزال يوسع هذه الثغرات ويوالي ، توجيه طعنات التشكيك في النصوص ، لحمل الناس على ردها أو على تأويلها بمختلف التأويلات الباطلة المخالفة لما يراد بتلك النصوص ، على أن نصوص تأبيد عذاب النار كنصوص تأبيد نعيم الجنة ، فإذا جاز تأويل تلك فما الذي يمنع من تأويل هذه ؟ .

ومن دواعي العجب أن يلجأ ابن القيم إلى المدرسة العقلية في تعليل أفعاله تعالى مستنداً إلى ما يوحي به العقل من التحسين والتقبيح ، مع أنه هو الأثري المتعصب الذي يمنع كل المنع تأويل الآيات المتشابهات بما يتفق مع معاني أمهاتها المحكمات ، ويستلزمه تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه ، وتسوغه اللغات وأعرافها ، وتقتضيه القرائن السمعية والعقلية ، فما أبعد البون ما بين الموقفين .

وقد أعرضت عن سرد كلامه وتتبعه بالنقض ، مكتفياً بإيراد هذا الملخص وإتباعه بما ذكرته ، توفيراً للوقت وإراحة للقارئ من مزيد عناء ، في قضية أصبحت الآن من المسلَّمات عند الأمة ، إذ لم يبق - فيما أحسب - من يذهب مذهب ابن القيم في التفرقة بين بقاء النعيم والعذاب على الإطلاق .

أما الطائفة الثانية ـ وهم الذين يفرقون بين عصاة الموحدين وغيرهم من أهل النار في مدة العذاب - فهم يستدلون كذلك بآيات من الكتاب وروايات من السنة ، واستدلال عقلي لما ذهبوا إليه ، أما الآيات فقد تعلقوا منها بما تعلقت به الطائفة الأولى ، وكفى بما سبق من النقض لاستدلال أولئك رداً على دعوى هؤلاء ، على أن تلك الآيات ليس فيها ما يدل بأي وجه على تفرقة بين عصاة الموحدين وغيرهم ، وإنما هي في وعيد جميع أهل النار والعياذ بالله ، اللهم إلا ما في سورة النبأ ، فإن ما وليه من ذم المتوعدين قاض بأنهم منكرون للبعث ، وذلك قوله تعالى : ( إنهم كانوا لا يرجون حسابا . وكذبوا بآياتنا كذابا ) فلو كان مطمع في خروجهم يلوح من قوله : ( لابثين فيها أحقابا) لكان أولى به المنكرون للبعث المكذبون بالكتاب ، ولكن أنّى ذلك وقد اختتم هذا الوعيد بقوله : ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) النبأ 30.

وتعلقوا أيضاً بما لا يشير إلى ذلك من قريب ولا من بعيد ، كقوله تعالى : ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) الحجر 2 ، ووجه تعلقهم به أن ودهم ذلك يكون عندما يرون عصاة المسلمين يخرجون من النار مع بقائهم فيها .

وهذا تأويل لا يقتضيه لفظ الآية ، ولم يقم عليه شاهد من غيرها ، لأن ودهم ذلك يحتمل أن يكون عندما يرون قوة الإسلام ضاربة في الأرض وسلطانه مهيمناً على الأمم ، وكلمته نافذة بين الناس ، فيودوا لو كانوا سابقين إليه ، ويحتمل أن يكون عندما تنتزع أرواحهم ، ويشهدون من طلائع أهوال الدار الآخرة ما لم يحتسبوه ، ويحتمل أن يكون عندما يبعثون من قبورهم ويواجهون الفزع الأكبر ، ويدركون أنه لا منجاة يومئذ إلا لمن اعتصم بحبل الإسلام وآوى إلى ركنه وأمسك بعروته ، وكل واحد من هؤلاء الوجوه مروي عن جماعة من مفسري السلف والخلف ، فلم يبق مجال للاستدلال بالآية على ما لم تكن نصاً عليه ولا ظاهرة فيه .

وأما الروايات فهي متعددة ولكن تقابلها روايات لا تقل عنها جودة ولا كثرة ، سأذكر بعضها إن شاء الله في آخر الفصل الآتي على أن روايات الخروج من النار معارضة لنصوص القرآن ، وروايات الخلود فيها متفقة معها ، ويتعين المصير في مثل هذه الحالة إلى ما اتفق مع القرآن لا إلى ما خالفه .

وأما الاستدلال العقلي فهو أنه لو تساوى عصاة الموحدين مع المشركين في الخلود لما بقي لكلمة التوحيد أثر ، ولا لأعمال البر فائدة .
وجوابه أنهم وإن تساووا في الخلود فهم غير متساوين في العذاب ، كما أن الأبرار لا يتساوون في الثواب بل يتفاوتون بتفاوت الأعمال ، والنار دركات كما أن الجنة درجات .

-------------------------------------------

(1) المنار ج12 ص160/161 الطبعة الرابعة دار المنار .
(2) التفسير الكبير للفخر الرازي ج31 ص13/14 ط2 دار الكتب العلمية بطهران .
(3) انظر الصواعق المرسلة ص22/240 ، مطبعة الإمام .. وحادي الأرواح ص252/277 دار الكتب العلمية .
(4) انظر المنار ج8 ص98/99 الطبعة الرابعة دار المنار .
المرجع من كتاب الحق الدامغ سماحة الشيخ احمد بن حمد الخليلي

اخناتون
12/05/2009, 12:22 AM
جزيت الجنان اخي
مشكور جدا