بن يربوع الساعدي
22/05/2007, 01:40 PM
هذا المقال في رد قوي على من يشكك في أدلة الكتاب الذي بلغت شهرته الأفاق وأحدث ثورة هي الأولى من نوعها في مجال البحوث التاريخية عن الأنساب ..
وكان صاحب هذا الكتاب هو المؤرخ القادم بقوه الا وهو الباحث الكبير .حماد الخاطري
[COLOR="Red"]
وجهة نظر حول كتاب "أوثق المعايير" لحماد الخاطري
نقد ... جهد استنفد سنوات في جمع المادة والتفاعل الذهني
إن الكتابة حول أنساب القبائل المعاصرة مسألة في غاية الحساسية، وها هو بحث حماد الخاطري (أوثق المعايير في نسب بني ياس والمناصير) الصادر مؤخرا عن مركز البحوث والدراسات في أبوظبي قد أثار زوبعة من الانتقادات الكتابية والشفهية لعل في مقدمتها المقال اللاذع الذي كتبه أحمد محمد عبيد على صفحات الخليج” الثقافي عدد السبت 5 مايو/أيار ،2007 وقد كنا نتوقع هبوب مثل تلك العواصف النقدية في وجه حماد الخاطري منذ سماعنا بمشروع التأليف. غير أن تلك الانتقادات - رغم مرارتها - لها مردود إيجابي إذ تشكل في النهاية حافزا للباحثين على البحث والتقصي والتحقيق سواء المعارضين منهم أو المؤيدين لما طرحه
حماد من آراء واستنتاجات، ويؤمل من ذلك الجدل المحتدم أن يثري هذا الفرع من العلوم الانسانية أعني علم الأنساب، وكلنا أمل أن تتسع الصدور لما يتم طرحه على بساط البحث، وأن يكون النقد للكتاب ومؤلفه نقدا بناء لا هداما. وقد حفزني مقال الزميل أحمد محمد عبيد لأن أبدي وجهة نظري في عدد من النقاط التي أثارها في مقاله وقد تطرقت فيها الى نقاط معينة علمية ومنهجية مكتفيا بها عن تتبع كل ما أثاره الكاتب من انتقادات على جزئيات كتاب حماد.
علي محمد المطروشي *
هناك مسألة لايعرفها غالبية قراء كتاب أوثق المعايير” وهي أنه مختصر عن كتاب أشمل يتكون من أربعة مجلدات للمؤلف نفسه لم تنشر بعد، وهي - حسب علمي- في سبيلها الى النشر، وقد أودعها نصوصا شعرية وتاريخية غاية في الأهمية بالنسبة للنسابة والمؤرخ وقد تكرم بإطلاعي على الكتاب، وكلنا أمل ألا تشكل زوبعة الانتقادات عامل إحباط للمؤلف تحمله على الاحجام عن نشر الكتاب الموسع.
إن المؤلف لم يطرح في كتابه المختصر (أوثق المعايير) إلا أدلة محدودة بسبب ظروف خارجة عن إرادته لايحيط بها إلا خاصة أصدقائه.
لكن الكتاب - ورغم ما وقع فيه من قصور وهنات - يعتبر عملا إبداعيا يستحق الاشادة والاطراء، فجوانب الابداع فيه متعددة يمكن ايجازها فيما يلي:
1- كونه أول كتاب متخصص في نسب قبائل محلية بعينها، بل من كبرى القبائل في الامارات، وهما قبيلتا بني ياس والمناصير.
2- أنه ضم حشدا من النصوص المهمة التي استطاع الباحث جمعها خلال زياراته الميدانية داخل الامارات وخارجها والتي تنشر للمرة الأولى.
3- سعى المؤلف لاكتشاف العلاقات والروابط بين القبائل المحلية وأصولها البعيدة والتي كانت غامضة ومستغلقة على الباحثين السابقين مما يدل على عبقرية فذة وذكاء متوقد لدى المؤلف من دون مجاملة.
4- للمرة الأولى يتم سرد أسماء العائلات المنضوية تحت فروع قبيلتي بني ياس والمناصير بهذا الزخم (رغم أن هذه الجزئية كانت مجالا للطعن على المؤلف كما سنبين لاحقا). لذا، فإن تحري النقائص والأخطاء في هذا العمل وغض الطرف عن جوانب الابداع فيه ليس من الانصاف في شيء، فالمؤلف مجتهد واستنتاجاته من النصوص تعبر عن رأيه الشخصي، وقد يستقرؤها غيره فيستنتج منها حقائق لم تخطر للأول على بال. وذلك تبعا لاختلاف البنية الثقافية التي لايتطابق فيها اثنان في عالم البشر.
هناك مشكلتان يعاني منهما الباحث في أنساب القبائل المحلية المعاصرة، تقفان حجر عثرة في سبيل الوصول الى الحقائق الشافية من ناحية، كما تعرضان الباحث للانتقاد والنقمة أحيانا، لذا فإنه يتعين علينا توضيحهما ليكون القارئ على وعي بمبررات القصور والأخطاء التي لا يكاد باحث في الأنساب ينجو منها:
المفهوم الأول
لكل قبيلة جد تنسب إليه، فمن كان من ذريته فهو من أبناء القبيلة، ومن لم يكن من ذريته فليس منها، ويعبر النسابون عن نسب الشخص التي تربط بينه وبين جد قبيلته سلسلة متصلة الحلقات بأنه (نسب متصل)، أما إن كان يقف في نسبه عند جد قريب من دون اكتمال حلقات سلسلة النسب، مع الجهل بتلك الحلقات، فيطلق على نسبه مصطلح (نسب منقطع).
إن الغالبية العظمى من قبائل الامارات خاصة، ومنطقة الخليج العربي عامة، هي من النوع الثاني (منقطعة النسب) لأسباب متراكبة وهي:
1- كون جد القبيلة مجهول الاسم الثنائي غالبا
2- غموض الفترة التي عاش خلالها ذلك الجد
3- العجز عن ربط آباء البطون بالجد الأعلى للقبيلة
4- ندرة وجود سلاسل متصلة تربط الأفراد المعاصرين بآباء البطون فضلا عن جد القبيلة الأول.
وتترتب على انقطاع النسب ثلاثة أمور سلبية هي:
أ- تغدو النسبة الى القبيلة ظنية لا قطعية، حيث تعتمد على التواتر والرأي الشائع.
ب- سهولة انضمام الدخلاء الى القبيلة (ستكون محل تفصيل لاحقا).
ج- أيلولة الميراث الى غير أهله في حالات الكلالة والجهل بأبناء العمومة الأبعدين.
وعلى ضوء هذا المفهوم فإن حماد الخاطري - بل وعموم النسابين المعاصرين - لن يكون أمامه إزاء البحث في أنساب القبائل المعاصرة المنقطعة النسب سوى التنقيب عن الاشارات المتفرقة في المصادر المطبوعة والمخطوطة وجمع أقوال الرواة الموثوق بهم والاستدلال بالشعر القديم وإعمال الفكر في الربط بين تلك القرائن لاستنتاج مايغلب على الظن أنه الصواب.
والحقيقة أن حمادا لم يدخر جهدا بل استنفد طاقته طوال سنوات في جمع مادة كتابه والتفاعل الذهني مع موضوع البحث حتى خرج على القراء بزبدة بحوثه الميدانية والاطلاعية والتي ضمت فوائد علمية كثيرة كانت غائبة عن الباحثين بسبب شح المصادر وتشتتها.
المفهوم الثاني:
تعتبر ظاهرة وجود دخلاء في كل قبيلة ظاهرة ضاربة في أعماق التاريخ الانساني، فقد كان الحليف والمولى يعتبران ضمن أفراد القبيلة مع التنبيه دائما الى أنهما ينتميان اليها بالحلف أو بالولاء، لكن انقطاع النسب في العصور الحديثة شكل عاملا مساعدا على بروز تلك الظاهرة بوضوح، فوجدت لدينا أسر وعائلات أصيلة متواترة النسبة، وأسر وعائلات انتسبت الى القبيلة إما عن طريق خؤولة أو مصاهرة أومجاورة أو ولاء عتاقة وتقادم انتساب بعضها بحيث تتابعت الأجيال وتقادمت السنون عليه، وبعد قيام الدولة تم توثيق انتماء تلك الأسر الى القبائل المنتمية إليها في خلاصات القيد وجوازات السفر، مما ساعد على تثبيت نسبتها رسميا، لكن تظل مسألة الطعون القديمة تتوارث لدى أبناء القبيلة الأصليين وذوي المكانة الاجتماعية الرفيعة في القبيلة، وهنا يكون الباحث في وضع لايحسد عليه - مثل زوج الضرتين - فإما أن ينسب الجميع، الأصيل منهم والدخيل، الى القبيلة فيكون محل سخط وانتقاد الفئة الأصيلة! وإما أن ينفي عن القبيلة من غلب على ظنه بأنه مطعون في نسبته وبالتالي سيكون هدفا لسهام هذه الفئة والتي تكون أحيانا ذات نفوذ ومكانة اجتماعية واقتصادية في المجتمع، فأيهما يرضي؟
أدنى الآراء الى الصواب
مع احترامي لزميلي أحمد محمد عبيد وأحقيته في طرح وجهة نظره فإن تشكيكه في صحة استنتاج حماد في نسبة بني ياس الى اياس بن عبدالأعلم الكلبي القضاعي من حيث وجود كثير من الشخصيات البارزة التي تحمل اسم إياس، ومن احتمال وقوع التصحيف والتحريف في اسم ولده (أحمد أم الخمة) ومن حيث إغفال كتب تراجم الصحابة لذكره فإن كل ذلك لا يعتبر سببا لنفي انتماء القبيلة أوبطون معينة منها الى إياس بن عبدالأعلم.
- فإياس نكاد نجزم بأنه معاصر للنبي صلى الله عليه وسلم استدلالا بأن حفيده جبلة كان معاصرا لمن عقد الحلف معه وهو محمد بن عمير بن عطارد التميمي، وكان جد محمد وهو عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي أحد أعضاء وفد بني تميم الذين جاؤوا الى النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن إياسا جد جبلة أيضا معاصر له أو مقارب لزمنه جدا، وإن إغفال ذكره في كتب تراجم الصحابة لا ينفي إسلامه ومعاصرته لعهد النبوة، فقد حج مائة ألف مسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة لكن من حظي منهم بترجمة لحياته في كتب تراجم الصحابة ذكورا وإناثا لم يبلغوا عشرة آلاف شخصية، فمن المحتمل أن إياس بن عبدالأعلم أسلم في ديار قومه ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعد صحابيا، كما أن تسميته لولده باسم (أحمد) رغم ندرته ربما كانت تبركا باسم النبي وأخذا من قول الله تعالى: ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد”.
- أما الخلاف في حقيقة الاسم وما إذا كان (أحمد أو الخمة) فليس هذا بخلاف جوهري في سلسلة النسب، وإن مخطوطات كتب التراث الاسلامي مشحونة بمثل تلك التصحيفات والتحريفات والاستاذ أكثر معرفة مني بعالم المخطوطات.
إن ترجيح حماد نسبة قبيلة بني ياس الى إياس بن عبد الأعلم الكلبي على نسبتها الى سواه ممن سموا بإياس من القبائل الأخرى إنما جاء استنادا على ما تيسر له الحصول عليه من المخطوطة القطرية والدلائل الشعرية المتوارثة التي تعتبر إضاءة - ولو كانت خافتة - في غياهب ظلمات الجهل بتاريخنا المحلي التي خيمت حنادسها حقبا متطاولة على تاريخ هذه البلاد حتى مطالع العصور الحديثة.
وإن نجاح حماد في العثور على تلك الاشارات التاريخية يعتبر في حد ذاته جانبا من جوانب الابداع ويعطي لكتابه قيمة علمية لايستهان بها، فقد تضافر الشعر النبطي القديم والتدوين التاريخي وما ورد عن المرحوم الشيخ زايد في الانتماء الى اياس المذكور ليعزز استنتاج حماد حول صحة نسبة الحلف القبلي الكبير(بني ياس ) الى اياس بن عبد الأعلم الكلبي القضاعي دون سواه، ولايخفى على الأخ أحمد أن لفظة (إياس) تخففت الى (ياس) عبر المراحل التي تحولت فيها المجتمعات العربية من اللغة العربية الفصحى الى العامية وتلك ظاهرة لغوية لا تقتصر على لغة العرب وحدهم.
وكان صاحب هذا الكتاب هو المؤرخ القادم بقوه الا وهو الباحث الكبير .حماد الخاطري
[COLOR="Red"]
وجهة نظر حول كتاب "أوثق المعايير" لحماد الخاطري
نقد ... جهد استنفد سنوات في جمع المادة والتفاعل الذهني
إن الكتابة حول أنساب القبائل المعاصرة مسألة في غاية الحساسية، وها هو بحث حماد الخاطري (أوثق المعايير في نسب بني ياس والمناصير) الصادر مؤخرا عن مركز البحوث والدراسات في أبوظبي قد أثار زوبعة من الانتقادات الكتابية والشفهية لعل في مقدمتها المقال اللاذع الذي كتبه أحمد محمد عبيد على صفحات الخليج” الثقافي عدد السبت 5 مايو/أيار ،2007 وقد كنا نتوقع هبوب مثل تلك العواصف النقدية في وجه حماد الخاطري منذ سماعنا بمشروع التأليف. غير أن تلك الانتقادات - رغم مرارتها - لها مردود إيجابي إذ تشكل في النهاية حافزا للباحثين على البحث والتقصي والتحقيق سواء المعارضين منهم أو المؤيدين لما طرحه
حماد من آراء واستنتاجات، ويؤمل من ذلك الجدل المحتدم أن يثري هذا الفرع من العلوم الانسانية أعني علم الأنساب، وكلنا أمل أن تتسع الصدور لما يتم طرحه على بساط البحث، وأن يكون النقد للكتاب ومؤلفه نقدا بناء لا هداما. وقد حفزني مقال الزميل أحمد محمد عبيد لأن أبدي وجهة نظري في عدد من النقاط التي أثارها في مقاله وقد تطرقت فيها الى نقاط معينة علمية ومنهجية مكتفيا بها عن تتبع كل ما أثاره الكاتب من انتقادات على جزئيات كتاب حماد.
علي محمد المطروشي *
هناك مسألة لايعرفها غالبية قراء كتاب أوثق المعايير” وهي أنه مختصر عن كتاب أشمل يتكون من أربعة مجلدات للمؤلف نفسه لم تنشر بعد، وهي - حسب علمي- في سبيلها الى النشر، وقد أودعها نصوصا شعرية وتاريخية غاية في الأهمية بالنسبة للنسابة والمؤرخ وقد تكرم بإطلاعي على الكتاب، وكلنا أمل ألا تشكل زوبعة الانتقادات عامل إحباط للمؤلف تحمله على الاحجام عن نشر الكتاب الموسع.
إن المؤلف لم يطرح في كتابه المختصر (أوثق المعايير) إلا أدلة محدودة بسبب ظروف خارجة عن إرادته لايحيط بها إلا خاصة أصدقائه.
لكن الكتاب - ورغم ما وقع فيه من قصور وهنات - يعتبر عملا إبداعيا يستحق الاشادة والاطراء، فجوانب الابداع فيه متعددة يمكن ايجازها فيما يلي:
1- كونه أول كتاب متخصص في نسب قبائل محلية بعينها، بل من كبرى القبائل في الامارات، وهما قبيلتا بني ياس والمناصير.
2- أنه ضم حشدا من النصوص المهمة التي استطاع الباحث جمعها خلال زياراته الميدانية داخل الامارات وخارجها والتي تنشر للمرة الأولى.
3- سعى المؤلف لاكتشاف العلاقات والروابط بين القبائل المحلية وأصولها البعيدة والتي كانت غامضة ومستغلقة على الباحثين السابقين مما يدل على عبقرية فذة وذكاء متوقد لدى المؤلف من دون مجاملة.
4- للمرة الأولى يتم سرد أسماء العائلات المنضوية تحت فروع قبيلتي بني ياس والمناصير بهذا الزخم (رغم أن هذه الجزئية كانت مجالا للطعن على المؤلف كما سنبين لاحقا). لذا، فإن تحري النقائص والأخطاء في هذا العمل وغض الطرف عن جوانب الابداع فيه ليس من الانصاف في شيء، فالمؤلف مجتهد واستنتاجاته من النصوص تعبر عن رأيه الشخصي، وقد يستقرؤها غيره فيستنتج منها حقائق لم تخطر للأول على بال. وذلك تبعا لاختلاف البنية الثقافية التي لايتطابق فيها اثنان في عالم البشر.
هناك مشكلتان يعاني منهما الباحث في أنساب القبائل المحلية المعاصرة، تقفان حجر عثرة في سبيل الوصول الى الحقائق الشافية من ناحية، كما تعرضان الباحث للانتقاد والنقمة أحيانا، لذا فإنه يتعين علينا توضيحهما ليكون القارئ على وعي بمبررات القصور والأخطاء التي لا يكاد باحث في الأنساب ينجو منها:
المفهوم الأول
لكل قبيلة جد تنسب إليه، فمن كان من ذريته فهو من أبناء القبيلة، ومن لم يكن من ذريته فليس منها، ويعبر النسابون عن نسب الشخص التي تربط بينه وبين جد قبيلته سلسلة متصلة الحلقات بأنه (نسب متصل)، أما إن كان يقف في نسبه عند جد قريب من دون اكتمال حلقات سلسلة النسب، مع الجهل بتلك الحلقات، فيطلق على نسبه مصطلح (نسب منقطع).
إن الغالبية العظمى من قبائل الامارات خاصة، ومنطقة الخليج العربي عامة، هي من النوع الثاني (منقطعة النسب) لأسباب متراكبة وهي:
1- كون جد القبيلة مجهول الاسم الثنائي غالبا
2- غموض الفترة التي عاش خلالها ذلك الجد
3- العجز عن ربط آباء البطون بالجد الأعلى للقبيلة
4- ندرة وجود سلاسل متصلة تربط الأفراد المعاصرين بآباء البطون فضلا عن جد القبيلة الأول.
وتترتب على انقطاع النسب ثلاثة أمور سلبية هي:
أ- تغدو النسبة الى القبيلة ظنية لا قطعية، حيث تعتمد على التواتر والرأي الشائع.
ب- سهولة انضمام الدخلاء الى القبيلة (ستكون محل تفصيل لاحقا).
ج- أيلولة الميراث الى غير أهله في حالات الكلالة والجهل بأبناء العمومة الأبعدين.
وعلى ضوء هذا المفهوم فإن حماد الخاطري - بل وعموم النسابين المعاصرين - لن يكون أمامه إزاء البحث في أنساب القبائل المعاصرة المنقطعة النسب سوى التنقيب عن الاشارات المتفرقة في المصادر المطبوعة والمخطوطة وجمع أقوال الرواة الموثوق بهم والاستدلال بالشعر القديم وإعمال الفكر في الربط بين تلك القرائن لاستنتاج مايغلب على الظن أنه الصواب.
والحقيقة أن حمادا لم يدخر جهدا بل استنفد طاقته طوال سنوات في جمع مادة كتابه والتفاعل الذهني مع موضوع البحث حتى خرج على القراء بزبدة بحوثه الميدانية والاطلاعية والتي ضمت فوائد علمية كثيرة كانت غائبة عن الباحثين بسبب شح المصادر وتشتتها.
المفهوم الثاني:
تعتبر ظاهرة وجود دخلاء في كل قبيلة ظاهرة ضاربة في أعماق التاريخ الانساني، فقد كان الحليف والمولى يعتبران ضمن أفراد القبيلة مع التنبيه دائما الى أنهما ينتميان اليها بالحلف أو بالولاء، لكن انقطاع النسب في العصور الحديثة شكل عاملا مساعدا على بروز تلك الظاهرة بوضوح، فوجدت لدينا أسر وعائلات أصيلة متواترة النسبة، وأسر وعائلات انتسبت الى القبيلة إما عن طريق خؤولة أو مصاهرة أومجاورة أو ولاء عتاقة وتقادم انتساب بعضها بحيث تتابعت الأجيال وتقادمت السنون عليه، وبعد قيام الدولة تم توثيق انتماء تلك الأسر الى القبائل المنتمية إليها في خلاصات القيد وجوازات السفر، مما ساعد على تثبيت نسبتها رسميا، لكن تظل مسألة الطعون القديمة تتوارث لدى أبناء القبيلة الأصليين وذوي المكانة الاجتماعية الرفيعة في القبيلة، وهنا يكون الباحث في وضع لايحسد عليه - مثل زوج الضرتين - فإما أن ينسب الجميع، الأصيل منهم والدخيل، الى القبيلة فيكون محل سخط وانتقاد الفئة الأصيلة! وإما أن ينفي عن القبيلة من غلب على ظنه بأنه مطعون في نسبته وبالتالي سيكون هدفا لسهام هذه الفئة والتي تكون أحيانا ذات نفوذ ومكانة اجتماعية واقتصادية في المجتمع، فأيهما يرضي؟
أدنى الآراء الى الصواب
مع احترامي لزميلي أحمد محمد عبيد وأحقيته في طرح وجهة نظره فإن تشكيكه في صحة استنتاج حماد في نسبة بني ياس الى اياس بن عبدالأعلم الكلبي القضاعي من حيث وجود كثير من الشخصيات البارزة التي تحمل اسم إياس، ومن احتمال وقوع التصحيف والتحريف في اسم ولده (أحمد أم الخمة) ومن حيث إغفال كتب تراجم الصحابة لذكره فإن كل ذلك لا يعتبر سببا لنفي انتماء القبيلة أوبطون معينة منها الى إياس بن عبدالأعلم.
- فإياس نكاد نجزم بأنه معاصر للنبي صلى الله عليه وسلم استدلالا بأن حفيده جبلة كان معاصرا لمن عقد الحلف معه وهو محمد بن عمير بن عطارد التميمي، وكان جد محمد وهو عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي أحد أعضاء وفد بني تميم الذين جاؤوا الى النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن إياسا جد جبلة أيضا معاصر له أو مقارب لزمنه جدا، وإن إغفال ذكره في كتب تراجم الصحابة لا ينفي إسلامه ومعاصرته لعهد النبوة، فقد حج مائة ألف مسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة لكن من حظي منهم بترجمة لحياته في كتب تراجم الصحابة ذكورا وإناثا لم يبلغوا عشرة آلاف شخصية، فمن المحتمل أن إياس بن عبدالأعلم أسلم في ديار قومه ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعد صحابيا، كما أن تسميته لولده باسم (أحمد) رغم ندرته ربما كانت تبركا باسم النبي وأخذا من قول الله تعالى: ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد”.
- أما الخلاف في حقيقة الاسم وما إذا كان (أحمد أو الخمة) فليس هذا بخلاف جوهري في سلسلة النسب، وإن مخطوطات كتب التراث الاسلامي مشحونة بمثل تلك التصحيفات والتحريفات والاستاذ أكثر معرفة مني بعالم المخطوطات.
إن ترجيح حماد نسبة قبيلة بني ياس الى إياس بن عبد الأعلم الكلبي على نسبتها الى سواه ممن سموا بإياس من القبائل الأخرى إنما جاء استنادا على ما تيسر له الحصول عليه من المخطوطة القطرية والدلائل الشعرية المتوارثة التي تعتبر إضاءة - ولو كانت خافتة - في غياهب ظلمات الجهل بتاريخنا المحلي التي خيمت حنادسها حقبا متطاولة على تاريخ هذه البلاد حتى مطالع العصور الحديثة.
وإن نجاح حماد في العثور على تلك الاشارات التاريخية يعتبر في حد ذاته جانبا من جوانب الابداع ويعطي لكتابه قيمة علمية لايستهان بها، فقد تضافر الشعر النبطي القديم والتدوين التاريخي وما ورد عن المرحوم الشيخ زايد في الانتماء الى اياس المذكور ليعزز استنتاج حماد حول صحة نسبة الحلف القبلي الكبير(بني ياس ) الى اياس بن عبد الأعلم الكلبي القضاعي دون سواه، ولايخفى على الأخ أحمد أن لفظة (إياس) تخففت الى (ياس) عبر المراحل التي تحولت فيها المجتمعات العربية من اللغة العربية الفصحى الى العامية وتلك ظاهرة لغوية لا تقتصر على لغة العرب وحدهم.